"حـراقة" في مواجهـة الخـوف والتشـرّد بفرنـسا

خوف وتشرد وجوع وتنقل دائم..تلك هي بعض أوجه الحياة الجديدة لمن عبروا إلى الضفة الأخرى من المتوسط عبر قوارب الموت وهم يحلمون بحياة أوروبية تنسيهم ما كانوا يعتقدون أنه مأساة، الأسباب التي دفعت بالشباب إلى خوض مغامرة الهجرة  غير الشرعية تعد هينة أمام ما يعيشونه اليوم داخل فرنسا من عدم استقرار وصعوبة في العيش.
روبورتاج : مروان /ب
النصر دخلت معاقل « الحراقة» بمدينة ليون ووقفت على واقع يصور على أنه حياة وردية ومستقبل مضمون ، يوميات يلفها الخوف والتوجس ولهث وراء  قوت يوم يكاد لا يؤمن، في ظل ظروف أقل ما يقال عنها أنها مهينة، هو واقع يخفيه البعض ويقر به البعض، لكن غالبية من ركبوا الموت يرفضون العودة حتى لا يتهمون بالفشل، لكنهم يتسببون من حيث لا يدرون في التحاق مجموعات أخرى من الشباب بهم اعتقادا بأن اللاعودة تعني  النجاة.
فبيع السجائر وسلع أخرى تأتي من الجزائر يكاد يكون النشاط الوحيد لمن يلاحقون  أحلاما مزيفة أملا في «زواج أبيض» أو وسيلة أخرى تنهي مأساة الاقامة غير الشرعية وتنقذه من ملاحقات ومبيت في العراء.
من داخل ساحة «ديبو» بليون تنقل النصر صورا حية عن واقع لا يعرف تفاصيله إلا من يسمون ب «الحراقة» وهم شباب ظنوا أن رحلة البحث عن الحياة الأجمل تنتهي بمجرد الوصول  إلى ما يعتقدون أنه بر الأمان ، لكن تمر السنوات و  تسرق منهم حياتهم وقد ينتهي بهم المطاف إما مرحلين أو مطاردين ، لتنتقل الرحلة من قارب الموت إلى سفينة بلا مرفأ.
النصر، التقت ببعض «الحراقة» الجزائريين بمدينة ليون الفرنسية، خلال أواخر شهر نوفمبر الماضي، أين تحدثنا معهم بخصوص يوميات وتفاصيل حياتهم، وأكد جُلهم على المعاناة اليومية التي يعيشونها، وصعوبة الحياة والعمل في أوروبا بصفة عامة، موضحين بأن مداخيلهم اليومية، يتم كسبها من تجارة بيع السجائر والسلع في سوق موازية استحدثوها، ما جعلهم يعيشون في هواجس وكوابيس، مخافة الوقوع بين أيادي عناصر الشرطة، سيما بعد تشديد إجراءات التعامل مع المهاجرين والمقيمين بطريقة غير شرعية فوق التراب الفرنسي، والتي أخذت منحى تصاعديا  في السنوات الأخيرة .
 وإذا كانا هناك بعض قصص النجاح لأشخاص تمكنوا من رسم  مستقبل زاهر بثاني أقوى دولة في أوروبا، ممن ابتسم لهم الحظ، وتمكنوا من الحصول على وثائق الإقامة، لتفتح لهم أبواب فرص العمل والتكوين وممارسة أنشطة بطرق شرعية مكنتهم من الاستقرار وتحاشي المطاردات.

 لكن هذه  الفئة التي عانقت جزءا من أحلامها تعتبر قلة قليلة ، على اعتبار أن الغالبية الساحقة من المهاجرين غير الشرعيين  تعيش أوضاعا مزرية في أوروبا، ولو يعود بها الزمن إلى الوراء، لما فكرت للحظة واحدة في المغامرة بحياتها ومغادرة أرض الوطن، بحثا عن حياة أفضل، لأنهم فهموا بعد فوات الأوان أن ما قاموا به  لا يعدو كما قال الكثيرون أن يكون «رميا بالنفس للمجهول»، رغم أن هناك ممن تحدثنا إليهم ممن  يحاول اظهار العكس، لكي لا يتحول إلى «مادة دسمة» لدى معارفه بالجزائر، ولذلك يصر هؤلاء في كل مرة ، بأن تواجدهم وراء البحار، كان أفضل قرار يتخذونه في حياتهم، حتى وإن لم تخدمهم الظروف بعد، ولم يجدوا الجنة   التي لطالما حلموا بها حينما كانوا في الضفة الجنوبية للمتوسط.
