تُوجّه  312 عائلة تقطن  سكنات  جاهزة في حي بوخضرة بمحاذاة واد بوجمعة بعنابة،صرخة استغاثة لانتشالها من حالة التشرد التي تعيشها منذ ليلة الخميس 24 جانفي،  بعد أن أتى الطوفان  على محتويات المنازل ولم يترك للسكان سوى الخوف و التوجس، ما  جعلهم يقضون ليال بيضاء  في انتظار  مداهمة الفيضانات لهم مرة أخرى.
روبورتاج: حسين دريدح
 ما عاشته  تلك العائلات كان بمثابة الكابوس الذي استفاقت منه على حياة التشرد وعدم الاستقرار والتنقل الدائم، بعدما  فقدت كل شيء وأصبحت محاصرة بالطمي،  وكأن قدرها أن تكون رهينة فيضانات، لعنتها تطاردها حيثما حلت.
فهؤلاء السكان كانوا قبل 36 سنة منكوبين وحولوا بشكل مؤقت إلى هذه البنايات لكنهم ظلوا بها طيلة هذه المدة إلى أن عاودت الفيضانات زيارتهم مرة أخرى ولكن  هذه المرة حملت معها الكثير من الخطر و  نبهت إلى حاجة ملحة للسكن.
النصر زارت الحي و أعدت هذا الروبورتاج، الذي يوثق حجم المأساة التي لا يزال يعيشها 2557 شخصا، بينهم 122 رضيعا داخل الحي، هاجمتهم المياه و أغلبهم نيام داخل السكنات الجاهزة ذات الطابق الواحد، مما خلف وفاة شخص و هروب جماعي لعائلات إلى مسجد «عائشة أم المؤمنين» المجاور للحي، للمبيت هناك و آخرون قصدوا أقاربهم بالعمارات الواقعة بمرتفع حي بوخضرة، حسب تصريح مرافقنا السيد كليبات عمار منسق هيئة الإغاثة بالحي.
استمرار تنظيف السكنات بعد 9أيام من الطوفان
كان أول بيت نزوره ملاصقا للوادي، يقطنه زوجان و لسوء حظهما، أتلفت جميع الأغراض الموجودة بالداخل بما فيها «جهاز» العروس التي وجدناها رفقة زوجها تقوم بعملية الفرز و التنظيف رغم العملية الجراحية التي أجريت لها مؤخرا، فيما قال صاحب البيت بأن الفيضان فاجأهما، حيث وجدا صعوبة كبيرة في الخروج بعد وصول منسوب المياه في الخارج إلى نحو  متر،  و مع تواصل تساقط الأمطار بعد المغادرة، غمرت المياه تقريبا كامل البيت، حيث ناشدا والي الولاية و السلطات المحلية و المحسنين النظر في معاناتهم و التكفل بهم.
تنقلنا بعدها إلى بيت آخر مع رب العائلة، أين وجدنا جميع الأغراض المنزلية  في الخارج خاصة الأغطية و الأفرشة، حيث   غمرتها المياه، فيما كان أفراد العائلة في الداخل يقومون بتنظيف ما تبقى من الأجهزة الكهرومنزلية، ليؤكد صاحب البيت على أنه انتقل ليلة الفيضانات رفقة 6 من أبنائه للمبيت عند أقاربه ، و في اليوم الثالث عاد فوجد كامل البيت يسبح في المياه و لم يستطيع فعل أي شيء إلى غاية انخفاض منسوب الوادي.
في جولتنا داخل الحي، شاهدنا عائلات تواصل عملية التنظيف و إخراج الأوحال و نقل الأجهزة الكهرومنزلية لإصلاحها، فيما تجند عمال مؤسسة عنابة للتنظيف لإزالة مخلفات الفيضان  .    
1500 شخص تم إيواؤهم في مسجد
اضطرت العائلات التي لم تجد أي مكان للذهاب إليه، إلى الاحتماء داخل المسجد لمدة 5 أيام متتالية، تكفلت مديرية الشؤون الدينية و المحسنين بمتابعة من إمام المسجد، بتوزيع الأفرشة و الأغطية عليهم و كذا إطعامهم و تقديم المساعدة للمرضى.
و حسب إمام المسجد حمزة حناشي، فقد تم استقبال حوالي 1500 شخص خاصة خلال الأيام الأولى، قدمت لهم  المساعدات و مع انخفاض منسوب الوادي، بدأت العائلات في العودة إلى منازلها تدريجيا لإصلاح ما يمكن إصلاحه و كانت آخر العائلات التي غادرت المسجد يوم أول أمس الجمعة.
عائلات فقدت كل شيء..
أكد مسؤلو الإغاثة على مستوى مسجد عائشة أم المؤمنين، على وصول إعانات معتبرة، إلا أنها غير كافية خاصة الأفرشة، حيث تم توزيع 2811 بطانية   جزء كبير منها كان من طرف   جمعية العلماء المسلمين و كذا شركة « رايلان» للأجهزة الكهرومنزلية، فيما تلقوا 500 وحدة من الأفرشة، غير أنها ليست كافية، في انتظار وصول إعانات المحسنين الذين وعدوا بذلك. أما في ما يتعلق بالأدوات المدرسية، فقد تم التبرع بـ 500 محفظة مجهزة تم توزيعها على جميع التلاميذ المتمدرسين، كما تبرع صيدلي بأدوية مجانا لمنكوبي الفيضانات، وضعت تحت تصرف المؤطرين بمسجد عائشة أم المؤمنين، لتقديمها للمرضى بمتابعة من أطباء.
