تهـاون في وضـع الكمـامـات ومواطنـون ينكـرون وجـود فيـروس كـورونا بقسنطيـنة
تسجل مدينة قسنطينة خلال الأيام الأخيرة تهاونا كبيرا من طرف المواطنين في الالتزام بالإجراءات الوقائية والحماية من انتشار فيروس كورونا المستجد، في مقابل الارتفاع الكبير في حالات الإصابة، وقد تجلت في رفض وضع الكمامات وعدم احترام التباعد الاجتماعي والتجمعات في الأحياء السكنية. النصر قامت بروبورتاج في وسط المدينة وبعض الأحياء المحيطة به ورصدت مجموعة من المظاهر السلبية، من بينها إنكار وجود الفيروس.
روبورتاج: سامي حباطي
ويتساءل المتجول في العديد من أحياء مدينة قسنطينة عن فكرة الجائحة في سلوكيات المارة وسكان التجمعات العمرانية، مثلما لاحظناه يوم أمس في جولة بوسط المدينة وبعض المناطق المحيطة به، فقد انطلقنا من حي بوذراع صالح الذي يظهر فيه تسيب شبه تام من ناحية احترام الإجراءات الوقائية، ففي سوق الخضر والفواكه المجاورة للطريق الوطني رقم 27، لم نشاهد إلا عددا قليلا جدا من المتسوقين يضعون الكمامات على وجوهم، بينما نزعها أغلب الباعة واكتفى آخرون بوضعها على ذقونهم دون تكبد عناء رفعها لتغطية الأنف والفم بشكل كامل، كما لم يحترم الكثيرون مسافة التباعد الاجتماعي لمنع تنقل الفيروس في حال وجوده.
وتوغلنا في الحي قليلا لنقف على تجمعات صغيرة من السكان بالقرب من منازلهم، كما لاحظنا نفس الأمر بعد تجاوزنا عمارات بوذراع صالح واقترابنا من المدخل السفلي لشارع عمار قيطوني، حيث جلس كبار السن والشباب في مساحة خضراء مشكلين تجمعات صغيرة وأجسادهم بالكاد تكون متلاصقة، بينما لم يضع إلا قلة الكمامات على وجوههم، في مقابل خفضها إلى مستوى الذقن لدى آخرين.
طابور طويل على أكياس الحليب دون احترام للتباعد
وعرف وسط المدينة حركية كبيرة للمواطنين في الساعات الصباحية، فقد انتشر الكثيرون في الشوارع بينما ظهر بينهم باعة يحملون في أيديهم الكمامات ومعقمات الأيدي والمحارم الورقية الرطبة. ولم يختلف الأمر كثيرا على مستوى شارع عبان رمضان عما لاحظناه سابقا، فوضع الكمامة كان متفاوتا، بينما لجأ الكثيرون إلى وضعها على ذقونهم دون رفعها إلى مستوى الأنف والفم، كما أن أشعة الشمس على الرصيف العاري دفعت بأغلب المارة إلى التنقل إلى الجهة المغطاة، ما جعلها مكتظة خصوصا بسبب توقف كثيرين أمام المحلات من أجل اقتناء الأطعمة السريعة أو لمعاينة السلع المعروضة على الواجهات.
واصلنا سيرنا إلى غاية محيط سوق عبد الله بطو، فقابلنا طابور طويل أمام نقطة البيع التابعة لملبنة  نوميديا العمومية، حيث امتد من مدخل المحل الذي أغلق باستعمال شريط لمنع المواطنين من الدخول إلى غاية المدخل الجانبي للسوق، كما امتد طابور ثان على الجهة الأخرى. ورغم أن أغلب من يقصدون المحل يضعون الكمامات، إلا أنهم لم يحترموا مسافة التباعد المقدرة بمتر كحد أدنى، فقد كانوا متقاربين جدا  مثلما لاحظنا، في حين تحدثنا إلى البعض منهم فأوضحوا أنها ليست المرة الأولى التي يتشكل فيها هذا الطابور بسبب أزمة الحليب، كما قال أحد المنتظرين لـ"حصته من الحليب"، مثلما وصفها، إنه لو وجد أكياس الحليب في مكان آخر لما قصد النقطة التجارية للملبنة.
ركّاب يرفضون التقيد بالوقاية في سيارات الأجرة
ويسجل التجار احتراما أكبر للإجراءات الوقائية من خلال ارتداء الكمامات ووضع المعقم الكحولي عند مداخل محلاتهم وتعليق لافتات للتذكير بإجبارية وضع الكمامات قبل الدخول إلى المحلات، خصوصا في وسط المدينة، حيث أشار أحدهم في حديثه إلينا إلى خشيته من تعرضه للعقوبات القانونية أو الإصابة بالفيروس ونقله إلى أسرته، لكنه نبه أن بعض الزبائن يرفضون وضعها في بعض الأحيان ويباغتونه بالدخول دون كمامة ما يدفعه إلى منعهم أو الدخول معهم في جدال مشحون أحيانا، في حين ذكر لنا تاجر آخر أن عدد الزبائن الذين يقصدون محله قد تراجع في الفترة الأخيرة مقارنة بنفس الفترة من السنة العام الماضي، مشيرا إلى أن الكثيرين باتوا يتخوفون من الإكثار من التنقل، كما عزا تراجع مبيعاته إلى تأثر الكثير من العائلات من نقص الموارد المالية خلال فترة الحجر الصحي وتعليق الكثير من النشاطات الاقتصادية.
