رفــاه "كـوراديـا" يـنــسي المسـافــريـن طــول رحـلـة عـنــابـة تبـســة

خـط من عنــابة نحو العــاصمة عبر قسنطيــنة
إذا كنت مسافرا و تبحث عن الرفاهية و متعة الطبيعة و تحول التضاريس من محطة لأخرى و من ولاية إلى ولاية، في رحلة تريد قضاءها خلال يوم واحد كمسافر سائح، ما عليك إلا استخدام القطار السريع الجديد « كوراديا» بين عنابة و تبسة.النصر كانت من بين مسافري أول رحلة انطلقت يوم الأحد لقطار «كوراديا» عبر هذا الخط، ونقلت لكم كامل تفاصيل الحدث، أين ستتعرفون في هذا الروبورتاج على مميزات الرحلة و العوائق التي واجهتنا.
ربــورتــاج : حسيــن دريــدح

البداية كانت في حدود الساعة الخامسة صباحا لدى نزولنا بمحطة القطارات بعنابة، أين لمسنا تحضير شركة السكك الحديدية لحدث هام، بداية بوقوف الأعوان بالزي الرسمي بالشبابيك و بهو المحطة، و ما هي إلا دقائق حتى تفاجأنا بوفد من مسؤولي وإطارات الشركة، على رأسهم نائب المدير العام المكلف بنقل المسافرين سمير قعموري، أمام القطار استعدادا للركوب، بهدف الإشراف عن الرحلة و تسجيل جميع الملاحظات.
لدى صعودنا وجدنا القطار شبه خال من المسافرين، باستثناء شخص رفقة زوجته، في أول تجربة يجهل المسافرون تفاصيل هذا الخط الجديد، بعد وضع الوزير عبد الغاني زعلان بصفة رسمية « قطار كورايا» حيز الخدمة يوم السبت.
رفاهية الكوراديا تضاهي ركوب الطائرات
أول ما لاحظناه عند انطلاق القطار في حدود الساعة الخامسة و الربع صباحا، هو وجود التدفئة و الفارق الكبير في درجة الحرارة التي كانت منخفضة بشكل كبير في الخارج و بفضل نظام التدفئة المركزي الموجود في القطار، لم نشعر بالبرد إطلاقا، إلى جانب وجود المكيف المركزي الذي يُستخدم عند ارتفاع درجة الحرارة، خاصة و أن هذا القطار مصمم خصيصا للجزائر لتنوع المناخ و التضاريس.

