خلفت الأمطار المتساقطة على ولاية قسنطينة، ليلة أول أمس الأحد، الكثير من الخسائر المادية، فضلا عن فقدان شخص جرفته المياه بحي بن الشرقي، و قد اجتاحت السيول و الأتربة عدة أحياء و شوارع، و سدت بعض المحاور لساعات، كما حولت مناطق إلى برك و مسابح، فيما اضطرت بعض العائلات إلى ترك منازلها و النجاة بأنفسها من الكارثة، التي أدت إلى غرق الكثير من البيوت، و إتلاف محتوياتها من أثاث و أدوات كهرومنزلية، وكذا محلات بسلعها، و هو ما دفع بسكان بعض المناطق إلى الاحتجاج على هذه الوضعية حيث قاموا بغلق طريقين بالمدينة، و منهم من طالب بالسكن و إيجاد حلول تمنع الفيضانات.
النصر تجولت أمس عبر مختلف أرجاء مدينة قسنطينة و عاينت أضرار العاصفة كما وقفت على مخلفاتها و ما تركته من آثار سلبية في كل مكان مرت منه تقريبا، كما التقت بالكثير من المواطنين، الذين سردوا لنا ما عاشوه أثناء و بعد الكارثة، فبعد أن انجلت العاصفة العنيفة، بدأ السكان عبر مختلف البلديات و الأحياء في إحصاء الخسائر، فلم تخل أية منطقة من انعكاسات سلبية على المنازل و المرافق العمومية أو المحلات التجارية، إضافة إلى الطرق و الشوارع و الأنفاق، و حتى المستشفيات و المساجد تسربت إليها المياه و تضررت.
الأوحال سدت الطرقات و الأنفاق و محلات تغرق
رغم أن المواطنين و كذلك مختلف السلطات المعنية، كانوا قد تجندوا مباشرة بعد توقف الأمطار، من أجل فتح الطرقات و رفع ما جرفته المياه، إلا أن الآثار بدت واضحة عبر كل مكان قصدناه صبيحة أمس، فبمجرد الخروج من المنزل تصادفك البرك و الأتربة التي جرفتها المياه إلى الطرقات و الأرصفة، و أول ما شاهدناه خلال جولتنا هو عمال مديرية الأشغال العمومية، وهم يقومون بفتح المحور الرابط بين حيي جنان الزيتون و بوالصوف، و ذلك على مستوى منطقة «ميموزة»، حيث أغلق هذا المحور بالكامل بالأتربة، التي انجرفت من جانب الطريق، أما نفق بوالصوف فكانت قد غمرته المياه ليلا، و توقفت به حركة المرور تماما، حيث كانت عملية تنظيفه لا تزال مستمرة خلال الصبيحة.
بعد ذلك اتجهنا نحو منطقة زواغي سليمان، و بالتحديد إلى حي 1100 مسكن، الذي يبدو أنه تضرر كثيرا، و بغض النظر عن البرك و الأوحال التي كانت تغطي الطرق و الأرصفة و تمنع حتى الراجلين من السير بحرية، فإن الأضرار بدت واضحة أكثر على عدد من المحلات، و منها ورشة خياطة و محل حلاقة و كذا مقهى و مدرسة تعليم سياقة، و قد شاهدنا من خلال فيديوهات التقطت لها بعد الكارثة مباشرة، بأنها كانت مغمورة بالمياه تقريبا، حيث سدت أبوابها و وصل منسوب الأمطار المتساقطة إلى أسقفها تقريبا، و قد وجدنا أمس، أصحاب هذه الدكاكين، و هم ينظفون ما تبقى من أغراض صالحة من الأوحال، و يخرجون المياه، حيث أكدوا بأنهم تعرضوا لخسائر كبيرة، و فقدوا كل ما كان بالمحلات تقريبا من سلع و غير ذلك.
و قال السكان بأن هذا الحادث تكرر في مناسبات كثيرة، لكن بأضرار أقل، موضحين بأن البالوعات لا تستوعب الكم الهائل من المياه التي تتجمع في المكان، حيث أن الأنابيب ضيقة على حد تأكيدهم، ما جعل هذا الإشكال يحدث مع كل تساقط كبير للأمطار، حسب ما يضيف محدثونا من السكان.


