عرفت مختلف الأحياء والطرقات في قسنطينة خلال الأيام الأخيرة، حركية غير عادية لمواطنين عادوا لممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي و دون مراعاة إجراءات الوقاية، يأتي هذا في وقت تطالب فيه المصالح الصحية والأمنية بضرورة الالتزام بالحجر المنزلي للمساعدة على انحسار رقعة انتشار فيروس كورونا في هذه المرحلة الحساسة.

روبورتاج: حاتم بن كحول

كانت الساعة أمس تشير إلى العاشرة و30 دقيقة صباحا عندما توجهنا إلى وسط مدينة قسنطينة، حيث وكلما اقتربنا من محور الدوران «لابيراميد» زاد عدد الأشخاص وصولا إلى شارع عبّان رمضان، والذي شهد عودة الحركة نسبيا بعد أن كان مهجورا في الأيام الفارطة، رغم أن أغلب المحلات التجارية كانت مغلقة باستثناء متجر لبيع المواد الغذائية العامة.
وعند وصولنا إلى المركز الثقافي محمد العيد آل خليفة، تفاجأنا بعدد الشباب الذين اتخذوا من بعض الأماكن كمحطة للجلوس، فيما استعان آخرون بجدران المركز الثقافي من أجل الاتكاء عليها في شكل مجموعات تراقب المارة، وكأنهم يعيشون حياة عادية متناسين انتشار الوباء الذي فتك بعشرات المواطنين في الجزائر وبالآلاف في دول أخرى.
وزادت مظاهر اللامبالاة من بعض المواطنين عند اقترابنا من الحديقة العمومية بساحة أول نوفمبر، حيث يتجمع عشرات الشباب والكهول بها، كما كانت كل المقاعد محجوزة ويجلس بها بين 3 إلى 4 أشخاص رغم صغر حجمها، فيما اتخذ آخرون من الأرصفة مكانا للجلوس، وعادت مظاهر المراهقين الباعة الذين يعرضون سلعهم المتمثلة في سماعات الأذن وكذا بعض الألبسة الداخلية.
عودة تجار العملة و الباعة الفوضويون
ولاحظنا عودة النساء بقوة بالأماكن التي مررنا بها وخاصة بساحة أول نوفمبر وصولا إلى مدخل شارع العربي بن مهيدي «طريق جديدة»، حيث كن يتجولن بمختلف الأحياء وخاصة تلك التي تقع بها محلات تجارية، فيما اتخذ الشباب والكهول بعض المقاعد والزوايا ليمكثوا بها، على غرار ما كانوا يقومون به في الحياة العادية قبل انتشار الوباء في الولاية.
وفي المساحات المحيطة بـ «رحبة الجمال» تواجد باعة العملة الصعبة، الذين اتخذوا من بعض الزوايا أمكنة لعرض المبالغ التي بحوزتهم، خاصة وأن رجال الأمن يقومون بدوريات بين الحين والآخر، فيما عادت الحركة نسبيا داخل أزقة هذا المنطقة الشعبية، بعد عودة باعة فوضويين لممارسة نشاطهم في بيع الألبسة، فيما كانت المحلات مغلقة باستثناء الخاصة بتصليح وبيع الهواتف النقالة.
كما لاحظنا أن المساحة المحاذية للمداخل الثلاثة المؤدية إلى المدينة القديمة عبر هذا المحور والمتمثلة في شارعي العربي بن مهيدي و 19 جوان والقصبة، شبابا كانوا ضمن مجموعات فيما استعمل آخرون السياج الفاصل بين الأرصفة من أجل الوقوف حاملين أكواب القهوة.
طاولات اللبن و«البراج» بمدخل رحبة الجمال
توغلنا في شارع العربي بن مهيدي «طريق جديدة» حيث تشكل ازدحام مروري، فيما كانت عشرات السيارات مركونة على الجانب الأيسر من الطريق، بينما سجلنا حركية كبيرة على الأرصفة مثلما كان يحدث في الأيام العادية، لنمر على حي «كازانوفا» ونشاهد تجمعات كبيرة للشباب، ثم نواصل السير داخل الأزقة الضيقة على يمين الطريق والمؤدية إلى رحبة الجمال و حي السويقة، حيث انتشرت هناك طاولات الباعة الفوضويين التي تعرض بعض المواد على غرار اللبن و»البراج» و»الكسرة» والخبز، فيما كانت الحركة  عادية في تلك المسالك الضيقة وخاصة من النساء اللاتي كن في طريقهن نحو مختلف المحلات التجارية.
واصلنا المشي على بعد أمتار لنشاهد اكتظاظا ببعض محلات بيع المواد والمستلزمات التي تستعمل في صنع الحلويات التقليدية، والتي عادة ما يتضاعف نشاطها في شهر رمضان وخاصة في عيد الفطر، لننتقل بعدها إلى حي «طاطاش بلقاسم»، حيث وجدنا أطفالا يمارسون لعبة التزلج على خشبة صغيرة بها عجلات حديدية صغيرة بمنحدر يحاذي ثانوية رضا حوحو وصولا إلى بنك التنمية المحلية، فيما وجدنا صغارا في الشارع يلعبون ويركضون وكأنهم في عطلة ربيعية وليست استثنائية.
