عاد الحديث بقوة في السنوات الأخيرة بجيجل، عن الاستثمار السياحي في المناطق الجبلية، خصوصا بعد عودة الأمن لهذه المناطق التي عزلت طيلة عقود و تحولت إلى بعبع يهابه سكان المدينة و يتجنب زوارها الاقتراب منه، لكن استقرار الأوضاع، فتح ملف السياحة الجبلية مجددا و وسع رقعة التعاطي مع الموضوع لتشمل السلطات الولائية، بعدما كانت الفكرة أكثر تداولا في المحيط الشباني و في أوساط الجمعيات السياحية المحلية، التي طالما أكدت بأن الثروة الجبلية التي تتوفر عليها الولاية تعد بمثابة منجم ذهب أخضر من شأنه أن يثري السياحة في جيجل، و يذر ذهبا في حال استثمرت فيه الدولة و الخواص بإنشاء منتجعات و قرى سياحية ناهيك عن تعزيز البنى التحتية للنهوض بهذا القطاع بداية بمد الطرقات وتعزيز المنشئات وهيكلة قطاعي النقل و الخدمات.
كـ. طويل
حظيرة سياحية تعادل80 في المائة من مساحة الولاية
و يراهن مسؤولو قطاع السياحة و الجمعيات بالتنسيق مع البلديات ذات الطابع الجبلي، على تفعيل مسعى الاستثمار ميدانيا في المستقبل القريب، من خلال ضبط استراتيجيات عمل حقيقية  خصوصا و أن الغطاء الغابي الجبلي يشكل نسبة 80 بالمائة من مساحة الولاية، و هي في العموم فضاءات سياحية واعدة تجاور الشريط الساحلي، و تستقطب الكثير من الزوار و السياح سنويا، رغم افتقارها للتهيئة وللخدمات و للاستغلال الأمثل.
تاكسنة ليس مجرد منبع ماء
المميز في غالبية بلديات جيجل هو طبيعتها الجبلية، وذلك على غرار بلدية تاكسنة، التي يمكن لزائرها أن يحظي بتجربة بيئية فريدة، نظرا لتنوع مواقعها السياحية كموقع الماء البارد، الذي ذاع صيته وطنيا، باعتباره مصبا لمنبع منعش يستقطب الآلاف سنويا، ممن يستظلون بظل البساط الغابي المحيط به، أين يمكن للإنسان أن ينام لساعات وسط الهدوء و يستمتع بالهواء النظيف الذي تضخه هذه الرئة الجبلية المتواجدة على ارتفاع 1300 متر عن مستوى سطح البحر، المتموقعة على مستوى الطريق المؤدي لمصنع المياه المعدنية تاكسنة، حوالي 9 كلم غرب مقر البلدية.
 التواجد في هذه المنطقة الساحرة، يجعلك تتيه متأملا في سحر المكان و عظمة الخلق، أما السير على الأقدام هناك فله طعم آخر، لأنك تقف عند كل خطوة على  موقع جديد يستحق الاستكشاف، بداية  بموقع منبع الماء الباردة، الذي يشكل لوحة طبيعية خلابة لصخور تتفجر منها سيول مياه تنعش النفوس قبل الأجساد في موسم الحر، لذلك تتردد عليه العائلات بقوة للاستمتاع بهدوء الطبيعة و جمال أشجار الزان والأرز الأطلسي الكثيفة، التي تتشكل منها السلسة الغابية المحيطة بالموقع الذي يعرف كذلك إقبالا كبيرا للزائرين خصوصا خلال فصلي الربيع و الصيف، أين يتخذون منه فضاء للراحة والاستجمام، بالنظر لكونه مكانا يعرف حركية جماعية للعائلات التي تقصده عادة في إطار رحلات منظمة تفرضها عزلة المنطقة التي لا تزال بحاجة إلى ترويج أكبر كما تحتاج إلى مشاريع تهيئة و تعبيد للطرقات.
