سكنات فاخرة بالملايير و الانزلاقات تهدد عدة بنايات
ينمو العمران في زواغي ببلدية قسنطينة بوتيرة هادئة منذ عقود، استطاعت المنطقة خلالها أن تتحول إلى نقطة استقطاب للباحثين عن مكان للإقامة، لكن استمرار التوسع وظهور البنايات الجديدة حوّل «عين الباي»، كما كان يسميها سكان المدينة في الماضي، إلى ورشة مفتوحة لا تكتمل الأشغال فيها أبدا مع بروز تحصيصات جديدة، جلبت معها العديد من المشاكل على غرار البناء الفوضوي فوق مناطق الانزلاق ومخالفات التعمير المختلفة.
النصر جالت في حي زواغي، الذي أصبح اليوم يتوسط علي منجلي وقسنطينة، بعدما كان يمثل امتدادا للأخيرة، من خلال هذا الروبورتاج الذي نقف فيه على بعض زوايا الحركية الجديدة التي يعرفها المكان عبر تحوله إلى نقطة جذب سكنية لفئات اجتماعية محدودة. 
روبورتاج: سامي حبّاطي
وانطلقنا في إعداد هذا الروبورتاج من البنايات الفوضوية، التي يتصدرها حي النخيل، المعروف باسم «دي أن سي» والواقع بالواجهة الغربية من حي زواغي، حيث يعتبر واحدا من أكبر تجمعات البنايات الفوضوية، تقدر بأكثر من 1100 بناية تعرضت بعضها لعمليات هدمٍ سابقة، ومنها ما تعرض لهدم جزئي، في حين أودع أصحابها ملفات تسوية وما زالوا ينتظرون الاستجابة من السلطات، رغم تأكيد مهندسة بمندوبية زواغي لنا أن جزءا كبيرا من أرضية الحي مهددة بالانزلاق في أي لحظة، كما ظهرت آثار المشكلة على مدرسة أحمد حماني الابتدائية، أين سقط الجدار المحيط بها.
وأضافت محدثتنا أن المشكلة يمكن أن تمتد إلى غاية البنايات المحيطة بها، لأن بعضها شيدت على أرضيات غير ملائمة، في حين يلاحظ أن المكان عبارة عن مرتفع نمت عليه البنايات خلال ما يقارب ثلاثة عقود بصورة متدرجة، كما أن حي النخيل يضم جزءا سفليا يتمثل في فيلات شيدت في إطار ترقية عقارية تعود إلى سنوات التسعينيات، لكنها تواجه بعض المشاكل بحسب ما علمناه من سكانها، حيث لم يستلموا عقودهم إلى غاية اليوم، ولم يستفيدوا من تعبيد الطريق المؤدي إلى منازلهم لأن الموقع ما يزال عبارة عن ورشة، في حين وصلت القضية إلى أروقة العدالة بين البلدية و المرقي.
وسبق لخبراء أن اعتبروا أن التوسع العمراني باتجاه منطقة زواغي من الأخطاء الإستراتيجية في سياسة العمران بالولاية، حيث ذكر الخبير عبد الكريم شلغوم في حوار سابق مع النصر، أن زواغي من المناطق المهددة بالزلازل و انزلاقات التربة في قسنطينة، كما أن جزءا كبيرا منها أقيم على أراض فلاحية.
تسجيل العديد من التّجاوزات العُمرانية
ويلاحظ المتجول بحي زواغي أن أجزاء منه قد بنيت منذ العديد من السنوات، حتى صارت أحياء كاملة مهيأة وتضم مختلف المرافق، على غرار «تلمسان» المقابل للمقبرة، والعمارات القريبة منه، بالإضافة إلى حي 1100 مسكن على مستوى الجهة السفلى و «سوناتيبا»، لكن المساحات الواقعة بين جميع هذه الأحياء ما تزال تعرف نموا للعمارات والفيلات، بعضها في إطار ترقيات عقارية وأخرى أنشأها أفراد. وقد جعلت هذه الوضعية من زواغي ورشة مفتوحة، بحيث يتصادف المار بين كل بضع عشرات من الأمتار ببنّائين و هيكل بناية ومواد بناء ومخلفاتها.
ولاحظنا لدى مرورنا بشارع العيادات أن القائمين على مشروع خاص بترقية عقارية قد أغلقوا جانبا من الطريق المزدوج بسبب الأشغال، حيث ما زال مغلقا إلى غاية اليوم منذ عدة أشهر، رغم أنه طريق رئيسي، كما أن السائر بمركبته يجد نفسه مضطرا إلى الانعطاف ومزاحمة القادمين من الجهة المعاكسة على المسار الثاني من الطريق من أجل مواصلة سيره، وإلا فإنه ينتهي إلى طريق مسدود ببوابة ورشة البناء، التي تبدو الأشغال متواصلة على مستواها.
