الكورنيش الجيجلي يغـرق في القمامة و يفتقر للخدمات

ينتظر الكورنيش الجيجلي الشهير، التفاتة جادة من مسؤولي الولاية و مستثمريها، للحفاظ عليه و حمايته من اعتداءات الإنسان، بعدما  غزت القمامة جانبا واسعا منه، في حين لا تزال المنطقة عموما تفتقر لأدنى الخدمات السياحية و تعجز عن التكيف مع حجم الإقبال السنوي للسياح الراغبين في رؤية هذه الجنة الواقعة بين بلديتي زيامة منصورية و العوانة و التي  ذاع صيتها و تحدثت عنها وسائل إعلام غربية و آسيوية ، نظرا لخصوصية الموقع الذي يمكن أن يتحول إلى قبلة للسياح من مختلف دول العالم ، باعتباره موطنا لقرد الماغو الشهير، بالإضافة لعديد الأصناف النباتية النادرة.
روبورتاج/ ك- طويل

قبلة المستكشفين و الأمراء منذ سنة 1917
إرث طبيعي هام تتوفر عليه السلاسل الجبلية و الكهوف التي يشقها مسلك الكورنيش، وهو ما يجعله قبلة لآلاف الزوار سنويا من داخل الوطن و من خارجه، فالكورنيش الجيجلي لطالما اشتهر عالميا بفضل تلك الصور التي كان يلتقطها له المعمرون و المستكشفون، خصوصا بعد فتح معبره الرئيسي سنة 1917، و هو المسلك الغربي المعروف اليوم بالطريق الوطني رقم 43، حيث سمحت أشغال مد الطريق آنذاك باكتشاف العديد من المعالم السياحية المعروفة حاليا، على غرار الكهوف العجيبة و غار الباز، و غيرها من العجائب الطبيعية التي استقطبت أمراء من العائلات الملكية من إنجلترا و إسبانيا، و سفراء عديد البلدان، كان أخرهم أمير إسباني قصد جيجل سنة 2001، في إطار رحلة قادته إلى أجمل المناطق السياحية عبر البحر الأبيض المتوسط. وقد ذكرت مصادر، بأن عازف الكمان الشهير أنطونيو وسيوفيفالدي( 1678– 1741) ، كان من بين من زاروا المنطقة كذلك، و يعتبر أول من أطلق على الكورنيش، تسمية «ساحل الياقوت الأزرق»، لما يحتويه من مناظر طبيعية خلابة، تختزل كل أشكال الحياة و التضاريس الموجودة في محيط البحر الأبيض المتوسط.

الكهوف العجيبة و غار الباز
و من أبرز المقومات السياحية لمنطقة الكورنيش، الممتدة على طول 30 كيلومترا، باتجاه بلدية زيامة منصورية، نجد كلا من غار الباز و الكهوف العجيبة، وهما من أكثر المعالم استقطابا للسياح، فالكهوف العجيبة تعد فريدة من الناحية الجمالية وطنيا، و شهرتها تتعدى كل الحدود بفضل طبيعتها الكلسية التي أفرزت مجسمات وأشكالا أقرب إلى الأعمال النحتية و الفنية، علما أن موقع الكهوف يعد استثنائيا و يتواجد بالقرب من فضاء يجمع بين الغابة و الوادي الممتد إلى غاية شاطىء رملي ساحر.
 أما غار الباز، فهو موقع لا يقل جمالا، أعيد فتحه أمام الزوار العام الماضي بعدما أغلق لغرض الترميم، ويعود سبب تسميته بهذا الاسم، لوجود مجسم يشبه طائر الباز داخله، علما أن الأمر يتعلق عموما بمغارة كلسية تتوفر على قاعة كبيرة مساحتها تزيد عن 3 آلاف متر، سقفها مائل و مموج يرتفع عن السطح بحوالي 20 إلى32 متراً، ولعل أبرز ما يميز هذا الموقع، هو تلك الرسومات القديمة للإنسان الأول و لحيوانات تعود لآلاف العصور، بالإضافة إلى مجسم صغير  لديناصور، يقال بأنه كان يعيش قديما في المنطقة.

أنت هنا في ضيافة قرد الماغو
جمال الطبيعة وقساوة التضاريس، جعلت الكورنيش يصنف كمحمية طبيعة تابعة للحظيرة الوطنية «تازة»، خصوصا وأن المنطقة تعد ملجأ للعديد من الحيوانات النادرة، على غرار قردة «الماغو»  أو القردة المغاربية، حيث أوضحت مديرة الحظيرة النصر، بأن الكورنيش الجيجلي، أضحى موطنا لمجموعة كبيرة من قردة الماغو، التي غادرت الجبال لتستقر في المنطقة نظرا لملائمة التضاريس و هو ما دفع بالسلطات إلى إنشاء محمية طبيعية تمتد إلى غاية الجهة الغربية من إقليم ولاية جيجل، حيث تعتبر المحمية حسبها، موطنا للكثير من الحيوانات و النباتات النادرة في العالم، خصوصا ما تعلق بالأصناف الحيوانية  التي تتخذ من الأشجار مسكنا لها، وأضافت المتحدثة، بأن القرد المغاربي « ماغو»، يعتبر ميزة خاصة بالكورنيش الجيجلي و مصدر جذب سياحي هام، حيث يساهم بشكل كبير في استقطاب الزوار و عشاق الطبيعة و الحياة البرية.
تنوع بيولوجي فريد
تتنوع أشكال الحياة على امتداد الكورنيش بما يسحر الناظرين، فهذا الشريط الغابي يضم 134نوعا من الطيور على غرار طائر كاسر الجوز القبائلي، بالإضافة إلى 414 صنفا نباتيا، من بينها 147 نبتة طبية و135 نوعا من الفطر بينها ما هو سام و ما يصلح للاستهلاك أيضا، كما تعتبر المنطقة موطنا لأنواع عديدة من الطيور كالجوارح والطيور المائية والبحرية.

