سيدي مبروك من حي سكني راقي إلى مجمع تجاري كبير
يعتبر حي سيدي مبروك بقسنطينة، أحد الأحياء التي عرفت تحوّلات جذرية في السنوات الأخيرة، و ذلك مع بداية ظهور الفضاءات التجارية الكبرى، أو ما يعرف  بـ « البازارات»، فانتشار هذه المجمعات على مستوى المنطقة، رافقته تغيّرات في طبيعتها العمرانية و الهندسية، كما انعكس بشكل بارز على نمط الحياة في الحي الذي فقد خصوصيته كواحد
من أرقى التجمعات السكنية الهادئة في قسنطينة، إذ عوّضت البنايات العمودية الزجاجية الفيلات بهندستها الكولونيالية و حدائقها التي تزيّنها أشجار الورود و الليمون و اللارنج،
 كما أن وفرة السيولة التي يربطها البعض بنشاط تبييض الأموال ضاعف قيمة السوق العقارية بسيدي مبروك.
2004 سنة التحوّل
تعود التغيرات التي عرفها الحي ـ حسب سكانه، إلى بداية الألفينات، فالمنطقة التي كانت منغلقة نوعا ما، و تشتهر بفيلاتها الجميلة التي  تقطنها  عائلات  معروفة سكنتها بعد الاستقلال مباشرة، تحولت فجأة إلى سوق عقارية ناشطة هي المقصد الأول للتجار ، أغلبهم  من مدن مجاورة،  ، عوضوا نسبة كبيرة من سكان الحي القدامى، لدرجة شاعت معها تسمية المكان بسيدي فكرون، بدلا من سيدي مبروك، و يقول السيد زيتوتي، صاحب صيدلية بشارع العصيفر عبد الرزاق، بأن نشاط البيع و ما رافقه من عمليات هدم و إعادة بناء سريعة استفحل بعد سنة 2004 ، لدرجة أن 5 بالمئة فقط من الفيلات الكولونيالية القديمة، لا تزال قائمة إلى غاية الآن، ولم تعرف أي تعديلات تذكر، فيما عوضت البازارات و البنايات العمودية باقي المنازل الأخرى.
 من جهته قال مالك إحدى الفيلات المتواجدة بالشارع المعروف بـ "فيلاج ليهود"، بأن الحي فقد خصوصيته برحيل أبنائه و وفاة أعيانه.
المدينة العمودية تلتهم الحدائق
خلال حديثنا إلى بعض سكان الحي، لمسنا نوعا من المرارة في طريقة وصفهم للتحول الذي مس المكان، خصوصا ما يتعلق بالتلاشي التدريجي للخصوصية المعمارية، فمنازل أشهر الشوارع،  على غرار حوت سعيد و حي المجاهد بن خباب، و كذا فيلاج اليهود، كانت تشتهر بطابعها الكولونيالي الأوروبي، الذي يمنح الأولوية للحدائق الداخلية و المساحة الخضراء بأشجارها المثمرة الفواحة، وهي منازل لا تتجاوز في العادة طابقين مع شرفات جميلة و أسطح قابلة للاستغلال و واجهات بسيطة رمادية أو بيضاء متناسقة، غير أن المباني التجارية الجديدة ألغت تماما هذه الهندسة العمرانية التي اختارتها إدارة المستعمر الفرنسي لتكون طابعا للحي العلوي الذي أنشأته لاحتواء نسبة كبيرة من العائلات اليهودية بعد أحداث قسنطينة سنة1934.
 إن البازارات الجديدة التي حلت محل الفيلات، لا تختلف في هندستها كثيرا عن العمارات، وهو نمط فرضته المدينة العمودية، فأغلبها يزيد علوه عن طابقين و تتميز في معظمها بواجهات زجاجية موحدة ، تغطيها صفائح الألمنيوم و الزجاج السميك، مع غياب كلي للفضاء الأخضر، الذي غالبا ما يعوض بموقف صغير للسيارات، وهو تحول عمراني قضى تدريجيا على جمالية المنطقة السكنية الراقية و حولها إلى حي تجاري.
