شوارع خالية و المدينة القديمة بيئة مناسبة للمنحرفين
أصبحت شوارع مدينة قسنطينة ليلا، خلال الأشهر الأخيرة، شبه خالية، فقد ساهمت الترحيلات المتتالية لأزيد من 3 آلاف عائلة من المدينة القديمة، نحو علي منجلي، في إفراغ بعض الأحياء العتيقة على غرار «السويقة» و «القصبة» و «رحبة الصوف» و أماكن أخرى من قاطنيها، فبات المرور عبر أزقتها الضيقة، أمرا خطيرا، بعد أن صارت مرتعا  للمنحرفين ، وحتى ساحات وسط المدينة لم تعد تشهد الحركية المعتادة.
النصر رافقت عناصر من فرقتي البحث و التدخل و قمع الإجرام لأمن ولاية قسنطينة، في جولة ليلية داخل شوارع وسط مدينة قسنطينة، و بعض الأحياء المجاورة لها، أين وقفنا على حالة هذه الأماكن شبه الخالية من الحركة، باستثناء تواجد بعض السكان أمام أبواب العمارات التي يقطنون بها، أو بعض التجار الذين يستعدون لمغادرة محلاتهم.
  «رحبة الجمال» مفتوحة على كل الإحتمالات

حوالي الساعة الثامنة مساء تجمع أفراد الفرقتين، لتلقي التعليمات من قائد العملية، حيث تم الاتفاق على أهداف الخرجة، و مختلف الأماكن التي سيتم مداهمتها، فيما أوصى مسؤول المهمة جميع العناصر بضرورة توخي الحذر و الانتباه التام خلال تنفيذ المداهمات، و كذا التعامل باحترافية و مسؤولية مع المواطنين.
مرفوقين بالملازم الأول للشرطة المكلف بالإعلام زلاقي فارس، و كذا منسق الأفواج برفقة البحث و التدخل الملازم الأول زكرياء بن النميسي، صعدنا داخل إحدى مركبات الأمن الرباعية الدفع، ترافقنا 3 مركبات أخرى، و انطلقنا من مقر الأمن الولائي، صوب وسط المدينة، كانت حركة السيارات و الراجلين على مستوى معظم الشوارع شبه منعدمة، و لا يمكن مقارنتها حتى مع ساعات الصباح الأولى، كان الاتصال يتم بين عناصر المهمة، و مركز التنسيق العملياتي، عبر جهاز الراديو، و أمام الساحة المقابلة للمسرح الجهوي لقسنطينة، توقفت السيارات التي كانت تقل عناصر الأمن، و كانت الوجهة الأولى نحو «رحبة الجمال».
تسارعت خطوات رجال الشرطة، و هم يعبرون الأزقة الضيقة التي يلفها الغموض، فلم نكن نعرف ما قد يصادفنا، فهذه الأزقة التي تعج طوال ساعات النهار بحركية تجارية كبيرة، بدت خالية و مخيفة، و لم نعثر على أي محل مفتوح، فيما كان عناصر «البياري» يوجهون مصابيحهم ناحية الأزقة المظلمة و تحت طاولات الباعة المنتشرة عبر أنحاء المكان المظلم، و الذي يزداد ظلمة كلما توغلنا في أحد الاتجاهات، و فجأة تعالت الأصوات.
وجدنا مجموعة من الأشخاص من رجال و نساء يحتسون الخمر، كانوا يجلسون على أنقاض بناية منهارة، و كان الظلام حالكا، لم نستطع حتى أن نميز ملامح الوجوه، حيث كنا نستمع فقط إلى الأصوات، و رغم محاولة من وجدناهم بالمكان المقاومة و استفزاز رجال الأمن، إلا أن هؤلاء أخضعوهم للتفتيش، و لم يعثروا على ما يستدعي توقيفهم، فتركوهم في المكان.
 مجرمون يتخذون من «السويقة»  نقطة للاحتماء   