الرمي العشوائي للقمامة يشوه المكان
كثرة الإقبال على الكورنيش، جرت معها مشاكل عديدة أبرزها ما يتعلق بشق غياب النظافة، فسلوكيات زوار المنطقة شوهت جانبا كبيرا من محيط المسلك البحري الغابي، الذي تنتشر على امتداده أكوام القمامة و النفايات التي يتركها قاصدوه، دون مراعاة للواقع البيئي أو احترام للطبيعة و لغيرهم من زوار الكورنيش.
وقد لا حظنا خلال جولة قادتنا إلى المنطقة، بأن هنالك بعض الزوايا  التي تحولت إلى ما يشبه المفارع العشوائية بسبب تراكم بقايا الطعام و قوارير المشروبات الكحولية و الغازية فيها، كما وقفنا على حقيقة أن هنالك من المنحرفين من يستغلون بعض المواقع للشرب، و يحتلونها بشكل يحرم على العائلات الوصول إليها أو حتى التوقف بالقرب منها، وقد أبدى بعض من تحدثنا إليهم من سياح امتعاضهم من مثل هذه المظاهر غير الحضارية الصادرة عن الإنسان على حد تعبيرهم، مطالبين السلطات المحلية بضرورة التدخل العاجل لتطهير المكان.
منطقة سياحية تفتقر للخدمات
بالإضافة إلى مشكل غياب النظافة، يطرح افتقار المنطقة للخدمات، كأحد أهم النقائص التي تؤثر بشكل مباشر على الجذب السياحي، خصوصا و أن المنطقة لم تعرف تغييرات و تحسينات كثيرة طيلة السنوات الماضية، وهو ما استغربه العديد من زوارها، حيث تساءل بعض من تحدثنا إليهم، عن أسباب تأخر إنجاز مرافق خدماتية كالمطاعم و الفنادق بما يتماشى مع الخصوصية السياحية للكورنيش، الذي يفتقر أيضا و بشكل تام للمحلات و المراحيض و لا يتوفر حتى على كراس أو فضاءات استجمام عائلية، و هي نقائص أرجعها أحد المسؤولين الذين تحدثت إليهم النصر، إلى موقع الكورنيش، باعتباره جزء امن محمية الحظيرة الوطنية تازة، مشيرا إلى أنه قد تقرر عدم الاعتداء على عذرية المنطقة و سحرها الطبيعي نظرا لذات السبب، فيما تم  استحداث بعض فضاءات الراحة على جوانب الكورنيش،في انتظار إتمام أشغال عملية توسعة الطريق الوطني رقم 43 بالجهة الغربية.
جمعيات  ترفع تحدي الترويج للسياحة محليا
وقد كانت وضعية الكورنيش محل اهتمام العديد من الجمعيات المحلية، التي تحاول في كل مرة تعزيز الحركية السياحية على مستواه، من خلال التواصل مع المسؤولين للمطالبة بتهيئته و الحفاظ عليه، و كذا عن طريق تنظيم خرجات سياحية و جولات عائلية باتجاه، على غرار ما تقوم به جمعية السفير للسياحة بالتنسيق مع شركائها، و التي تعكف منذ ثلاث سنوات على برمجة خرجات سياحية لفائدة الأطفال و العائلات، نظمت آخرها مؤخرا و عرفت مشاركة واسعة لمصطافين ساروا على مسافة 16 كيلومترا، بغرض اكتشاف التنوع البيئي للمنقطة، حيث كانت الانطلاقة من بلدية العوانة و صولا إلى زيامة منصورية.
ويهدف القائمون على النشاط كما عبروا، إلى تحقيق عدة أهداف بداية بدفع الناس إلى ممارسة رياضة المشي فضلا عن التعريف بالمنطقة و الترويج لها سياحيا، خصوصا خلال عطل نهاية الأسبوع، فحسب الآنسة إيمان وهي عاملة بديوان الترقية و التسيير العقاري شاركت في الجولة، فإن تأمل الكورنيش الجيجلي و السير عبره يعتبر ضربا من ضروب العلاج النفسي و الجسدي للإنسان الذي يعاني من ضغوطات الحياة و العمل، فيما قالت الطفلة لبني، بأن الرحلة مفيدة للصحة و للبصر و أوضح مشاركون آخرون بأن هذا النوع من الرحلات، يساعد كثيرا على تشجيع السياحة و التعريف أكثر بالكورنيش و توعية المواطنين بضرورة الحفاظ عليه.                                      كـ. ط

الرجوع إلى الأعلى