الصعود كان من جناح الدرجة الثانية، أين قدم لنا المدير الجهوي للسكك الحديدية بعنابة عبد الرزاق بن بلقاسم، بعض الشروحات حول المزايا التي يوفرها هذا الجناح، منها زاوية مخصصة لذوي لاحتياجات الخاصة مجهزة بأربع كراسي، رفقة مرافقيهم و كذا مكان لوضع الكراسي المتحركة و بمحاذاتها مرحاض واسع مخصص لهذه الفئة، يتوفر على كامل شروط النظافة و بتقنيات عصرية، يمكن استخدم المياه بحركة اليد فقط و غيرها من التقنيات الحديثة.
و يحتوي جناح الدرجة الثانية على كراسي إضافية بين العربات في حالة وجود اكتظاظ و هناك مكان مخصص لرمي الفضلات مقسمة إلى قسمين، منها المخصصة للمواد القابلة للاسترجاع كالبلاستيك، أيضا تُفتح الأبواب بين العربات بشكل أوتوماتيكي، من خلال الضغط على زر الفتح، أماكن جلوس الركاب عبارة عن أرائك توفر الراحة، فوقها سياج لوضع الأمتعة، حيث يحق للمسافر حمل حقيبة واحدة فقط و من أهم مميزات القطار أيضا، وجود أعوان للنظافة يعملون على تنظيف العربات دون توقف.
جناح الدرجة الأولى الأكثر راحة
يوفر جناح الدرجة الأولى 60 مقعدا حدّدت تسعيرة ركوبها بـ 895 دج، و المقاعد عبارة عن أرائك مريحة جدا تحتوي على مصباح إضاءة في أعلى المقعد، حتى يتسنى للمسافر استخدامها للمطالعة، كما يوجد أسفل المقعد مكان مخصّص للشحن الكهربائي و بجانب الكراسي المتقابلة رف خاص بوضع الجرائد و الكتب، كما توجد وضعيات مختلفة للكراسي، منها المتقابلة و أخرى دائرية في وضعية طاولة الطعام، كما توجد نوافذ أمام الفتحات الزجاجية، يستطيع الراكب التحكم فيها بحركة اليد صعودا و نزولا، لحجب أشعة الشمس أو الضوء حسب الحاجة، بالإضافة إلى ذلك، توجد أيضا خدمة لتقديم المشروبات و القهوة و مختلف أنواع المرطبات، كما تقدم خدمة الدرجة الأولى هدايا مجانية للأطفال.       
مضيفون داخل القطار بنفس خدمات الخطوط الجوية
يوفر قطار «كوراديا» خدمة المضيفين، بحيث كان في رحلة عنابة تبسة شباب و فتاة بلباس أنيق و مميز، يوزعان الابتسامات يمينا و شمالا، مهمتهما تقديم وجبة الفطور لركاب القطار مجانا، إلى جانب استقبال الركاب عند الصعود و النزول و أيضا التبليغ عبر مكبر الصوت عن محطات التوقف و الوجهات المقبلة و خلال الرحلة، فاجأت المضيفة عبر مكبر الصوت الجميع بالقول «هناك بلاغ خاص جدا» كان فحواه تقديم تهنئة لأحد إطارات الشركة، بمناسبة عيد ميلاده و هو متواجد في نفس الرحلة.  
خط السكة الحديدية لا يتلاءم مع سرعة القطار
تميزت الرحلة منذ انطلاقها من محطة عنابة صباحا، ببطء إلى غاية محطة سوق أهراس، حيث تراوحت السرعة ما بين 20 و 50 كلم في الساعة، رغم أن سرعة القطار تتجاوز 160 كلم في الساعة و أرجع مسؤولو الرحلة السبب إلى وضعية السكة الحديدية التي لا تتلاءم مع قوة القطار و كذا التوقف بعدة نقاط، ما يقلل من السرعة و يتميز مسار خط السكة بين سوق أهراس و عنابة، بصعوبة كبيرة لمروره على منعرجات خطيرة و مواقع غابية ما بين المنحدرات و كذا أنفاق، ما يحتم على السائق التقليل من السرعة و بمجرد الدخول بمسار مداوروش حتى ترتفع سرعة القطار لتصل إلى قرابة 100 كلم في الساعة و كانت تنخفض في بعض المقاطع إلى غاية الوصول إلى المحطة الأخيرة بوسط مدينة تبسة، حيث استغرقت الرحلة ذهابا 7 ساعات كاملة بسبب المسار الصعب و وضعية السكة و نفس التوقيت المستغرق تقريبا في طريق العودة، غير أن الجميل في الرحلة بالنسبة لغير المرتبطين بالوقت هو اكتشاف المناظر الطبيعية و تغيرها من منطقة لأخرى و أنت جالس في مكان مريح جدا لديك جميع المتطلبات، كالمطالعة، شحن بطارية الهاتف، الأكل و غيرها.        
الساتل لمراقبة القطار
و مع بداية الرحلة، التحقت النصر بغرفة قيادة القطار، أين وجدنا الميكانيكي و هي الصفة التي يحملها السائق الرئيسي للقطار، لأنه يستطيع القيام بعمل الميكانيكي في حال تعطل القطار، كانت الرحلة بقيادة بوعشة سالم، وجدناه يعطي التعليمات لمساعده في إطار عملية التكوين التي كلفتهم بها المديرية العامة للسكك الحديدية، لتدريب سائقين شبان على هذا القطار، بعد تلقي بوعشة تكوينا لمدة أسبوع في فرنسا حول تقنيات قيادة قطار «كوراديا»، رفقة إطارات و أعوان آخرين في مختلف التخصصات. و قال بوعشة، بأن هذا القطار يتمتع بآخر التقنيات في هذا المجال، حيث يحتوي على كاميرات مراقبة في جميع أجزاء و زوايا القطار، مربوطة بشاشة رئيسية على مستوى القيادة، يمكن للسائق أن يشاهد ما يجري من حوله في الخارج، كما تحتوي غرفة القيادة على مختلف لوحات التحكم في الإضاءة المكيفات، مخاطبة الركاب و أشار الميكانيكي، أيضا إلى أن القطار مرتبط بالساتل عبر القمر الصناعي، بحيث تستطيع الشركة المصنعة « آلستوم» معرفة مكان تواجده و إلقاء بيانات تقنية عن وضعيته الحالية.       
مسؤولون بالمديرية العامة على متن أول رحلة

