قطـب جـهـوي يحقّـق الصـدارة في عـلاج السـرطـانـات

تحولت المؤسسة الاستشفائية الجامعية بديدوش مراد بولاية قسنطينة، إلى قطب جهوي صحي بامتياز، ينافس المستشفى الجامعي و يخفف الضغط عنه، لما يقدمه من خدمات نوعية للوافدين من الولايات المجاورة، حيث أضحت مصلحة الأورام السرطانية من بين المراكز النموذجية وطنيا، والأولى على مستوى الشرق في التكفل بالمرضى سواء على مستوى العلاج أو المتابعة، وهو ما جعل وزارة الصحة تؤهلها لأن تكون مركزا للعلاج المناعي للسرطان، الذي ستنطلق فيه الجزائر ابتداء من العام المقبل.
روبورتاج: لقمان قوادري
مستشفى ديدوش مراد الذي دشن من طرف الوزير الأول الأسبق في العام 2016، عقب خضوعه إلى عملية إعادة تأهيل كاملة بعدما كان تابعا للقطاع العسكري، تمكن من كسر الصورة النمطية السلبية التي رسمت في الأذهان عن المؤسسات الصحية العمومية، حيث أضحى مقصدا أول لمرضى البلديات الشمالية للولاية وحتى بعض الولايات المجاورة، لما يتوفر عليه من خدمات وكفاءات طبية عالية المستوى، لكن الجهود المبذولة من طرف الجميع، بحسب مدير المؤسسة السيد بن مهيدي عبد الكريم، غير معروفة لدى الكثيرين رغم ارتقاء المستشفى إلى مصاف الأقطاب الصحية المتميزة، فهو يتوفر على أخصائيين في مختلف التخصصات، فضلا عن هندسة بنائه العصرية التي تراعي المعايير الصحية العالمية، بحسب ما أكده الأطباء العاملون بالمؤسسة.
اهتمام بالغ بالنظافة والمساحات الخضراء
وقد تعمدنا عدم تحديد موعد مسبق مع إدارة المستشفى الذي يجمع بين شقي التكوين الجامعي وتقديم خدمات صحية عمومية، و ذلك للوقوف على حقيقة الوضع عبر مختلف المصالح، إذ اتصلنا بالمدير قبل ساعة فقط من وصولنا إليه، و كان أول ما لفت انتباهنا الموقع الجغرافي المتميز للمؤسسة الاستشفائية التي أنجزت على هضبة بجانب الطريق الوطني فضلا عن الهدوء  الكبير الذي يطبع المكان، فلا ازدحام مروري بالمدخل ولا مناوشات تسجل بين أعوان الأمن و المواطنين الراغبين في الدخول، فيما وقفنا على وضعية نظافة جيدة بمحيطه، وكذا على الاعتناء بالمساحات الخضراء، و ذكر المدير أنه لم يتم إبرام صفقات مع مؤسسات خاصة للاعتناء بهذه المساحات، بل تم الاعتماد على إمكانيات ذاتية من الموارد البشرية المتوفرة حتى في مجال النظافة الخارجية وكذا الداخلية.
113 طبيبا مقيما و مرضى من مختلف الولايات
وتضم المؤسسة، التي تتميز جل مصالحها بهدوء شديد وتوفر كل الظروف المريحة للمرضى، على 240 سريرا موزعة على 7 مصالح طبية، وهي طب الأطفال و الأورام السرطانية و الطب الداخلي و مصلحة النساء و التوليد، إضافة إلى الاستعجالات و قسم الجراحة العامة، فضلا عن الطب الشرعي، كما يبرز بن مهيدي أن المستشفى يكتسي أهمية كبيرة، بالنسبة للجهة الشمالية للولاية التي تعرف نموا ديموغرافيا متسارعا، على غرار ما هو مسجل ببلديات ديدوش مراد وزيغود يوسف وحامة بوزيان، حيث ساهم بشكل كبير في تخفيف الضغط عن باقي المصحات العمومية، من خلال التكفل بالمرضى القادمين من الولايات المجاورة كميلة وسكيكدة، علما أن المؤسسة تتوفر على 113 طبيبا مقيما في مختلف التخصصات.
أزيد من 42 ألف فحص بالاستعجالات الطبية
وبلغة الأرقام، يؤكد المسؤول الذي استقبلنا رفقة رئيسة مصلحة الأورام السرطانية البروفيسور بن سالم آسيا، أن مصلحة الاستعجالات الطبية أجرت أزيد من 42 ألف فحص خلال 11 شهرا الأولى من العام الجاري، كما أجرى 479 مريضا عمليات جراحية مختلفة، أما قسم طب الأطفال، فقد استقبل أزيد من ثلاثة آلاف مريض، فيما حطمت مصلحة الأورام السرطانية الرقم القياسي على مستوى مراكز العلاج بالشرق الجزائري وتفوقت حتى على المستشفى الجامعي، بإجرائها لقرابة 11 ألف فحص للمرضى وتقديمها لـ 12 ألف جرعة علاج، كما استقبلت ما يقارب 8 آلاف مريض تلقوا العلاج.
