ستحتضن ولاية قسنطينة مشروعا ضخما لرسكلة النفايات الصلبة و العضوية، و ذلك لتحويلها إلى مواد أولية و حتى أسمدة زراعية، تطمح مؤسسة «سوبت» بالشراكة مع الكنديين، إلى تصديرها للخارج، بما يسمح بخلق الثروة من خلال استغلال قرابة 500 طن من النفايات التي ترمى يوميا بمدينتي الخروب و قسنطينة، مع المساهمة في إنقاذ هذه الشركة الوطنية التي تمتلك 20 سنة من الخبرة، من الضائقة المالية التي تعاني منها.
روبورتاج: حاتم بن كحول
تعتبر المؤسسة الوطنية متعددة الأشغال والبيئة «سوبت»، أقدم شركة مختصة في رفع النفايات، حيث كانت مؤسسة بلدية أنشئت سنة 1987، قبل أن تنتقل ملكيتها من بلدية قسنطينة إلى مؤسسات تسيير  المساهمات للدولة ، ثم تتغير تبعيتها في كل مرة، لتقرر الدولة سنة 2015 إلحاقها بمجمع الصناعات المحلية ضمن سياسة إعادة هيكلة كل المؤسسات الاقتصادية التابعة لوزارة الصناعة.
7 وحدات تضم 1300 عامل
ويقع المقر الرئيسي للمؤسسة في قسنطينة، حيث تضم وحدتين تختص إحداهما في تطوير البيئة والثانية في الإنارة العمومية والكهرباء وفيديوهات المراقبة ، كما أن لها 7 وحدات منتشرة عبر الوطن في كل من ورقلة و الأغواط والوادي وبسكرة و تبسة و العاصمة، بمجموع عمال بلغ عددهم 1372، منهم 932 في قسنطينة.
وكانت المؤسسة تابعة للبلدية و تختص في البناءات المدرسية والتخطيط الحضري ، وبعض الأشغال على غرار الكهرباء ، لكن بسبب الأزمة المالية ، حولت إلى تسيير النفايات وصيانة شبكة الإنارة العمومية على مستوى قسنطينة ، وذلك في بداية 1997 ، و في هذا الشأن أكد السيد سامي عبد الكريم الرئيس المدير العام لمؤسسة «سوبت»، أن البلدية والولاية لم تكونا تملكان في تلك الفترة العتاد اللازم لتسيير النفايات وكذا الإنارة العمومية، في غياب مستثمرين في هذا المجال ، لتتمكن «سوبت» من تلبية المطالب المحلية إلى غاية سنة 2001، و قد كانت وقتها الوحيدة على المستوى الوطني.
تسيير مفرغة عين سمارة دون التأثير على البيئة
كما اكتسبت المؤسسة خبرة في تسيير مراكز الردم خلال وقت تزامن مع معاناة بلدية قسنطينة في تسيير المفرغات العمومية، حيث كلفت «سوبت» بإعادة تهيئة مفرغة عين سمارة مع تسييرها، و بالتالي الحد من التلوث الذي شهدته بلدية ابن باديس، أين كانت النفايات ترمى  في الهواء الطلق.
وأكد المدير أنه تم تسيير المفرغة بطرق علمية، وذلك خلال 8 سنوات لم يعرف فيها الوادي المحاذي لها أي نسبة تلوث ، حيث كانت المؤسسة تقوم بتحليل المياه مرة كل شهر من أجل التأكد من نقاوتها.
وأضاف سامي عبد الكريم أن مؤسسته كانت تتكفل بالردم منذ بداية جمع النفايات من المصدر و إلى غاية التخلص منها ، لكن الأمور تغيرت سنة 2008 ، بعد أن اتسعت مراحل العملية من خلال الفرز ثم الجمع ثم النقل و بعدها الاستغلال و الاسترجاع ، لتبقى بعض النفايات تذهب للردم.