أكملنا طريقنا و كلما صادفنا شخصا يتم تفتيشه للتأكد من عدم حمله لممنوعات أو أسلحة محظورة، فعلى حد تأكيد مرافقينا فإن المجرمين يحتمون بهذه الأزقة، قبل أن يخرجوا لترصد ضحاياهم بالشوارع الرئيسية، و ما لاحظناه أن كل شخص مشبوه يتم إخضاعه للتفتيش عن طريق الملامسة الجسدية، إضافة إلى تفتيش أية أغراض يحملها معه بشكل دقيق، قبل أن يسمح له بالمغادرة او البقاء في المكان الذي كان يجلس فيه، مع طمأنته بأن هذا الأمر لا يتعدى أن يكون إجراء أمنيا عاديا، حفاظا على سلامة المعني و كذا للسهر على أمن و راحة المواطنين من أية اعتداءات أو أعمال إجرامية محتملة.
بعد ذلك غادرنا في اتجاه أزقة «السويقة»، التي كانت مظلمة، لم نكن نرى ما حولنا   إلا بتتبع نقاط الضوء التي ترسمها مصابيح عناصر الأمن أمامنا، كان الصمت يخيم على هذه الأزقة الضيقة و الخالية من أية حركة، باستثناء بعض الكلاب الشاردة التي هربت بمجرد رؤيتنا، فيما لم نعثر على أي شخص على طول شارع «السويقة» الرئيسي، و كذلك بجميع الأزقة الواقعة على جانبيه، و التي كان عناصر الأمن يلقون نظراتهم اتجاهها، عند المرور عليها.
و في مخرج «السويقة» المقابل لجسر سيدي راشد، صادفنا بعض الأشخاص بالمكان فتم إخضاعهم للتفتيش، كما تم مراقبة وثائقهم، لكن دون العثور على أي شيء يشكل خطرا على أمن و سلامة المواطنين، لنتوجه بعدها إلى حديقة «بن ناصر» و التي تعد مرتعا للمنحرفين على حد تأكيد عناصر الأمن، الذين فضلوا مداهمة المكان من جهتين مختلفتين، حتى يفوتوا فرصة الهروب على مجرمين محتملين بالمكان، غير أننا لم نصادف سوى شبابا يبدون في مقتبل العمر، و بعد أن تم تفتيشهم و مراقبة أغراضهم، نصحهم رجال الشرطة بمغادرة المكان، خوفا على سلامتهم.  
سكان وسط المدينة ينامون باكرا

بعد ذلك توجهنا صوب جسر سيدي مسيد، عبر شارع يوغوسلافيا، و هو مكان مشبوه أيضا و خاصة ليلا، غير أنه بدا خاليا من أي تهديد أمني، و لم نصادف سوى شباب يجلسون أمام سيارتهم، في المكان المسمى «الركن الصغير» حيث أخضعوا بدورهم للتفتيش فضلا عن مراقبة المركبة، قبل أن نغادر صوب المستشفى الجامعي، و منه توجهنا نحو منطقة باب القنطرة، و كل الشوارع التي مررنا عبرها، بدت خالية تماما حتى من السيارات.
ليقرر عناصر الفرقتين القيام بنقطة مراقبة مفاجئة، على مستوى حي جنان الزيتون، و بالتحديد على الطريق المؤدي نحو جامعة قسنطينة 1 و حي زواغي وصولا لمدينة علي منجلي، حيث يشهد كثافة مرورية حتى ليلا، و أوضح محدثونا بأن هذه النقاط كثيرا ما تأتي بنتائج ايجابية، أين يتم مباغتة مستعملي الطريق من المجرمين و مروجي المخدرات و كذا المبحوث عنهم،و توقيفهم، حيث لا يتمكنون من الفرار أو التخلص من الممنوعات أو الأسلحة التي بحوزتهم.
توقيف المبحوث عنهم في نقاط مراقبة فجائية

كان رجال الشرطة يوقفون بعض السيارات و يخضعونها للتفتيش مع الأشخاص الذين بداخلها، غير أنهم كانوا يتركون سيارات كثيرة تمر دون توقيفها، فاقترقبنا من قائد العملية لسؤاله عن السبب، فأوضح لنا، بأن عناصر الأمن، تصبح لديهم خبرة، فيتمكنون من التمييز، عبر وجوه الأشخاص و هيئاتهم، و حالة كل شخص إذا كان مرتبكا أو مرتاحا، إضافة إلى نوعية الركاب إن كانوا شبابا أو كهولا أو عائلة.
و قد علمنا أن مثل هذه العمليات تسمح بتوقيف الأشخاص المبحوث عنهم و كذلك المركبات، حيث يحوز عناصر الأمن على لوحات الكترونية تحتوي على تطبيق الكتروني يتم تجديده كل أسبوع، يسمح بمجرد إدخال بيانات الأشخاص من لقب و اسم و تاريخ ميلاد، أو ترقيم المركبة، بالتعرف إذا ما كان الشخص مبحوثا عنه أو في حالة فرار أو متهربا من أداء الخدمة الوطنية، و كذلك بالنسبة للسيارة إن كانت مسروقة.
وقد أخبرنا عناصر الشرطة بأن هذه هي طريقة العمل اليومية، حيث يجوبون الشوارع و الأزقة للتأكد من خلوها من المنحرفين و المجرمين، وكذا حفاظا على سلامة المواطنين، وقد رافقناهم إلى المنطقة الصناعية «بالما»، أين تعمل الكثير من المؤسسات العمومية والخاصة حتى ليلا، و قد صادفنا بعض أصحاب السيارات متوقفين أمام بوابة إحدى المؤسسات، و يقومون باحتساء الخمر، فتم توقيفهم و تحويلهم نحو أقرب مقر أمن حضري، و ذلك لارتكابهم مخالفة السكر العلني، مع حجز كمية من الخمور.
عبد الرزاق.م

الرجوع إلى الأعلى