تسجل ولاية بومرداس، منذ انطلاق موسم الاصطياف    توافدا قياسيا للزوار فاق كل التوقعات هذه السنة، حيث تحولت إلى قبلة أولى للعائلات القادمة من مختلف ولايات الوطن، بفضل ملائمة أسعار كراء الشقق على مستوى بلدياتها الساحلية، وهو ما فرض حركية استثنائية أيقظت المدينة من سباتها العميق، وضاعف رهان إنجاح الموسم رغم النقائص الكبيرة المسجلة فيما يخص الإيواء.
روبورتاج :إ.زياري
فبومرداس ولاية ساحلية ساحرة تحتل موقعا إستراتيجيا بفضل قربها من غالبية ولايات الوسط، ما حولها في السنوات الأخيرة، إلى قبلة سياحية وخلق حركية كبيرة كسرت الهدوء الذي أحكم قبضته عليها لعقود، فالأجواء تغيرت بشكل كبير و باتت أكثر حيوية بفضل مغتربين و زوار كثر اختاروا الاصطياف على شواطئها قادمين من 47 ولاية.
الثانية وطنيا من حيث استقطاب المصطافين
و حسب إحصائيات المديرية العامة للحماية المدنية، الخاصة بموسم الاصطياف المنقضي، فإن ولاية بومرداس، سجلت ثاني أعلى نسبة في عدد المصطافين بعد ولاية وهران، العام الماضي، بتعداد قدره 15 مليون مصطاف، حيث حققت في شهر جوية وحده نسبة إقبال ناهزت 13 مليون مصطاف  كما أشارت ذات الإحصائيات، إلى أن عدد زوار شواطئ المدينة بلغ أسبوعيا 300 ألف مصطاف، وهو رقم يرتفع إلى حدود 44 ألف مصطاف، خلال عطل نهاية الأسبوع.
و تشير تقارير ولائية، إلى أن عددا كبيرا من الجزائريين   قد حولوا وجهتهم الصيفية نحو شواطئ ولاية بومرداس خلال السنوات الأخيرة، إذ تعرف الأرقام المسجلة من قبل مصالح الحماية المدنية، ارتفاعا مضطردا سنويا، حيث قفز الرقم  من 8 ملايين مصطاف، قبل نحو 4 إلى 5 سنوات، إلى غاية 13 مليون مصطاف، ثم إلى 15 مليون مصطاف العام الماضي، وهو رقم وصف بالقياسي و لم تبلغه حتى أكبر و أشهر الولايات الساحلية على غرار الجزائر العاصمة.
السر في جمال المدينة و انخفاض التكاليف
النصر، قامت بجولة استطلاعية في عدد من شوارع و شواطئ بومرداس، التي تستحوذ على ما يقارب 100 كيلومتر من الشريط الساحلي، لمتابعة مجريات موسم الاصطياف هذه السنة، فأكد جل من قابلناهم من مصطافين وسياح، بأن هذه المدينة الساحرة، باتت قبلتهم و وجهتهم المفضلة و الأولى خلال كل صائفة، نظرا لهدوئها و توفرها على الأمن و لجمال شواطئها خصوصا  قورصو و زموري، ناهيك عن خصوصية مدينة دلس أو رأس جنات التي تعد الأكثر استقطابا للزوار.
و تحدث سيد من ولاية الأغواط، عن المقومات التي جعلته يفضل بومرداس عن غيرها من المدن الساحلية، فقال، بأن السبب الأول يتعلق بموقعها الجغرافي المتميز القريب من ولايات الوسط الجزائري و الساحل، فزائرها يمكنه أن يستقر بها ويتنقل بين عديد الولايات الأخرى على غرار تيزي وزو و بجاية و العاصمة و تيبازة.
بينما قال شاب آخر من تيارت، بأن انخفاض تكاليف الإقامة فيها صيفا، يعد العامل الأول وراء إقبال الكثيرين عليها موضحا، بأن أسعار كراء المساكن أو الفنادق مقبولة جدا مقارنة بباقي الولايات الساحلية كالجزائر العاصمة مثلا فضلا عن أن أسعار الخضر و الفواكه منخفضة و نوعيتها جيدة، نظرا لطبيعة المنطقة الزراعية وهو ما يخفض تكاليف الإطعام خلال العطلة حسبه، مضيفا، بأن هذه المغريات الاقتصادية تتقاطع بشكل كبير مع مغريات طبيعية أخرى تتمثل في جمال الشواطئ الرملية والحجرية و وفرة الغطاء الغابي.
قبلة لسكان الجنوب و الساحل أيضا
تنصهر كل اللهجات صيفا في ولاية بومرداس، و تتنوع فيها ألواح ترقيم السيارات، مشكلة فسيفساء لـ48 ولاية، فالكثير من الجزائريين يفضلون هذه الولاية، التي تحظى استثناء بشعبية واسعة جدا بين سكان الجنوب، الذين يسجلون حضورا مميزا خلال كل موسم، سواء من خلال المخيمات الصيفية أو في إطار رحلات التضامن و التبادل بين الشمال و الجنوب.
و يزور بومرداس كذلك، مصطافون كثر من الولايات ساحلية، يفضلونها لخصوصيتها و تميز شواطئها و تنوعها كما أكده لنا  مصطافون من تيزي وزو و بجاية و وهران قابلناهم على مستوى شاطئ قورصو.