وتعتبر مصلحة الأورام السرطانية المصنفة الأولى على مستوى الشرق الجزائري في العلاج، والتي تشرف عليها البروفيسور بن سالم، من أهم المصالح التي يتوفر عليها المستشفى، حيث أكد السيد بن مهيدي، أنه وعلى الرغم من المجهودات الجبارة والخدمات المقدمة بها، إلا أنها لم تنل حقها الإعلامي، فإحصائيا تعد الأكبر من حيث عدد الفحوصات، وتتولى متابعة أكثر من 2200 مريض، حيث تم خلال هذا العام استقبال 755 حالة جديدة قدمت من مختلف ولايات الشرق، علما أن تكلفة العلاج تقدر ما بين 300 مليون سنتيم، و مليار و 200 مليون سنتيم للمريض الواحد.

وذكرت البروفيسور بن سالم التي تمتلك خبرة ميدانية تزيد عن 25 عاما، و تشغل أيضا منصب مديرة النشاطات الطبية وشبه الطبية، أن الدولة تتكفل بمنح الأدوية لفائدة المرضى، وهو ما يكلف أموالا ضخمة، مضيفة أن المصلحة أصبحت مركزا نموذجيا في علاج الأمراض السرطانية، إذ أن الوزارة الوصية اختارته بسبب نشاطاته الميدانية وعدد تدخلاته التي تجاوزت تلك التي يقوم بها المستشفى الجامعي، في حين أن العديد من المراكز تقوم بإرسال ملفات المرضى من كل ولايات الشرق ليتم البت في الحالات على مستوى ديدوش مراد، سواء فيما يتعلق بنوع الدواء أو طريقة العلاج.
كما أشارت الأخصائية إلى أن العلاج المناعي للسرطان، والذي ستتبناه الجزائر ابتداء من العام المقبل، سيكون على مستوى مستشفى ديدوش مراد، فيما ذكر مديره أن الوزارة ونظرا للنتائج المحققة في هذا المجال، اختارت البروفيسور بن سالم كمنسقة للشرق، فهي من تحدد نوع الأدوية اللازمة في العلاج، كما لها اجتماعات دورية مباشرة مع وزير الصحة.
ولدى ولوجنا إلى المصلحة، وقفنا على نظافة و نظام محكم سواء بالغرف أو قاعة العلاج، التي تتوفر على أجهزة حديثة فضلا عن أسرة طبية باهضة الثمن، تم اقتناؤها قبل أشهر قليلة بسعر يفوق 80 مليون سنتيم لكل منها، كما لاحظنا أن المرضى ومن مختلف الأعمار، كانوا داخل غرف الانتظار، حيث أكدت رئيسة المصلحة أن جميعهم يتلقون العلاج وفقا لرزنامة محددة ومواعيد مضبوطة، وهو ما ساهم في تحقيق نتائج جد ممتازة ساهمت في التحكم في هذا داء السرطان لدى الكثيرين، لكنها ترى أنه لابد من زيادة عدد الأخصائيين، باعتبار أنها تتوفر على سبعة فقط.
تخصصات نادرة في أمراض كلى الأطفال والقدم السكرية
وتتميز مصلحة طب الأطفال بوجود أخصائية في علاج أمراض الكلى للأطفال، وهو تخصص دقيق جدا ونادر على مستوى الشرق، كما أكد المدير أنه تم اقتناء الأسرة الطبية الخاصة بهذه الفئة، ومختلف التجهيزات الضرورية، التي لم تكن متوفرة من قبل.
أما مصلحة الطب الداخلي، فيترأسها بروفسيور ذو خبرة ميدانية كبيرة تفوق 40 سنة في القدم السكرية والفحص بالجهاز الخاص بأمراض الجهاز الهضمي، حيث يتولى بنفسه علاج القدم السكرية، ويشرف أيضا على تحضير المواد الصيدلانية التي تستخدم في العملية و هو ما يتطلب بحسب المدير، أموالا ضخمة، كما تم جلب أخصائيين في أمراض الغدد والجهاز الهضمي، فضلا عن الأعصاب، إلى جانب تخصيص وحدات علاجية لهم داخل المصلحة.
