القطب الحضري بالمنية.. المشروع المأزق!
“هذه الأرض أحدثت فتنة”، بهذه العبارة يختصر السيد جمال، أحد ورثة عائلة لعباني في ما يُعرف بتحصيص المنية، «المأزق» الذي وقعت فيه سلطات قسنطينة عقب رفض عائلات المساس بأوعية «تابعة لها»، معترضة بذلك على إتمام مشروع قطب حضري ضخم على مساحة تفوق 43 هكتارا “قبل الحصول على حقوقها”، أما الوكالة العقارية فتؤكد أنها لم تتعد على أية ملكية خاصة، لكنها تُبقي على باب الحلول الودية مفتوحا و تُبدي استعدادها لإمكانية الاستعانة بخبرة أخرى.
النصر زارت الوعاء العقاري المخصص للمشروع وهناك وجدنا جمال لعباني رفقة أفراد عائلته، ومنهم شباب صاروا يضطرون، مثلما أخبرونا، إلى حراسة أرضهم ليل نهار خوفا من “التعدي على ممتلكاتهم” خلال ورشة تهيئة  أرض المنية التي انطلقت سنة 2018.
7 أبراج و 20 عمارة تنتظر الإنجاز
ويسبق هذه العملية الانطلاق في تشييد قطب حضري متكامل على مساحة 43 هكتارا، بعدما أعاد الوالي الحالي بعثه، حيث يضم 727 حصة ستنجز فوقها سكنات فردية على مساحة تمثل حوالي 60 بالمئة من إجمالي الوعاء، إلى جانب 7 أبراج سكنية  و20 عمارة ذات 5 طوابق، وتجهيزات عمومية منها مدرسة ومسجد وعيادة ومركز بريد.
وقبل التوغل في الأرضية التي وجدنا أن عمليات شق المسالك و وضع البالوعات قد بدأت بها، أطلعتنا العائلة على مراسلات وجهت إلى السلطات بخصوص قضيتهم، ومنها وثيقة سلموها في 2018 للوكالة العقارية حول قرار الوالي المؤرخ في 22 جوان 1992 والمتضمن نقل جزء من الملكية مساحته 12.60 هكتار لبلدية قسنطينة، من أصل 20.50 هكتار.
وذكر الورثة أنهم  خاطبوا مسؤولي الوكالة شفويا وعدة مرات، حول «التعدي على القطعة الأرضية» دون الالتزام بالبنود الواردة في القرار المذكور الذي رخص للبلدية حق امتلاك 12 هكتارا، باستثناء القطعة المخصصة لتلبية الاحتياجات العائلية، لكنهم لم يتلقوا أية استجابة رغم أنهم أبدوا استعدادهم لتقديم تنازلات لتحقيق المنفعة العامة.
«نطالب بتوقيف الأشغال غير القانونية»
كما تم إطلاعنا على مراسلة وجهها الوالي في 7 جويلية 2011 إلى بلدية قسنطينة، لدراسة طلب موكل ورثة لعباني، بتلقي توضيحات حول نقل الملكية،و يضيف محدثونا أنه لم يتم تعيين القطعة الأرضية الموجهة لتلبية الاحتياجات العائلية، داخل محيط المساحة منقولة الملكية كما ورد في القرار، حيث بوشرت الورشة دون تنفيذ هذا البند، ما جعلهم يطالبون بـ “توقيف كل الأشغال الخارجة عن نطاقها القانوني».
واستدل المعنيون بشهادتي عدم تسجيل امتياز أورهن بخصوص أرضيتهم، حررهما المحافظ العقاري في أوت 2018 وجانفي 2019، كما أطلعونا على عقود البيع المسجلة في محافظة الرهون العقارية سنوات 1938 و 1942 و 1946 على حوالي 29 هكتارا، يقولون إنها لا تزال تعود بقوة القانون لعائلة لعباني.
محدثونا ذكروا أن الأشغال بدأت على مستوى 28 هكتارا، منها 12 المعنية بنزع الملكية و 8 هكتارات «مصنفة على أنها فلاحية»، مؤكدين أن البنايات المنجزة فوق أراضيهم ليست فوضوية كونها «بنيت على ملكيتهم الخاصة».