11 مليارا سعر فيلا في الحي العلوي

خلال  استطلاعنا لاحظنا، بأن الحي السفلي « لانفيريور»، لا يزال محافظا على طابعه بشكل كبير، و ذلك بالنظر إلى أنه يتشكل من العمارات بنسبة تفوق بكثير الفيلات و البنايات الأرضية، و  بالرغم من أن التجارة نشطة بقوة على مستواه أيضا، إلا أن  سوق العقار فيه لا يزال راكدا ، فأسعار الشقق مرتفعة، مقارنة بنوعيتها إذ يتراوح سعر شقة من غرفتين بين 700 حتى 800 مليون سنتيم، و قد قال لنا عبد الهادي وهو صاحب وكالة عقارية بالمنطقة،  بأن ملاك هذه  العقارات السكنية يحددون قيمتها بالرجوع لأهمية الحي و موقعه و سمعته، و ليس بالاعتماد على مساحة الشقة و وضعيتها، مضيفا بأن حركة البيع و الشراء في المنطقة جد ضعيفة، عكس ما يشهده الحي العلوي « سوباريور» الذي قال  بأن 70 بالمئة من نسيجه العمراني، قد تم تداوله في السوق العقارية خلال  15 سنة الأخيرة، خصوصا الفيلات الكولونيالية، و السبب، حسبه، هو موقع هذه الفيلات و كذا مساحتها التي تصل إلى 600 متر مربع، وهي مساحة تعتبر خيالية في منطقة مماثلة من قسنطينة لا يطرح فيها مشكل الانزلاق، عكس باقي المناطق الأخرى، لذلك فمنازل هذا الحي جد مطلوبة من قبل المستثمرين في مجال المجمعات التجارية و الإدارية كذلك. و تنطلق أسعار الفيلات في «السوباريور» من 7 ملايير إلى 11 مليار سنتيم، وهو ما أكده لنا بعض سكان الحي، مشيرين إلى أن مساحة هذه المنازل و موقعها مهمان جدا، وهو تحديدا سبب ارتفاع الأسعار، خصوصا وأنه لا وجود حاليا في محيط ولاية قسنطينة لعقارات شاغرة قابلة للاستغلال، وهو ما يفرض البلديات الأخرى و المدينة الجديدة علي منجلي كخيارات أخرى، أضف إلى ذلك، كما قال وحيد، صاحب مقهى بالحي العلوي، فإن هناك من هم مستعدون لدفع ما يطلبه الباعة دون أي نقاش، فلا أحد ينكر، حسبه، بأن العقار هو وجه من أوجه نشاط تبييض الأموال.
قضايا الميراث شجّعت البيع
خلال حديثنا مع بعض سكان الحي و تجاره، قيل لنا بأن النزاعات من أجل الميراث تعتبر الخلفية الرئيسية وراء بيع 80 بالمئة من الفيلات القديمة خلال  الخمس سنوات الماضية، فالورثة كثيرا ما يهجرون المنازل بعد وفاة الأصول، و يتفقون على بيعها، كما أن هناك من يجبرون على البيع بسبب مشاكل قضائية متشعبة، و الملاحظ، حسبهم، هو أن غالبية من يشترون هذه المنازل يعمدون إلى هدمها مباشرة، و إعادة بناء فيلات بنمط مختلف في ظرف سنة واحدة، وهناك من يستغلون العقار لإنشاء المراكز التجارية التي باتت «تنتشر في الحي كالسرطان»، على حد تعبير إحدى السيدات، التي أبدت انزعاجها من الضجيج و غياب الخصوصية اللذين رافقا هذا التحول.
مسؤول مندوبية سيدي مبروك حكيم لفوالة
غالبية البنايات الجديدة تفتقر  لشهادة المطابقة

يؤكد مندوب القطاع الحضري سيدي مبروك حكيم لفوالة، بأن نسبة كبيرة جدا من المباني التجارية التي أقيمت في مكان الفيلات قديمة، تفتقر لشهادة المطابقة و قد تم على إثر ذلك تحرير محاضر مخالفة في حق ملاكها و تحويل ملفاتهم إلى العدالة للفصل فيها، وهو إجراء، قال، إنه يشمل جل البنايات التي  خالف ملاكها  الشروط المحددة في رخصة البناء و التي تفرض على المعنيين عدم تجاوز سقف الطابقين أثناء عملية التعمير، مع إلزامية استغلال البناية للسكن و ليس لغرض التجاري، أما في ما يخص المحلات التجارية، فإن منح ترخيص إضافتها إلى مخطط البناء، يتحدد حسب خصوصية المنطقة السكنية و موقع العقار.
و عرفت الفترة بين سنة 2014 إلى غاية 2018 تحرير 20 محضر مخالفة تخص في معظمها بنايات تنتشر على مستوى حي سيدي مبروك العلوي، وهي منطقة تعرف وتيرة جد متسارعة في ما يخص نشاط الهدم و إعادة التعمير، إذ تستقبل ذات المصالح سنويا، ما يعادل  20 طلبا للحصول على رخصة هدم أو بناء، كما صرح المحضر القضائي التابع للمندوبية الأستاذ عبد الوهاب قجالي، مشيرا إلى أن القانون لا يسمح سوى بتعمير سكن مكون من فضاء أرضي و طابقيين، بالإضافة إلى سطح، شريطة استغلال البناء للسكن.
علما أن مصالح البلدية هي من تحدد حجم المساحة التي يسمح ببنائها من أصل محيط قطعة الأرض، وهي نسبة لا تتجاوز عادة 80 بالمئة من المساحة الإجمالية للعقار ، و تضبط بعد دراسة تأثير واجهة البناية على المحيط و الاحتكام لعوامل عديدة كالرؤية المباشرة و التخطيط و حق الطريق العام و احترام مساحة الحديقة الداخلية، وهي شروط غالبا  ما يتم الإخلال بها من طرف طالبي رخص البناء، وهو ما يترتب عليه تحرير محضر مخالفة يوجه إلى العدالة، التي قد تصدر قرارا بالهدم وهو أمر نادر الحدوث.  المتحدث أضاف من جهة ثانية، بأن نسبة كبيرة من أصحاب هذه البنايات أو البازارات، قدموا مؤخرا ملفات لتسوية وضعية مبانيهم، و ذلك في إطار قانون التسوية 15/08.                  
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى