تجاوز الزوجان سعيد و ظريفة لعويسي، القرن من العمر، و رغم أنهما بلغا من العمر عتيا و حاصرهما الوهن و المتاعب الصحية، إلا أنهما لا يزالان متمسكين بأداء فريضة الصيام، و يفرحان بقدوم الشهر الفضيل، و يكمل كل منهما الآخر في كل شيء، حتى عن ضعف حاسة من حواسه، فالزوجة ضعيفة السمع و الزوج ضعيف البصر، و من بين أهم أسرار عمريهما الطويل، حسب ابنيهما اللذين لا يزالان على قيد الحياة ، القناعة و الرضا والاكتفاء بكمية قليلة من الطعام في كل وجبة و الأجواء العائلية الدافئة التي يعيشان بين أحضانها.
روبورتاج : كـ. طويل
النصر تنقلت إلى بيت عائلة لعويسي، بحي لعقابي بمدينة جيجل، فوجدنا في انتظارنا ابني عمي سعيد و خالتي ظريفة، الأكبر محمد يبلغ من العمر 79 عاما،  و علاوة 70 عاما، و أخبرانا ، بأنهما الابنان الوحيدان اللذان لا يزالان على قيد الحياة، من أصل 11 ابنا، أنجبهما الزوجان المعمران، و قد وصل عدد أحفادهما إلى 40 حفيدا.
يكملان بعضهما بعد ضعف السمع و البصر
 توجهنا مباشرة إلى الطابق العلوي من المسكن، فوجدنا الحاجة ريفة جالسة بالرواق، أما عمي سعيد، فكان مستلقيا في الفراش، اقتربنا من خالتي ظريفة، بعد إلقاء التحية، فاتضح لنا بأنها لا تسمع جيدا، أما عمي سعيد، فلا يرى جيدا، فوطد الله جل جلاله الرابط الروحي و الجسدي العضوي بينهما، ليكمل كل واحد منهما الآخر، عن ضعف حاسة البصر و حاسة السمع، و هي حكمة إلهية، و لله في خلقه شؤون.
بعد حضور بقية أفراد العائلة، يتقدمهم الأحفاد، اجتمعنا بقاعة الضيوف، فحدثنا عمي سعيد، عن بعض ذكرياته البعيدة في منطقة تاكسنة، فعاد بنا إلى الحقبة الاستعمارية ، قائلا بأنه كان من الصعب عليه و على أبناء مسقط رأسه، المحافظة على تعاليم دينهم الحنيف و الصيام في شهر رمضان في تلك الحقبة، لكنهم لم يفرطوا فيها قط، مشيرا في سياق كلامه المتقطع، بأن في “أيام زمان”، كانت الرحمة و التآزر و الأخوة تربط بين الجميع و كأنهم عائلة واحدة.
و أضاف عمي سعيد بأن وجبة الإفطار خلال شهر رمضان، كانت عبارة عن كسكسي الشعير” البربوش” أو كسكسي القمح الصلب، إلى جانب رغيف الكسرة و اللبن الذي كان لا يغادر موائد الجزائريين.
حاولنا أن نتحدث معه عن بعض التفاصيل، لكن ظروفه الصحية لم تسمح، فقد كان يكرر تقريبا نفس الكلام، ثم ركز على ضرورة أن يؤدي المسلم شعائر دينه كما يجب “ الدين و الطاعة”، مشيرا بأن للصيام قدسية كبيرة لدى المسلمين، و “ الإفطار دون مبرر عيب”، على حد تعبيره، لهذا فهو متمسك بالصيام .
أما خالتي ظريفة، فقد كانت تنظر إلينا و تبتسم، حاولنا التحدث إليها فوجدنا صعوبة في التواصل معها، لكبر سنها، و معاناتها من صعوبات في السمع، و اكتفت بالقول بأن للصيام نكهة خاصة، و يعتبر من بين الواجبات التي يجب عدم  التفريط فيها.
و أوضح ابنهما محمد، بأن والديه، يبلغان من العمر 101 سنة، و لا يزالان لحد كتابة هذه الأسطر، يؤديان فريضة الصيام، بالرغم من وهنهما و متاعبهما الصحية، مشيرا بأنه حاول مرارا منعهما من الصيام مستندا إلى ترخيص الطبيب، الذي قال له بأنه من الممكن لهما الإفطار خلال شهر رمضان، إلا أن والده، رفض الفكرة إطلاقا، و أصر على الصيام بمعية زوجته.
و أضاف ابنهما علاوة، من جهته، بأنه استشار إماما، و أخبره بإمكانية إفطارهما، بشرط تقديم فدية الصيام، و تحدث مع والده مطولا بهذا الخصوص، لكنه رفض جملة و تفصيلا، مؤكدا بأن حالته الصحية، تسمح له بالصيام،  و طلب منه عدم التطرق لهذا الموضوع مجددا، حتى لا يزعجه و يعكر صفاء مزاجه و  استمتاعه الروحي بالصيام.
عرس عائلي على شرف الجدين المعمرين
و يرى المتحدث بأن والده و والدته يتمتعان بالقناعة و الرضا،  و يكتفيان بتناول كمية قليلة من الطعام على طاولة الإفطار، و يرفضان رفضا قاطعا التبذير.
و تدخل شقيقه محمد ليؤكد أن والديه يصومان كل عام شهر رمضان كاملا، و يضفي ، حسبه ، صيامهما نكهة خاصة على الشهر الفضيل، خصوصا عندما يجتمع كافة أفراد العائلة في بيت الجد، بحضور الأحفاد، و كأنهم يحضرون ما يشبه العرس ، في أجواء أسرية دافئة و بهيجة، تسودها الأخوة و التآزر بين الجميع.
كـ. ط

الرجوع إلى الأعلى