سكان في العراء بحي الصنوبر
و على مستوى محطة المسافرين الشرقية صحراوي الطاهر، كانت المياه قد تركت آثارها على الجدران و السلالم، فحسب ما رواه لنا شهود عيان، فإن المحطة تحولت إلى مسبح جراء السيول التي تسربت إليها من جميع الأبواب، حيث أن البالوعات الخارجية عجزت عن تصريفها فاجتاحت الأبواب و جعلت زوار المرفق و العمال و المسافرين يبحثون عن ملجأ من المياه.
و غير بعيد عن هذا المكان و بالتحديد بحي الصنوبر، وجدنا السكان قد أغلقوا الطريق المؤدي نحو وسط مدينة قسنطينة، و ذلك احتجاجا على الوضعية التي يعيشونها، فقد طالبوا بتدخل السلطات من أجل إخراجهم من «الأزمة» و منحهم سكنات لائقة، مؤكدين بأنهم يعيشون هذه الوضعية منذ سنوات طويلة، بما أنهم يقطنون على حافة الوادي.
 و قد بدت الحالة كارثية عندما دخلنا إلى ثلاثة منازل، لاحظنا بها بأن جميع الأغراض أتلفت تماما، فالأفرشة كانت مبللة تماما و الأثاث غارق في الأوحال، و كذلك الأدوات الكهرومنزلية التي يبدو بأنها لم تعد صالحة للاستعمال، بعد أن جرفتها المياه، حيث لم تعد هذه العائلات تملك أية أغراض صالحة، فقد فقدت كل شيء كان في منازلها، التي تحتاج إلى عملية تنظيف كبيرة، غير أن هؤلاء السكان طالبوا بمنحهم شقق لائقة، خاصة أن خطر الفيضانات يهددهم باستمرار، مثلما قالوا.
و يبدو أن جميع السكنات الواقعة على مستوى هذه المنطقة بحيي الصنوبر و الصفصاف، قد تضررت جراء الأمطار المتساقطة، فكل من صادفناه في المكان، أكد بأن المياه دخلت إلى منزله، و منهم من أكد بأن سقف البيت سقط، و بأن حجرات المنزل قد تحولت إلى بركة، و الجميع كان يطالب السلطات بالحضور و تفقد الأضرار، و منح السكن لمستحقيه.
و بحي «بيكاسو» القريب من المستشفى الجامعي، اجتاحت المياه التي نزلت انطلاقا من حي الأمير عبد القادر، بعض المحلات الواقعة أسفل جرف صخري، و عرضت محلا للخضر و الفواكه، إلى أضرار جسيمة، بعد أن حطمت جداره الخلفي ثم بوابته الأمامية و أخرجت كل ما كان بداخله إلى الطريق، حيث وجدنا التجار ينظفون المكان، و قد طالبوا ببناء جدار عازل، حيث حذروا من كارثة أكبر، مؤكدين بأن الجرف الصخري على وشك الانهيار.
و حسب ما لاحظناه أو ذكره لنا سكان هذه الأماكن، فإن ما يزيد من حجم السيول و خطورتها، هو انعدام البالوعات في الكثير من الأماكن، أو عدم استيعابها للمياه المتدفقة بسبب ضيقها أو انسدادها بالأتربة، كما أن معظم الأحياء تحيط بها مرتفعات من الأتربة، فيما تغيب جدران سميكة تمنع انجرافها في مثل هذه الحالات، ما يؤدي إلى نزولها إلى الطرقات و غلقها.
السيول تجرف أبا لـ 5 أطفال في بن الشرقي
و بحي بن شرقي تسربت المياه إلى عدد من المحلات، و أتلفت الكثير من السلع، فيما بدت الطريق موحلة بعد أن غمرتها المياه خلال العاصفة، و قد حاولنا إيجاد بعض الأشخاص من الذين شاهدوا حادثة وقوع شخص داخل الوادي، حيث قال من تحدثنا إليهم، بأن المفقود المدعو «عمار بن فضة» كان يجلس بالمقهى، و عندما اشتدت العاصفة قرر التوجه نحو منزله، حيث نصحه أصدقاؤه بعدم مغادرة المكان إلى غاية توقف الأمطار، غير أنه خرج و حاول اجتياز مجرى الوادي، مما أفقده توازنه وسقط فيه، و قد باءت محاولات إخراجه بالفشل بعد أن جرفته المياه بسرعة.