      «المرحبا» أو  عندما ترحب الطبيعة بالبشر
على بعد حوالي7 كلم، غرب مقر بلدية تاكسنة الجبلية  و تحديدا عند مسار الطريق البلدي رقم 6 الرابط بين بلديتي تاكسنة و قاوس، يوجد موقع « المرحبا»، وهو من بين المواقع السياحية التي يعول عليها كثيرا في إنعاش السياحة الجبلية، فهو فضاء يمتاز بالهدوء تزوره العائلات سنويا بالنظر لتوفره على منبع مائي طبيعي، سيستغل بنجاعة أكبر بمجرد استلام مشروع الإقامة السياحية 100 سرير، الذي انطلقت إشغال إنجازه منذ مدة.
و تعرف جل المناطق الواقعة عند محيط بلدية تاكسنة تقريبا  إقبالا كبيرا للزوار، حيث تمتد نقاط التوقف و الراحة على طول طرقاتها المزدحمة بالسيارات العائلية، كما يشهد الطريق البلدي رقم 5، الرابط بين تاكسنة و بلدية الأمير عبد القادر، حركية كبيرة في الفترة المسائية، كونه يجاور حوض سد العڨرم، و يعتبر شرفة مطلة على شواطئ البحر انطلاقا من سواحل بلدية جيجل وصولا للشواطئ الشرقية، كما تتواجد به أيضا قمة «مسبابط» 1100 متر عن سطح البحر و التي تعد بمثابة موقع استراتيجي ممتاز للغاية نظرا لعلوها الشاهق و بالإضافة إلى ما ذكر، تتوفر بلدية تاكسنة أيضا على العديد من المواقع التي تستحق الاستكشاف، و تعتبر من بين كنوز السياحة الجبلية.
شباب يطوعون الجبال و ينشئون مشاريع خدماتية

غير بعيد عن تاكسنة الغنية، تتواجد بلدية سلمى بن زيادة وهي منطقة جبلية تستحق الاستكشاف و التنقيب عن أسرارها السياحية، على غرار موقع عين لمشاكي، الذي يعد من بين الفضاءات الغابية الساحرة و لغزا حقيقيا بالنظر إلى طبيعة المنبع  المائي الذي يتدفق لمدة معينة من الزمن ثم تنقطع مياهه لتعود بعدها و تتدفق من جديد، في ظاهرة طبيعية عجز العلم عن تفسيرها إلى غاية الآن، تاركا المجال للخرافة وقد سبق للنصر، أن سلطت الضوء على المنبع  الذي يتميز محيطه بنكهة خاصة، نظرا لتجاوره مع واد جن جن، الذي يعتبر مقصدا للكثيرين ممن يتمتعون ببرودة مياهه المتدفقة من سد إيراقن، بغزارة تسمع للسياح بالسباحة فيها  و قد وجدنا خلال زيارتنا للموقع، الكثير من العائلات حيث أخبرنا البعض، بأنهم يفضلون المكان لهدوئه، و هوائه النقي و المنعش، فضلا عن تنوع الحياة البرية فيه، إذ تتواجد الحيوانات على مقربة من البشر و تتفاعل معهم دون خوف و بالأخص العصافير و الماشية، وحسب سياح قادمين من ولاية سطيف، فأن اكتشاف الموقع لأول مرة يعد بمثابة الوقوع على صندوق كنز بالنسبة لأي سائح محب للطبيعة و للهدوء، فالتواجد فيه يبعث على الراحة النفسية عكس التواجد في الشواطئ المكتظة، فيما ذكر زوار من العاصمة، بأنهم اختاروا المكان لحبهم للسياحة الجبلية و التخييم، بكل تفاصيله بداية بجمع الحطب للطبخ على النار و مرورا بالسباحة في المياه العذبة و التجديف.