تعددت أسباب الهجرة والألم واحد
وتعددت أسباب الهجرة واختلفت، فهناك من ترك كل ما يملك في الجزائر، وودع عائلته وأقرباءه بحثا عن حياة أفضل، على شاكلة ما يرد في الروايات والأفلام  ، وهناك من حلم بإكمال ما تبقى من عمره إلى جانب زوجة أوروبية جميلة وشقراء، فيما كانت «الحرقة» وسيلة للبعض الآخر من أجل الهروب من واقعهم الأليم بوطنهم الأم، الذي لم يحالفهم فيه الحظ للظفر بفرص عمل، غير أن النتيجة واحدة، وهي الحسرة والألم والمعاناة، بعيدا عن الأهل والأحباب، خاصة وأن الغالبية اصطدمت بظروف المعيشة الصعبة في أوروبا، ما حوّل الحلم إلى كابوس، وهنا نسرد قصصا لشبان جزائريين اختاروا مدينة ليون مقصدا لهم، حيث عادوا بنا إلى الدوافع والأسباب التي جعلتهم يغادرون الجزائر.
  البداية كانت مع خالد، وهو شاب يبلغ من العمر 25 سنة ينحدر من ولاية قسنطينة، إذ أكد بأنه كان يُسير ورشة تختص في نجارة الألمنيوم، وكان يجني الكثير من الأموال، حيث  فاق دخله الأسبوعي في بعض الأحيان، الخمسة ملايين، إلا أنه لم يكن يشعر بحلاوة الحياة كما يقول، وقام بالمستحيل ليكون إلى جانب أصدقائه، ممن سبقوه في عالم الهجرة المظلم، ولو أنه رفض البوح والاعتراف بندمه  على القرار غير المدروس الذي اتخذه  إلا أننا لمسنا لديه نوعا من الحنين والاشتياق لماضيه بالجزائر، فيما أوضح شاب آخر لم يتعد 27 ربيعا وينحدر من إحدى بلديات سطيف، بأنه اختار «الهجرة» كحل أخير، بعد أن «ضاقت به الأرض « حسبه في بلده الأصلي، عقب الفشل في كافة مسابقات التوظيف، التي اجتازها على مدار أكثر من خمس سنوات كاملة، وهنا قال محدثنا، بأنه كان مجبرا على مغادرة الجزائر، بحثا عن مستقبل أفضل، غير أنه فوجئ بل صُدم بأشياء لم يكن يحسب لها ألف حساب، قبيل شد الرحال نحو فرنسا، وتتمثل بالدرجة الأولى في صعوبة تأمين حتى قوت اليوم، خاصة وأن الأمور أخذت منحى آخر في أوروبا، ولم تعد هناك الكثير من الفرص، كما كان الحال قبل سنوات، سيما في ظل كثرة المهاجرين غير الشرعيين، والقادمين من كافة بلدان العالم الثالث، وفي مقدمتهم الدول المغاربية ودول الساحل وباقي أنحاء افريقيا،  ناهيك عن اللاجئين من مناطق النزاع والصراعات على كثرتها، منذ بداية الألفية، التي تربطها علاقات تقليدية وتاريخية بفرنسا.
و لم تستح  مجموعة أخرى التقيناها ولو على قلتها ، من الحديث عن الدوافع والأسباب، التي جعلتها تغامر بأرواحها من خلال ركوب قوارب الموت، في سبيل التواجد بالضفة الأخرى، إذ أوضح من تحدثنا اليهم  بأن غايتهم الأولى كانت البحث عن وسط حياتي جديد، يبدأ بالارتباط مع فتيات أوروبيات جميلات ومتفهمات، حتى ولو أجمعوا بأن الارتباط الأسري بفرنسا لم يعد سهل المنال، في ظل الإجراءات الجديدة المتبعة من طرف الحكومة الفرنسية، التي باتت تبطل كل محاولات الظفر بالوثائق الرسمية عن طريق «الزواج الأبيض».
