يطرح عديد المرضى مشكلة نقص التواصل مع الأطباء، حيث يكتفي العديد منهم بالاستماع إلى ما يقوله المرضى حول مرضهم، ثم يكتبون لهم الوصفة، و لا يخصصون وقتا كافيا للفحص و الاستفسار عن الأعراض بدقة لتشخيص مرضهم و شرح طبيعته،  ما جعل المرضى يلجأون، حسب ما أكدوه للنصر، إلى الانترنت لفهم علتهم، خاصة و أن غالبية الأطباء يعتمدون على الفرنسية في حديثهم المقتضب، و إن كان تعميم هذا السلوك على جميع الأطباء يعتبر مبالغة، إلا أنه يبقى واقعا يستحيل إنكاره، خصوصا في ظل اعتراف الممارسين بأن ذلك ناجم عن التحوّلات الاجتماعية و انعدام الثقة في المنظومة الصحية، و الاكتظاظ الذي يخلق ضغطا كبيرا ينعكس سلبا على  مستوى المعاينة.  
روبورتاج / أسماء بوقرن
يعتبر تنظيم علاقة الطبيب بالمريض، عنصرا مهما في تحسين مستوى الرعاية الصحية و يشكل أحد أساسيات أخلاقيات مهنة الطب، لأن في ذلك التزام بشرط التكفل النفسي بالمريض، كجزء مهم من عملية العلاج، حسب ما أكده أطباء  للنصر، مؤكدين      فعالية العلاقة الاجتماعية بين الطرفين و دورها في العلاج، لأنها تولد الثقة كمبدأ كان مكرسا بشكل كبير في الماضي، غير أنه بدأ يتلاشى تدريجا، حسبما وقفنا عليه خلال جولتنا الاستطلاعية  في بعض العيادات الخاصة و بمستشفى قسنطينة الجامعي.
غياب الاتصال مشكل عام
تحدثنا إلى عدد من المرضى كانوا ينتظرون دورهم بمصلحة الأعصاب بالمستشفى الجامعي بن باديس و التقينا بمرضى آخرين في عيادة خاصة بعلاج أمراض العظام و المفاصل، فأكدوا لنا جميعا أن الاتصال بين المريض و الطبيب يطرح مشكلة حقيقية، فهذا الأخير، حسبهم، أصبح يتعامل مع المريض بجفاء.
و قال لنا سيدة تبلغ من العمر  65 سنة، بأنها دائمة التردد على الأطباء، لكونها تعاني من مشاكل صحية عديدة، و قد لاحظت في السنوات الأخيرة تغيرا في طريقة تعامل الأطباء مع مرضاهم، خصوصا بعض المختصين في أمراض القلب و الشرايين، الذين لا يكلفون أنفسهم، حسبها، عناء الحديث إلى المريض، و باتت علاقتهم به ،منحصرة في قراءة نتائج التحاليل، التي تتكفل في بعض الأحيان الممرضات بإدخالها إليهم، لتعود بوصفة طبية يحررها الطبيب، حتى دون رؤية المريض مجددا، كما أن مقابلة الطبيب دون موعد مسبق، أمر مستحيل، وهو ما يضطر بالكثيرين إلى التوجه إلى مصلحة الاستعجالات الطبية لمعرفة أسباب وعكتهم الصحية.
من جهته قال محمد، 44 عاما، يعاني من مرض عصبي تسبب في إصابة يده بشلل ، بأنه عانى في بداية المرض من مشكلة عدم تمكن الأطباء من تشخيص مرضه بدقة، فاضطر للاستعانة بالشبكة العنكبوتية لفهم حالته، من خلال مقارنة الأعراض التي تنتابه بما هو منشور، و هو ما مكنه من فهم مرضه واستيعاب اللغة التي يستخدمها الأطباء  خلال الحديث عنه و ذلك بعد أن نجح في ترجمة بعض المصطلحات بواسطة الإنترنت.
كما طرح المتحدث مشكلة استعمال الطبيب اللغة الفرنسية في التواصل مع المريض، وهي لغة لا يفهمها الكثيرون، خصوصا إذا تعلق الأمر بمصطلحات طبية معقدة، مشيرا إلى أنه و بعد رحلة علاج دامت 4 سنوات كاملة، أصبح ملما بالمصطلحات الطبية المتعلقة بمرضه بفضل الشبكة العنكبوتية.

 مريض آخر يعاني من مرض الحساسية، قال لنا بأن تعقد وضعه الصحي دفعه إلى التوجه نحو طبيب مختص بعلي منجلي، فاضطر للانتظار ساعات طويلة، نظرا للاكتظاظ الكبير في قاعة الانتظار بعيادته، ليصطدم في الأخير، بلامبالاة الطبيب الذي لم يكلف نفسه عناء النظر إليه و فحصه، و اكتفي بطرح سؤال واحد « ما بك»،  لتنتابه حالة من الغضب، فقام بتمزيق الوصفة و مغادرة العيادة فورا.
منى بومشرة  طبيبة مقيمة بمصلحة أمراض الأعصاب
انعدام الثقة في الطبيب «الشاب» خلّف فجوة اتصالية
أرجعت الدكتورة منى بومشرة، طبيبة مقيمة بمصلحة الأعصاب بمستشفى قسنطينة الجامعي، السبب في ضعف الاتصال بين المريض و الطبيب، إلى انعدام الثقة في الممارسين الشباب، مشيرة إلى أن المشاكل التي يتخبط فيها القطاع، أفرزت سلوكيات تتنافى، حسبها، مع أخلاقيات المهنة.
