يفضل الكثير من سكان قسنطينة صيفا التوجه إلى المحمية الطبيعية بأعالي منطقة جبل الوحش  للجلوس عند  ضفاف البحيرات ،  بحثا عن الهواء العليل المنعش لأنها تقع على ارتفاع 700متر فوق سطح البحر،   و كذا السكينة التي توفرها المناظر الخلابة التي تجسد التنوع البيئي،  فبعد سنوات من الركود تحولت مؤخرا حظيرة جبل الوحش إلى وجهة مفضلة  لسكان قسنطينة بمختلف فصول السنة، و خاصة في الصيف،  ليصل  الإقبال ذروته مساءا و مع  نهاية كل أسبوع ، من قبل زوار من مختلف الفئات العمرية و الاجتماعية ، على غرار الرياضيين و محبي الطبيعة و العائلات ، التي يجد أطفالها هناك الفضاء الواسع للعب و الركض و الاستمتاع بالطبيعة الخضراء.

البحيرات الأربع.. متنفس إيكولوجي يعاني في صمت
كانت و لا تزال بحيرات جبل الوحش مصدر إلهام و فرح للكثيرين،   بالنظر إلى جمالها و البيئة المحيطة بها ، فهي كلوحة فنية في قمة الجمال تتيح الاستمتاع بالنظر إليها ، و ممارسة مختلف الهوايات كصيد السمك أو المشي و الركض على ضفافها، و رغم ما تعانيه من إهمال، خاصة في ما يتعلق بعامل النظافة ، استطاعت أن تجذب إليها عشاق الطبيعة بأعداد كبيرة.
حسب رئيس مصلحة حماية النباتات و الحيوانات بمحافظة الغابات لولاية قسنطينة علي زقرور، فإن البحيرات الأربع اصطناعية في الأصل ، أنشئت سنة 1906 من قبل مديرية الغابات خلال الحقبة الاستعمارية، على مساحة تقدر ب 19 هكتارا و عمق يتراوح بين 60 و ألف و 200 متر ، من أجل توفير بيئة مائية لاحتضان مختلف أنواع الطيور المهاجرة التي تقصد غابة جبل الوحش ، و تشكل إضافة حقيقية للتنوع الطبيعي الفريد من نوعه بالعالم.
هذه البحيرات و رغم أنها لا تزال تحافظ على نمطها البيئي، غير أن علامات التراجع تبدو واضحة للعيان، و تحديدا في ما يتعلق بالنظافة  التي تتسبب في تقلص أعداد و أنواع الطيور المهاجرة التي تزور الغابة و التي كانت تقدر في السابق بأزيد من 40 نوعا على غرار البط  و الإوز و  غيرها.
و أرجع المتحدث انعدام عمليات التنظيف، إلى قلة الإمكانيات من قوارب و معدات الضخ  التي تساعد في تنظيف أعماق البحيرات ، و يقتصر الأمر على بعض المحاولات الفردية التطوعية لبعض الجمعيات ذات الطابع البيئي التي تنظم بين الفترة و الأخرى عمليات لجمع القمامة و تطهير الحواف.


نقطة التقاء محبي الصيد و البحث العلمي
تجذب بحيرات جبل الوحش بجمالها و خصوصيتها الطبيعية، الكثير من الشباب الذي يهوى صيد السمك و الجلوس لساعات أمام  الصنارة و الاستمتاع بزرقة السماء و الماء و راحة نفسية لا يعرفها إلا من جربها ، كما قال للنصر الشاب حميد الذي التقيناه على ضفاف البحيرة الرابعة التي تعتبر الأكثر استقطابا للجمهور، لكونها الأكبر و تضم عدة أنواع سمك كالشبوط و أسماك الزينة التي يقوم بعض الشباب بتربيتها داخل هذه المياه ، إلى جانب أنواع أخرى من الطيور ، و بالجهة المقابلة لمحنا شابا آخر  منشغلا بتحضير عدة الصيد بعد يوم شاق من العمل تحت أشعة الشمس الحارقة .
كما يقصد المكان سنويا عدد معتبر من الأساتذة الجامعيين و الطلبة من أجل إعداد بحوثهم العلمية و رسائل التخرج  حول الحشرات و النباتات و كذا الأسماك ، و بهذا الخصوص قال لنا علي زقرور،  رئيس مصلحة حماية النباتات و الحيوانات، أن هناك اتفاقيات موقعة بين محافظة الغابات و كلية البيولوجيا تقضي بالسماح بمرافقة الطلبة من أجل إجراء دراساتهم داخل محمية جبل الوحش.


متعة الجلوس أمام البحيرات
خلال جولتنا بمحمية جبل الوحش الطبيعية، و تحديدا بالقرب من بحيراتها ، شد انتباهنا عدد من الشباب فضلوا الاستلقاء على الأرض و منهم من افترش زرابي صغيرة لتأمل مياهها، في حين وجدنا آخرين  يغطون في نوم عميق.
قال لنا خالد الذي فضل الاتكاء على شجرة توجد على ضفاف بحيرة أن الجلوس هناك يضمن متعة نفسية كبيرة يجهلها الكثيرون ، إلا من جربها لتتحول إلى عادة لا يستطيع الاستغناء عنها.
 و يستقطب المكان البعيد عن ضوضاء المدينة الكثير من الرجال الذين يجدون ضالتهم هناك ، حيث الراحة و الانتعاش معا ، في وسط طبيعي بامتياز ، فيجد الزائر سيارات مصطفة بالجهة المقابلة للبحيرة و رجال يتجاذبون أطراف الحديث  أو يتأملون الطبيعة، فيما جلس بعض الأزواج يراقبون أبناءهم الذين فضلوا اللعب و الجري بمحاذاة البحيرة ، أما سعاد فقالت لنا أنها جاءت من أجل تعلم السياقة بالجهة المقابلة، تحت توجيهات والدها في ظل غياب مساحات مخصصة لهذا الغرض.


خدمات منعدمة و تغطية أمنية متذبذبة
ما يعاب على المكان الذي يعتبر وجهة سياحية و ترفيهية بامتياز ، هو الغياب الكلي لمختلف الخدمات التي قد يحتاجها الزوار، في مقدمتها الإطعام و بيع المياه المعدنية و المراحيض العمومية ، بعدما أغلقت كل المقاهي و المطاعم أبوابها ، فزيارة المحمية يتطلب إحضار كل ما يحتاجه الفرد من أجل الجلوس بأريحية هناك لساعات من الزمن .
كما يشكو رواد الغابة تدني التغطية الأمن، فرغم وجود دوريات للدرك الوطني تجوب الغابة على مدار اليوم، إلا أنها تبقى غير كافية ،حسبهم، و كثيرا ما تسجل اعتداءات و سرقات من قبل بعض المنحرفين ، و هي النقطة التي تحدث عنها أغلب من التقيناهم،  مطالبين بوضع حواجز  أمنية ثابتة بالمكان، مع زيادة عدد الدوريات المتنقلة ، بالنظر إلى شساعة الغابة التي تتربع على أزيد من  3آلاف هكتار.
هـ/ع

الرجوع إلى الأعلى