«بلاص ديبو».. بحث عن لقمة العيش و «ريحة لبلاد»
مدينة ليون أين يسحرك جمال وطبيعة نهري «الرون» و «السين» والمناظر الخلابة للجسور المعلقة، وروعة المعالم والقصور التاريخية، إلى جانب العديد من الأماكن السياحية، على غرار «أوتال دوفيل» و»بيراش» و»بلكور» وحديقة «الرأس الذهبي»، وغيرها من المناطق التي تعج بالمهاجرين غير الشرعيين، وفي مقدمتها «بلاص ديبو» معقل «الحراقة» الجزائريين، الذين منهم من باع محله وأرضه، ومنهم من أخذ حُلي أمه، لكن مصيرهم واحد، تحكيه جنبات تلك المنطقة المتواجدة بوسط مدينة ليون، والتي تعد مقصد غالبية «الحراقة»، وحتى المقيمين الشرعيين، كونهم يجدون فيها ملاذا لهم لنسيان وتناسي آلام «الغربة»، فالذين هاجروا من الجزائر باتجاه ليون، حريصون بشكل يومي على زيارة حي «بلاص ديبو»، سواء للبحث عن لقمة العيش أو من أجل الاستمتاع بـ «رائحة البلاد»، من خلال جلسات الأصدقاء، والتي يعتبرونها مُسكنا لأوجاع مفارقة الأهل والأحبة، ويكفي القيام بجولة قصيرة في شوارع ذلك الحي العتيق، حتى تقف على الغياب التام للغة الفرنسية، التي تستبدل بلهجات جزائرية مختلفة، تؤكد بأن المنطقة التي نتحدث عنها، تعج بشباننا القادم من كافة أرجاء الوطن، وبدرجة أكبر من ولاية سطيف، التي يفضل قاطنوها على مر التاريخ ليون، لاعتبارات عديدة، أبرزها أن «أبناء عين الفوارة» متواجدون بكثرة في ثالث أكبر مدينة في فرنسا، وهو ما قد يمنحهم فرصا أكبر للنجاح، من خلال الحصول على الدعم والمساندة اللازمين، على عكس ما هو الحال عند اختيار مدن أخرى للإقامة.

وتُصنف الحكومة الفرنسية «بلاص ديبو» من أخطر الأحياء في ليون، وأحد أبرز بؤر الإجرام، بالنظر إلى النشاطات غير القانونية، التي تشهدها بشكل يومي، من بيع الممنوعات وانتشار السوق السوداء، وغيرها من الظواهر السلبية، التي تسببت في نفور الفرنسيين من الإقامة بهذا الشارع، الذي ورغم كل شيء، لا يزال مكانا استراتيجيا في هذه المدينة الخلابة، لموقعه الجغرافي، فهو يتوفر على وسائل النقل من «ميترو» وقطارات سريعة وحافلات، تمكن المسافرين من الذهاب إلى أي مكان في ليون أو حتى خارجها إلى مدن أخرى في فرنسا، إضافة لتوفر محيطه على مطاعم ومقاهي وفنادق بأثمان معقولة، تعود ملكيتها في الغالب لمغتربين جزائريين.
   السجائر و»الشمة» الجزائرية للإفلات من الجوع  
نزلت النصر، إلى «بلاص ديبو» معقل الحراقة الجزائريين، ولامست واقعا أليما على وقع ندم عدد من الشباب، الذين تفاجؤوا أن الجنة الموعودة في الضفة الأخرى من المتوسط، لا تعني إلا المبيت فوق «الكرتون»، وحالهم كحال المتشردين، ولو أن الغوص في يومياتهم بشكل مفصل زادنا حسرة وحزنا على شبابنا الجزائري بالمهجر، في ظل العراقيل التي تصادفهم في سبيل توفير قوت يومهم، إلى درجة جعلت البعض منهم يتخذ من مقولة «كل شيء مباح « شعارا له في هذه الحياة الجديدة، بهدف ربح جزء ولو بسيط من الأموال، التي تمكنه من مقاومة الجوع، الذي لم يكن يعرف عنه أي شيء ببلده الأصلي، وكذا لتوفير ثمن تسديد حقوق الإيجار، رفقة بعض الأصدقاء، ممن اختارهم ليكونوا بجانبه في هذه المغامرة، التي لا تعرف خطوط بدايتها من نهايتها، واستوقفتنا خلال تلك الجولة المليئة بالمفاجآت العديد من الأشياء الغريبة، وفي مقدمتها أن عملية بيع السجائر و»الشمة» هي مصدر رزق «الحراقة» الوحيد، وعلق أحدهم قائلا في هذا الشأن:»الله غالب هذا هو الحال باه ناكلو»، موضحا أن جُل الشباب المتواجد بالغربة، يعيش في ظروف صعبة جدا، ولذلك فإن السجائر والشمة هي مصدر دخلهم الوحيد، فخراطيش التبغ، القادمة من الجزائر، يعاد بيعها ب «الأورو»، كي يجني المهاجرون مصروف اليوم، أمام غلاء المعيشة وانعدام فرص العمل في فرنسا.