وبهذا الشأن علّق لعباني جمال “الأدهى في الأمر هو أن الوكالة العقارية باعت القطع وأعدت عقودا لمستفيدين بدأوا هم أيضا في بيعها لأشخاص آخرين.. لقد أصبحت هذه الأرض فتنة، فكل يوم يتجند 3 أفراد من العائلة لحراستها»، لييضيف في حنق شديد «سيخلقون فتنة، فكيف لشخص أن يبيع أرضا بمبلغ يصل إلى مليار سنتيم، وهي في الأصل ملك لي».
“انتظرت لـ 30 سنة و من حقي أن أبيع الأرض!”
لم نكد نتوغل أكثر في الأرض، حتى وجدنا لافتة تعرض قطعة على مساحة 3400 متر مربع، للبيع، اتصلنا بصاحب الاعلان فقال إن الوضعية القانونية للأرض سويت وبأن هناك عقدا للملكية حررته الوكالة العقارية، وأضاف “لا توجد أية مشكلة»، ليؤكد بأن سعرها 700 مليون سنتيم.
أخبرْنا المعني عن هويتنا، فراح يشتكي بأنه «سئم» من هذه الأرض وقرر بيعها بعد 30 سنة من الانتظار، مؤكدا بأن مشكلة الملكية ليست مسجلة بالنسبة له ولدى عدد من المستفيدين الذين  لم يدخلوا في نزاع قضائي مع الوكالة العقارية، حيث يحوز، مثلما تابع، على عقد مشهر يسمح باستغلال القطعة في البناء.
وبخصوص العائلات التي تؤكد أنها تمتلك أوعية بالمنطقة علق البائع قائلا «ليس لدي دخل، لقد حصلت على أرض من الدولة والنزاع يظل بين الوكالة وهؤلاء العائلات.. أنا مستفيد وأملك عقدا مشهرا في مديرية مسح الأراضي يعطي لي صلاحيات البناء والبيع وهو ما أكده لي الموثق». بالمقابل تُبيّن أرقام تحصلنا عليها من الوكالة العقارية، أنه من بين 727 حصة بالمنية، تم بيع 265 عن طريق القرعة، منها 165 سلمت عقود الملكية لأصحابها، أما من تبقوا فتمت مراسلتهم لتسديد المستحقات.
رفقة الملاك الذين أكدوا أن المقاولة لم تتلق أي تهديد أو معاملة سيئة منهم، واصلنا السير في أرضية مشروع القطب الحضري الممتدة على مساحة شاسعة تطل على حيي الغراب وبن الشرقي وعلى جزء من وسط مدينة قسنطينة وغابة شطابة، وذلك إلى أن بلغنا الحدود التي يؤكدون أن 12 هكتارا الخاصة بإجراء نزع الملكية، تنتهي عندها، حيث ذكروا أن الأشغال تخطتها، ما جعلهم ينتفضون ويطالبون بتدخل السلطات وعلى رأسها والي قسنطينة عبد السميع سعيدون.
«هذه الأرض ليست بورا !»
خلال جولتنا، التحق بنا السيد قصران وهو أحد الورثة أيضا، حيث كان يسير بصعوبة متكئا على عكاز يعينه على “حراسة أرضه” مثلما قال، كما التقينا بمالك آخر هو السيد بومزبر الذي ذكر أن عائلته تحوز 10 هكتارات مع عائلة قصران، أخِذت منها 4 هكتارات على أساس أن الوكالة العقارية اشترتها من البلدية، لكن لم يتم، حسبه، إبلاغهم أو إطلاعهم على أية وثائق تثبت ذلك.
وأضاف محدثنا أن المنطقة ليست بورا، فأرضها كانت تنتج القمح والشعير وعدة أصناف من الفواكه والخضر، حتى أن 10 قناطير من المحاصيل كانت تجنى منها سنويا، كما ذكر أن مساحته ما تزال تضم قرابة 100 شجرة مثمرة «يرفض أن تُمس».
