استعاد شاطئ تمنارت بلدية الشرايع،  بدائرة القل، غربي ولاية سكيكدة ، مع بداية موسم الاصطياف لهذه السنة  الحيوية والنشاط بعد  سنوات طويلة من الإهمال الذي طاله ، حيث جاء قرار السلطات الولائية بفتحه من جديد في وجه حركة الاصطياف بعد أكثـر من 12 سنة  من الغلق، ليجسد مطالب السلطات المحلية و سكان المنطقة ، رغم أنه ظل لسنوات يعرف توافدا كبيرا للمصطافين من هواة السباحة و الصيد  والمغامرات غير مكترثين بقرار الغلق، خاصة من المصطافين الأوفياء الذين لم يقطعوا الصلة مع هذا الشاطئ ذي السمعة العالمية، والذي كان له شرف نيل الجائزة الأولى على المستوى الوطني سنة 1986 وكان محجا للعديد من الشخصيات الوطنية آنذاك لقضاء عطلتهم قبل أن يدخل  غياهب النسيان.

الطريق السياحي أعاد المنطقة إلى الواجهة  


الوصول إلى شاطئ تمنارت أصبح سهلا بعد انجاز الطريق السياحي على مسافة 12 كلم  بين مدينة القل  وتمنارت منذ سنتين ،خلافا للسنوات الماضية ، أين كانت الرحلة إلى الشاطئ  محفوفة بالكثير من المتاعب والصعاب عبر سلك طريق ضيق وملتو،  انطلاقا من مدينة القل مرورا بلدية الشرايع ، لكن اليوم الطريق السياحي اختصر  المسافة وأحال القادمين إلى المنطقة على لوحات طبيعة وسط ديكور في غاية من الجمال والروعة، حيث تشد الأنظار أشجار البلوط الباسقة والصفصاف والزيتون والتين وشجيرات القفش و «الدفلى» دائمة الاخضرار، الممتدة بين  جنبات الوادي الذي تصب مياهه العذبة مباشرة في البحر، لتستمر الرحلة إلى تمنارت وسط هدوء  تكسره أحيانا محركات المركبات ، لكن نقاوة  الهواء المنعش الذي يختلط في كثير من الأحيان برائحة الأعشاب وأوراق الأشجار الغابية، ينسي تعب الرحلة.
   لقبيبة.. رأس  المتعة والحرقة والموت أيضا
 تمنارت  منطقة سياحية بامتياز تمتد من شاطئ لقبيبة، إلى رأس بوقارون أكبر الرؤوس في حوض البحر الأبيض المتوسط ، و تضم شاطئين محروسين وتنتشر بها  شواطئ صخرية معزولة  على شكل خلجان، وتحرس تمنارت من الخلف مرتفعات جبال بوقارون الغنية بأشجار الفلين و الجوز، كما تحيط بها حقول العديد من المزارعين الذي يعتمدون على الزراعة الجبلية المعاشية.
يعتبر رأس القبيبة بالساحل القلي  بداية منطقة تمنارت ويضم عددا من الخلجان الشواطئ، وهو المكان المفضل لهواة الصيد والباحثين عن المغامرة والاستجمام في الشواطئ الصخرية،  كما تحول المكان في السنوات الأخيرة إلى معبر للحراقة نحو الضفة الشمالية من حوض البحر الأبيض المتوسط ، خاصة وأنه بعيد عن عيون الرقابة، وفي الوقت الذي نجح عدد من الحراقة في العبور، فإنه  تم توقيف عدد آخر من الشباب المغامر وحجز قاربهم منذ عدة أيام ، فيما شهد الشاطئ الكثير من الحوادث الأليمة، آخرها غرق شاب يبلغ من العمر 26 من بلدية رأس الماء بولاية سطيف.
  البلدية تحاول  إخفاء الوجه المشوه