وكشف البعض ممن يمارسون تجارة السجائر و»الشمة» لكسب مصاريف يومهم، أن سعر «الخرطوشة» الواحدة من «مارلبورو الجزائر» يقدر ب 50 أورو، ويمكن أن يصل إلى 60 أورو أحيانا، وهو سعر يفوق 10 آلاف دينار جزائري، باحتساب سعر صرف السوق السوداء، ولو أن العمل في هذا المجال حسبهم ليس متاحا أمام الجميع، في ظل استحالة توفير خراطيش السجائر بشكل يومي، وهو ما يضطر البعض منهم للمخاطرة، من خلال التنقل إلى مطار «سانت إكسيبيري»، على أمل إقناع القادمين من الجزائر، ببيعهم السجائر التي يحملونها بأسعار في حدود 35 إلى 40 أورو  ذلك أن الكثير من الجزائريين يستغلون «حقهم» في نقل كمية من السجائر لإعادة بيعها في فرنسا والاستفادة من الفارق في السعر .
ويبحث المهاجرون من خلال تأكيداتهم للنصر، عن أي وسيلة تدر عليهم المال، خاصة أولئك «الحراقة» الذين يقيمون بطريقة غير شرعية على التراب الفرنسي، فيحرصون على الابتعاد عن أماكن تواجد عناصر الشرطة، لممارسة التجارة الموازية، التي لا تعتمد فقط على التبغ، بل تتعداها إلى بيع الألبسة والأحذية على قارعة الطريق، في مشهد يشعرك بأنك في سوق حي دقسي عبد السلام بقسنطينة ، فالكل يحمل بين يديه وعلى أكتافه ماركات تجارية، ويحاول إقناع المارة بشرائها، مع الحرص على مراقبة المكان، خوفا من قدوم عناصر الشرطة، التي ستصادر كل ما يحمله الباعة، وتفحص وثائقهم الثبوتية، بحثا عن حراقة يكون مصيرهم حتما الطرد إلى بلدانهم الأصلية.
جنة الأحلام تتحول إلى كابوس !

وفي ردهم عن سؤالنا بخصوص ظروف المعيشة في مدينة ليون، وهل الحياة فيها «جنة» كما يقال، أم أن ما خفي هو واقع مرير يتخبط فيه أفراد جاليتنا، الذين هم في تزايد مستمر، كان الإجماع سواء من طرف الحراقة أو حتى المقيمين الشرعيين، بأن فرنسا لم تصبح كما كانت سابقا، فتوفير القوت اليومي بات أمرا صعبا للغاية، خاصة بالنسبة للذين لا يملكون وثائق الإقامة، مؤكدين أن الأوروبيين أنفسهم (القادمون من شرق القارة العجوز المجر وبلغاريا وكرواتيا)، يتوسلون السياح الأجانب الصدقة، وأن ثمة أزمة خانقة تعصر بالمواطن الأوروبي، ليضيف محدثونا من مختلف الشرائح، أن العرب عموما والجزائريين خصوصا حالهم ومآلهم مؤسف عبر مختلف مدن فرنسا، فلا يوجد عمل بالضمان ولا مبيت آمن ومطمئن، وفوق كل هذه «حرقة الغربة» تغلي في نفوسهم، ولم يبق لهم أنيس، إلا مواقع التواصل الاجتماعي للحديث مع عائلاتهم وذويهم بالجزائر، بعد أن اصطدموا بالواقع المرير الذي يتخبطون فيه يوميا، إذ كانوا يرون أوروبا جنة فوق الأرض قبل الالتحاق بها، ليقتنعوا فيما بعد باستحالة المواصلة بذات الهواجس، التي قد تصيبهم بشتى الأمراض المزمنة، من ارتفاع الضغط الدموي وأمراض السكري، ولو أن هناك من نجوا بأنفسهم خلال هذه المغامرة، إذ نجحوا في معانقة البعض من أمانيهم وأحلامهم، خاصة أولئك الذين وجدوا أقاربهم بجانبهم، خلال أولى خطواتهم بالمهجر، حيث تمكنوا سريعا من تسوية وضعيتهم القانونية، ما فتح أمامهم الأبواب للظفر بعقود عمل، ساهمت في تحسين أوضاعهم المادية، ليفيدوا أنفسهم وذويهم بالجزائر، من خلال استثمار جزء من أموالهم في مشاعر مربحة، على أمل الاستفادة منها في يوم من الأيام، خاصة وأن الغالبية من المهاجرين،  يرون  بأنهم سيعودون إلى الجزائر في يوم من الأيام، حتى ولو طال بهم الزمان، على اعتبار أن لا شيء يضاهي حلاوة التواجد بالقرب من الأهل والأحباب.
