الفرح و الدهشة و الخوف مشاعر تتداخل في أول يوم بالمدرسة

lآباء و أجداد قلقون يحرصون على مرافقتهم إلى مقاعد الدراسة

كانت الساعة تشير إلى حدود الثامنة صباحا، عندما  دق جرس مدرسة سكينة بوسط مدينة قسنطينة، معلنا عن بداية الموسم الدراسي الجديد لسنة 2019 /2020 ، كان الاكتظاظ كبيرا أمام بوابة المدرسة، آباء و أمهات يمسكون بأيادي صغارهم الذين يلتحقون لأول مرة بمقاعد الدراسة.

هيبة عزيون:

أجواء الرهبة و الخوف سائدة و أنظار الأولياء مشدودة إلى بوابة المدرسة ، و هم على أهبة الاستعداد لمرافقة صغارهم و هم يخطون أول خطوة في مسارهم التعليمي، و عندما فتح الحارس البوابة امتزجت صرخات و هتافات بعض الأطفال و بكاء البعض الآخر، في حين ارتسمت ابتسامات خجولة على وجوه آخرين ، حملت الكثير من دلالات الفرحة لاكتشاف عالم جديد و الخوف من مغادرة حضن العائلة.
أطفال يبدأون أول يوم بالمدرسة بالبكاء و الصراخ
في أول يوم من الدخول المدرسي، زارت النصر عددا من الابتدائيات بولاية قسنطينة، لمرافقة التلاميذ الذين يلتحقون لأول مرة بمقاعد الدراسة، و كانت البداية بابتدائية سكينة  وسط مدينة قسنطينة ، التي كان مدخلها يعج بالأولياء الذين اصطحبوا أبناءهم ، و ما هي إلا دقائق حتى حان وقت الالتحاق بالأقسام ، و فتح بوابة المدرسة، فتسابق الصغار من أجل الدخول.
 دخلنا باحة المدرسة التي يتواجد بها قسمين للسنة الأولى ابتدائي ، فلاحظنا أن الأولياء رافقوا أبناءهم  إلى الداخل، و بادر بعضهم باختيار مقاعد لأبنائهم، و طلبوا منهم الجلوس.
و في هذه الأثناء شرع بعض الأطفال في البكاء و طلب آخرون من أمهاتهم و آبائهم البقاء معهم داخل القسم، فيما التزم آخرون الصمت و انهمكوا في النظر إلى محتويات القسم و زملائهم .
و أعرب العديد من الصغار بالمناسبة عن سعادتهم بارتداء ملابس جديدة و حمل محافظ و أدوات مدرسية جديدة اختاروها بأنفسهم.
أمهات ذرفن الدموع و آباء رفضوا مغادرة المدرسة
بالمقابل تفاجأنا بتصرفات بعض الأولياء ، فبعض الأمهات ذرفن الدموع أمام مدخل الأقسام،  فيما تحملت أخريات  مشقة الوقوف لساعات أمام  باب المدرسة في انتظار خروج أبنائهن.
 قالت لنا السيدة مريم و هي أم لطفلين، أنها لم تنم طوال الليل، و ظلت تفكر في ابنها الذي التحق اليوم بالسنة الأولى ابتدائي و حاصرها الخوف و القلق، رغم أنه في السنة الفارطة درس بالقسم التحضيري بذات المؤسسة.
و لم يكن حال السيدة سامية أفضل من مريم و عديد الأمهات، فقد وقفت أمام نافذة القسم ، لتشاهد ابنتها و هي تضم يديها من شدة القلق، سألنها عن سبب قلقها فردت « أخاف أن لا تراني ابنتي فتجهش بالبكاء».
 أما السيد كمال فكان مستغرقا في الذهاب و الإياب أمام القسم الذي يتواجد به ابنه الصغير محمد، في انتظار خروجه.
عن حال الأولياء الذين يلتحق أطفالهم بالمدرسة لأول مرة ، قالت لنا المعلمة سارة أنها لاحظت في السنوات الأخيرة الاهتمام الكبير الذي توليه الأسر لهذا الحدث،  و الذي يصل حد المبالغة و التضخيم، و غالبا ما تصدر عن بعضهم تصرفات تؤثر  سلبا على أبنائهم، حسبها.
سيد أحمد و سيد علي توأمان يتقاسمان تجربة الدخول