واصلنا السير رفقة الملاك في منخفض على مسافة حوالي كيلومترين، إلى أن بلغنا مجموعة من المنازل المترامية التي أخبرنا محدثونا أنها أنجزت على أرض بيعت بعقود عرفية، لكنها «ليست فوضوية كما أنها غير معنية أصلا بالمشروع، وفق تأكيدهم.
التقينا بأحد القاطنين بهذه المنازل التي أنجز بعضها على طوابق، فأخبرنا أن السكان اشتروا الحديقة من ملاكها وهم عائلة لعباني، والعديد منهم يقطن بالمنطقة منذ عقود، حتى أنهم لم يحاولوا الاستفادة من قانون تسوية البنايات. وقالت سيدة بدت ساخطة «لماذا يتركون مساحات شاغرة ويأتون إلى هنا؟ هذا ظلم وتعدِّ على ممتلكات السكان”.

بعد إنهائنا الجولة مع الورثة، وجدنا أن ممثلا عن الوكالة العقارية قد حضر رفقة مكتب الدراسات والمقاولة للإطلاع على الورشة، حيث استغل الملاك الفرصة للتحدث إليهم، ودار نقاش لحوالي ساعة بين الأطراف من أجل استيضاح الأمور و محاولة شرح الحدود التي يقف عندها المشروع.
تفاوت في ورشة التهيئة والمقاولة تخشى الخسائر
رئيس المصلحة التقنية بالوكالة العقارية، أكد أنه سيتم القيام بعمل تقني لضبط حدود 12 هكتارا التي كانت قد أخذتها البلدية في إطار نزع الملكية، داعيا الملاك إلى السماح بوضع هذه الحدود ليعد تقارير في شأنها، حيث قال إن أحدهم رفع دعوى قضائية ضد الوكالة و قد تكبدت خسائر مادية، و هنا تدخل أحد الملاك بالقول بأنه لم يتم رفع دعوى لأنه «لا يوجد عقد لنزع الملكية في الأساس،» ليخبرنا لاحقا أن الورثة اعترضوا على قيمة التعويضات خلال السنوات الماضية.
وذكر رئيس المصلحة التقنية أن هذا الوضع يتطلب عقد اجتماع بين مصالح أملاك الدولة والمحافظة العقارية ومديرية مسح الأراضي «للخروج بنتيجة ترضي كل الأطراف». سألنا المسؤول عن الحل لهذه الإشكالية التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، فأجاب “نحن لدينا عقد وهم لديهم عقد.. الوكالة العقارية ضحية مثلهم وقد نتعرض لخسائر، بالمقابل هناك مستفيدون انتظروا لـ 30 سنة، والسلطات المحلية السابقة طلبت منا أن نتدبر أمرنا”.
مدير مكتب الدراسات قال للنصر إن أشغال الطرقات والأرصفة ومدّ قنوات صرف المياه، وصلت في المنطقة الخالية من النزاع، إلى 80 بالمئة، بينما بلغت نسبتها حوالي 25 بالمئة خارجها، أما المقاول، فأكد أنه تضرر لأنه لم يستطع مواصلة المشروع، فالسلعة التي جلبها معرضة للتلف، كما أن الآجال حددت بـ 14 شهرا، لكن عامان انقضيا دون أن يُتِّم عمله، مضيفا أنه ينتظر التوصل إلى حل، خاصة أنه معرض لعقوبة التأخير ومُطالب من صاحب المشروع يوميا، بالمحاولة مرة أخرى لاستئناف الورشة.
مدير الوكالة العقارية
اقترحنا على العائلات المعترضة الاستعانة بخبير عقاري
مدير الوكالة العقارية للتنظيم والتسيير العقاريين السيد بن بوعزيز رشيد، أوضح للنصر بأن مصالحه تحوز على عقد تحويل للملكية بالمنية، من بلدية قسنطينة، وذلك على مساحة 43 هكتارا، طبقا لمداولة مؤرخة سنة 2004 صادق عليها الوالي في 21 أوت من نفس السنة.
