أكوام من بقايا "الأميونت" تهدّد صحة سكان القماص بقسنطينة

تحوّلت مكبات القمامة العشوائية بحي القماص بقسنطينة إلى مسرح لبقايا الأميونت و»صوف الزجاج» منذ أقل من شهر، بعد أن لجأ العشرات من السكان إلى إزالة الشاليهات والتخلص من مخلفاتها بأنفسهم، رغم ما يكتنف الأمر من مخاطر تهدد صحتهم لعدم توفرهم على وسائل الحماية، كما تنذر بكارثة بيئية على مستوى المنطقة بعد أن امتد رمي هذه المخلفات الخطيرة إلى محيط غابة المريج.
روبورتاج: سامي حباطي
السكان يتحدثون عن «غموض» في التزام وقّعوا عليه
وتنقلت النصر إلى حي القماص المصنف كواحد من أكبر أحياء مدينة قسنطينة المعنية بعمليات إزالة «الأميونت» بتعداد يقارب 2500 شاليه بني باستعمال هذه المادة المسببة لأمراض خطيرة على رأسها السرطان. ورافقتنا في جولتنا مجموعة من السكان، حيث أكدوا لنا أنهم شرعوا في تهديم أكواخ الأميونت وإنشاء بنايات جديدة مع انقضاء عيد الفطر، مشيرين إلى أن الأمر يعود إلى «عدم استيعاب» المعنيين للالتزام الذي وقّعوا عليه، وتحصلت النصر على نسخة منه، حيث ينص بحسب ما ورد فيه على أن صاحب الشاليه المستفيد من الإعانة المالية يلتزم بالشروع في هدمه ما إن تُستكمل عملية بناء مسكنه.
وأشار محدثونا من السكان إلى أنه من المفترض أن تعين السلطات المحلية مؤسسة متخصصة في هدم الشاليهات والتخلص من بقايا الأميونت بالطرق المعمول بها، لكنهم اعتبروا أن الالتزام المذكور «غامض» وفهم منه الكثير من السكان أنه ينبغي عليهم الشروع في إنجاز بناية جديدة على أنقاض الشاليه الذي يتكفلون بهدمه بأنفسهم حتى يتمكنوا من الحصول على الشطر الثاني من إعانة الدولة المقدرة بـ120 مليون سنتيم، بعد أن تحصلوا على 48 مليون سنتيم كشطر أول.
ونبه أحد سكان الحي تحدثنا إليه أنه من غير الممكن التخلص من مخلفات الأميونت في المفرغة العمومية، التي «ترفض استقبال هذا النوع من النفايات»، مثلما قال، كما أن «أصحاب الشاحنات يرفضون نقل هذا النوع من القمامة إلى المفرغات».
نقاط رمي عشوائية ومناوشات حادة حول الردوم
بداية جولتنا بحثا عن بقايا الأميونت كانت من مكان شاغر مقابل لمسجد حسين بن علي ويقع خلف ملعب جواري، حيث يمكن ملاحظة تراكم كميات كبيرة من مخلفات البناء والأتربة دون الحاجة إلى الترجل من السيارة، خصوصا بمحيط مقر ورشة تهيئة الأرصفة التابعة لمؤسسة «سوبت»، لكن التوغل بين أكوام الردوم كشف لنا عن كميات معتبرة من «صوف الزجاج»، وهو عبارة عن مادة صناعية عازلة تحشى بها ألواح الأميونت، وتشبه مادة الإسفنج. وقد حذرنا مرافقونا من إطالة الوقوف بالقرب من صوف الزجاج، كما نبهونا إلى أننا سنصاب بحكة وصعوبة في التنفس، فيما نهونا عن لمسها بأيدينا بصورة قطعية.
ولاحظنا في الموقع أن هذه المادة ملقاة بين الردوم كيفما اتفق، فكميات منها قد وضعت في أكياس بلاستيكية، فيما لفت الأخرى في شكل أحزمة، فضلا عن أن حاوية معدنية كبيرة قد ملئت عن آخرها بهذه الفضلات «السامة»، بحسب اعتقاد مرافقينا، حيث قام مواطن بتمزيق أحد الأكياس التي تحتوي عليها ليؤكد لنا على وجودها. وشدد مرافقونا على ضرورة الاستحمام وتغيير الملابس مباشرة بعد المغادرة «حتى نتخلص من بقايا حبيباتها العالقة على أجسادنا».
واعتبر السكان أن خطورة الوضع تكمن في قيام بعض جيرانهم بحرق كميات من صوف الزجاج، مشيرين إلى أن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع جزيئات هذه المواد في الهواء واستنشاقها من طرف المواطنين في الحي وحتى في الأحياء المجاورة، على غرار حي المنى وسيساوي الواقعة بناياته خلف حي القماص مباشرة، فيما وقفنا بأنفسنا على وجود كميات من هذه المادة وما تزال عليها آثار الحرق وفي أكثر من نقطة رمي عشوائية.
