يعيش سكان عاصمة الأوراس باتنة، منذ بداية انتشار فيروس كورونا، حالة ترّقب وتوجس من انتقال العدوى، الأمر الذي انعكس على سلوكيات المواطنين، من تهافت على اقتناء المواد الغذائية، خاصة السميد غير أن الخوف من انتشار الوباء، لم يعكسه التزام بإجراءات الحيطة والحذر واتباع سبل الوقاية، كتطبيق الحجر الصحي، بالبقاء بالمنزل، وحتى الحجر الجزئي المفروض، لم يتقيد به الكثيرون رغم تسجيل حالات عدة للإصابة وسط المواطنين.

روبورتاج: يـاسين عبوبو       

تهافت على السميد ووفرة  في مادة الخبز
مع توسع انتشار الأخبار، حول حالات الإصابة بفيروس كورونا كوفيد 19 بالجزائر، انطلاقا من الحالات الأولى التي عرفتها البليدة، راحت تسود حالة من الخوف وسط المواطنين بولاية باتنة، وعلى غرار كافة المناطق، أصبح الوباء حديث العام والخاص الذي طغى في المقاهي والمطاعم والفضاءات العامة وأماكن العمل، وسط تساؤلات عن حقيقة وكيفية انتشار الفيروس، وكيفية مواجهته، ومدى تأثيره على سير الحياة وهو ما لاحظناه ووقفنا عليه منذ تسجيل الحالات الأولى.
فقد كان لتسجيل أولى الحالات بفيروس كورونا، انعكاس على أصحاب المطاعم والمقاهي الذين تخوفوا من تأثير ذلك على نشاطهم، بعد تراجع الزبائن قبل أن تصدر قرارات الغلق لتفادي انتشار الداء، ومن أبرز المظاهر التي راحت تنتشر في أوساط المواطنين هو الخوف من ندرة المواد الغذائية، وفي مقدمتها مادة السميد رغم وفرتها وطمأنة المسؤولين لتبرز صور التهافت والطوابير أمام نقاط البيع، على غرار نقطة سومباك والمطاحن بالمخرج الشمالي لمدينة باتنة، مقابل محطة القطار، أين ظل يتوافد المواطنون بالمئات للظفر بكيس سميد.
وتوسعت رقعة التهافت على السميد، عبر كافة نقاط البيع بمدينة باتنة وحتى بالبلديات سواء الكبيرة منها ذات الكثافة السكانية على غرار بريكة، وأريس وعين التوتة ومروانة، أو الريفية الصغيرة كتالخمت وتيغانمين ومعافة، ما أدى إلى ندرة السميد حيث تضاعف الطلب ما جعل الحصول على كيس سميد، يتطلب التهافت والدخول في طوابير رغم تدخل أعوان فرق الرقابة التجارية، ومصالح الأمن والدرك الوطنيين لتنظيم العملية، حيث استمرت وطغت مظاهر الازدحام بما لا يتماشى والنصائح الخاصة بوقف عدوى انتشار كورونا.      
التهافت على مادة السميد من طرف العائلات، استمر على الرغم من تطمينات المسؤولين والتصدي لعدة عمليات للمضاربة، وحجز قناطير من هذه المادة ومواد أخرى، وُجهت فيما بعد للهلال الأحمر الجزائري وبعض المؤسسات، وفي الوقت الذي تسبب التهافت على السميد في ندرته استمر نشاط المخابز وتوزيع الخبز بصفة عادية عبر محلات المواد الغذائية.
وقال لنا أحد موزعي الخبز بالمدينة الجديدة حملة، بأنه اضطر منذ بداية أزمة فيروس كرونا إلى تخفيض الإنتاج، مؤكدا تأثير ظهور وانتشار الوباء على إنتاج الخبز بسبب مخاوف لدى الكثيرين من انتقال عدوى الفيروس عن طريق استهلاك الخبز، في حين أوضح بأن كافة المواد الأولية متوفرة وحرص المخبزة على شروط النظافة بشكل أكبر مما مضى كاحتراز من الفيروس.