"المنافسة سببت لنا صعوبات"
«سوبت» التي تحترم المعايير البيئية، وجدت، حسب المدير ، نفسها في مواجهة 33 مؤسسة أخرى في نفس المجال ، و هنا تطرق محدثنا إلى الصعوبات المالية التي عاشتها هيئته، و التي قال إنها تعود إلى سبع سنوات مضت  ، عندما تم الاتفاق مع  الولاية ، على استثمار مؤسسته لمبلغ 250 مليار سنتيم لتحسين وضعية النفايات في الولاية ، و تلقت «سوبت» حينها وعدا بإسناد عملية جمع النفايات بمدينتي قسنطينة وعلي منجلي، إليها، وفق «اتفاق شفوي» اشترت بموجبه 9 شاحنات ضاغطة ثم 53 أخرى في ظرف 12 شهرا من أجل التمكن من تغطية المدينتين، لكن اقتحام شركات أخرى للسوق  حال دون ذلك.
وقال المسؤول إن الخسائر التي تكبدتها «سوبت» منذ سنة 2015، وصلت إلى 500 مليون دينار كل عام، تخص الاستثمارات، بالمقابل فإنها تعتمد على نفسها في إيجاد مصادر التمويل بطلب قروض بنكية من أجل التسيير ، على عكس المؤسسات التابعة للبلديات.
وقال سامي عبد الكريم أن خبرة هيئته جعلتها تتكفل بتخليص المدينة الجديدة علي منجلي من الفوضى الحاصلة على مستوى شبكة الإنارة العمومية ، و من بين المشاريع الأخرى التي قامت بها ،   إنجاز الشبكة الولائية للمراقبة عن طريق الفيديو، و قاعة المراقبة، كما تكفلت بكل الشبكة في قسنطينة وعدة ولايات أخرى.
البحث عن أسواق خارج قسنطينة
خبرة 20 سنة من العمل في مجال تسيير النفايات والإنارة العمومية بقسنطينة، لم تكن كافية لـ «سوبت» لتحقيق مداخيل مناسبة، بسبب استحداث مؤسسات منافسة، فاضطرت إلى البحث عن أسواق خارج الولاية ، وهو ما نجحت فيه حاليا ، يؤكد محدثنا، الذي أضاف أنه يجري العمل على وضع كاميرات مراقبة بميناء عنابة، كما هو الحال مع جل الملاعب الجزائرية.
"الأزمة المالية دفعتنا إلى الاستغناء عن 100 عامل"
وأضاف المتحدث أن  عدم حصول المؤسسة على مشاريع « وعدت بها من قبل، اضطرها إلى الاستغناء عن 100 عامل ، ليؤكد أن الظروف المتاحة محليا لا تشجع على الاستثمار ، لأن السياسيات المتبعة تؤثر كثيرا ، بحسبه ، على الاقتصاد من أعلى الهرم إلى أسفله ، وهو ما أدى إلى صعوبات كبيرة عاشتها المؤسسة ، التي بحثت عن استثمارات جديدة،  لتجد في شراكة كندية أبرمت مؤخرا الأمل في «العودة إلى الحياة».
و أكد مدير «سوبت» أن مؤسسته قررت الاستثمار في مجال النفايات التي تحولت إلى   عبء،  على الدولة و البلديات التي أصبحت مطالبة بالتخلص منها في ظروف بيئية مقبولة، بينما يمكن تحويلها إلى مصدر للثروة ، مضيفا أنه عرض هذه الفكرة على وزارة البيئة التي قال إنها أعجبت كثيرا بالمقترح، ضمن نظرة مشتركة لمخطط سيتم العمل به من سنة 2020 إلى 2032، في إطار ما يسمى بالاقتصاد التدويري، الذي يشمل تحويل بعض المواد الصلبة إلى أولية.