وتحدثنا إلى بعض سائقي سيارات الأجرة، حيث أخبرنا أنه يواجه كثيرا من حالات الأشخاص الذين يرفضون وضع الكمامة ما يجعله يمتنع عن حملهم وسط ما يبدونه من سخط. وأضاف محدثنا أنه يتخذ مجموعة من الإجراءات الوقائية داخل مركبته، على غرار وضع الكمامة والمعقم الكحولي والتنظيف المتواصل للمقاعد، مضيفا أنه يرفض غلق زجاج النوافذ وتشغيل المكيف إلا عندما يكون بمفرده، في حين لاحظنا بعض التقاعس لدى سائقي أجرة آخرين من حيث وضع الكمامة، كما أخبرنا أحدهم أن بعض الركاب ينزعجون من المقاعد الخلفية المغلفة بالنايلون خلال فترة الحر. ولاحظنا أن بعض السائقين ملتزمون بوضع فاصل من النايلون بين المقعد الخلفي والمقاعد الأمامية من أجل منع انتقال قطيرات اللعاب في حالة السعال أو العطس.
باعة لا يضعون الأقنعة

أما داخل سوق بطو عبد الله فلاحظنا عددا من التجار الذين لا يضعون الكمامات بالشكل المناسب، بينما يقوم آخرون بنزعها وتركها معلقة على آذانهم، فضلا عن أن بعض المواطنين ينزعونها بمجرد الدخول إلى المرفق. وقد أوضح لنا بائع أنها أصبحت تزعجه وتسبب له ضيقا في التنفس مع الارتفاع في درجات الحرارة، في حين اعتبر أحد المتسوقين تحدثنا إليه أن «موضوع كورونا فيه تضخيم»، مشيرا إلى أن الإفراط في إجراءات الوقاية لا يعني شيئا. ورصدنا سلوكيات تعكس تهاونا كبيرا داخل سوق بومزو أيضا سواء من طرف التجار أو المتسوقين، فبمجرد دخولنا إلى المكان الذي علقت عند بوابته الرئيسية لافتة تشير إلى إجبارية وضع الكمامة، وجدنا بائعا لا يضعها.
واصلنا تنقلنا بين مربعات البائعين داخل السوق ووجدنا أن الكثيرين لا يضعون الكمامات ولا يحرصون على التباعد، خصوصا بالقرب من المخرج الخلفي المؤدي إلى رصيف الشحن. وشهد وسط المدينة في نفس اليوم نفس المظاهر بالقرب من البريد المركزي وفي الأحياء التي تعرف اكتظاظا وإقبالا على الأسواق، مثل شارع ديدوش مراد وأزقة المدينة القديمة.
وتوقفنا عند بائع أطعمة سريعة كان يعد «سندويشات» لزبائن جلسوا خارج المحل على سور صغير، حيث كان أحدهم يتجاذب أطراف الحديث مع صديقه عن أعراض الإصابة بفيروس كورونا وخطورتها وكانا يضعان كمامتين، قبل أن يقاطعهما شاب جالس بالقرب منهما، حيث قال الأخير «لقد أخفتنا بحديثك، أنا لست مكترثا البتة بوجود هذا الفيروس من عدمه ولست مقتنعا به». وقد دخل الاثنان في جدال، قبل أن يبدي من أنكر وجود الفيروس اقتناعا بكلام الشخص الثاني الذي صرح أنه يعمل طبيبا وأن المرض موجود فعلا، ثم صمت وغادر المكان، بعد أن ذكّره بأنه قد يصاب ويشفى لكنه قد ينقل المرض إلى أفراد أسرته أو والديه أو أحد الأشخاص الذين لا تقوى مناعتهم على مواجهة الفيروس.
زبائن يرفضون وضع الكمامات في صالونات الحلاقة
ودخلنا صالون حلاقة رجالي في أحد أحياء الجهة الشرقية من المدينة، حيث دخل بعدنا زبون دون كمامة، وعندما طلب منه الحلاق وضعها أخبره أنه لا يملكها وأبدى بعض الاحتجاج، قبل أن يقوم صاحب الصالون بجلب كمامة ووضعها أمامه على الطاولة المقابلة لمقاعد الانتظار، وطلب منه أن يقول أنها كمامته في حال دخول أعوان الرقابة. وأوضح لنا الحلاق أنه يواجه مشاكل يومية مع الزبائن من هذا النوع.
وقد فرض صاحب الصالون، على الزبائن الجالسين على كراسي الانتظار تغطية وجوههم بالكمامات، كما وضع شريطا أحمرا بين المنتظرين ومقعد الحلاقة، قبل أن يدخل محله زبون ثان دون كمامة. من جهة أخرى أكد لنا حلاق ثان من المقاطعة الإدارية علي منجلي أن الكثير من زبائنه يرفضون وضع الكمامات ما يجعله يمنعهم من الدخول إلى محله ويطلب منهم الانتظار خارجا.
ويذكر أن حالة التهاون في أوساط المواطنين تفاقمت منذ نهاية شهر رمضان الماضي إلى غاية اليوم، بحسب ما تنبه إليه المؤشرات المختلفة على غرار التشبع التام في طاقة استيعاب المستشفيات وارتفاع عدد العينات المرسلة من طرف المؤسسات الاستشفائية إلى ملحقة معهد باستور بقسنطينة، كما أن أرقام لجنة رصد ومتابعة الجائحة اليومية تقول إن عدد الإصابات الإجمالي بقسنطينة قد تجاوز الستمئة، في وقت يتوافد فيه العشرات يوميا على المستشفى الجامعي ابن باديس ومستشفيي البير وديدوش مراد.  وقد اتخذ الوالي قرارا بمنع التجمعات العائلية والأعراس وحفلات الختان، بعد حوالي أسبوعين من عقده اجتماعا مع جمعيات المجتمع المدني أكد فيه على خطورة الوضع في الولاية.
س.ح

الرجوع إلى الأعلى