أزمة عقار خانقة و نموذج في الإنارة الاقتصادية
كان معبر مجاز عمار الذي يجمع بين 3 أودية هي الشارف، بوحمدان و سيبوس الكبير،  قبل 182 عاما و بنهاية شهر سبتمبر 1837، ، مسرحا لمعركة تاريخية ضارية قادها الحاج أحمد باي قسنطينة، لصد القوات الغازية التي كانت تحتل المدن و القرى بين قالمة و عنابة و تتقدم بسرعة نحو قسنطينة، حيث استمرت المعركة لـ 3 أيام و انتهت بهزيمة جيش أحمد باي و سيطرة الغزاة على أهم معبر على وادي سيبوس و أقاموا ثكنة كبيرة كانت هي النواة الأولى لمدينة مجاز عمار التي تعد اليوم واحدة من أهم بلديات ولاية قالمة و أكثرها نموا ديموغرافيا و توسعا عمرانيا، تحوّل في السنوات الأخيرة إلى مشكلة كبيرة تواجه المجالس البلدية المتعاقبة، بسبب أزمة العقار الخانقة.
تعد الأراضي الزراعية الخصبة و المياه و حقول الزيتون الواسعة و بساتين الأشجار المثمرة و الموقع الاستراتيجي على الطريق الوطني 20 و القريب من مدن رئيسية هامة بينها قالمة و حمام دباغ، من أهم العوامل التي ساهمت في تواصل الهجرة إلى مجاز عمار من مختلف مناطق ولاية قالمة.    
و قد أدت الكثافة السكانية المتزايدة و معها أزمة العقار إلى تشتت النسيج العمراني بمجاز عمار إلى 7 تجمعات رئيسية، كل واحدة منها بحجم بلدية صغيرة، مما شكل متاعب كبيرة للمشرفين على شؤون مجاز عمار، و دفعهم إلى البحث عن مزيد من الجيوب العقارية لبناء السكنات و مرافق الخدمات الضرورية، لكنهم يقفون في كل مرة عاجزين و غير قادرين على انتزاع مزيد من الأراضي الزراعية الخصبة و تحويلها إلى بنايات و طرقات.
12 هكتارا من الأراضي الفلاحية لحل مشكل العقار
مجاز عمار هي مجموعة من القرى المتباعدة عن بعضها البعض، تعداد سكانها يقترب من 12 ألف نسمة و هم في تزايد مستمر و ربما سيصلون إلى 20 ألف نسمة في غضون سنوات قليلة قادمة، و عندها لن يجدوا متسعا من الأرض لبناء السكنات و مرافق الخدمات و قد يضطر الفائض منهم للبحث عن ملاذات أخرى للعيش بالبلديات المجاورة التي تبدو أقل تضررا من أزمة العقار.  
و تنقسم مجاز عمار إلى 7 تجمعات كبرى هي مجاز عمار، بني قايد، دغمان، الزعرورة، بن طابوش، البطومة و صالح صرفاني، ثاني أكبر التجمعات السكانية بعد مجاز عمار و ينظر إلى هذا التجمع الكبير، على أنه مستقبل العمران بالمنطقة، بالنظر إلى توفر مساحات أرضية قادرة على استيعاب المزيد من السكان، لكنها ذات طبيعة جغرافية صعبة و مكلفة.  
 رابح لقريني رئيس بلدية مجاز عمار
يقول رئيس بلدية مجاز عمار، رابح لقريني، متحدثا للنصر، بأن استرجاع مساحات من أراضي المستثمرات الفلاحية المجاورة للتجمعات السكانية، هو الحل الوحيد لمواجهة أزمة أراضي البناء، مضيفا بأن مخطط توسيع مدينة مجاز عمار، يتطلب استرجاع ما لا يقل عن 12 هكتارا من الأراضي الزراعية انطلاقا من تعاونية الخدمات الفلاحية، إلى غاية الأحياء السكنية الجديدة الواقعة بالضاحية الشمالية للمدينة.  