الزواج الأبيض.. طوق نجاة ولكن...
ولئن كان المهاجرون الجزائريون، يسعون لتسوية وضعياتهم القانونية سريعا، من أجل الاندماج في المجتمع الفرنسي، وتعزيز فرص الظفر بعقود العمل والتشغيل، إلا أن هناك سُبلا قليلة للوصول إلى هذا المبتغى والحلم، وفي مقدمتها «الزواج الأبيض»، أو بمعنى آخر الارتباط بفتاة أوروبية أو مقيمة شرعية بالتراب الفرنسي، لغرض الاستفادة من الوثائق القانونية، ولو أن هذا الحل غير مضمون مئة بالمئة، خاصة عند فشل المعني أو «الحراق» في إقناع الحكومة الفرنسية بصحة الزواج، إذ سرد لنا البعض ممن التقيناهم في مدينة ليون، قصصا حقيقية عن أشخاص يعرفونهم أنفقوا أموالا معتبرة على «الزواج الأبيض»، ولكن دون النجاح في الحصول على وثائق الإقامة في آخر المطاف، على اعتبار أن طلباتهم قوبلت بالرفض، من طرف السلطات الفرنسية، في ظل الشكوك التي انتابت المسؤولين عن استخراج مثل هذه الوثائق الإدارية، ويعتبر الزواج في أوروبا الحل الوحيد والأسرع، من أجل الحصول على وثائق الإقامة بالنسبة للحراقة الجزائريين، والابتعاد عن وضع المهاجر غير الشرعي، الذي قد يكون مشكلا كبيرا بالنسبة لهم من حيث العمل أو السكن أو التعليم أو أي تحرك أو نشاط آخر لهم، ولكن المفاجأة في كل هذا، تتمثل في وجود العديد من الفتيات الجزائريات المقيمات في ليون وما جاورها من مدن، لديهن جنسيات دول أوروبية، أصبحن يتاجرن بالزواج  من العرب، مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 10 و15 ألف أورو، وأكد محدثونا، أن هناك من كون شبكات في هذا المجال، ويجني ذهبا من هذه التجارة، التي تمقتها الأعراف قبل النصوص السماوية.

العودة إلى الجزائر «عار»  !
وأمام كل تلك المصاعب والعراقيل وقلة فرص النجاح، إلا أن شبابنا بالمهجر، يرفض الخوض في فكرة العودة إلى أرض الوطن، حتى ولو على سبيل المزاح مع الأصدقاء، على أمل أن تنفرج الأحوال في يوم من الأيام، ويرتقي إلى خانة من حالفهم الحظ، وتمكنوا من تحويلهم ماضيهم الفاشل إلى مستقبل مُشرق، وتعتبر العودة إلى الجزائر، بعد مغامرة الهجرة غير الشرعية بمثابة كابوس مرعب للشباب «الحراق»، ولذلك لا يجرؤون على اتخاذ قرار العودة إلى بلدهم، قبل الحصول على شهادة الإقامة أو العمل أو بمعنى أصح جمع المال الكثير، من أجل تحقيق مستقبل زاهر، إذ يعتبرون ذلك القرار فشلا وعارا، بسبب النظرة الدونية من طرف المجتمع، وهذا ما لمسناه في حديث الغالبية، الذين أجمعوا، بأن البقاء في أوروبا، حتى ولو لم يجدوا ما حلموا به أفضل بكثير من العودة إلى الجزائر، والعيش مع النظرة الدونية للعائلة والمجتمع، الذين قد لا يرحمونهم على حسب اعتقادهم، كونهم رموا بأنفسهم لما يسمى ب «التهكلة»، ولم يجنوا من ذلك سوى الفشل الذريع، في وقت هناك أمثلة كثيرة حدث معها العكس، خلال تجربتها بأوروبا، إذ سطرت حياة جديدة مليئة بالنجاحات، ما زاد من استحالة الاقتناع بفكرة العودة إلى أرض الوطن، لأولئك الذين لم يسووا وضعياتهم القانونية بعد ، وقد يقعون في أيدي الشرطة في أي لحظة، ما قد يزيد من متاعبهم، ويدخلهم في متاهات أكبر.                                                   
م/ب

الرجوع إلى الأعلى