لم تعد تخصصات التكوين المهني حكرا على من تركوا مقاعد الدراسة في الطورين المتوسط و الثانوي، فقد أصبحت قبلة للطلبة الجامعيين الذين وجدوا فيها سبيلا ينتشلهم من عالم البطالة، حيث أحصت إحدى المراكز بقسنطينة 45 بالمئة من المسجلين من صفوف الطلبة، الذين أجمع البعض ممن تحدثت إليهم النصر، أن هاجس الشغل دفعهم لدراسة شعب تتلاءم و طبيعة مسارهم الجامعي ، فيما اختار البعض ميادين خدماتية كالخياطة و الحلاقة التي تتيح لهم الفرص لولوج ميدان العمل بسهولة، مؤكدين بأن نجاح عديد المشاريع الخاصة، حفزهم  على التوجه إلى التكوين و التعليم المهنيين.   
روبورتاج / أسماء بوقرن
خلال زيارتنا لبعض مراكز التكوين المهني بقسنطينة، على غرار معهد عبد المجيد زيتون بالمدينة الجديدة علي منجلي، و معهد  صيد محمد بحي الدقسي عبد السلام، التقينا بعدد من الطلبة الجامعيين، الذين فضلوا الالتحاق بركب التكوين المهني، لأسباب و إن تعددت من طالب إلى آخر، إلا أنها تصب في مجملها في محاربة مشكل البطالة،
و البحث عن مهن تحقق دخلا ماديا معتبرا، فهناك من اختار تخصصات تتلاءم و المسار الجامعي لتشكل داعما لشهادته، كتخصص تسيير الموارد البشرية و استغلال المعلوماتية، و هناك من فضل اختيار شعب خدماتية ، كالخياطة و الحلاقة و نجارة الألمنيوم و غيرها، و يرون بأنها تساعد في إنشاء مشاريع استثمارية بأقل الإمكانات، كما يمكن ممارستها بالموازاة مع وظيفة أخرى.
أكد السيد السعيد كعوش، رئيس مصلحة متابعة التكوين و التعليم المهنيين بمديرية التكوين المهني للنصر، بأن القطاع لم يعد ملاذا للشباب الذين لم يسعفهم الحظ في مواصلة الدراسة النظامية، بل تحول إلى قبلة لحاملي الشهادات الجامعية، و بالأخص الأدبية منها غير المطلوبة بكثرة في سوق الشغل، خاصة بعد بروز عديد المشاريع الاستثمارية الناجحة التي جسدها شبان و شابات تخرجوا من مراكز ومعاهد التكوين المهني،  بعد تحديث الخريطة البيداغوجية سنة 2012 بإضافة تخصصات جديدة ، و التي تمكن من الحصول على قروض دعم و تشغيل الشباب ، فالمديرية سجلت في دورة هذا الموسم ، حسب ذات المصدر، أكثر من 7 آلاف طالب، كما أقر والي الولاية خلال افتتاح الموسم الحالي، أن التكوين المهني يسجل تشبعا بقسنطينة، نظرا للإقبال اللافت عليه من مختلف الأعمار و المستويات التعليمية،  و هو دليل، حسبه، على نجاح قطاع التعليم المهني بالولاية.   
من جهته أكد المستشار الرئيسي بمركز التكوين المهني صيد محمد بحي الدقسي عبد السلام، مسعود خراب،  بأن حوالي 45 بالمئة من المسجلين على مستوى المعهد طلبة جامعيين و متخرجين من الجامعة، و يفوق عددهم 50 طالبا، موزعين على عدة تخصصات، منها مستغلي معلوماتية و  التبريد و التكييف الصناعي و كذا الخياطة، مرجعا السبب إلى إتاحة القطاع فرصة التكوين التطبيقي، الذي يساعده على الاندماج في سوق الشغل بسهولة .
فيما أكدت السيدة فريدة لوصيف المديرة الفرعية للمعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني المجاهد عبد المجيد زيتون بقسنطينة،  الذي يوفر تكوينا في الفندقة و الإطعام و السياحة ، بأن الطلب كبير على هذه التخصصات،  خاصة تخصص الإطعام  الذي لم يتم فتحه بعد، مشيرة إلى أن الشهادة المطلوبة تتمثل في مستوى الثالثة ثانوي، غير أن عددا معتبرا من المتربصين يحوزون شهادات ليسانس و حتى الماستر.  