و حسب رئيس بلدية مجاز عمار، فإن إجراءات الاسترجاع قد دخلت مرحلة متقدمة، لكن البلدية مازالت في حاجة إلى مزيد من الدعم و التفهم من مختلف الأطراف ذات العلاقة بالعقار الفلاحي التابع للمجموعة الوطنية.  
و يعمل مجلس بلدية مجاز عمار منذ عدة سنوات، على إيجاد حل لمشكل العقار و جلب مزيد من المشاريع بينها السكن و مرافق الخدمات المختلفة كالتعليم و الصحة و الشباب و الرياضة، لكن تشتت القرى و ارتفاع كثافتها السكانية، شكل عبئا ثقيلا على مجلس بلدية مجاز عمار و هو يبحث اليوم عن مزيد من الدعم المالي من خزينة الدولة، لمواجهة مطالب السكان في مجالات السكن و الماء و الغاز و الكهرباء و تحسين إطار الحياة العامة.  
صالح صرفاني.. منازل دون شبكات و طرقات من تراب

عندما انتقلنا إلى تجمع صالح صرفاني على الطريق الوطني 20، لم نكن نعلم بأننا سنجد مساكن بلا كهرباء و غاز و صرف صحي و أننا سنجد أيضا شوارع من تراب، أتت عليها عوامل الطبيعة و الزمن و حولتها إلى مجاري طبيعية يصعب المرور عليها عندما تسقط الأمطار.   و يقول سكان المجمعات الريفية الجديدة بضواحي صالح صرفاني، بأنهم يعيشون حياة صعبة بسبب تدني إطار الحياة العامة و أنهم يعانون من نقص في الكهرباء و الغاز و حتى المياه و أنظمة الصرف الصحي.  
و كل ليلة يعم الظلام أغلب أحياء صالح صرفاني، بسبب نقص الإنارة العمومية و عندما تسقط الأمطار، فإن حركة المركبات داخل التجمعات الريفية الجديدة، تتوقف تماما و يضطر السكان لترك سياراتهم بعيدا وسط الأحياء المحاذية للطريق الوطني 20.  
و توجد بصالح صرفاني، سكنات ريفية كثيرة غير مأهولة، بسبب انعدام الطرقات و مياه الشرب و الصرف الصحي و الكهرباء و الغاز.  
و حتى السكنات الريفية المتواجدة وسط حقول الأشجار المثمرة، ما زالت غير مرتبطة بشبكات الماء و الكهرباء و الغاز و يعتمد بعض سكانها على المولدات و أنظمة الصرف البدائية و يعيشون أزمة عطش حادة.  
و يتوقع أن تنطلق مشاريع التحسين الحضري بتجمع صالح صرفاني قريبا، لكن السكان يتوقعون صعوبات كبيرة بسبب تداخل البنايات و الانحدار الشديد و ضيق الشوارع و الممرات المؤدية إلى بعض البناءات الريفية المعزولة عن التجمع السكاني.  
و تعد قرية صالح صرفاني، مستقبل العمران ببلدية مجاز عمار، نظرا لتوفر مساحات معتبرة من أراضي البناء، لكنها صعبة التضاريس و تتطلب إمكانات مادية كبيرة لبناء الشوارع و مد الشبكات المختلفة.
 «بن طابوش».. قرية  حوّلها النزوح إلى تجمع ضخم
تعد قرية بن طابوش، من أكبر قرى بلدية مجاز عمار و تكاد تكون بحجم بلديتين صغيرتين بقالمة، هما بوحمدان و رأس العقبة من حيث الكثافة السكانية و التوسع العمراني المتسارع و قد بدأت بن طابوش قرية فلاحية صغيرة، لكنها نمت بسرعة بسبب موجات النزوح الريفي مطلع السبعينات و أصبحت اليوم تجمعا حضريا قائما بذاته، مدرسة ابتدائية و متوسطة قيد الإنجاز و عمارات سكنية و مصانع بناها مستثمرون و ملحقة بلدية و مركز صحي و شبكات الغاز و الكهرباء و المياه و الطرقات المعبدة.  
