يصنف الكثيرون مدينة دلس الساحلية التابعة إداريا لولاية بومرداس، على أنها واحدة من بين أروع و أجمل المدن على ضفة المتوسط على الإطلاق، فيصفونها بلؤلؤة البحر بسبب طبيعتها الخلابة و انفرادها بموقع و جمال لا نظير له، شكل سحرا لحضارات عريقة مرت من هناك، بينما تعاني اليوم من تهميش أدخلها في خانة النسيان و قلص من نصيبها في سباق السياحة و موسم الإصطياف في ظل نقص فادح في التنمية و عجز في مرافق الإيواء.

تعرف بلؤلؤة البحر الأبيض المتوسط، يسمونها بعروس البحر، و يقولون بأنها مدينة بومرداس الأصلية، هي مدينة دلس العريقة، تلك المدينة مترامية الأطراف على ضفة المتوسط، و التي تربطها حدود مع ولايات بجاية، تيزي وزو و العاصمة و تبعد عن عاصمة الولاية بومرداس بنحو 80 كلم، مدينة برتبة ولاية، لا يمكن أن يكفي قراءة أسطر عنها، أو الإكتفاء بمشاهدة بعض الصور أو مقاطع الفيديو من تلك التي يجتهد أبناؤها في نشرها على شبكة الإنترنت، فلمعرفة المدينة حقا، عليك بزيارتها، من أجل التمكن من اكتشاف ما يخفيه اسم عريق لا يمكن أن يتم إلا إذا وطئت قدماك هذه المدينة.
مدينة برتبة ولاية
لا يعتبر الوصول إلى دلس أمرا هينا، فالطريق وعرة، ضيقة، و تمر عبر العديد من البلديات كرأس جنات، و الكثير من القرى الصغيرة التي تعج بالحركة، فالأمر يحتاج لأكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات إنطلاقا من مدينة بومرداس، غير أن جمال تلك الطريق مع صعوبته ينسيك عناءه، بفضل تلك المناظر الخلابة من طريق شقت على حافة البحر، لتنسيك ملل بعد المسافة و اختناق حركة السير خاصة في موسم الإصطياف، لتلك المياه الزرقاء النقية و فرق صيد لا ترى في غير بحر دلس مكان يأويها.
تتربع مدينة دلس على مساحة شاسعة، بشريط ساحلي طويل، جعلها تنفرد بمميزات ولاية بأكملها، و جعل منها مقصدا سياحيا فريدا من نوعه، في ظل ما تزخر به من مناظر طبيعية خلابة، و ما تنفرد به من شواطئ لا تجدها إلا في دلس، بينما تشكل *القصبة* ثقلا تاريخا يزيد من عراقة مدينة تحوي كل مقومات الولاية التي من شأنها أن تجعل منها قبلة السواح على مدار السنة، خاصة و أنها تمتلك مغريات فصل الصيف و تنفرد بخصائص سياحية مميزة كالقصبة بشقيها السفلي و العلوي التي بناها العثمانيون في القرن السادس عشر من الميلاد.
نافذة على السياحة الدولية


تعد مدينة دلس قبلة للكثير من السياح الجزائريين خاصة خلال موسم الإصطياف، أين تستقبل زوارا من مختلف الولايات بحسب ما أكده لنا البعض من أهلها ممن تحدثت إليهم *النصر*، و الذين قالوا بأنه و على الرغم من كونها مدينة تصلح للسياحة طول العام بفضل مقوماتها الخاصة، إلا أنها تنتفض صيفا بمصطافين يحتلونها بأعداد كبيرة في هذه الفترة من السنة، نتيجة عشقهم لشواطئها الخلابة المعروفة بجمالها و نظافتها كشاطئ ليصالين المعروف بمنطقة الوسط الجزائري و الذي ينقسم لعدة شواطئ صغيرة، فضلا عن شواطئ الزاوية و الشاطئ الأجمل على الإطلاق *سيدي المجني* الذي يتميز بما يعرف بـ*غار لحمام*، ناهيك عن شواطئ أخرى كثيرة تتحول إلى قبلة للعائلات الجزائرية حتى لمن يقيمون بولايات أو مدن ساحلية.
و بفضل ثرائها التاريخي بقصبتها العتيقة التي تعتبر أقدم من قصبة الجزائر من حيث النشأة ، و إنفرادها بمعالم أخرى على غرار منارة نبغوت، منارة برج فنار و الميناء القديم، جعلتها قبلة للسواح الأجانب خاصة الأوروبيين من الإسبان، الألمان و الفرنسيين، الذين يقبلون على زيارتها على مدار العام بحسب ما استقيناه من متتبعين للشأن السياحي بالمدينة، و الذين أكدوا أن الكثير منهم يزورون دلس و يعودون إليها مرة أخرى، خاصة و أنها تجمع بين الطابعين القديم و الجديد بمدينتيها.