وفرة في الخضر والفواكه وإشاعات تدفع للتهافت على الزيت والسكر
لم يقتصر التهافت على مادة السميد بولاية باتنة بسبب فيروس كورونا، وإنما مس عديد المواد الغذائية حيث سرعان ما انتشرت مظاهر اكتظاظ المحلات التجارية والسوبيرات ونقاط بيع المواد الغذائية منذ منتصف شهر مارس المنقضي، حيث راح المواطنون يتسابقون لاقتناء أكبر الكميات وسط انتشار أخبار وشائعات وتضارب في الآراء عن وفرة المواد، في وقت كانت تؤكد فيه السلطات وفرة المواد الغذائية وتدعو لعدم اللجوء إلى التهافت والتخزين.
وقد وجد العديد من التجار والباعة مثلما وقفنا عليه الارتباك وسط الناس بسبب فيروس كورونا فرصة مواتية للمضاربة ورفع الأسعار، حتى أن البطاطا التي لم يكن يتجاوز سعرها 40 دج، قفز إلى ما فوق 100 دج، والطماطم تجاوزت أيضا 100 دج، وكان أصحاب المحلات السباقين إلى رفع الأسعار، لكن هذه الوضعية لم تدم طويلا، بعد أن فرضت أسعار باعة أسواق الخضر والفواكه نفسها، على غرار سوق طريق حملة المحاذي لمسجد نواورة، حيث ظل التجار يعرضون سلعهم بأسعار متباينة عمَا راح يفرضه تجار المحلات، بحيث أن البطاطا والطماطم لم تتجاوز أسعارها 60 دج.
وباستمرار الوضع من جراء وباء فيروس كورونا، تواصل التهافت على مادة السميد التي لم تعد متاحة، وإن توفرت يتجمع حولها المواطنون ضاربين عرض الحائط إرشادات اجتناب انتقال العدوى، متناسين ما يمكن أن يشكله الاحتكاك والزحمة من خطر، ويبدو أن لانتشار الأخبار مجهولة المصدر حول حدوث الندرة، أثر في الأوساط الشعبية للتهافت على اقتناء المواد الغذائية، وهو ما حدث مع مادتي زيت المائدة والسكر حيث شهدت المادتين إقبالا مفاجئا بسحبها بكميات مضاعفة، بعد أن راجت أخبار عن ندرتها مستقبلا وتحدث لنا بعض تجار التجزئة عن وقوف تجار جملة، ومحتكرين وراء ذلك مؤكدين وفرتها ولجوء البعض إلى احتكارها وتخزينها.
وناهيك عن المضاربة والندرة في المواد الغذائية، فإن أزمة فيروس كورونا صاحبتها منذ البداية المضاربة والندرة في مواد صيدلانية، خاصة مواد التعقيم والكمامات الطبية التي لم يكن سعرها يتجاوز 50 دج، ليصبح في ظرف قصير 120دج لتختفي تماما من الصيدليات، حتى أن صاحب صيدلية بطريق قسنطينة بوسط مدينة باتنة، قام بتعليق لافتة يشير فيها إلى انعدام الكمامات بسبب المضاربة، ومن انعكاسات أزمة الوباء ندرة أدوية أخرى منها ما تعلق بالغدة، مثلما أكده مواطنون لنا اصطدموا بانعدام أدوية وأرجع الصيادلة حسبهم ذلك إلى استيرادها من دول أوروبية ونفاد مخزونها على المستوى الوطني.
وما يلاحظ أن جلَ التجار الملزمين بضمان المداومة، قد التزموا بصفة تدريجية بشروط الحماية موازاة مع ارتفاع رقم الحالات المصابة، جراء انتشار وباء كورونا على غرار تجار المواد الغذائية، الذين اتخذوا تدابير تخفيف ضغط الزبائن داخل محلاتهم للتقليص من حدة الازدحام، واستعملوا الكمامات ومواد التطهير والتعقيم.