واستثار حضورنا في المكان بعض السكان الذين دخلوا في مناوشات كلامية مع عمال مؤسسة «سوبت» بسبب رمي مخلفات البناء، حيث اتهموا المؤسسة بالتخلص من بقايا الأشغال بمحيط مقر الورشة، بينما رد عليهم العمال بالقول أن السكان هم من يقومون برمي الردوم عشوائيا في الموقع، في حين طالب بعض السكان القائمين على الورشة بتمديد إحاطة المقر من أجل الحيلولة دون وصول المواطنين إلى الجهة الخلفية للتخلص من بقايا الأميونت ، كما أخبرنا أحد العمال «الغاضبين» أن «هذه الردوم موجودة منذ أربع سنوات في المكان وأن السكان هم من يقومون برميها».
مخلفات الأميونت بمحيط غابة المريج
واصلنا جولتنا في الحي، حيث توقفنا أمام نقطة رمي كبيرة مقابل المقبرة، ولاحظنا فيها نفس المشهد تقريبا، حيث تتراكم كميات من «صوف الزجاج» إلى جانب بعض قطع الأميونت المستعملة في الفصل بين الغرف في الشاليهات، كما توجد في نفس المكان مخلفات من أنواع أخرى مثل بقايا الحجارة والأخشاب والقمامة المنزلية العادية. وحدّثنا أحد السكان أن الأطفال معتادون على اللعب بالمكان المذكور، فضلا عن مشاهدته لطفل صغير يتناول قطعة من الخبز و»ينهش» بأصابع يده الأخرى صوف الزجاج ظنا منه أنه عبارة عن قطن أو إسفنج أو مادة أخرى يجوز استعمالها للعب.
وعند آخر الطريق فوق المقبرة لاحظنا كمية صغيرة من هذه المادة ملقاة بمحيط نقطة نظامية لرمي القمامة، فيما وجدنا أن الكمية الأضخم والأكثر ظهورا مرمية على الطريق المؤدي إلى غابة المريج وغير بعيد عنها، حيث تتراكم أكياس منها محاطة بملابس قديمة وحجارة بناء مهدمة وبقايا الكتامة المستعملة في الأسقف، فيما تتوسط المكان بقعة دائرية كبيرة سوداء من آثار حرق مخلفات الأميونت.
مواطنون يطالبون البلدية بوضع لافتات لمنع الرمي
أما في طريق العودة، فقد استوقفتنا بقايا أعمدة خشبية مثلثة خاصة بالأسقف، حيث كانت متراكمة على الرصيف المقابل لورشة نجارة، أخبرنا صاحبها أنه حصل عليها من أحد المواطنين بعد أن هدم الشاليه الخاص به، قبل أن يدخل في نقاش مع مرافقينا حول احتواء هذه الأخشاب على مادة الأميونت وما تحمله من مخاطر على الصحة البشرية. ونبه النجّار أن هذه الأخشاب منزوعة من شاليه واحد فقط.
وقال السكان أن المئات منهم مصابون بأمراض الحساسية والربو، فضلا عن الأمراض السرطانية التي سجلت بينهم، مشيرين إلى أن الأمر وصل إلى تسجيل السرطان لدى رضع حديثي الولادة بالحي، حيث أرجعوا ذلك إلى مادة الأميونت التي عاشوا تحت وطأتها لعقود، فيما اعتبروا أن أمراض الحساسية والاضطرابات التنفسية ناجمة عن استنشاقهم للمواد التي يفرزها «صوف الزجاج» من بين جدران الشاليهات.
وأضاف محدثونا أنهم التقوا برئيس بلدية قسنطينة مطلع الأسبوع الماضي، حيث طالبوه بوضع لافتات تمنع التخلص العشوائي من مخلفات الشاليهات، فيما أكدوا في حديث إلينا أن المعنى أكد لهم على منع التخلص من الأميونت بطرق عشوائية، كما أوضح المواطنون أنه من المفترض أن تقوم مؤسسة متخصصة بالتخلص من بقايا هذه الشاليهات.

رئيس الدائرة: يمكن للمواطنين هدم الشاليهات ورمي المخلّفات في المفرغات
أمّا رئيس دائرة قسنطينة، عز الدين عنتري، فقد أفاد في اتصال بالنصر، أن السلطات المحلية قد تراجعت عن قرار تعيين مؤسسة متخصصة للتخلص من بقايا الأميونت المترتب عن هدم الشاليهات عبر الولاية، رغم أنه كان من المبرمج أن تتم العملية بهذه الطريقة من قبل، لكن الحائل التقني دون المضيّ قدما في الأمر يعود، بحسبه، إلى عدم إمكانية رفع مخلفات أعداد كبيرة من الشاليهات بشكل جماعي، و»من غير الممكن تعيين مؤسسة لتقوم برفع مخلفات شاليه أو اثنين كل ثلاثة أيام»، مثلما قال.
وأضاف المسؤول أنه مسموح للمواطنين هدم الشاليهات والشروع في البناء، لكنهم مطالبون باحترام أماكن الرمي القانونية وعدم التخلص من البقايا عشوائيا أو حرقها، حيث نفى ما قاله السكان حول عدم استقبال المفرغات لبقايا الأميونت، مشيرا إلى أنه ينبغي على المعنيين التوجه إلى مركز الردم التقني لرميها.