وأضاف بن مهيدي، أنه تم فتح مصلحة للطب الشرعي، وهي الثالثة من نوعها على المستوى الولائي، كما تم إنشاء وحدة للدم وأخرى للتأهيل الوظيفي، التي يشرف عليها 6 أخصائيين، فيما أنهيت الاختلالات المسجلة على مستوى قسم  الجراحة و غرف العمليات، حيث تم توزيع المهام باتفاق بين جميع الجراحين وأصبحت كل التدخلات تجرى بالمؤسسة، بحسب المدير.
بمصلحة أمراض النساء و التوليد، وقفنا على توفر جميع العتاد والتجهيزات اللازمة، لكن المشكلة تتمثل في عدم توفر الأخصائيين، حيث ذكر المسؤول أن القسم يعمل بأخصائيتين تم تحويلهما الصيف الماضي إلى العيادة المتخصصة بسيدي مبروك، وسيتم استرجاعهما خلال الأيام المقبلة بعد انقضاء فترة  الضغط، غير أن القابلات وبمساعدة الأطباء مثلما أكد، يقومون بالتكفل بحالات الولادة العادية. وفي المطبخ المركزي وقفنا على وضعية نظافة جيدة، ناهيك عن نوعية الوجبات المقدمة، حيث كان جميع العاملين به مرتدين مآزر وأغطية على الرأس، كما كانت الأغذية واللحوم مخزنة في ظروف صحية داخل الثلاجات، و أفاد مدير المستشفى أنه ولكي تتعرف على وضعية  أي مستشفى في العالم فضلا عن مستوى نظافته، لابد أن تمر على الاستعجالات والمغسلة والمطبخ، مشيرا إلى وجود طبيبين أخصائيين في التغذية، وهو تخصص نادر جدا، إذ يشرفان على الوجبات ولا يقدم أي غذاء للمرضى، دون الموافقة عليه من طرفهما.
فتح مصلحتين للإنعاش والتشريح

وقد طرحنا على السيد بن مهيدي مشكلة انعدام السكانير، الذي يعتبر جهازا ضروريا لتشخيص الحالات المرضية، فأكد أنه من المنتظر أن يستفيد المستشفى منه في الأيام القادمة، كما ذكرت البروفسيور بن سالم، أن الوزارة الوصية تفكر في تزويد المرفق بجهاز الفحص بالرنين المغناطيسي. وقال المدير إنه سيتم أيضا اقتناء جهاز «ماموغراف» لتشخيص مرض سرطان الثدي، كما سيتم إنشاء وحدة مختصة في الإنعاش في جانفي  2019، حيث تم تحديد الموقع و استقدام مختصين بمساعدة البروفيسور بن سالم، داعيا جميع الجهات الفاعلة إلى مد يد المساعدة لتجسيدها ميدانيا، لاسيما وأن انعدام هذه المصلحة يتسبب في توجيه المرضى إلى المستشفى الجامعي، مشيرا إلى أنه سيتم توفير 5 أسرة،  4  منها خاصة بالكبار و أحدها  بالأطفال، كما أضاف أنه سيتم فتح وحدة للتشريح المرضي في أقرب الآجال، فقد تم، بحسبه، تحديد المكان و هو إجراء قال إنه سينهي معاناة  المرضى الذين يضطرون إلى التوجه نحو الخواص.
نقص في التمويل والتأطير الإدراي
وعن النقائص المسجلة، تطرح الإدارة مشكلة التمويل المادي و ضرورة  تخصيص الاعتمادات المادية اللازمة لتطوير الأداء، ضمن الميزانية السنوية، حيث أكدت البروفسيور بن سالم أن تكلفة أدوية السرطان فقط تقدر بعشرات الملايير، كما قال المدير إن المؤسسة تعرف نقصا كبيرا في التأطير  الإداري، لاسيما وأنها ذات طابع اقتصادي وتتطلب هكذا موارد بشرية، لكن تم، بحسبه، تنصيب إطارات للتسيير بشكل مؤقت وفقا لشهادات داخلية، أما فيما يخص الطواقم الطبية، فقد أكد على ضرورة زيادة عدد الأطباء الأخصائيين. وذكر المتحدث، أن الوزارة أنشأت مؤسستين فقط من هذا النوع  على المستوى الوطني، و التي تجمع بين الطابع الجامعي، و الخدمات الصحية العمومية، حيث  تم اعتماد هذين النموذجين ومن ثم تقييم تجربتهما، فيما لم يتم وضع ميزانية خاصة بهما، حيث أن مدير الصحة الولائي يقوم بمنحها اعتمادات مالية من الميزانية العامة للمؤسسات الصحية، كما يجب، يضيف بن مهيدي، وضع نظام وقانون خاص للمستشفى.                             
ل.ق

الرجوع إلى الأعلى