تحويل النفايات إلى أسمدة لأول مرة في الجزائر
وأضاف المتحدث أن المشروع اقتصادي و سيكون مربحا لجميع الأطراف، حيث تم عرضه على 9 وزارات صادقت عليه ، و يشمل البرنامج تحويل البلاستيك إلى مادة أولية ، سواء من أجل البيع الداخلي أو الخارجي، أما النفايات فتتكون من نوعين، و هي الصلبة على غرار الخشب والحديد، والعضوية التي تمثل 58 إلى 64 بالمئة مما يتم جمعه ليحول إلى أسمدة زراعية، و هو مشروع قال مدير «سوبت» أنه الأول من نوعه في الجزائر و سيبدأ العمل به قريبا، مؤكدا أن الهدف منه الوصول إلى مرحلة التصدير لأوروبا.
و وفق السيد سامي عبد الكريم، فإن استغلال 73 بالمئة من النفايات «يقلق» بعض الجهات، رغم أن هذا المشروع النموذجي سيساعد، حسبه، على اقتصاد مبالغ مالية، حيث أن دفن 27 بالمئة من النفايات في مراكز الردم التقني ، سيقلص من مساحات الدفن التي أصبحت غير متوفرة، و سيتطلب استعمال عدد أقل من الشاحنات، و بالتالي توفير مصاريف البنزين وقطع الغيار وتغيير هذه الشاحنات.
اسطنبول و فرنسا نموذجا
وأعطى مدير المؤسسة مثالا عن مدينة اسطنبول التركية، التي تبيع النفايات مقابل 5 ملايين دولار للراغبين في تحويلها إلى مواد أولية ، بينما تصدرها فرنسا إلى هولندا والسويد، وهو ما تطمح إليه مؤسسة «سوبت» في المستقبل القريب بالجزائر ، أين لا تزال البلديات تجمع هذه النفايات مقابل المال وتدفنها بالأموال أيضا عوض استغلالها و جعلها مصدرا للثروة.
و أكد المدير أن مشروع تحويل النفايات سيكون بالتعاون مع وزارة البيئة و 3 شركات كندية ، حيث تم خلق شركة متعددة الجنسيات ، فيما تختص كل مؤسسة كندية في مجالات البلاستيك و الدراسات
و النفايات العضوية.
مشروع بكلفة 32 مليون دولار
وأضاف المتحدث أن المؤسسة ساهمت في المشروع بنسبة 51 بالمئة ، فيما أخذ الجانب الكندي نسبة 30 بالمئة لتبقى 19 بالمئة للوكالة الوطنية لتسيير النفايات ، مؤكدا أن اختيار هذه الشركات جاء بعد دراسة دامت 14 شهرا كاملا ، والسبب هو تمكنها من تحويل مادة البلاستيك السوداء إلى مادة أولوية، و هي عملية تتم حاليا في كندا وأمريكا والصين فقط.
و تنص الاتفاقية التي أبرمت العام الماضي على تجسيد المشروع ببلدية ابن باديس في سنة واحدة ، ضمن المخطط الاستراتيجي لوزارة البيئة ، و ذلك بقيمة استثمار قدرت بحوالي 32 مليون دولار ، حيث سيعرف استغلال 500 طن يوميا ، أي بما يعادل 100 ألف طن في السنة ، تجمع من مدينتي قسنطينة والخروب بالتساوي. و كانت «سوبت» قد بدأت بحسب تأكيد مديرها ، في اقتحام مجال معالجة نفايات المستشفيات بالشراكة مع خبراء من سويسرا ، و تم لأجل ذلك إعداد الدراسات و التحضير لجلب الآلات اللازمة ، لكن القانون الذي جاء سنة 2006 و الذي ينص على إحراق النفايات فقط ، منع من إتمام هذا المشروع الذي كان ليصبح نموذجيا في الجزائر ، استنادا للمصدر ذاته.    
                                               ب/ ح

الرجوع إلى الأعلى