و على طول مجرى الوادي صادفنا وحدات الحماية المدنية المكونة من فرق التدخل و كذا فرقتي الغطاسين و السينوتقنية، يقومون بالبحث عن المفقود البالغ حسب ما استقيناه من معلومات 54 سنة، وهو أب لـ 5 أطفال، غير أن العملية بدت جد صعبة، حيث امتدت جهود البحث إلى غاية إقليم بلدية حامة بوزيان، لكن دون إيجاد أثر للضحية، إلى غاية مساء أمس، خاصة أن منسوب الوادي كان مرتفعا و التيارات قوية، كما أن المياه موحلة، ما حال دون إنجاح البحث، على ما يبدو.
سقوط منزل بالمدينة القديمة
و بالمدينة القديمة بقسنطينة تعرضت إحدى البنايات المهجورة، الواقعة بأحد الأزقة الضيقة بالمنطقة المسماة «السيدة» بحي السويقة العتيق، إلى الإنهيار، ما تسبب في غلق هذا المنفذ الذي يستعمله السكان و الزوار، و لحسن الحظ لم يصادف سقوط المنزل مرور أشخاص من المكان، و لولا ذلك لكانت حدثت كارثة، خاصة أن حجم الردوم بدا كبيرا، و هي حوادث باتت تلحق كثيرا بالمدينة القديمة مع كل تساقط للأمطار، و ذلك بسبب قدم المنازل، التي يعود بناؤها إلى عشرات السنين.
و بدت شوارع و أحياء قسنطينة أمس، و كأن عاصفة من الأتربة و الأوحال و الحصى قد مرت منها، فأينما توجهت شاهدت طرقا موحلة أو مغطاة بالأتربة و كذا سكانا ينظفون بيوتهم أو تجارا يخرجون المياه و الأوحال من محلاتهم، و من بين الأماكن المتضررة التي زرناها حي القماص الذي اجتاحت المياه عددا من منازله و بالأخص الشاليهات التي تضرر قاطنوها كثيرا، بالإضافة إلى حي سيدي مبروك السفلي، و كذا بوذراع صالح و الدقسي و الكيلومتر الرابع و بن شيكو، إضافة إلى أحياء تقع بحامة بوزيان، و بلديات أخرى كمسعود بوجريو، التي تسربت الأمطار إلى أحد مساجدها و حولت قاعة الصلاة إلى بركة كبيرة، فيما تسربت المياه إلى مصالح بالمستشفى الجامعي ابن باديس.


مصالح البلدية و الأشغال العمومية تتدخل
أما بخصوص ردة فعل السلطات، فقد تجندت مختلف الفرق و المؤسسات العمومية التابعة لبلدية قسنطينة، بالإضافة إلى مديريتي الري و الأشغال العمومية و كذا مؤسسة «سياكو»، فضلا عن الحماية المدنية و الشرطة و كذلك الدرك، و ذلك من أجل فتح الطرق و تنظيم الشوارع و المسالك، و تنظيم حركة المرور، حيث شاهدنا فرقا تابعة للأشغال العمومية تقوم بفتح الأنفاق التي غمرتها المياه، و منها تلك الواقعة بحيي بوالصوف و زواغي و جامعة منتوري، إضافة إلى طريق الكورنيش الرابط بين وسط مدينة قسنطينة و حي بكيرة بحامة بوزيان، حيث أن هذا الأخير كان مغلقا تماما بعد أن انجرفت إليه الأتربة من المرتفعات الممتدة على طوله، كما تم فتح الطريقين الوطنيين رقم 27 و 3، فضلا عن ممر الترامواي بالمنطقة الصناعية «بالما».
و قد صادفنا خلال جولتنا فرقا تابعة لبلدية قسنطينة تعمل على تنظيف الطرقات، و قد التقينا بمندوب مندوبية التوت، نبيل بوصبع الذي وجدناه يشرف على عمليات تنظيف الشوارع على مستوى إقليم المندوبية التي يرأسها، حيث أكد لنا بأن البلدية سخرت كل ما لديها من جرافات و رافعات و كذا شاحنات، كما تمت الاستعانة بجميع المؤسسات البلدية التابعة لها، على غرار «إيديفكو» و «برروبكو» بما تملكه من إمكانيات مادية و بشرية، و ذلك من أجل رفع مخلفات العاصفة و فتح الطرقات أمام حركة المرور، و ذلك بداية من ليلة الأحد و إلى غاية ساعة متأخرة من يوم أمس الاثنين.
ع.م

الرجوع إلى الأعلى