الطالبة منال مخربي
رغبتي في تأسيس وكالة سياحية أدخلتني التكوين المهني
السيدة منال مخربي، أم لخمسة أولاد تبلغ من العمر 41 سنة، تحمل شهادة جامعية في علوم الإعلام و الاتصال، و هو ميدان لا يسمح لحاملي شهادته بالظفر بمنصب شغل بسهولة، ففضلت استثمار وقتها في تعلم و نيل شهادات في تخصصات أخرى تتيح لها فرص الشغل، حيث استغلت فترة ما بعد التخرج في العمل مع زوجها في مجال تسويق المواد الصيدلانية،  غير أن حلم تأسيسها لمشروع سياحي ناجح ، جعلها تفكر في ولوج بوابة التكوين المهني، لأنه يتيح للمتخرجين منه فرصة إقامة مشاريع خاصة، خلافا للشهادات الجامعية، فاختارت تخصص وكالات الأسفار ، لكونها من عشاق السفر و الترويج للسياحة الداخلية، و سبق لها أن زارت عديد البلدان الأجنبية و العربية ، كماليزيا، الهند، لبنان، تونس، مصر، الأردن و غيرها ، مضيفة بأنها اختارت نمط التكوين عن طريق الدروس المسائية و الموجه خاصة لفئة العمال الراغبين في تكوين أو تأهيل قصد تحسين مستواهم الإجتماعي و المهني.  
و تطمح من خلال تأسيس وكالة أسفار إلى التعريف أكثر بمناطقنا السياحة، مؤكدة بأن ميزة الشهادات المتحصل عليها  من معاهد التكوين، أنها تتيح فرصة الحصول على قروض استثمارية، عكس الشهادات الجامعية، مضيفة بأنها تنشط كذلك كرئيسة جمعية أفاق المستقبل الرياضية للكراتيه بعين سمارة،  كما تعمل كناشطة في جمعية خيرية .        
الطالب عصام العايبي
اخترت تسيير فنادق لأنه يتلاءم مع تخصصي الجامعي
أما الشاب عصام العايبي، الذي يحمل شهادة جامعية في العلوم السياسية، فقد اختار شعبة الفندقة و السياحة، و بالضبط تخصص تسيير و إدارة فندق بالمعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني المجاهد عبد المجيد زيتون بقسنطينة، لأنه يرغب في العمل في هذا المجال، الذي يتلاءم لحد ما مع تخصصه العلمي، و يتيح له فرصة العمل في مجال تسيير المؤسسات، من بينها الفنادق.
و أضاف في سياق ذي صلة، بأنه يتمتع بموهبة التنشيط، حيث  كان طوال سنوات تدرجه يشرف على تنشيط الحفلات الجامعية و مختلف التظاهرات الثقافية، غير أن موهبته ظلت محصورة بين أسوار الجامعة، إلى أن التحق بمعهد التكوين السنة المنصرمة، فلقي الدعم من قبل القائمين عليه الذين اكتشفوا موهبته، فأصبحوا يكلفونه بتنشيط  المناسبات التي تقام بالمعهد، ما ساهم في تعرف عديد مسؤولي المؤسسات الفندقية عليه، و أصبح يشرف عليها، حيث كانت آخر تظاهرة فنية نشطها بفندق الشيراتون.
 عصام قال بأنه كان ينتظر بشغف كبير إدراج شعبة السياحة و الفندقة على مستوى معهد قسنطينة، لأنه تعذر عليه دراسته في ولاية بوسعادة، خاصة و أن المؤسسات الخاصة تشترط  ما قيمته 40 مليون سنتيم للحصول على شهادة مهنية، حسبه، موضحا بأن هدفه تحقق بعد اجتياز اختبار القبول في التخصص ، ليكون ضمن الناجحين الخمسة الأوائل بين  600 مترشح، حيث يدرس ضمن نمط التكوين الإقامة و الذي يشترط الحضور اليومي للمتعلم، إذ يسعى لاكتساب معارف تطبيقية من خلال التربصات الميدانية في الوسط المهني.