و قد حاول شباب من المنطقة إعطاء حلة جديدة للمكان، كما فعل عبد الرزاق، الذي قام بكراء حظيرة للسيارات، بموقع عين لمشاكي، و وسع نشاطه لاحقا ليشمل الخدمات التجارية حيث افتتح مطعما بالقرب من الوادي خصصه للأكلات الشعبية كالشخشوخة بلحم المعز و الأسماك على الجمر وحوله خلال ظرف وجيز إلى قبلة للزوار الذين ثمنوا المبادرة و استحسنوا الأسعار، خصوصا فئة العرسان الجدد.
من جهته أوضح عبد الرزاق للنصر، بأنه حاول تقديم الأفضل لزبائنه خلال السنة الماضية، إذ بدأ بحظيرة للسيارات، لكن العشرات من السياح طرحوا عليه مرارا مشكل غياب فضاءات الراحة والإطعام، وهو ما جعله يستثمر في مشروع المطعم هذه السنة، مشروع قال عنه بأنه يحقق النجاح، حيث تعتبر تجربة هذا الشاب، من بين التجارب التي يعول عليها كثيرا في إزاحة عائق ضعف  الخدمات في المناطق الجبلية، خصوصا في ظل تواصل غياب إستراتيجية حقيقية للنهوض فعليا بالقطاع، وهو ما دفع العديد من الشباب إلى الارتجال.
مع ذلك فإن هنالك استثمارات خاصة تعد اليوم بديلا وحيدا  للسياح، على غرار مطعم « بني فوغال»، المتواجد على مستوى الطريق المؤدي إلى بلدية سلمى بن زيادة، و تحديدا بمنطقة قرمان، و الذي أسسه الشاب نجيب، حيث قام بتهيئة أحد الفضاءات، وجهزه بكراسي وطاولات تقليدية، كما خصص مرحاضا للنساء، لافتقار المنطقة الجبلية للمراحيض العمومية، و استطاع بفضل مشروعه البسيط استقطاب العائلات والشباب من كل صوب، خصوصا وأن مطعمه ينشط في الفترة الليلية كذلك، وقد قابلنا هناك في حدود الساعة التاسعة ليلا، مجموعة من الشباب قالوا بأنهم، فضلوا زيارة المكان في الليل، للاستمتاع ببرودة الطقس في هذا الوقت، أما محمد وهو شاب كان رفقة عائلته فقد حمد الله كثيرا على نعمة عودة الأمن للمنطقة، قائلا « لم أتصور يوما أنني قد أزور بلدية سلمى بن زيادة في الليل، و في هذا التوقيت تحديدا، جميل جدا أن تجد فضاء للراحة، و تناول الوجبات التقليدية على غرار لحم الأرانب المشوي، و البط، بالإضافة إلى الأكلة الأشهر  اللبن و «الكسرة».
سد إيراقن قبلة عشاق السباحة و العائلات السطايفية
و على غرار تاكسنة و سلمى بن زيادة، تشهد بلدية إيراقن سويسي، بأعالي جبال جيجل إقبالا ملحوظا للزوار، للظفر بمكان للراحة بجوار سد إيراقن الشهير، فعندما تزور المنطقة و تشاهد السد الشبيه بالبحر، يخيل إليك بأنك أمام شاطئ من نوع أخر، نظرا لطبيعة السد الذي تتوسطه قطع أرض تشبه الجزر و تنعكس على مياهه خضرة الجبال المحيطة به، لتشكل هذه المقومات مجتمعة لوحة زيتية جميلة و يعتبر السد من الأماكن المفضلة للعديد من العائلات و شباب الولايات المجاورة، على غرار سكان سطيف و برج بوعريريج، و أبناء الشرق الذين يفضلون السباحة في مياهه العذبة، و كذا التوقف بجواره  لقضاء يوم من الراحة و الاستجمام، و يقدر متوسط زواره يوميا خلال فصل الصيف بما يقارب 50 عائلة، بالإضافة إلى ما يفوق 200 شاب منهم من