ممرات ضيقة وطرقات مهترئة لتعلم السياقة بقسنطينة
يعرف نشاط تعليم السياقة بقسنطينة الكثير من النقائص التي أثرت على نوعية التكوين وذلك باعتراف أصحاب مدراس نددوا بعدم مطابقة المضامير وبسيطرة دخلاء على النشاط وتأثير عامل التوريث على النوعية، كما اعترفوا بفوضى الأسعار، فيما يقر مدير فرع المركز الوطني لرخص السياقة أن الأماكن المخصصة للتعليم عبارة عن ممرات ضيقة بطرقات مهترئة تفتقر لأدنى المواصفات، و أكد فرض أسعار وتخفيضات غير قانونية، مشيرا أن الرقابة توجه مئات الإخطارات وتفرض عقوبات لتنظيم النشاط.
دخول عالم السياقة من فضاءات غير مطابقة
تعتبر  مضامير السياقة من أبرز المشاكل التي تواجه أصحاب المدارس بقسنطينة، فعددها غير كاف، أما الموجودة فهي غير مهيأة، و هي عموما، إما ساحات عمومية، أو محاور مرورية،  أو فضاءات غير مستغلة تعاني من إهتراء الطريق و الأرصفة و غياب مختلف الإشارات الضوئية و المكتوبة، و لا تتوفر على مقاعد يجلس عليها المترشحون أو أماكن تحميهم من أشعة الشمس الحارقة في الصيف، أو البرد القارس في الشتاء .
قال لنا محمد و هو صاحب مدرسة سياقة بالمدينة الجديدة علي منجلي، أن الممتحنين يتحملون مشقة الانتظار  يوم الاختبار في ظروف جد مزرية، ما يؤثر كثيرا على أدائهم.
و قالت لنا نسرين، ممرنة بإحدى المدارس، أن مشكل التهيئة المطروح في المضامير، تحول بالنسبة إليها و إلى زملائها، إلى هاجس حقيقي يؤثر على نوعية التكوين، حيث يقضي، كما أكدت لنا،  المترشحون ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارة و غالبا ما تسجل حالات إغماء بينهم، خاصة في شهر رمضان، و للتخفيف من معاناتهم، بادر أرباب مدارس السياقة، باقتناء شمسيات كبيرة ، يتم نصبها يوم الاختبار.  
لمعاينة الوضع عن كثب إنتقلت النصر إلى عدد من المضامير،  و كانت الانطلاقة من  المدينة الجديدة علي منجلي، في مضمار بالوحدة الجوارية رقم 16 ، و هو عبارة عن  مسلك مروري يؤدي إلى بعض العمارات، لاحظنا أن وضعية الطريق و الأرصفة كانت مقبولة إلى حد ما، خاصة و أن أصحاب المدارس قاموا بطلائها،  لكننا وجدنا المترشحين ينتظرون دورهم تحت الأمطار،  و أعرب عدد منهم عن امتعاضهم من هذه الحالة المزرية.
الوجهة الثانية كانت نحو حي الدقسي عبد السلام الذي يضم ثلاثة مضامير لتعلم و اجتياز اختبارات رخص السياقة، فوجدنا الوضع أسوأ من سابقه، فالمضمار الأول يوجد بين بعض العمارات و أرضيته مهترئة و الأرصفة دون طلاء، مع انتشار كبير للأعشاب الضارة  و غياب كلي للكراسي لجلوس المترشحين.
 و غير بعيد منه يوجد المضمار الثاني المخصص  لاختبارات الركن ، و المضمار الثالث  بالقرب من مركز التكوين المهني و التمهين الشهيد محمد صيد، بمحاذاة السوق اليومي، و هما في الواقع عبارة عن طرقات لسير السيارات، يتم استغلالها من طرف أصحاب المدارس لتدريب طلابهم وسط زحمة المرور ، و قالت لنا نرمين التي كانت بصدد التمرن، أنها غالبا ما تشعر بالخوف من دهس أحد المارة أو الاصطدام بسيارة عندما تسوق بهذا المكان ، و تساءلت عن سبب عدم تخصيص السلطات لفضاءات مهيئة لتعليم السياقة.