أثنى منكوبو حي بوخضرة، على العمل التضامني الكبير الذي  تقوم به شركة « رايلان» المصنعة للأجهزة الكهرومنزلية بعنابة، من خلال تجنيد تقنيين لنقل مختلف الأجهزة المعطلة لمختلف العلامات، ليتم إصلاحها على مستوى وحدتها للصيانة و خدمات ما بعد البيع مجانا، بحيث تتكفل الشركة بنقلها و إعادتها للسكان المتضررين، إلى جانب منح مئات الأغطية و الأفرشة الجديدة للجنة الإغاثة لتوزيعها على العائلات.
دخلوا الحي منكوبين فمكثوا به ثلاثة عقود

تعود معاناة سكان البنايات الجاهزة بحي بوخضرة مع الفيضانات إلى سنة 1983، عندما قامت السلطات المحلية بترحيلهم بعد الفيضانات التي شهدتها الولاية سنة 1983 كحل ظرفي و مؤقت، حيث تقرر إجلاؤها إلى سكنات جاهزة تابعة لمؤسسات أجنبية، مع تلقي وعود من السلطات المحلية تقضي بترحيل هذه العائلات في ظرف لا يتجاوز 3 سنوات، لكن هذه الوعود لم تتجسد على أرض الواقع و امتدت إلى يومنا هذا لتضربهم كارثة الفيضانات مرة أخرى بعد 36 سنة.
و أوضح ممثلو العائلات، بأن معاناتهم تجاوزت الخطوط الحمراء، بعد تعرض جدران البنايات إلى الاهتراء، مع الإشارة إلى وجود مادة "الأميونت" ضمن تركيبة  البيوت الجاهزة و التي تتسبب في بعض الأمراض الخطيرة كالسرطان و الربو.
و كانت لجان المعاينة بعد زيارة ميدانية، قد وقفت على حقيقة المعاناة و أكدت في تقريرها على أن البيوت الجاهزة لم تعد صالحة للسكن، بعد انقضاء مدة صلاحيتها، لكن هذا التقرير بقي حبيس الأدراج دون أن تتحرك الجهات المعنية.
لجنة ولائية  للمعاينة  تمهيدا للترحيل
كلف والي عنابة توفيق مزهود، لجنة ولائية للسكن، بالنزول على مستوى حي بوخضرة، لإجراء تحقيق ميداني و التأكد من الوضعية العائلية للمتضررين و عدد العائلات القاطنة في كل بيت، تمهيدا لضبط برنامج لإعادة الإسكان و ترحيلهم في أقرب الآجال، مع تجهيز الحصة السكنية المقرر تخصيصها للمعنيين، تكون قابلة للسكن 100 بالمائة مع جميع توصيلات شبكات الطاقة و الماء و غيرها.  
كما سجلت هبة تضامنية واسعة لجمعيات و محسنين لفائدة أحياء أخرى متضررة بدائرة الحجار و عنابة، خاصة حي عطوي و أول ماي، لتوزيع الأغطية و الأفرشة و الأدوات المدرسية، إلى جانب خرجات ميدانية للجان ولائية لإحصاء النقائص و رفع مخلفات الفيضان و إجراء أشغال مستعجلة لفتح مجاري باتجاه الأودية الكبرى لصرف المياه و حماية الأحياء القريبة منها من الفيضانات.  
مقاولات و ترقيات عقارية في قفص الاتهام
أرجع مسؤلون و متضررون من الفيضانات، سبب الخسائر و الأضرار التي لحقت بالمدينة و ضواحيها من جراء الأوحال، إلى الأشغال التي قامت بها مقاولات و ترقيات عقارية بعدة مناطق، منها المحمية الطبيعية بمدخل عاصمة الولاية بسيدي ابراهيم، التي أنجزت بها مشاريع سكنية و استثمارية قلصت مساحة المحمية بعد ردم جزء كبير منها، إلى جانب الورشات الجارية أشغالها بمنطقة سيدي عيسى و حي 5 جويلية، دون وجود متابعة من المصالح المعنية، بعد منح رخص البناء و هو ما أدى إلى جرف سيول الأمطار للأتربة و سد المجاري المائية و البلوعات و كذا غلق الطرق جراء الكمية الكبيرة من الوحل.    
زيارة مرتقبة لوفد وزاري رفيع المستوى
يرتقب أن يحل وفد وزاري رفيع المستوى خلال الأيام القادمة بولاية عنابة، يترأسه وزير الداخلية و الجماعات المحلية نور الدين بدوي و هذا بعد نزول عدة لجان وزارية عقب الفيضانات و التي قامت بإعداد تقارير مفصلة عن أسباب الطوفان الذي ضرب عنابة، لرفعها للمناقشة و من بين القرارات المستعجلة التي اتخذت، رصد مبلغ 400 مليار سنتيم لإزالة مخلفات الفيضانات، عن طريق جهر الأودية و تسجيل مشروع سد بوحديد للانطلاق في الانجاز خلال الأشهر القليلة المقبلة، بعد منح الصفقة بالتراضي لمؤسستين وطنيتين.
ح.د

الرجوع إلى الأعلى