يقصدونه لغرض الصيد، و يفضله آخرون للسباحة  و قد سعت السلطات المحلية، بالتنسيق مع المجتمع المدني لتجسيد مشاريع سياحية منذ سنوات بجوار السد، حيث كثر الحديث عن  ضرورة تخصيص أغلفة مالية لتهيئة المساحات المجاورة له، و خلق فضاءات للعب و السباحة المحمية  لكن هذا المسعى بقي حبيس الأدراج، و لا تزال بلدية إراقن جنة مخفية تبحث عن من يستغل طبيعتها العذراء، خصوصا وأن هذه المنطقة ورغم افتقارها لمنشآت سياحية، إلا أنها تستقطب الكثير من الزوار  الذي يفضلون السياحة الجبلية بحثا عن الراحة والهدوء بعيدا عن ضوضاء المدينة وازدحام الشواطئ، مع ذلك تبقى هذه البلدية بحاجة إلى التفاتة من الجهات الوصية لدفع السياحة الجبلية فيها، إذ بإمكانها أن تكون رائدة في هذا المجال في حال جهزت بمرافق سياحية نوعية بعد تجاوز عقبات الاستثمار التي تنحصر عموما في تأخر تسوية عملية اقتطاع الأراضي من الغابات لتجسيد المشاريع، على غرار مشروع المركب السياحي المقترح بضفاف السد و مشروع مركز العطل، مع ضرورة تهيئة الأرضية المحاذية لضفاف السد، ومنطقة بيدة، لإنجاز مخيمات للشباب و العائلات.
جهود محلية لتفعيل مخطط الاستثمار
العديد من الانشغالات ترفع يوميا من قبل السلطات المحلية فيما يتعلق بالتأسيس لقاعدة سياحية جبلية حقيقية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة على حدة، فقد سعت بلدية العوانة مثلا، عبر مراسلات للقائمين على قطاع الغابات لوضع آليات محلية، لاستغلال المساحات الغابية على محور الطريق البلدي رقم 07، أين وجه رئيس البلدية، رسالة يدعو فيها إلى العمل على تشجيع السياحة الجبلية، و التي تعتبر مكملة لسياحة الشواطئ، و اقترح المسؤول فتح المجال أمام الشباب و منحهم تراخيص لمزاولة بعض النشاطات التي تتماشى و طبيعة المناطق الغابية و تلبي احتياجات السائح لدى زيارته إليها، خصوصا بجوار الطريق الرابط بين منطقة عمالة و قاع الجبل، الذي يشهد حركية كبيرة في هذه الفترة تحديدا، بالرغم من الانزلاقات التي يعرفها، حيث أشار مسؤولون إلى أن السلطات المحلية تسعى جاهدة لتجسيد الأفكار  التي تساهم في خلق التنمية المحلية وتوفير مناصب عمل للشباب.
بدورها، بادرت مصالح الغابات و كذا الحظيرة الوطنية لتازة بالتنسيق مع السلطات المحلية، إلى خلق بعض الفضاءات الغابية للراحة، أين تم تجسيد مشروع غابة عين لجنان بزيامة المنصورية، كما تمت تهيئة الفضاء المجاور للكهوف العجيبة، من قبل الحظيرة الوطنية لتازة، و حول إلى مكان للراحة و استقبال العائلات، إذ يمكن لزواره الولوج إليه مجانا و الاستمتاع بمناظره الطبيعية و الاقتراب من القردة المتواجدة في الفضاء الغابي، كما أن الجميل فيه أيضا، هو استقطابه للعائلات طوال السنة، كونه نقطة توقف للزائرين الذين يبحثون عن الراحة، فيما تستعمله العشرات من العائلات خلال موسم الاصطياف، كمكان لقضاء الوقت عندما يكون البحر هائجا بحسب ما أكدته عائلات للنصر.