مهنيون يشتكون غياب الرقابة
و طرح الكثير من أصحاب مدارس السياقة مشكل الدخلاء على مهنتهم، و يربط  البعض السبب بالمنح العشوائي للاعتمادات، إلى جانب ظاهرة توريث المهنة من الآباء إلى الأبناء، في شكل من أشكال الاحتكار،  و قال لنا بعض من تحدثنا إليهم  أن   «دخلاء» على القطاع، أثروا سلبا على سمعة مدارس السياقة بالولاية، من حيث تدني نوعية التعليم المقدم  للمترشحين و لجوئهم إلى «طرق غير شرعية» لإنجاح الطلبة في الامتحانات ، قد تصل  في بعض الأحيان حد الابتزاز، حسبهم.
كما  ذكر أصحاب مدارس السياقة مشكل المحسوبية و المحاباة ، خاصة من جانب المهندسين و الإدارة، و إقصاء بعض أصحاب المدارس لأسباب شخصية،  إلى جانب سوء معاملة بعض المهندسين المشرفين على الاختبارات، للممرنين و كذا  الممتحنين  و ممارسة ضغوطات نفسية عليهم تؤثر على نتيجتهم يوم الاختبار ، و أرجع  محمد الشريف، صاحب مدرسة سياقة بحي الدقسي عبد السلام، السبب إلى غياب الرقابة في هذا المجال.
تخفيضات موسمية ضحيتها المتمرنون
 و يشكو العديد من أصحاب مدارس تعليم السياقة من نقص مداخيلهم بسبب تراجع عدد المترشحين من جهة، و كذا الأعباء المالية التي أثقلت عاتقهم من مستحقات كراء المحل، إلى الضرائب، و مصاريف تغيير مركبة التعليم،  ما جعل الكثير منهم مهددا بالإفلاس و الغلق النهائي، كما قالوا لنا.
 و قال لنا كمال، صاحب مدرسة لتعليم السياقة بحي الدقسي، أنه عكس ما هو شائع، يعاني أهل الاختصاص من نقص كبير في العائدات المالية، فالأوضاع الاقتصادية للبلاد أثرت على نشاطهم، حيث تقلص عدد المترشحين بشكل ملحوظ، فيما زادت أعباؤهم، خاصة فئة أصحاب قروض «أونساج» الملزمين  بتسديد الضرائب السنوية .
بالنسبة لرخصة سياقة، فإن أسعارها غير مقننة ، بسبب عدم تفعيل دفتر الشروط الذي يتضمن آليات عمل هذه المدارس،و حسب بعض أصحاب المدارس، فإن  الأسعارالمطبقة حاليا غير محددة بنص قانوني ، و يتم تداولها في السوق دون معايير أو ضوابط  بسبب الفراغ القانوني، ما ساهم في وجود بعض التجاوزات و الحيل،  كإطلاق تخفيضات موسمية مغرية  لجذب أكبر عدد من الزبائن و تكسير الأسعار،و يكون ضحيتها المترشح الذي يضطر إلى دفع مبالغ إضافية  كل مرة، لتعثره في اجتياز الاختبارات، نظرا لضعف تكوينه.
رئيس فرع المركز الوطني لرخص السياقة في قسنطينة
 كل المضامير غير صالحة ومشاريع معلقة منذ 2007
أكد السيد رشيد كعوش، مدير فرع المركز الوطني لرخص السياقة في قسنطينة، أنه و منذ توليه مهام تسيير الفرع في شهر فيفري الفارط، يسعى بمعية الطاقم العامل معه، إلى تذليل الكثير من العراقيل و حل المشاكل التي تتخبط فيها مدارس السياقة في الولاية،  و عددها 243 مدرسة، منها 119 في دائرة قسنطينة التي تتوفر على حصة الأسد ، و لم ينف وجود مشاكل كثيرة في الميدان، تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لإزالتها و تحسين الوضع، خاصة و أن غالبية المشاكل تكتسي صيغة وطنية.
