ملحقة قصر أحمد باي التي لم تبح بأسرارها
تقع قبالة قصر الحاج أحمد باي ، و تزين ساحة سي الحواس» لبلاس جنرال سابقا» ، فهي من أعرق بنايات مدينة قسنطينة التي طُمست معالمها، لتصبح مزيجا يعبر عن حقبة زمنية عمرها  يتجاوز القرنين، هي متوسطة فاطمة الزهراء التي احتضنت جنود الحاج أحمد الباي و قوات المستعمر الفرنسي، ثم الجيش الوطني، لتصبح مؤسسة تربوية عايشت عديد الأنظمة التعليمية.
روبورتاج / أسماء بوقرن
تعد متوسطة فاطمة الزهراء من أعرق المؤسسات التعليمية بمدينة العلم و العلماء، إذ يمتد تاريخها لفترة العهد العثماني ، و تعتبرصورة عن المحطات البارزة التي مرت بها العمارة في الجزائر، فلم تتمكن القوات الفرنسية من محو معالمها، رغم التغييرات التي أدخلت عليها ، لتبقى شامخة بعلوها تروي للأجيال تاريخ المدينة و المراحل التي عايشتها.
النصر زارت «فاطمة الزهراء» و كلنا أمل أن نميط اللثام عن الأسرار التي تخبؤها هذه البناية العريقة، لنتفاجأ بافتقار المؤسسة للأرشيف و لكل الوثائق التي تروي لنا تاريخها و المحطات البارزة التي مرت بها،  وهو ما   زادنا إصرارا على البحث لكشف ما تخفيه، من خلال البحث عن أشخاص مروا من هنا و تولوا تسييرها بعد الحقبة الاستعمارية، ليزيحوا النقاب عن عديد الحقائق .
بناية يزيد عمرها  عن القرنين
من بين المراجع  التي استندنا إليها الأستاذة شمامة مهيلة، التي تعد ذاكرة لهذه المؤسسة التعليمية، حيث عايشت عديد المراحل و كذا التحولات التي شهدتها المنظومة التربوية، لأنها سيرت هذا الصرح العلمي كمديرة في الفترة بين  1974 و 2007، فكشفت لنا خبايا المتوسطة و تاريخها خلال جولة رفقتها داخل هذا الصرح العلمي، قائلة بأن البناية شيدت في العهد العثماني، و هي تابعة لقصر الحاج أحمد باي، لكن اختلف الكثيرون حول استغلالها، فهناك من قال بأنها  تعد جناح إضافي لابنة الباي ، و هناك من قال بأن هذا الأخير كان يخصصها لتخزين العتاد.
 أما المديرة السابقة لقصر الباي و الباحثة في علم الآثار شادية خلف الله فأكدت للنصر، بأن المخططات القديمة للقصر توضح بأن متوسطة فاطمة الزهراء حاليا، كانت تابعة لقصر الباي و يرجح بأنها كانت جناحا خاصا بالجنود و يستعمل كمركز للحراسة، حسبها، فيما قالت مديرة متوسطة فاطمة الزهراء الحالية آمال بوالحبيب بأنه يوجد نفق أسفل المتوسطة يؤدي إلى قصر الباي ، موضحة بأن بابه موجود في أحد الأقبية، و قد تم غلقه بالإسمنت و الحجارة في التسعينات لدواع أمنية.
 و هو ما حاولنا الوقوف عليه ، حيث نزلنا إلى الطابق تحت الأرضي عبر سلالم مصنوعة من الحجارة الزرقاء القديمة، لنجد قبوا آخر به سلالم من حطب ، نقلتنا لقبو صغير مظلم مبني بالحجارة ، توجد بجداره آثار باب صغير قديم ، قيل لنا بأنه كان يؤدي إلى القصر،  تنقلنا إلى قصر أحمد باي للتأكد من المعلومة، فقيل لنا بأن هناك باب صغير بمحكمة القصر يؤدي أيضا إلى المؤسسة، لكن لا توجد معلومة موثقة تثبت بأن المؤسسة كانت فعلا تابعة للقصر .
تزاوج بين الهندسة العثمانية و الفرنسية
ما لاحظناه خلال زيارتنا لهذه المؤسسة، أن هندستها العثمانية طمست بعد أن حولها المستعمر إلى ثكنة عسكرية، حيث شوه جزءا كبيرا من معالمها و أدخل بعض التعديلات التي تعكس الثقافة الأوروبية، غير أن ذلك لم يمح ما تركه العثمانيون، فبإمعان النظر في التقسيم الداخلي للمؤسسة، نجد بأنه يتشابه و لحد بعيد مع هندسة القصر، إذ تتكون من طابقين ، بالإضافة إلى أقبية متداخلة، كما أنها مقسمة إلى جزأين، بكل منهما فناء توجد حوله الأقسام.
 و توجد بها عديد الأروقة التي تمكن  من التنقل بين الحجرات ،  بالإضافة إلى السلالم الحجرية التي تربط الطابق السفلي بالعلوي، و كذا الأقواس التي تزين بعض حجرات المؤسسة و أروقتها، في حين فصلت قاعة الأساتذة، و بعض الأقسام عن رواق المؤسسة بقطع خشبية، و هذا دليل بأنها استحدثت، بالإضافة إلى الأقبية التي تعتبر نسخة طبق الأصل عن أقبية قصر الحاج أحمد باي، من حيث البناء و نوعية السلالم التي تنوعت بين الحجرية و الخشبية.
من حيث الطراز المعماري، نجد أن المؤسسة تجسد الثقافة الجزائرية المتجانسة مع الطابع الهندسي الذي يراعي الخصوصية الإسلامية، كالمحافظة على حرمات المنازل، كما تعكس الثقافة الفرنسية من خلال الأبواب و النوافذ الحديدية التي استبدلت إبان الاستعمار الفرنسي، الذي ترك عديد الشواهد في المؤسسة، من بينها بعض الوسائل التي كانت تستعمل في التعذيب و الاستنطاق في أقبية البناية،  و التي لم نتمكن من رؤيتها لكونها حولت إلى مكان آخر، لتصور لنا كذلك الهندسة الحديثة من خلال التعديلات التي أدخلت عليها بتزيين أروقتها و أرضيتها بالسيراميك العصري و و طلاء جدرانها، لتزاوج بذلك بين هندسة العثمانيين و المستعمر و توضع عليها لمسة هندسية حديثة .