غابة التسلية « مابو»من تجمع فوضوي إلى فضاء عائلي
الفضاء الغابي مابو، ببلدية خيري واد العجول، يعتبر أيضا من بين المواقع الأكثر استقطابا للزوار و الباحثين عن الراحة و الاستجمام ، خصوصا بعد تهيئته منذ سنتين، إذ يعد اليوم قبلة للعائلات نظرا لثراء محيطه الطبيعي وتوفره على الأمن فضلا عن تجهيزه بألعاب للأطفال، و تعد عملية إعادة الاعتبار التي خضع لها الموقع، نتاجا لمعركة حقيقية خاضتها السلطات المحلية ضد قاطني البناءات الفوضوية  من أجل تجسيد مشروع غابة التسلية، وقد ذكرت سلطات بلدية خيري واد العجول، بأن الهندسة الحالية للموقع هي تجسيد حرفي لما جاء به مخطط شغل الأراضي رقم «2« الذي نص على إلزامية استرجاع الفضاء من ناهبي العقار و تطهيره من التوسعات الفوضوية مع الحاجة إلى اقتلاع بعض أشجار البلوط، وهو ما تم فعليا مع أواخر سنة 2013
لتشرع بعدها مصالح الغابات، في تهيئة هذه الغابة كفضاء للراحة ومتنفس جديد للأطفال و العائلات التي تزور المنطقة، كما تم تدعيم الفضاء عبر مراحل متتالية بالمرافق الضرورية، على غرار الإنارة العمومية و مشروع إنجاز دورة للمياه، ومن أجل تحسين مستوى الخدمات المقدمة على مستوى الغابة، فقد خصص مبلغ مالي معتبر من ميزانية البلدية، لأجل إنجاز كشك للإطعام السريع.
غابات الاستجمام خطوة أولى لتكريس السياحة الجبلية

وتسعى السلطات الولائية، إلى تجسيد مشاريع غابات للاستجمام عبر سبع مناطق بجيجل، حيث أوضح المكلف بالإعلام بمحافظة الغابات، قجور عبد الهادي، بأنه قد شرع منذ فترة، في دراسة طلبات الحصول على رخص لاستغلال غابات الاستجمام الموزعة عبر سبع فضاءات غابية على مساحة تقدر بـ 257 هكتارا، و يتعلق الأمر حسبه، بالفضاء الغابي غابة بوعفرون بجيملة وأيس بسيدي معروف و لمشاكي بسلمى بن زيادة، إضافة إلى تاحنوت ببوراوي بلهادف و تاسودة بتاكسنة وكذا بولصيود بالميلية و كيسير ببلدية جيجل.
وقد تم أيضا، تسجيل طلبات عديدة من قبل مهتمين بالنشاط في هذا المجال، كما شرع مستثمرون في تجسيد مشاريعهم بعد أن استوفت ملفاتهم كافة بنود دفاتر الشروط التي تنص أساسا على ضرورة الحفاظ على الفضاءات وتركها على حالتها الطبيعية مع إمكانية إضافة تعديلات لا تؤثر على البيئة و عدم استعمال مواد البناء غير النبيلة في الفضاءات الغابية و عليه يضيف ذات المصدر، بأن بعض المشاريع المنتظر تجسيدها قريبا، ستتضمن فضاءات للراحة تتماشى مع خصوصيات كل منطقة، فمثلا في منطقة كسير، سيتم تجسيد مشروع المصعد الكهربائي الذي سيمنح راكبيه مشهدا بانوراميا يشمل السد و البحر و الجبال، أما في غابة بوعفرون، فسيلتزم المستثمر بالحفاظ على الأشجار النادرة مقابل استحداث مسلك غابي خاص بالتجول.
و أضاف المتحدث، بأن السياحة الجبلية يعول عليها كثيرا في إنعاش الاقتصاد المحلي، لكنه مشروع يتطلب تكاثف كل الجهود لحماية الغابة من يد الإنسان و التكريس لثقافة السياحة الغابية، و قضاء فترة من الراحة تحت ظلال الأشجار دون التسبب في حرقها أو تلويث محيطها.