وعلمنا من مهندسة البلدية أن مندوبية زواغي قد وجهت العديد من التقارير بخصوص التجاوزات العمرانية المسجلة بكثرة بسبب عمليات البناء المتعددة، فيما ذكرت لنا أن سكان تحصيص الهضبة قد وجدوا أنفسهم في مواجهة مشكلة خلال السنوات الماضية، فقد منحت لهم قطع أرضية في وقت ماض، قبل أن يأتي مخطط الهشاشة ويصنف خمسين بالمئة من الموقع في الخانة الحمراء. وأضافت نفس المصدر أن بعض البنايات قد أنجزت قبل إعداد المخطط، ما جعلها اليوم في الخانة الحمراء رغم أن أصحابها شيدوها باحترام جميع الإجراءات القانونية، فيما أوقفت البلدية منح رخص البناء في الأرضية الهشة منذ 2008.
«سوناتيبا» أولى «بؤر» التوسعات الفوضوية

وقد تنقلنا إلى حي الهضبة، حيث كانت السيارة تتقدم بصعوبة بسبب وضعية الطريق السيئة، بينما لاحظنا وجود العديد من القطع الأرضية المعروضة للبيع من خلال لافتات منصبة عليها، وهو نفس المشهد في باقي تجمعات البنايات الفردية من زواغي. وأكد لنا سكان أن سعر أرضيات البناء قد ارتفع كثيرا مقارنة بما كان عليه خلال السنوات الماضية، فمع تزايد العمران وتطور الحركية في الحي، أصبحت زواغي مقصدا للكثير من الباحثين عن أماكن للإقامة، رغم تأكيد محدثينا على أنها ما زالت تتميز بالسكينة والهدوء، لأنها ليست من الأحياء التي استُقدمت إليها أعداد كبيرة من العائلات في إطار عمليات ترحيل.
ولم نصادف خلال جولتنا بزواغي الباعة الفوضويين، إلا لدى بلوغنا العمارات المعروفة باسم حي «سوناتيبا»، حيث توجد طاولات للباعة بمحيط السوق الجوارية التي استحدثت بالمكان منذ أكثر من سنة، فيما علمنا من مصادر من المكان أن بعض الباعة هم من المستفيدين من مربعات للتجارة داخل السوق نفسها، لكنهم اختاروا تمديد نشاطهم إلى قارعة الطريق متسببين في عرقلة حركة المرور.
ويظهر الشق الثاني من المشكلة في المحلات التي استولى أصحابها على أجزاء معتبرة من الرصيف أسفل العمارات، ومنهم من استفاد من مساحات تتجاوز المساحة الإجمالية لمحله، كما أننا لاحظنا محلات تمت توسعتها حتى إلى الجهة الجانبية من العمارة، فصارت لها واجهتان، و قد استغلت في نشاطات مختلفة مثل القصابة والإطعام على طول الطريق الرئيسية لحي «سوناتيبا»، فيما تسبب الأمر في الإزعاج للكثير من السكان، خصوصا وأن الظاهرة تفاقمت خلال عدة سنوات.
ويتسبب التسوق العشوائي في الموقع المذكور في أزمة مرور، فالسائقون يتوقفون على جانبي الطريق ما يترك مساحة ضيقة لمرور السيارات الأخرى، في حين ما زالت التوسعات آخذة في الظهور، وقد وقفنا خلال تواجدنا في الحي على أحد الأشخاص يقوم ببناء جدار بالآجر لتمديد مدخل محله.
فيلات فاخرة تتجاوز أسعارها العشرة ملايير
و رفعت الوضعية السكنية لزواغي من أسعار العقار بصورة بالغة، فقد تضاعفت في العديد من الأحياء مقارنة بما كانت عليه قبل حوالي عقد من الزمن على الأقل، حيث ذكر لنا أحد المواطنين بأنه باع هيكل بناية مكونة من ثلاثة طوابق تقع بالقرب من حي 1100 مسكن، بما يعادل حوالي مليار سنتيم ونصف في سنة 2008، واليوم تساوي نفس البناية أكثر من أربعة أو خمسة ملايير بحسب ما أكده، خصوصا وأن من اقتناها قام باستكمال الأشغال على مستواها.
وقد زرنا موقع «واد كنيس» واطلعنا على بعض الإعلانات لبيع عقارات على مستوى منطقة زواغي، حيث وجدنا إعلانين وضعا في الثامن من شهر جانفي الجاري، أحدهما يضم عرض بيع لهيكل بناية مكونة من الطابق الأول فقط بحي الكاليتوس مقابل مليارين وستمئة مليون سنتيم، بينما يضم الإعلان الثاني فيلا مكونة من ثلاثة طوابق وتضم محلات، حيث حدد صاحب العرض السعر بـ 12 مليار سنتيم كبداية، في حين وجدنا عرض بيع فيلا على مستوى حي الإخوة فراد انطلاقا من ثمانية ملايير سنتيم.