وقد تحدثنا خلال الجولة إلى أحد السكان، بعد أن أخبرنا أنه اضطر إلى هدم الشاليه الذي يقطنه، حيث أوضح لنا أنه لم يعد قابلا للسكن، بعد أن أصبح سقفه يرشح بمياه الأمطار، في حين حدثنا مواطن آخر عن المشاكل التي واجهته بسبب عدم ملاءمة مخطط البناية الجديدة التي وضعها مكتب الدراسات، وأوضح لنا أنه قام بإنجاز بناية جديدة قبل سنة 2008 وأودع ملف تسوية دون المساس بالشاليه القديم، فيما فرض عليه مكتب الدراسات الالتزام بالمخطط الجديد الذي يفترض أن البناية التي أنجزها تتحول إلى حديقة بينما يقوم البناء محل الشاليه.
استنشاق ألياف صوف الزجاج يسبب الالتهاب الرئوي
وتحذر مختلف التقارير التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية حول مادة الأميونت من استنشاق الألياف التي تتشكل منها، خصوصا بالنسبة للأشخاص الذين يتعرضون لها لمدة زمنية طويلة، كما تتضمن العازل الحراري المعروف باسم صوف الزجاج كأحد المكونات الخطيرة التي تؤثر على صحة الإنسان، وغالبا ما تكون تبعاته مباشرة على الأشخاص الذين يعملون في مجال البناء أثناء ملامستهم لهذه المادة المكونة من ألياف صغيرة جدا على شكل إبر، ما يؤدي إلى إصابتهم بحكة جلدية، فيما يؤثر دخول هذه المادة إلى الجهاز التنفسي على الرئة وينتهي بإصابة الإنسان بالالتهاب الرئوي، كما أن إبر الألياف الصغيرة تمكث داخل الرّئة لفترة طويلة جدا.
وعلى عكس الأميونت الذي يؤدي إلى الإصابة بالسرطان بسبب الإشعاع، بحسب ما تشير إليه تقارير المنظمة، فإن صوف الزجاج غير قابل للاحتراق، لكن انتشاره في الهواء أمر خطير، ويقترح ضمن تدابير السلامة الخاصة بالتعامل معه ارتداء أقنعة التنفس ووقاية الجلد، وهي ظروف لا تتوفر أي منها لدى المواطنين الذين يعمدون إلى إزالة شاليهات الأميونت بأنفسهم على مستوى حي القماص، أو غيره من الأحياء المعنية بالمشكلة التي قد تشهد نفس الظاهرة في قادم الأيام.
«إزالة الأميونت تتطلب إجراءات وقائية خاصة»  
ويؤكد رئيس جمعية حماية الطبيعة والبيئة، عبد المجيد سبيح، أن التخلص من مادة الأميونت وصوف الزجاج يتطلب إجراءات وقائية خاصة، مشيرا إلى أنه لا يمكن لمواطنين تعوزهم الوسائل والتقنيات أن يتكفلوا بالعملية، وأضاف أن رمي مخلفاته بطريقة عشوائية سيؤثر على البيئة وصحة المواطنين، خصوصا المصابين منهم بأمراض الربو والحساسية. وأضاف نفس المصدر أن درجة خطورة مادة الأميونت ترتفع بطول المدة التي يظل فيها موجودا، فيما نبه أن «صوف الزجاج» يستعمل كعازل حراري في أسقف الشاليهات المذكورة، حيث كان الجزائريون يستعملون خشب العرعار وتقنيات طبيعية أخرى للحماية من ارتفاع درجة الحرارة.
وتتطلب إجراءات إزالة الأميونت بحسب محدثنا، ارتداء ملابس خاصة ووضع الأقنعة، حيث يجب أن تكون بدلات العمال مصنوعة من مواد غير نسيجية مثل النايلون حتى لا تعلق بهم إبر ألياف الأميونت وصوف الزجاج، مضيفا أنه ينبغي رشّ الألواح بالماء قبل نزعها، حتى تُثقل إبر الألياف وتمنعها من التطاير في الهواء، كما ينبغي نقلها في شاحنات مغلقة تُرشّ هي الأخرى بالمياه، ليتم في النهاية دفنها في خنادق كبيرة بمراكز الردم التقني ويهال عليها التراب مع تعليق لافتة تشير إلى وجودها، فالأميونت والمواد العازلة المستعملة معه غير قابلة للتحلل.
أمّا عن الرمي العشوائي لمخلفات بناءات الأميونت، فدق محدثنا ناقوس الخطر، مشيرا إلى أن خطورة هذه المواد على الطبيعة كبيرة، خصوصا وأن تعرضها للرياح يضاعف من خطر تنقلها في الهواء، فيما نبه إلى أنها تؤثر حتى على الكائنات الصغيرة الموجودة في التربة ما يضعف من خصوبتها في حال رميها عشوائيا في الأراضي الفلاحية.
س.ح

الرجوع إلى الأعلى