جمعيات تكسر هاجس الخوف و تروج للجبال
يسعى المجتمع المدني بجيجل، منذ سنوات إلى إعادة إحياء مفهوم السياحة الجبلية و الترويج لها، على غرار جمعية السفير للسياحة، و الديوان السياحي الجيجلي، وذلك من خلال تنظيم رحلات سياحية استكشافيه لمختلف المواقع الجبلية، و قد أدى ذلك إلى الترويج كثيرا لبعض المواقع و ساهم في شهرتها وطنيا و عالميا، إلا أن هذه الجهود تصطدم بضعف الاستثمار السياحي، إذ لا تزال جل المواقع تفتقر للمشاريع الخدماتية، وقد أشار رئيس جمعية السفير للسياحة مالك بغداد، بأن هيئته و منذ تأسيسها سنة 2013، عملت على تنظيم رحلات لمختلف المناطق الجبلية، إذ تم تنظيم رحلات سير لمواقع كثيرة، أين كانت البدايات بالجهة الجنوبية على غرار مواقع بلدية تاكسنة و سلمى بن زيادة، وقد انطلقت أول رحلة تحت شعار فك عزلة بلدية إيراقن سويسي الجبلية، وذلك  خلال شهر جوان 2014 ، شارك فيها حوالي 530 شخصا.
المتحدث قال، بأن هدف كافة أعضاء الجمعية من هذه الخرجات هو واحد، و يتمثل في تسويق صورة إيجابية عن جيجل ما بعد العشرية السوداء، و الترويج للسياحة الجبلية  إذ غالبا ما يتم تنظيم رحلة كل أسبوع لإحدى البلديات الجبلية، و تعريف الشباب و العائلات المشاركين فيها بالجنان  الموجودة في جبالها ، علما أن هذا النشاط الترويجي أعطى ثماره و ساهم في بروز نواد عديدة لرياضة المشي في الجبال، و شجع على تشكيل العديد من الجمعيات الفاعلة في ذات المجال حاليا، و التي تنظم بدورها، رحلات لمختلف المناطق.
و قال مالك بغداد، بأن المجتمع المدني في جيجل، أدى ما عليه للترويج  للسياحة الجبلية، مقابل ذلك فإن السلطات لم تواكب سرعة الجمعيات و تأخرت كثيرا في الإعلان عن المشاريع الاستثمارية، مع ذلك فقد ثمن المتحدث، الجهود التي تبذل على كافة المستويات و التي يجب أن يتشارك فيها الجميع كما قال، بما في ذلك البلديات و المواطنون و المستثمرون.
إرادة جماعية تصطدم بحاجز السياسات الظرفية
و يرى الأستاذ بجامعة جيجل، والباحث بمركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية، محمد حيمران، بأن الطابع الجبلي للولاية، و الذي يمثل بنسبة 80 بالمئة من المساحة الإجمالية، يعد أهم عامل يجب التركيز عليه، كون جيجل تمتلك إمكانيات سياحية هائلة ولكنها تبقى غير مستغلة.
و يضيف المتحدث قائلا :» في الواقع، البلديات الجبلية تزخر بمناظر طبيعية ساحرة وبمواقع سياحية نادرة، زيادة على نعمة عودة الاستقرار و الأمن للمنطقة، لكن عامل البيروقراطية وغياب أو بطء اتخاذ القرارات في مجال السياحة الجبلية أعاق تجسيد العديد من المشاريع الاستثمارية ومنع استغلال المعالم الغابية، كما أن إجراءات و مجهودات المسؤولين المحليين لا تزال رهينة لسياسات محصورة في المكان والزمان، و هي غالبا ما تكون استجابة فقط لتعليمات الوصاية الظرفية»، و يرى الباحث كذلك، بأن عروض الإيواء والإطعام منعدمة أو متواضعة في القرى و الارياف و هذه الأسباب وأخرى أضاعت فرص تطوير السياحة في الجبال على  المسؤولين وحرمت الزائرين من داخل وخارج الولاية، من متعة تنظيم رحلات للتمتع بالهواء النقي وتسلق الجبال والسباحة في الأنهار وممارسة الرياضات الجبلية  وتنظيم دورات للتزلج على الثلج و رحلات للصيد البري معبرا بالقول: «إن تشجيع السياحة الجبلية في جيجل سيجعل منها الوجهة الثانية بعد السياحة الشاطئية، فهي لا تحتاج الى استثمارات ضخمة وهياكل مكلفة مثلما هو الحال في السياحة الشاطئية، بل يجب فقط القيام بالترويج وضمان سلامة السياح ووضع حد للحرائق».