لفت انتباهنا خلال هذه الجولة التوأمين سيد أحمد وسيد علي اللذين تقاسما نفس التجربة لأول مرة ، فقد التحقا معا بمدرسة طالب مسعود ببوذراع صالح، و الجميل أنهما تقاسما نفس القسم و الطاولة،  بعدما أصر والدهما على ذلك نظرا لارتباطهما الكبير ببعضهما ، و رغم أنهما درسا السنة الفارطة بذات المؤسسة بالقسم التحضيري ، غير أن ولوج عالم الدراسة لأول مرة، بمثابة الحدث المميز الذي حضر له الأبوان طيلة فصل الصيف، من خلال الحديث الدائم مع الطفلين  لتحضيرهما نفسيا لدخول المدرسة، و توضيح كيفية التعامل مع المحيط المدرسي الذي يتطلب الكثير من الانضباط و الاجتهاد ، كما أصر الأب عبد الله و الأم على التحدث إلى المعلمة، و تعريفها ببعض طباع طفليهما، لتسهيل التعامل معهما خاصة و أنهما متعلقان ببعضهما بشكل كبير.
الابتسامة و تقديم الحلوى لكسر حاجز الخوف
أصرت المعلمة عبد الصدوق غنية على توزيع حبات الحلوى على تلاميذها الصغار في أول يوم لهم بين جدران ابتدائية سكينة بوسط مدينة قسنطينة، حيث قالت أنها و من خلال تجربتها لمدة سبع سنوات في التعليم ، استخلصت أن اليوم الأول من الدراسة ، يعد حجر الأساس لتكوين تلميذ ناجح في مساره التعليمي ، فهي ترى أن الحزم المفرط و استعمال الترهيب يتسببان في نفور الطفل من الدراسة منذ اليوم الأول.
 و دعت المعلمة زملاءها إلى البحث عن طرق عملية، لكسب ود الأطفال الصغار،  و تحبيبهم بالقسم و المدرسة كعالم جميل يحتضنهم ، أما زميلتها آمال فبدأت اليوم الأول من السنة الدراسية الجديدة باستعراض القدرات الغنائية لتلاميذ السنة الأولى ، من أجل إدخال الفرحة إلى قلوبهم الصغيرة و كسر حاجز الخوف لديهم.
و أكدت لنا المعلمة أن الابتسامة أيضا وسيلة لكسب ثقتهم و رضاهم ، مشيرة إلى أن المعلم أصبح مطالبا بالعمل على جبهتين و هي التلميذ و عائلته ، لهذا لا بد من تخصيص دورات تكوينية و تدريبية لمعلمي الطور الابتدائي، باعتباره أهم مرحلة في المسار التعليمي.
عبد الوهاب بن عميرة مدير مدرسة سكينة: السماح للأولياء بدخول الأقسام  يسهل اندماج الطفل


اعتبر السيد عبد الوهاب بن عميرة  ، مدير مدرسة سكينة للطور الابتدائي أن دخول المدرسة لأول مرة ، حدث هام في حياة الطفل ، و يجب التحضير له سواء من قبل العائلة و المدرسة معا، مؤكدا أن العراقيل  النفسية و المخاوف التي كانت  تطرح  بشدة عند الطفل سابقا عند التحاقه بمقعد الدراسة لأول مرة زالت اليوم  بشكل كبير ،  بعدما أصبح أغلب التلاميذ يلتحقون بالروضات في سن مبكرة و كذا الأقسام التحضيرية أو الجمعيات و المدارس القرآنية،  غير أن للتجربة لها خصوصيتها.
و شدد بهذا الشأن على ضرورة التركيز على العامل النفسي،  حيث أصبحت أغلب المؤسسات التربوية  تفتح أقسامها  للأولياء في اليوم الأول من الدخول المدرسي ، و تسمح لهم بالجلوس مع أبنائهم لبعض الوقت داخل حجرة الدرس لطمأنتهم إلى غاية الإحساس بالأمان و الاندماج بشكل تدريجي، دون أن ينسى دور المعلمين الذين تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة لتحبيب الصغار بالمدرسة و تشكيل علاقة وطيدة بين الطفل و عالمه الجديد، بعيدا عن حضن عائلته.
الأجداد  يرافقون أحفادهم إلى المدرسة


لم تقتصر مرافقة التلاميذ الجدد على الأمهات و الآباء في أول يوم من مسارهم التعليمي، فحتى الأجداد سجلوا حضورهم في هذا اليوم المميز ، على غرار الجدة فاطمة التي تنقلت رفقة حفيدها و زوجة ابنها باتجاه مدرسة مروش رابح بالوحدة الجوارية رقم 2 بالمدينة الجديدة علي منجلي، فرغم  تقدمها في السن و مرضها  أصرت الجدة على الإمساك بيد حفيدها هيثم و إدخاله إلى القسم و اختارت له المقعد الأمامي.
 قالت الحاجة فاطمة أن فرحتها لا توصف و هي ترى حفيدها يلتحق بالدراسة لأول مرة  ، كما  أنها قامت بإعداد حلوى السفنج في الصباح الباكر، ليتناولها في وجبة الإفطار ، تمسكا منها بعادة قديمة تتبرك بها و تتفاءل بها ، فبعد أن طبقتها على أبنائها، جاء دور حفيدها الصغير.
و طلبت جدة هيثم  من معلمته أن تعامله برفق هو و بقية زملائه ، و تعلمهم جيدا، أما السيد كمال، موظف متقاعد ، فأكد لنا أنه سيخصص وقت فراغه لمرافقة حفيدته الصغيرة إلى المدرسة ، و قد أصر أن يكون حاضرا معها في أول تجربة لها بالمدرسة.
و تبقى تجربة الالتحاق بالمدرسة بمثابة الحدث الهام داخل الأسرة و في حياة كل طفل، و توليها الأسر الجزائرية الكثير من الأهمية، حيث يشرع في التحضير لها قبل أسابيع بشراء مستلزمات الدراسة من ملابس و أدوات مدرسية ، إلى أن يحين يوم الدخول المدرسي الذي تنتظره العائلات بشغف و تحتفل به بطهي بعض المأكولات التقليدية التي تتبرك بها ، و تكون غالبا حلوة المذاق، على غرار السفنج ، الزلابية، و القرصة أو البغرير. 

الرجوع إلى الأعلى