و تعد قرية صالح صالح صالح، من أحسن التجمعات السكانية ببلدية مجاز عمار، من حيث إطار الحياة العامة، لكنها تعاني أيضا من أزمة العقار، حيث تطوقها الأراضي الزراعية من كل الجهات و بالكاد وجد المشرفون على شؤون البلدية قطعة أرض لبناء متوسطة جديدة، تضع حدا لمعاناة التلاميذ الذين ظلوا يتنقلون إلى مجاز عمار للدراسة على مدى السنوات الماضية.    
«الكدية الشهبة»..الربوة التي احتوت أزمة العقار

بني قايد أو «الكدية الشهبة» كما يسميها السكان القدامى بالمنطقة، هضبة جيرية صعبة ظلت مهجورة على مر التاريخ و هي ربوة كبيرة تطل على مجاز عمار و حمام دباغ و مع اشتداد أزمة العقار ببلدية مجاز عمار، بدأ الموقع الريفي يستقطب مزيدا من السكان الهاربين من جحيم أزمة السكن بمجاز عمار و غيرها من البلديات المجاورة و حتى البعيدة.
و بمرور السنوات، بدأت البنايات تعلو عند سفح الربوة الكبيرة و أدركت بلدية مجاز عمار أهمية الموقع و قررت استغلاله لمواجهة ندرة العقار المخصص للسكن و منحت تسهيلات كبيرة لتشجيع المواطنين على التوجه إلى المنطقة و المساهمة في إعمارها، من خلال إعانات البناء الريفي التي غيرت وجه مجاز عمار و جعلتها بلدية كبيرة بكثافة سكانية تحسدها عليها بلديات ريفية صغيرة، ظلت عرضة للنزوح الريفي الذي استنزف طاقاتها البشرية و يكاد يحولها إلى بلديات أشباح مقارنة بمساحتها الكبيرة.  
و في غضون سنوات قليلة، تحولت الربوة المنسية إلى قرية صغيرة تعلو مبانيها بعضها فوق بعض، حتى تكاد تصل اليوم إلى قمة الكدية الشهبة في منظر هندسي جميل.   و تعمل بلدية مجاز عمار، على تهيئة الطرقات و الأرصفة و إيصال الماء و الكهرباء و الغاز إلى المساكن الجديدة التي تكاد تصل على حدود بلدية حمام دباغ المجاورة.   و قال رابح لقريني رئيس بلدية مجاز عمار، بأن موقع بني قايد قد ساهم في التغلب المؤقت على مشكل العقار، كما قرية صالح صرفاني، مؤكدا على أن بعض الجيوب العقارية مازالت قادرة على استيعاب المزيد من السكنات الريفية، لكنها قد تتشبع في غضون سنوات قليلة.
   أطول شبكة إنارة بتقنية لاد على مستوى الولاية
رغم مشاكل العقار و النمو السكاني المتزايد، فإن مجاز عمار تحاول اليوم تخطي عقبات التنمية، من خلال منجزات كثيرة في مجال الشباب و الرياضة و الصحة و شبكات الإنارة المتطورة، حيث تسعى مجاز عمار لأن تكون بلدية نموذجية في مجال الإضاءة الاقتصادية و هي اليوم تقترب من الهدف، بعد إنجاز أطول خط إنارة بنظام «اللاد» المقتصد للطاقة بولاية قالمة و يقع هذا الخط على طول الطريق الوطني 20، من حدود بلدية قالمة إلى حدود بلدية هواري بومدين على مسافة  تفوق 6 كلم.    و أصبح هذا المقطع من الطريق المزدوج مضاء بالكامل، بواسطة مصابيح «اللاد» و نظام الإنارة الملونة، مما أضفى على المسار مسحة من الجمال و الرومانسية خلال ساعات الليل.  

و تعتزم بلدية مجاز عمار، تعميم نظام الإنارة الاقتصادية على كل القرى و التجمعات الريفية، لخفض تكاليف استهلاك الطاقة الكهربائية التي كلفت خزينة البلدية الكثير من الجهد و المال، على مدى السنوات الماضية.                   
فريد.غ  

الرجوع إلى الأعلى