  نقص فادح في التنمية و مرافق سياحية تكاد تنعدم
لا شك أن مرافق الإيواء من أهم المقومات للنهوض بقطاع السياحة في أي دولة أو مدينة و الرفع من نسبة إقبال الزوار خاصة في موسم الإصطياف، غير أن هذه النقطة تعد العثرة الكبرى أمام القطاع في مدينة دلس التي يشكو سكانها من نقص فادح في التنمية و تهميش من المسؤولين الذين تعاقبوا عليها، حيث تعاني طرقاتها حتى الرئيسية منها من نقص في التهيئة و اهتراء في بعض المواضع، بينما يشكل الطريق إليها نقطة سوداء لطوله و ضيقه، ضف إلى ذلك الإهمال الذي يطال بعض شوائطها، خاصة في ما يتعلق بغياب الرقابة و الأمن، ما جعلها مفتوحة أمام عصابات نهب الرمال كتلك الشواطئ الصغيرة الموجودة بمنطقة تاقدامت المعروفة بطبيعتها الساحرة و انحسارها بين الغابة و البحر.
و يصف سكان المنطقة قطاع السياحة بدلس بالكارثي، مشيرين إلى أنه و على الرغم من غناها بتنوع طبيعي هام جعلها مميزة عن غيرها من المدن، إلا أن كل ذلك لم يستغل كما يجب بحسب ما يقولون، مضيفين بأنها لم تنل نصيبها الكافي من التنمية خاصة في مجال السياحة، إذ أنها لا تتوفر إلا على مركب سياحي واحد تعرف بـ*جنان الأمراء* الموجود بحجرة الزاوش، إضافة إلى 3 فنادق صغيرة فقط، ما يجعلها واحدة من أفقر المدن السياحية من حيث مرافق الإيواء، و مع ذلك، فهي تستقبل آلاف الزوار بشكل دائم خاصة في إطار المخيمات الصيفية كالمخيم الصيفي الأخير الذي ضم 600 طفل تم توزيعهم على 3 مخيمات تم تنظيمها بدور الشباب الخاصة بالمدينة.
و بما أن نقص مرافق الإيواء واقع يجب مواجهته، لجأ أهل المدينة لكراء بيوتهم خاصة تلك المطلة على البحر، حيث ينتقلون إلى أماكن أخرى و يقومون بكرائها، علما أن تكلفة ذلك تتراوح بين 6000 دينار إلى 4000 دينار لليلة الواحدة على أقل تقدير بحسب مساحة و نوعية الخدمات المتوفرة بالمسكن، و هو ما أكد السكان بأنه الحل الوحيد في ظل العجز الفادح في المرافق الفندقية و المراقد التي تكاد تنعدم بواحدة من أكبر المدن السياحية ببومرداس و منطقة الوسط الجزائري ككل.
و في انتظار صحوة المسؤولين و التمكن من تقدير قيمة الكنوز التي تحتوي عليها دلس، تبقى مدينة عريقة و فريدة من نوعها تصارع الزمن من أجل الحفاظ على ما أمنت به عليها الطبيعة، و ما جادت به أيدي صناع حضارات كثيرة تعاقبت عليها، ليبقى الإرث  مصدر جذب للسواح في انتظار مشاريع يأمل أهل المدينة بأن ترى النور يوما ما.     
                     إ.ز

الرجوع إلى الأعلى