بالرغم  من العملية التجميلية التي حاولت مصالح بلدية الشرايع إضفائها على المنطقة لإخفاء الوجه المشوه للشاطئ، لاسيما ركام الحجارة التي غزت رمال الشاطىء وحولته إلى ما يشبه المحجرة ،  في انتظار تدخل مصالح أملاك الدولة لرفع الحجارة وإعادة النعومة لرمال الشاطئ، تظل المنطقة  تحتفظ في ذاكرتها بالكثير من أحداث سنوات المأساة و الدمار والموت، خاصة حادثة سنة 2000، إذ لم تدم عملية فتح الشاطئ وقتها سوى أسبوع، ليغلق نهائيا بعد حادثة اغتيال دركيين وعون للحرس البلدي، إلا أن ذلك أصبح بالنسبة للسكان والمصطافين مجرد ذكرى حزينة، خاصة مع التوافد الكبير الذي يعرفه الشاطئ مع بداية الموسم  الاصطياف لهذه السنة.
حسب مصالح الحماية المدنية لولاية ،فإن شاطئ تمنارت  استقبل خلال شهر  جوان الماضي، ما يقارب 9070 مصطافا. وتوقعت  أن تشهد المنطقة في شهري جويلية وأوت ارتفاعا في عدد الوافدين ، خاصة مع توفر الأمن وتواجد الحماية المدنية بالمكان، وأشغال التهيئة التي قامت بها البلدية، من خلال تهيئة مكان توقيف المركبات، وتوفير بعض الوسائل التي من شأنها توفير الراحة للمصطافين من مراحيض عمومية وحنفيات المياه، رغم العديد من النقائص المسجلة، بفعل الإهمال الذي طال المنطقة، التي تشوهت كثيرا بعد أن تحول 25 شاليها سياحيا إلى مجرد  أطلال.
 حسب رئيس بلدية الشرايع السيد بوحوش،    فإن مصالح الرقابة التقنية قررت  تهديم هذه الشاليهات بسبب تدهور البنايات ، في انتظار بعث مشروع سياحي جديد بالمنطقة ، فيما يبقى النقص في التغطية الهاتفية هاجسا آخر ، في انتظار استفادة المنطقة من مشاريع  في هذا المجال.
 الشباب ينتظر  فرص العمل الموسمي
قال  بعض شباب المنطقة للنصر أنهم استبشروا خيرا بفتح الشاطئ، خاصة أنه ظل مطلبهم منذ أكثر من 5 سنوات،  إلا أنهم تأسفوا لكون منطقتهم التي تعد سياحية بامتياز، لم تحظ بأي اهتمام ولم تستفد من أي  مشروع من مشاريع التهيئة التي من شأنها أن تساهم في التخفيف من نسبة البطالة، لاسيما خلال فصل الصيف، حيث يلجأ بعضهم إلى ممارسة مختلف الأنشطة من بيع ما تنتجه  حقولهم الزراعية القريبة من الشاطئ، و كذا الأسماك الطازجة التي يصطادونها باستعمال القوارب الصغيرة، فيما يحول البعض الآخر تلك القوارب من صيد الأسماك إلى اصطياد  المصطافين المغامرين بنقلهم اتجاه الشواطئ الصخرية المعزولة بحثا عن متعة الاستجمام والاكتشاف، خاصة نحو شواطئ وخلجان لقبيبة وبني سعيد بأسعار تفوق 500 دج ، حسب المسافة.
علما أن البلدية سمحت هذه السنة بإقامة عدد  من محطات الاستراحة على جانبي  الطريق السياحي استفاد منها  شباب لعرض بعض الخدمات، فيما أغرى فتح شاطئ تمنارت بعض الراغبين في الاستثمار، لاسيما في مجال الإطعام لكراء محلات قريبة من الشاطئ، على غرار مطعم عمي صالح من القل الذي فضل الاستثمار بمنطقة تمنارت، بالنظر لسمعة المنطقة والتوافد الكبير للمصطافين، لاسيما في عطل نهاية الأسبوع    .
 منطقة التوسع السياحي الحلم الأكبر
في الوقت الذي ينتظر فيه  شباب المنطقة حلول موسم الاصطياف من أجل البحث  عن فرص العمل الموسمي ، فإن الآمال ، حسب العارفين بشؤون السياحة ممن تحدثنا معهم،  تبقى قائمة لتجسيد مشروع توسيع منطقة الاستثمار السياحي، لتمنارت التي تتربع على مساحة تقدر ب 67 هكتارا، وتتسع لإنجاز 5 فنادق متوسطة الحجم على مساحة 7 هكتارات، إضافة إلى قطع أرضية واسعة للتخييم على مساحة 8 هكتارات، تتسع ل 110 إلى 340 خيمة، إلى جانب إنجاز ميناء صغير للنزهة ومحلات تجارية ومعارض، و هو المشروع الذي ظل يراوح مكانه منذ ثمانينيات القرن الماضي، بسبب الظروف الأمنية التي عرفتها المنطقة في سنوات التسعينيات. و بمجرد تجسيده سيتيح  لمنطقة تمنارت دخول الاستثمار السياحي الوطني وحتى العالمي، بالنظر للمؤهلات الطبيعية التي تتميز بها.
ب/م

 

الرجوع إلى الأعلى