وذكر بن بوعزيز أنه لم يسجل أي مانع لدى ورثة عائلة بن شايب، حيث تجري الأشغال على أرضهم بطريقة عادية، في حين أن ورثة لعباني «اعترفوا بـ 12 هكتارا التي شملتها نزع الملكية لكنهم معترضون على الأشغال في أراض ليست ملكا لهم”.
وقال المسؤول إن 24.24 هكتار شملتها إجراءات نزع الملكية مع ورثة بن شايب في 24 جوان 1995، و 12.66 هكتار بالنسبة لعائلة لعباني وذلك في 6 أوت 1995 حيث تم تقديم تعويضات، إضافة إلى 2.56 هكتار تخص عائلة بن ميلاط، وهكتارين مسهما الإجراء ذاته كانت ملكا لأسر قصران و بومزبر و عَليُوش، حيث تم نزع الملكية سنة 1995 كذلك.
وأضاف محدثنا أن ورثة لعباني أوقفوا الأشغال، حسبه، في المحيط الذي لا يتبع لهم، مؤكدا أنه استدعاهم وعقد معهم عدة حصص عمل ودية، لإنهاء الإشكال، حيث طلب منهم جلب المخطط والوثائق التي تبين ملكيتهم للـ 20 هكتارا، و إن تطلب الأمر استعانتهم بخبير عقاري يبين حدود أرضيتهم وكذا الـ 12 هكتارا المعنية بنزع الملكية.
كما ذكر بن بوعزيز بأنه أبدى استعداده لتعيين وتثبيت هذه الحدود، والتحقق إن كان هناك تعد. استفسرنا من المسؤول إن كان ذلك يعني إمكانية إعادة النظر في مخطط المشروع فأجاب بلهجة حازمة “بالتأكيد.. لن نعتدي على ملكية الغير»، ليضيف «في نفس الوقت لن نسمح بمنعنا عن العمل في المحيط التابع لنا».
«السكنات المنجزة خارج ملكية الوكالة لا تعنينا»
بن بوعزيز قال إن وكالته تحوز على عقد بملكية الـ 43 هكتارا، ومخطط مصادق عليه من السلطات المحلية، ورخصة التجزئة، وهي كلها وثائق تسمح له باستئناف المشروع، مضيفا “رغم أننا نحوز على كل هذه الوثائق، قلنا للورثة أنه إذا كان لديكم شك بأننا تعدّينا على أرضيتكم استعينوا بخبير عقاري، وقبل ذلك لجأت الوكالة إلى مديرية مسح الأراضي التي بينت بعد عمل دام 6 أشهر، أن كل المساحة المستغلة من طرف الوكالة العقارية ليست بها تعديات، بل بالعكس، اتضح أن هناك بعض المساحات التي لم نستغلها”.
المسؤول أوضح بخصوص “السكنات الفوضوية” المنجزة على الحصص التابعة لمشروع القطب الحضري بالمنية، أن خرجات ميدانية أجريت سنة 2017 بالتنسيق مع مفتشية مديرية التعمير والبناء، أظهرت وجود 66 بناية ذكر أنه “سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية” بخصوصها والمتمثلة وفق تعبيره، في الهدم، لأن أصحابها بنوا فوق أراض تخص أشخاصا آخرين بموجب عقود يحوزون عليها، ليجيب عندما سألناه عن مصير العائلات التي تؤكد أنها اشترت الأرض من الورثة القدامى، “كل ما هو داخل محيط التحصيص التابع لنا هو المعني بالهدم، أما إذا كان خارجه فلا يعنينا بل هو مشكلة البلدية».
وأضاف المسؤول «لو تركونا نعمل لكان المشروع قد انتهى، لقد بقي جزء من عملية مدّ قنوات مياه الشرب حيث أعددنا دراسته وننتظر انتهاء هذه المشكلة لإطلاق الأشغال وعمليات التزفيت”، مؤكدا أن الهدف من مشروع القطب الحضري هو سدّ حاجيات المواطن وتحقيق المنفعة العامة في ظل نقص العقار.
ياسمين بوالجدري

الرجوع إلى الأعلى