شوارع تجارية خالية وعدم احترام لإجراءات الحجر في الأحياء الشعبية
على قدر ارتفاع درجة المخاوف من انتشار فيروس كورونا، على قدر استمرار حالة إهمال ولا مبالاة وسط أحياء وشوارع مدينة باتنة، مثلما وقفنا عليه منذ بداية الأزمة، فناهيك عن عدم احترام شروط الوقاية خلال الازدحام والتدافع لاقتناء السميد، والتهافت على المواد الغذائية بالمحلات التجارية والأسواق العشوائية، فإن الكثيرين يتجمعون للتسامر وتبادل الحديث دون مبالاة بخطر اسمه «فيروس كورونا»، وحتى الحالات المسجلة التي تجاوزت 15 إصابة، وحالتي وفاة تبدو أنها لم تحرك المخاوف في الأوساط الشعبية التي انعكست فقط على التهافت على المواد الغذائية.
وخلال جولتنا عبر بعض الأحياء والشوارع بوسط المدينة، بدا بعضها خاليا على عروشه خاصة التجارية منها، على غرار حي 48 مسكنا، وحي 05 جويلية، وممرات مصطفى بن بولعيد وممرات صالح نزار، ويبدو الأمر طبيعيا باعتبار أن هذه الشوارع تعرف حركة للوافدين عليها من هنا وهناك، قبل إرباك فيروس كورونا لحركية هؤلاء المواطنين.
وعلى عكس شوارع وسط المدينة التي كانت مهجورة وخالية من الحركة، فإن الأحياء الشعبية كانت على النقيض من ذلك، حيث تلاحظ بها حركية تبدو عادية حتى أن مواطنين كانوا يشكلون مجموعات لتبادل أطراف الحديث، وكأن الأمر طبيعي وبعضهم يجلس للتسامر داخل محلات تجارية، وهو ما وقفنا عليه بحي بارك أفوراج وحي بوعقال، اللذين يعدان من أكبر الأحياء الشعبية بمدينة باتنة، ويبدو أن الكثيرين لم يستوعبوا حقيقة الداء وخطره، فبسؤالنا عن عدم التزام البيوت وتطبيق إجراء الحجر المنزلي، تباينت الإجابات بين من صرح بأنه يتفادى التحية عن طريق التصافح أو تبادل التقبيل، وبين من أرجع خروجه من المنزل بسبب عدم قدرته على التأقلم.
وحتى بالنسبة للحجر الجزئي، لم يتقيد به الكثيرون من سكان ولاية باتنة، بسبب الإهمال واللامبالاة، فالولاية التي كانت ضمن التسع ولايات الأولى المعنية بالحجر الجزئي، والتي تعد من أكبر الولايات من حيث الكثافة السكانية، لم تعرف التزاما مثلما أكده محافظ الشرطة رئيس خلية الاتصال والعلاقات العامة بأمن ولاية باتنة لـ النصر»، الذي أكد تسجيل مخالفات يومية ضد مواطنين لا يحترمون توقيت الحجر الجزئي الإجباري، واضطرار مصالح الأمن إلى تحرير مخالفات ووضع عشرات المركبات في المحاشر البلدية، في ظرف أسبوع من انطلاق تطبيق الحجر الجزئي.
وفي سياق التناقض بين خطر فيروس كورونا، وعدم اتخاذ الاحتياطات من طرف المواطنين، خاصة ما تعلق بالحجر المنزلي يرى الإعلامي الطاهر حليسي، أن الحجر حدد مجال حرية الفرد وحركته بصفة مفاجئة غير معتادة، وأثر على سلوكياته من خلال ضرورة اتخاذ تدابير وقائية دورية غير متعود عليها، ما يشعره بالضغط في مواجهة عدو بالنسبة له أنه وهمي، وأشار الإعلامي إلى تأثيرات أخرى سلبية كالوسواس والرهاب من فكرة الموت، وقال بأن الفجأة كما هو الحال بالنسبة لتدابير تفادي انتشار عدوى كورونا ينتج عنها عدم التوافق الأولي، وعدم التأقلم مع وضع جديد غير عادات شعبية ألفها، مثل السهر في المقاهي والزوايا والنقاشات الاجتماعية ومتابعة المباريات.
وأضاف الإعلامي طاهر حليسي، بأن عدم التأقلم خلف فراغا، مشيرا إلى إيجابيات الحجر كإعادة الحياة الجماعية، وبعث قيم التضامن العائلي، وجعل الفرد يفكر في ذاته ونظرته للحياة.
ي. ع          

الرجوع إلى الأعلى