كما يعتبر الأستاذ محمد حيمران، بأن هذا النوع من السياحة يجب أن يندرج ضمن إستراتيجية محلية شاملة ولا يفصل عن شق التنمية الشاملة، لكون التنمية المحلیة بمفهومها الواسع، تتطلب وجود رغبة جماعية لتحریك الثروات المحلیة سواء كانت طبيعية أو بشریة أو اقتصادية أو ثقافية  و من هذه الزاوية، فقد أضحت المقاربة التشاركية، متغيرا هاما ومحددا لنجاح أو فشل برامج التنمية، لذلك يتطلب حسب المتحدث، الحس الجيد، باشراك سكان المناطق الجبلية في العملية، كما أن عدم ضمان منافع محددة لسكان الأرياف من وراء العملية على غرار  التشغيل والتجارة و تطوير المرافق الحيوية، سيقوض فرص نجاح النهوض بالسياحة الجبلية على المستوى المحلي، وستبقى جد محدودة إذ يتوجب كما قال، جعل السياحة الجبلية مصدرًا مهمًا للتوظيف على المستوى المحلي، ولكن في حالة سوء إدارتها، فقد تكون العمالة قصيرة الأجل وموسمية.
و أضاف، بأنه يجب إنشاء بنية تحتية مرتبطة بالسياحة الجبلية مثل الطرقات و ممرات سير الراجلين وقيادة الدراجات وكذا الجسور المعلقة والبوابات فضلا عن توفير خدمات النقل بالتيليفيريك و وضع مراصد للحيوانات و الطيور و تجهيز هذه المناطق بالمراحيض وفضاءات التنزه والمخيمات، مع إعادة تأهيل ينابيع المياه ومراكز المعلومات ومواقف السيارات ومصاعد التزلج ومدافع الثلج...الخ. فيمكن لهذه الهياكل وغيرها تسهيل الوصول إلى المناطق الجبلية أو عبورها  و تقديم خدمات مهمة للزوار  و إتاحة الفرصة لتوزيع المواد الإعلامية حول البيئة و السلوكيات البيئية المستدامة عبر تخصيص عقارات داخل الغابات.
فمن هذا المنطلق لا بد من القيام بتعديلات لمختلف القوانين والتنظيمات التي تسير القطاع و التي تتوافق مع واقع السياحة المحلية، كما قال وذلك بالاعتماد على مبدأ اللامركزية في اتخاذ القرارات لتسهيل تسيير العقار السياحي المرتبط بالمشاريع السياحية الجبلية.
وقال الأستاذ محمد حيمران، بأن السياحة الجبلية تعد من بين النشاطات التي تخضع لإطار النظام الجبائي الجزائري، غير أنه و نظرا لمميزات هذا النشاط باعتباره مسجلا ضمن البرامج التي تعتبرها الحكومة ذات أولوية، فقد ذهبت هذه الأخيرة، إلى تخفيف الضرائب على المستثمرين في هذا المجال كما خصتهم بعدة امتيازات جبائية أخرى، وهي إجراءات من شأنها رفع حصة الاستثمارات الخاصة والعامة للمؤسسات في السياحة الجبلية، وستمكن من تحقيق الثروة على مستوى الولاية.
و توجد بولاية جيجل، العديد من المواقع السياحية الجبلية بالجهة الشرقية عبر إقليم بلديات، العنصر و بواروي بلهادف و الميلية وسيدي معروف و الشحنة و الطاهير والشقفة كلها مناجم ذهب خضراء تنتظر التنقيب والاستغلال.
ك-ط

الرجوع إلى الأعلى