uرميساء دياب
الشهادة الجامعية
وحدها لا تكفي لولوج ميدان الشغل
من جهتها قالت رميساء دياب التي تدرس في معهد عبد المجيد زيتون بالمدينة الجديدة علي منجلي، بأنها بالموازاة مع ذلك تتابع تعليمها في السنة الثالثة حقوق  بجامعة منتوري قسنطينة، لأنها ترى بأن هاجس البطالة سيلاحقها عندما تتخرج من الجامعة، كما لاحق العديد من المتخرجين في الدفعات السابقة، ما جعلها تفكر في الالتحاق بشعبة تسيير الموارد البشرية، لأنها تفتح آفاق أكثر،حسبها،  للتوظيف في مختلف المؤسسات، كما أن هذا التخصص يدعم مؤهلها العلمي، في مجال  الحقوق و الذي عادة ما يدرج في مسابقات توظيف الإداريين ، معتبرة الشهادة الجامعية لا تكفي لولوج ميدان الشغل ،  مشيرة إلى أنها اختارت التعليم عن بعد، لتوفق بين التخصصين.
الطالبة إيمان
أدرس لأحصل على شهادتين
من جهتها  قالت ايمان . خ ، طالبة في السنة الثانية علم الاجتماع بجامعة عبد الحميد مهري،  بأنها أرغمت على دراسة هذا التخصص، لكونها لم تتحصل على معدل جيد في البكالوريا يؤهلها لاختيار ما تريد، مشيرة إلى أنها كانت تطمح للالتحاق بالمدرسة العليا للأساتذة غير أن الحظ لم يحالفها، فقررت ألا تكتفي بالدراسة الجامعية ، معتبرة الشهادة وحدها غير كافية، كما أنها لا تتيح لحاملها فرص للشغل ، فهي غير مطلوبة في عديد مسابقات التوظيف، و هو ما حفزها أكثر للالتحاق بالتكوين المهني، و دراسة  تسيير الموارد البشرية ، حيث تدرس بمعدل مرتين في الأسبوع ، و اختارت نمط التكوين عن طريق التمهين بشكل تناوبي، و هو يجمع بين التكوين النظري في المؤسسة التكوينية، والمؤسسة الاقتصادية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، و تتكفل هذه المؤسسات  بالتكوين التطبيقي مما يسمح للمتمهن الاقتراب من المهنة.
أما المؤسسة التكوينية فتقوم بتدعيمه بدروس نظرية و تقنية، و هذا يساهم، حسبها، في التكوين الفعلي و الجيد للمتعلمين، مضيفة بأن تخصصها يضم عدة مقاييس كتسيير المؤسسات و قانون العمل و إحصاء و رياضيات عامة و تسيير الموارد البشرية، و الإعلام الآلي و تنظيم إداري،  و كذا دراسة الفرنسية و الانجليزية، على مدار سنتين ليتم  في السداسي الخامس إجراء تربص ميداني،  و هو الأهم في فترة التكوين، حيث يتمكن الممتهن من الإلمام بكل جوانب تخصصه و كذا اكتساب مهارات، مؤكدة بأنها  تسعى للظفر بالشهادتين معا، لكي  تتفرغ للبحث عن منصب شغل.
الطالبة رقية مرجان
اخترت الخياطة لأتمكن من إقامة مشروع خاص
رقية مرجان من خريجي جامعة قسنطينة،  أوضحت للنصر بأنها اختارت تخصص خدماتي و هو الخياطة، لتتمكن من فتح ورشة للخياطة، خاصة و أنها تتمتع بموهبة في فن التصميم صقلتها بالدورات التكوينية لدى مختصات في المجال، مضيفة بأنها فضلت العمل مستقبلا في هذا المجال بعد أن تعذر عليها الظفر بمنصب عمل  يتلاءم مع شهادتها الجامعية.  
تحدثنا أيضا إلى بعض الشباب الذين  تمكنوا من إقامة مشاريع ناجحة، بينهم أمينة و هي شابة في الثلاثينات، لم يسعفها الحظ في مواصلة دراستها النظامية ، فاختارت تخصص الحلاقة و لم تكن تتوقع أن تحقق هدفها بإقامة مشروع ناجح عمره حوالي 4 سنوات، مؤكدة بأنها تحقق دخلا ماديا لا بأس به، و تسعى حاليا لتوسيع نشاطها ، بإضافة تخصص التجميل،  مشيرة إلى أنها ستتابع تكوينا في العناية بالبشرة.
كما يعد عبد الرؤوف من بين الشباب الذين نجحوا بعد تخرجهم من المعهد، حيث درس تخصص نجارة الألمنيوم و فتح محلا ببلدية حامة بوزيان، و أصبح بدوره يكون عددا من الشبان الراغبين في تعلم هذه المهنة.                               أ ب

الرجوع إلى الأعلى