وتحولت بعض الأحياء بزواغي إلى تجمع لفيلات فاخرة، تعرض بأسعار مرتفعة جدا، على غرار ما يشير إليه عرض لبيع فيلا مكونة من ثلاثة طوابق ببلحاج، أين حدد صاحبها السعر ابتداء من سبعة ملايير سنتيم ونصف، في حين يشمل الارتفاع أسعار الإيجار، فصاحب عرض كراء إحدى الشقق المكونة من أربعة غرف بحي تلمسان، قد حدد مبلغ 5 ملايين سنتيم كإيجار شهري لها، بينما تتجاوز أسعار بيع الشقق المليار سنتيم في الأحياء القديمة من الحي، وهو نفس الوضع الذي تعرفه أسعار القطع الأرضية، بهذا الحي الذي يضم أيضا منازل وفيلات تعود إلى مجموعة من المسؤولين.
المندوب البلدي خالد شبيرة
 حاويات لجمع الخبز تعرضت للسرقة
و مررنا في جولتنا بمشروع لإنجاز عمارات ترقوية بالقرب من الطريق المؤدية إلى عمارات 1100 مسكن، حيث لمحنا ما يشبه «الجبل» من مخلفات عملية البناء، في حين أوضح لنا سكان أن المكان يتحول إلى مصدر لغبار كثيف في الأيام التي تهب فيها الرياح القوية. توغلنا أكثر خلف المشروع فوجدنا كميات معتبرة من الردوم في المكان الذي ما زال يمثل ورشة مفتوحة، بينما تسجل نفس المشكلة على مستوى العديد من النقاط الأخرى التي تستمر فيها عمليات البناء، حيث طرحنا الأمر على المندوب البلدي لزواغي، الذي أكد لنا أن أعوان البلدية يتكفلون بمهمة النظافة، لكنه أوضح أن الردوم مسجلة في نقاط الورشات بكميات كبيرة ويتسبب فيها المواطنون الذين يقومون بالرمي العشوائي.
واستحسن المسؤول وضعية النظافة على مستوى التجمعات العمرانية بزواغي، مشيرا إلى أن البلدية قامت بتجديد الحاويات منذ فترة قصيرة، كما أنشأت أرضيات من الخرسانة مخصصة لوضعها، فيما أكد تسجيل بعض الحالات لتعرض حاويات خصصت لجمع الخبز لعمليات سرقة، منبها أن الإنارة العمومية، التي تتكفل بها مؤسسة «سوبت» متوفرة في جميع النقاط. وأضاف المنتخب أن المندوبية تنظم مسابقة سنوية على مستوى زواغي من أجل اختيار أفضل الأحياء من جانب النظافة.
أما بخصوص البناءات الفوضوية، فذكر لنا نفس المصدر أن مندوبية زواغي تسجل بنايات فوضوية في التجمع المسمى بـ»العيفور» أيضا، مشيرا إلى أن مصالحه تقوم بتحرير تقارير وإرسالها إلى مديرية العمران بالبلدية من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة.  
قاعات حفلات تنشط بسجلات تجارية لمطاعم
وحدثنا المندوب عن التطور العمراني في زواغي حيث قال أن المندوبية تتربع على مساحة تقارب 29 كيلومترا مربعا، حيث تعتبر الأكبر في بلدية قسنطينة بينما تتواجد فيها كتلة سكانية تقارب 80 ألف نسمة بحسب تقديرات المندوب البلدي، الذي أكّد لنا أنّ إحصاء سنة 2008 قد حدد عدد القاطنين فيها بثمانية وأربعين ألف شخص، في حين يتوزع السكان على ثلاثين تجمعا سكانيا من بينها خمسة تجمعات لعمارات، هي كل من حي الموظفين الواقع بالقرب من جامعة الإخوة منتوري و1100 مسكن و»بورتولازو» وتلمسان و564 مسكنا المعروفة باسم حي «سوناتيبا»، بينما تمثل البقية تجمعات بنايات فردية، ومن بينها تجمع للشاليهات.
ونبه نفس المصدر أن زواغي تضم ثمانية مساجد ومدرسة قرآنية وست مدارس ابتدائية وأربع متوسطات وثانويتين، بالإضافة إلى ثلاث مدارس خاصة، في حين تتوفر على مركز طبي وثلاث إقامات جامعية وثلاث حدائق عمومية، وملعبين جواريين وقاعة رياضية وفضاء لعب للأطفال وسبع دور للحضانة وسوق جوارية. وذكر لنا المندوب البلدي أن زواغي تتميز بوجود سبع قاعات للحفلات، حيث ينشط أصحاب البعض منها بسجلات تجارية مطابقة، بينما ينشط آخرون باستعمال سجلات تجارية خاصة بالمطاعم. من جهة أخرى، يجري بناء ثلاثة فنادق جديدة على مستوى مندوبية زواغي، في حين تضم ثماني عيادات خاصة على مستوى شارع العيادات، كما توجد عيادتان متعددتا الخدمات.
س.ح

الرجوع إلى الأعلى