بخصوص مشكل مضامير السياقة، قال المتحدث أنها أهم عائق يواجه أصحاب المدارس و المترشحين و كذا الإدارة ، و تحوز حاليا قسنطينة على ثمانية مضامير فقط، كلها غير صالحة، و هي عبارة عن فضاءات بين العمارات أو معابر مرورية، تغيب عنها أدنى الشروط ، مضيفا أن مقترحا تم تقديمه سنة 2007 لاستفادة  الولاية  من ثلاثة مراكز اختبار بمعايير عالمية  بكل من منطقة جبل الوحش ، ديدوش مراد و الخروب، لكن تأخر الإجراءات الإدارية كان وارء توقف المشروع بعدما سحبت مديرية أملاك الدولة القطع الأرضية التي اختيرت لاحتضان المراكز، رغم استكمال الدراسة .أما المضامير الحالية، فهي سيئة جدا تنعدم بها كل الشروط من لافتات ، أماكن مغطاة للانتظار و مراحيض، كما أن طرقاتها مهترئة، ما ينعكس سلبا على نوعية التكوين المقدم للطلبة ، فيما يقتصر الأمر حاليا على بعض المقترحات التي يتقدم بها أصحاب المدارس من أجل تخصيص بعض المضامير العشوائية  و يقدم الاقتراح على الإدارة لدارسته، ثم بعدها يتم  طلب رخصة الاستغلال من البلدية و تم مؤخرا اقتراح  مضمارين بزواغي سيلمان و الخروب، في انتظار موافقة البلدية .
غياب الإطار القانوني وراء فوضى الأسعار
أرجع رشيد عكوش عدم توحيد تسعيرة منح رخصة السياقة، إلى غياب الإطار القانوني بسبب تجميد دفتر الشروط منذ 2010، و تخضع الأسعار حاليا إلى مبدأ السوق وما هو متفق عليه بين مدارس السياقة، و هي النقطة، حسبه، التي سهلت على بعض أصحاب المدارس التلاعب و وضع سن تسعيرات غير منطقية، على غرار بعض التخفيضات الموسمية التي يطلقها البعض بغرض جذب أكبر عدد من الزبائن، لكن بالمقابل يقدم لهم تكوينا دون المستوى، ما يجعلهم يخفقون في الاختبارات لأكثر من مرة، و بالتالي دفع رسوم إضافية ، و الكثير منهم ينسحبون في نهاية المطاف، و هنا يكون صاحب مدرسة السياقة هو المستفيد ماديا على حساب المترشحين.
منح 100 اعتماد في
 يوم واحد
بخصوص منح الاعتمادات  أكد عكوش أن القانون في هذا الجانب جد صارم فهناك جملة من الشروط التي يجب أن تتوفر في من يطلب الاعتماد، على غرار الخبرة التي تتراوح ما بين ثلاثة سنوات إلى سبعة سنوات، إضافة إلى الشهادة  ، و في نفس الوقت لم ينف وجود بعض الدخلاء  الذين استفادوا من الاعتمادات في سنوات ماضية بين 2007 و 2008 ،بسبب قرار وزاري لتسهيل منح الرخص  حيث عرفت ولاية قسنطينة في يوم واحد منح 100 اعتماد دفعة واحدة ، فبعدما كان عدد المدارس يبلغ 102 مدرسة ، تضاعف الرقم ليبلغ 204 و هو ما ساهم في ظهور الدخلاء و تدني نوعية التكوين ، لكن حاليا  يخضع منح الاعتمادات إلى شروط جد مضبوطة و محددة .
إخطارات  وعقوبات تصل
 حد الغلق
و بالحديث عن الجانب الردعي و الرقابي الذي يقوم به الفرع ، أكد السيد عكوش أن هناك خرجات دورية و أخرى فجائية لكل مدارس السياقة ، حيث يقوم خلالها الأعوان بمراقبة مدى التزام صاحب المدرسة بشروط التكوين البيداغوجي و التطبيقي، و مدى توفر الشروط المنصوص عليها في دفتر الشروط بمقر عمله، و في هذا الإطار تم تحرير 90 إخطارا خلال شهر نوفمبر الفارط، بسبب مخالفات ارتكبها بعض أصحاب مدارس السياقة . و أضاف المتحدث أن العقوبات المسلطة تختلف حسب المخالفة، و قد تصل حد الغلق النهائي و سحب الاعتماد ، و في حال المخالفات البسيطة، تتم معاقبة المعني بمنعه من المشاركة في الاختبارات لأكثر من مرة ، أو الغلق المؤقت.
هيبة عزيون

الرجوع إلى الأعلى