جنة العاصميين
و من المعروف أن لبومرداس، مكانة خاصة في قلوب سكان العاصمة، إذ تشكل بعض شواطئها و مدنها كدلس، مزارا للكثير من العائلات منذ القدم، كما تعد محجا لأهل الفن و عشاق الطبيعة بشكل خاص، غير أن إقبال العاصميين عليها زاد خلال السنوات الأخيرة، ولم يعد يقتصر على شاطئ واحد، وقد أكدت سيدة التقيناها بشاطئ الكرمة بوسط المدينة بأنها تقصد بومرداس، بحثا عن الهدوء و هربا من اكتظاظ شواطئ العاصمة، بينما قالت أخرى، بأنها تحب التنوع و تفضل بومرداس نظرا لنظافة شواطئها و جمالها، ناهيك عن قرب المدينة من العاصمة، في حين  وصف رجل آخر الشواطئ بالعائلية.
عجز في الإيواء بعد إزالة الشاليهات
لا يختلف اثنان، على أن ولاية بومرداس تعاني من نقص فادح في مرافق الإيواء و مختلف المرافق السياحية الأخرى  فبالرغم من التزايد السنوي لأعداد المصطافين، إلا أن الحظيرة الفندقية المحلية بقيت محدودة ولا تتوفر على أزيد  من 19 مؤسسة فندقية بسعة 2388 سريرا، بينما توفر المخيمات الصيفية العائلية و مراكز الاستقبال الشبانية حوالي 8 آلاف سرير.
و تبقى المدارس و مؤسسات التربية، البديل الوحيد، إذ تعرف حركية كبيرة و تستقبل آلاف المصطافين سنويا خاصة القوافل الشبانية و أطفال المخيمات في إطار البرامج التضامنية  للتبادل بين ولايات الجنوب و الهضاب و الولايات الساحلية.
وقد كان عدد كبير من سكان الولاية، يستثمرون في أزمة نقص مراكز الإيواء، من خلال تأجير شاليهاتهم التي استفادوا منها و بشكل مؤقت عقب زلزال 2003، وهي شاليهات تقع في أغلبها على مستوى البلديات الساحلية كقورصو و بودواو البحري، و لا تبعد كثيرا عن الشواطئ كانت العائلات تؤجرها للمصطافين صيفا و تعود إليها بعد انقضائه، مقابل مبالغ مالية يعتبرها الزوار معقولة خاصة بالنسبة للعائلات، حيث لم يكن إيجار الشاليه الواحد يتجاوز مبلغ 2500 دينار إلى5000 دينار لليلة الواحدة، غير أن قرار إزالتها و ترحيل سكانها، قلص من حظيرة الكراء و عمق مشكل الإيواء في الولاية.
فنادق مكلفة و مواطنون سماسرة
مشكل نقص مرافق الإيواء النظامية من فنادق و قرى سياحية، صب في فائدة الكثير من السكان الذين تحولوا إلى سماسرة عقار، يمتهنون تأجير الشقق المفروشة صيفا خصوصا قاطني البلديات الساحلية، الذين يفرضون أسعارا عشوائية ترتفع و تنخفض بحسب موقع و نوع المسكن و مستوى تجهيزه، وهو نشاط يعرف توسعا في السنوات الأخيرة، خصوصا في ظل زيادة الإقبال على المدينة صيفا.
 والملاحظ هو أن أسعار الكراء تختلف من بلدية إلى أخرى حيث تكون مرتفعة في البلديات الساحلية كبومرداس و منخفضة في المناطق الداخلية كخميس الخشنة، و تخضع العملية في العموم، لمنطق سماسرة العقار، إذ يتراوح سعر كراء شقة مفروشة من 3 غرف بين 4000 دينار إلى 8000 دينار لليلة الواحدة، بينما قد يصل سعر كراء «بانغالو» من غرفة واحدة و مطبخ، في مركب سياحي متواضع بزموري إلى5000 دينار لليلة الواحدة.

بالمقابل فإن أسعار الفنادق جد مرتفعة، كما أن الحجوزات بها مكتملة طوال الموسم، حيث تكلف ليلة واحدة في غرفة لشخصين بفندق «مدينة هوتال» المصنف بـ 3 نجوم، مبلغ 9770 دينار، و هي تقريبا نفس التكلفة، المعتمدة في  باقي الفنادق، من جهة ثانية تعرف النزل و المراقد هي الأخرى إقبالا كبيرا، نظرا لانخفاض تكاليفها التي لا تزيد عن 1000 إلى 2000 دينار للشخص مقابل الليلة، لكنها تبقى أماكن غير عائلية و مخصصة أكثر للشباب.
نحو توفير 6 آلاف سرير مستقبلا
و بخصوص واقع الإيواء بالمدينة، كشف عبد العزيز لعوبي وهو إطار بمديرية السياحة بالولاية، بأن العمل جار من أجل تدارك العجز المسجل في مجال المرافق الفندقية، موضحا بأن بومرداس تمتلك من المقومات ما يؤهلها لتكون ولاية سياحية بامتياز، كشفا عن استلام 3 فنادق جديدة هذا الموسم بطاقة استيعاب قدرها 142 سريرا، على غرار المخيم العائلي «الصغيرات» الذي يحتوي على شقق من غرفة إلى 3 غرف، وهو ما من شأنه رفع قدرة الاستيعاب ولائيا إلى حدود 4 آلاف سرير.
و فيما يتعلق بالمشاريع الجديدة، قال ذات المصدر، بأن هنالك 58 مشروعا سياحيا قيد الإنجاز، من بينها المرافق الثلاثة التي سيم استلامها هذا العام، موضحا بأنها ستوفر حوالي 6 آلاف سيرير إضافي، مع خلق 2500 منصب شغل جديد، مضيفا بأنه و بعد إنجازها و تسليمها جميعا، ستعرف بومرداس قفزة نوعية في مرافق الإيواء من شأنها أن تنهي العجز المسجل.
إ.ز

الرجوع إلى الأعلى