وداخل الأزقة الضيقة بحي القصبة العتيق، شاهدنا حركة غير عادية من طرف مواطنين يجوبون مختلف المسالك وهم حاملين أكياسا بها مواد غذائية، فيما لاحظنا أن حظائر السيارات ممتلئة عن آخرها بكل الأحياء التي مررنا بها، و كانت الحركة بطيئة بسبب سير بعض الراجلين وسط تلك الطرقات الضيقة، لنتجه مباشرة إلى شارع بلوزداد، وقبل ولوجه لاحظنا أطفالا صغارا يلعبون على حواف الأرصفة بمحاذاة المقر السابق لبيع الألبسة الرياضية «باليستون».
أطفال يلهون بالشوارع وآخرون في طوابير الحليب
وبشارع بلوزداد الذي كان يعج بالأشخاص، اتخذ هؤلاء بعض المقاعد المقابلة للطريق والسور الصغير كمحطة للجلوس، فيما عرف المكان حركية من طرف بعض الشباب والنساء، كما فتحت بعض المحلات أبوابها على غرار المختصة في بيع العطور ومواد التجميل وبيع الهواتف النقالة.
توجهنا بعدها إلى حي دقسي عبد السلام، أين يقع السوق الفوضوي «البودروم»، و وقفت النصر هناك على حالة من الفوضى والاكتظاظ الكبير بسبب إقبال عشرات المواطنين على طاولات الباعة، فيما انتشرت الروائح الكريهة من مساحة محاذية للسوق تستغل في رمي القمامة وبقايا السلع، كما كانت حركة السير معطلة كليا بسبب ركن مواطنين لسياراتهم وسط الطريق بغية اقتناء مختلف المواد، ولاحظنا أن أغلب الزبائن عبارة عن نساء، كما لم يختلف الحال في السوق العلوي الواقع أسفل محور الدوران، لنتوجه بعدها إلى حي الإخوة عباس، أين كانت المحلات التجارية مفتوحة سواء الخاصة ببيع الألبسة أو الحلويات وغيرها، كما وقفنا على فتح محل ألعاب ترفيهية «بابيفوت» و»بيلياردو» كانت شبه خالية خاصة وأن الساعة كانت تشير إلى منتصف النهار.
وعرفت مختلف الأحياء والشوارع في المقاطعة الإدارية علي منجلي، حركية كبيرة للمواطنين سواء بالمحلات أو الأسواق، فيما عاد شيوخ وكهول إلى حياتهم العادية بتواجدهم في مساحات عمومية، بينما كانت المقاعد في حديقة عمومية محجوزة وخاصة خلال الفترة المسائية، كما لاحظنا أن الأطفال عادوا للعب في الشوارع، وشاهدنا صغارا يقفون في طوابير من أجل اقتناء بعض المواد الغذائية وخاصة أكياس الحليب، وقد كان بعضهم محملا بأكياس بها خضار وفواكه، فيما مر علينا شباب ببدلاتهم الرياضية عائدين من مقابلات كرة القدم. و لقد لاحظنا خلال الاستطلاع أن أغلب المواطنين لم يحترموا إجراءات التباعد الاجتماعي، كما أن العديد منهم كانوا لا يضعون كمامات.
«عدم الالتزام بالحجر في هذه الفترة قد يؤزم الوضع»
وأكد الطبيب العام، خالد قارة مصطفى، أن خروج السكان إلى الشوارع في هذه الفترة لا يعد عودة إلى الحياة الطبيعية، بل يمكن وصفه بأنه «تهاون» و «تراخ» من طرف المخالفين للحجر الصحي، وأضاف الدكتور أننا نمر بمرحلة حساسة حاليا مؤكدا أن الجزائر لم تتخطى بعد مستوى الخطر، متسائلا عن سبب إخلال المواطنين بإجراءات الوقاية المتمثلة في الحجر المنزلي، حيث أن ذلك قد يؤدي إلى انتشار المرض أكثر.
وأوضح الطبيب أنه لا يمكن تحديد مرحلة ذروة الإصابات بما أن عددها مستقر لحد الآن، كما لا يمكن الجزم بأننا في طريق التخلص من جائحة كورونا، مضيفا أن الحل الأمثل لمحاربة هذا الوباء هو التزام المواطنين بالحجر المنزلي، حيث سيمكن هذا الإجراء من حصر الحالات و معالجتها، على أن تكون النتائج إيجابية بعد مرور أسبوعين على الأقل.
مداهمة قاعة كمال أجسام خالفت إجراءات الغلق
من جهة أخرى، أغلقت قوات الشرطة التابعة للمصلحة الولائية للأمن العمومي بقسنطينة، قاعة لرياضة كمال الأجسام، وجاء التدخل على إثر معلومات وردت لصفحة «فايسبوك» الرسمية لأمن الولاية، مفادها تردد العديد من الأشخاص على قاعة بوسط المدينة رغم القرارات و التعليمات الصارمة الخاصة بالحجر الصحي والمرافقة للوقاية من فيروس كورونا، من خلال تعليق نشاط هذه المرافق.
وقامت عناصر الشرطة حسب بيان صدر أمس عن أمن الولاية، بالتدخل على مستوى ذات القاعة أين تم الوقوف على تواجد 5 أشخاص يقومون بتدريبات جماعية، ليتم على الفور توقيف نشاطهم مع سحب وثائق هوية المكلف بتسيير المرفق و وثيقة اعتماد الجمعية الرياضية والترخيص و كذا الوقوف على الغلق الفوري، كما تم تحويل المعني بالأمر إلى مقر الأمن الحضري الخامس عشر ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضده، وفقا للمصدر ذاته.                             ح.ب

الرجوع إلى الأعلى