و قالت الطبيبة ، بأنها تصادف  مرضى يقللون من شأن الأطباء الشباب، و يملون عليهم في بعض الأحيان ما يفعلونه، مضيفة بأن بعضهم لا يقتنعون بتشخيص الطبيب، إذا  لم يطلب منهم فحصا بأشعة « سكانير» أو التصوير بالرنين المغناطيسي، وغالبا ما يصرون على مقابلة « الطبيب الكبير»، الأكبر سنا، الذي يعد في رأيهم أكثر خبرة، و هي سلوكات  تثبط معنويات الأطباء الشباب و تفقدهم حتى القدرة على التواصل، خاصة في ظل الضغط الكبير الذي تشهده المصلحة.
محدثتنا أكدت، بأن العلاقة بين الطبيب والمريض مهمة لكليهما، فكلما كانت أفضل من ناحية الاحترام المتبادل والثقة و القيم المشتركة، كان العلاج أكثر فاعلية، كما أن المناخ الجيد يعزز، حسبها، دقة التشخيص.
الدكتور رابح براح مختص في أمراض العظام و المفاصل
العملية الاتصالية تساعد على التشخيص الدقيق
قصدنا عيادة الدكتور رابح براح، مختص في أمراض العظام و المفاصل بوسط المدينة، و يعرف منذ 45 سنة بعلاقته الجيدة بالمرضى، و يقصده الكثيرون من داخل الولاية و خارجها.
قال لنا بأن الطبيب يحتاج إلى جو عمل مريح يساعده على تحسين مستوى الكشف من خلال تبادل أطراف الحديث مع المريض، و مساعدته على الاسترخاء، بالتطرق إلى مشاكله و ظروفه الاجتماعية و غيرها من الأشياء التي تولد علاقة جيدة بين الطرفين وتعزز عامل الثقة، بعدها يقوم المعالج، بإجراء المعاينة التي يحس المريض بعدها بالراحة ويغادر العيادة وهو مقتنع.
 و أوضح الدكتور، بأن العملية الاتصالية تساعد على التشخيص الدقيق للمرض، خصوصا و أن 75 بالمئة من الحالات التي يستقبلها في عيادته، تعاني أمراضا نفسية جسدية، أي أن أمراضهم ظاهرها عضوي و باطنها نفسي، وهي حالة لا تتطلب أكثر من وصف بعض الفيتامينات للمريض.
غياب المعلومات الكافية و ضعف المستوى يجبران الطبيب على الصمت
أرجع المتحدث أسباب تغير العلاقة بين الطرفين، إلى طغيان النمط السريع على حياتنا، الذي يؤدي إلى غياب التواصل عند الكثير من الأطباء ، و فرض لغة حديث غير لبقة «قبيحة» هي نتاج التحولات الاجتماعية التي نشهدها ، في مقدمتها غياب عنصر الحنان وسط الأسرة و كذا ضعف التكوين و عدم توفر المعلومة الكافية عند الطبيب، ما يجعله يفضل الصمت أحيانا، ناهيك عن انتشار المنطق التجاري و التركيز على رفع عدد المعاينات اليومية، و تخلي البعض عن الضمير المهني و الرابط الإنساني، ما يتجلى، حسبه، من خلال توجه بعض  الأطباء إلى التعاقد مع مخابر تحاليل و عيادات أشعة و يلتزمون بإرسال عدد معين من المرضى إليها شهريا، وهو سلوك يتنافى مع أخلاقيات المهنة و يضر بمستوى الثقة بين الطبيب و المريض.
الدكتور عمر بوشاقور
عضو سابق في مجلس أخلاقيات الطب
الحل في طبيب العائلة و فصل الاستعجالات عن الفحص العادي
يعتبر الدكتور عمر بوشاقور، طبيب عام و عضو سابق في مجلس أخلاقيات مهنة الطب بقسنطينة، بأن المجتمع يشهد تغيرات كبيرة لها تأثير مباشر على الطبيب، كغيره من البشر، فتضاعف عدد المرضى زاد من حجم الضغط، مقارنة بالماضي، و انعدام الثقة في المنظومة الصحية ككل ميع صورة الطبيب و حط من قيمته، كما أن ثقافة العلاج في الجزائر خاطئة، و قد حان الوقت، حسبه، للفصل بين ما هو استعجالي و ما هو فحص عادي.
و أوضح الطبيب بأن المريض الذي وضعه الصحي معقد، يختلف عمن يعاني آلاما خفيفة مع ذلك فكلاهما يلجآن إلى مصالح الاستعجالات، ما يفرض ضغطا ينعكس مباشرة على مستوى التكفل، وعليه يدعو المواطنين إلى تكريس ثقافة طبيب العائلة، لأنه قادر على توطيد العلاقة مع المريض و متابعة وضعه بشكل أفضل.
عميد كلية الطب البروفيسور محجوب بوزيتونة
عصبية المرضى و ضغط العمل أثرا على نوعية التكفل
أكد البروفيسور محجوب بوزيتونة ، مختص في جراحة العظام و المفاصل بمستشفى قسنطينة و عميد كلية الطب، فاعلية التواصل في نجاح العلاج و طرح بالمقابل، مشكل الاكتظاظ و انعدام الصبر عند المريض، ضمن أهم أسباب تراجع مستوى التكفل، فالمرضى لا يقدرون ظروف الأطباء أحيانا، حسبه، ويتعاملون معهم كآلات يجب ألا تتوقف ،  ويعجزون عن استيعاب تأثير الضغط على نوعية الأداء، مشيرا من ناحية أخرى، إلى أن  هذا لا يبرر غياب التواصل بين الطرفين، ولا ينفي حق المريض في وقت أطول خلال المعاينة التي يجب أن تشمل الجانب النفسي، و يعتمد خلالها الطبيب على شرح المرض بدقة و بلغة بسيطة لمريضه.
                                                    أ ب

الرجوع إلى الأعلى