المديرة السابقة شمامة مهيلة قالت لنا بأن المؤسسة حولت إلى ثكنة عسكرية تابعة للجيش الفرنسي في سنة 1937 عند سقوط قسنطينة في يد الاستعمار، و كان يقيم بها جنرال فرنسي ، لهذا أطلقت ، حسبها، تسمية  « لا بلاس جنيرال» على ساحة السي الحواس حاليا ، و قد أدخلت على المؤسسة بعض التغييرات، ما جعل اللمسة الفرنسية تشوه بعض معالم النمط العثماني، و بعد استقلال الجزائر أصبحت تابعة للجيش الوطني، لتسلم بعدها إلى وزارة الأوقاف فحولتها إلى معهد إسلامي سنة 1963 .
أساتذة من الأزهر  درسوا هنا..
عندما تحول المبنى إلى معهد إسلامي يدرس الطورين المتوسط و الثانوي، أصبح يستقطب عديد التلاميذ من مختلف الولايات، ثم تم تحويله إلى ثانوية التعليم الأصلي، بعد أن تحول اسم وزارة الأوقاف إلى وزارة التعليم الأصلي و الشؤون الدينية و ذلك سنة 1973، لتصبح خاصة بتدريس الإناث فقط، فعرفت باسم «ثانوية التعليم الأصلي للبنات»،  فيما حول الذكور إلى ثانوية أحمد باي.
 و أشرف على التكوين أساتذة أكفاء من عديد البلدان العربية، كما لاحظنا في عدد من السجلات التي لا تزال تحتفظ بها المؤسسة، و دونت بها أسماء أساتذة مصريين تخرجوا من جامعة الأزهر ، فكانوا يشكلون الأغلبية، حسب الأستاذة مهيلة، بالإضافة إلى عراقيين، و سوريين.
و أوضحت المتحدثة بأنه تم إدماج التعليمين الأصلي و العام في 1978 ، لتصبح المؤسسة متوسطة تابعة لوزارة التربية بصفة رسمية سنة 1980، و بخصوص تسميتها الحديثة ،قالت لنا بأنها هي التي اقترحت إطلاق اسم فاطمة الزهراء عليها، نسبة إلى ابنة الرسول عليه الصلاة و السلام، إلى جانب اسم أسماء بنت أبى بكر الصديق رضي الله عنه، فاختير لها الاسم الحالي.
بعد سنة 1973 تم إدراج التعليم الأصلي من قبل الوزير مولود قاسم نايت بلقاسم ،  الذي تولي آنذاك حقيبة وزارة التعليم الأصلي و الشؤون الدينية، حسب الأستاذة مهيلة، فكان يوجد نمطان من التعليم، هما العام في المؤسسات التعليمية العادية، و الأصلي في المعاهد الإسلامية التي لم تكن مختصة في تدريس شؤون الدين و الشريعة الإسلامية، و إنما تدرس جميع المواد العلمية و الأدبية.
مؤسسة ثرية بتاريخها فقيرة في ذاكرتها

المؤسف أن مؤسسة كفاطمة الزهراء التي تعتبر ذاكرة تؤرخ للبناية في العهد العثماني و خلال الحقبة الاستعمارية من جهة، و كشاهد على الأنظمة التعليمية التي عرفتها الجزائر بعد الاستعمار الفرنسي من جهة أخرى، لا تحوز على ذاكرة توثق للمراحل التي عايشها هذه البناية العريقة المجهولة الهوية ، لكونها لا تحوز أية وثيقة تبين تاريخها و التحولات التي شهدتها، حيث حاولنا أن نبحث في قاعة الأرشيف على وثائق لعلها تكشف لنا بعض الخبايا ، إلا أننا لم نعثر على أية وثيقة، ما عدا سجلات تعود إلى سنوات السبعينات عليها أسماء لأساتذة درّسوا بالمؤسسة، و تفتقر لنبذة تاريخية عنها.و بمساعدة مديرة المؤسسة، تمكننا من التأكد من تاريخ البناء المدون على وثيقة بحوزتنا، كما عثرنا على تاريخ تحويلها إلى معهد إسلامي مساحته الإجمالية 506 أمتار مربعة،  لتبقى بذلك شهادات من تحدثنا إليهم، المصدر الوحيد لجزء من ذاكرة فاطمة الزهراء.
أ/ب

الرجوع إلى الأعلى