كان حضور مسؤولو المديرية العامة للشركة الوطنية للسكك الحديدية و كذا إطارات المديرية الجهوية بعنابة مكثفا، من أجل الوقوف على كل صغيرة و كبيرة في الرحلة، حيث كان أغلبهم يحملون أوراقا لتدوين الملاحظات و إرسال التقارير مباشرة إلى المديرية العامة، في انتظار رفع تقرير مفصل بعد انتهاء الرحلة، خاصة و أن الرحلة استغرقت وقتا طويلا عكس التوقعات.  
سكان و أطفال يخرجون للترحيب بالقطار و أخذ صور
التقينا لدى توقفنا بمحطات بشقوف، واد الكبريت مداوروش وسوق أهراس، بمواطنين عبروا عن فرحتهم بالقطار الجديد، كما سمح مسؤولو الشركة بصعود المواطنين و الأطفال لأخذ صور في القطار و اكتشافه من الداخل، كما اعتبر مواطنون في حديث للنصر هذا القطار، بالمكسب لمنطقتهم، من أجل استخدام هذه الوسيلة العصرية في التنقل إلى المدن الكبرى لقضاء حوائجهم.
مشكل الوقت يستنفر إطارات الشركة
في طريق عودة القطار إلى عنابة، اجتمع مسؤولو الشركة الذين رافقوا أول رحلة عبر قطار «كوراديا»، مشكل طول الوقت المستغرق و الذي بلغ 14 ساعة ذهابا و إيابا، في حين كانت التوقعات تشير إلى 8 ساعات فقط ذهابا و إيابا، حيث دار حديث مباشر بين المدير المركزي لنقل المسافرين على مستوى المديرية العامة للسكك الحديدية و المدير المركزي لشبكة خطوط القطار، و تم طرح إمكانية خفض التوقيت المستغرق في أول رحلة، و قد أكد مسؤول شبكة السكك الحديدية، إمكانية تجسيد ذلك من ثاني رحلة، بتقلص التأخر إلى 30 دقيقة عن طريق إلغاء عدة نقاط توقف غير مبرمجة عبر مسار الرحلة و التي تتسبب في خفض سرعة القطار، بالإضافة إلى تعديلات و إصلاحات أخرى على طول شبكة الخط، يتم القيام بها خلال أيام، ما يمكن من الوصول إلى 5 ساعات في الذهاب و نفسها في الإياب، في انتظار الانطلاق في انجاز ازدواجية الخط المنجمي بين عنابة و جبل العنق بداية من شهر جانفي، هذا الخط الجديد حسب مسؤول الشبكة، سيسمح باستخدامه من قبل قطار « كوراديا» الذي يستطيع السير عبره بكامل سرعته المقدرة بـ 160 كلم في الساعة، بحيث ستستغرق الرحلة بين عنابة و تبسة أقل من ساعتين، كما هو معمول به عبر خط وهران الشلف، حيث يقطع القطار نفس المسافة بين عنابة و تبسة في توقيت ساعة و 45 دقيقة.
و من خلال مرافقتنا للرحلة، تفاجأنا بروح التضامن في العمل لدى إطارات الشركة و رغبتهم الكبيرة في تقديم الأفضل، رغم طول الرحلة بسبب تعقيدات الخط، حيث كانت علاقة الإطارات فيما بينهم يسودها جو المرح و الدعابة دون أي بروتوكولات و كانوا مثل خلية النحل يدونون التقارير عن صعوبات الرحلة و نقاط التوقف و النقائص، فيما تم تقديم اقتراحات لحلها، و عن سؤال للنصر عن سبب هذه الديناميكية، أجمعوا على أنهم يحبون عملهم كفريق متجانس دون حساسية لتحسين صورة الشركة لدى الزبون و جعلها وسيلة نقل تنافسية.
نحو استهداف نقل السياح الأجانب للمعالم الأثرية عبر الخط
قال سمير قعموري، إن شركة السكك الحديدية، بدأت بتجربة استقطاب السياح الأجانب إلى قطار «كوراديا»، من خلال حجز جناح الدرجة الأولى لهم، كما حدث قبل أسابيع بالجزائر العاصمة و توفير دليل سياحي لهم، أين وقع الاختيار على منشط النشرة الجوية «فرحات» للقيام بهذه المهمة، مع توفير جميع الوسائل لهم، و كانت حسبه التجربة ناجحة، و تُريد الشركة تكرارها في عنابة، من خلال استغلال مسار عنابة سوق أهراس لنقل السياح إلى المعلم الأثري الروماني بمداوروش، و هي المدينة التي ولد فيها القديس أوغستين.
خط كوراديا من عنابة إلى الجزائر العاصمة

قال المدير الجهوي للسكك الحديدية بعنابة عبد الرّزاق بن بلقاسم، بأن الشركة ستلبي الطلبات الكبيرة على خط عنابة الجزائر العاصمة، من خلال القطار الجديد «كوراديا»، الذي من المقرر دخوله الخدمة منتصف شهر جانفي المقبل، حيث ستربط الرحلة عنابة بسطيف مرورا بقسنطينة، أين يمكن للمسافرين استخدام القطار المتجه من قسنطينة إلى الجزائر العاصمة و ستتم برمجة الرحلة عن نفس التوقيت، كما سيتمكن السياح التونسيون من الذهاب إلى مدينة العلمة عبر قطار كوراديا من أجل التسوق، مشيرا إلى جعل هذا القطار وسيلة لتنشيط السياحة بالجهة الشرقية.       
ح/ د

الرجوع إلى الأعلى