يعتبر التين الشوكي، أو « الهندي» كما هو متعارف عليه في ولاية تبسة و الولايات الشرقية الحدودية من الوطن، فاكهة واسعة الانتشار في مدن و قرى الولاية، و تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى ملاذ لمئات العاطلين عن العمل، فضلا عن كونه ملاذ الفقراء في ظل ارتفاع أسعار الفواكه الأخرى، حتى أنه أصبح يعرف ب»فاكهة الفقراء».
في جبال وسهول و هضاب الولاية، تنتشر أشجار التين الشوكي التي تنتمي إلى عائلة الصباريات، وعلى الرغم من عدم اهتمام المزارعين بها، تمتاز شجرة التين بمقاومتها للجفاف، بسبب سيقانها التي تختزن الكثير من المياه، و نموها السريع، بالإضافة إلى أنها لا تحتاج إلى أسمدة و مواد كيماوية لكي تنضج فاكهتها، و أطلق على التين الشوكي تسمية فاكهة الفقراء، نظرا لسعره المعقول بالنسبة لمعظم المواطنين، حيث يعرف إقبالا كبيرا من عشّاقه، و قد يصل الأمر في بعض الحالات، إلى تناول أسرة كاملة، طوال يومها التين  الهندي فقط، كوجبة غذائية.
الفاكهة الشعبية المفضلة عند التبسيين
لا يخلو بيت من بيوت التبسيين وغيرها من المناطق الجبلية، من هذه الفاكهة الحلوة المذاق، الأكثر انتشارا في الأوساط الشعبية، ورغم أشواكها المؤلمة، فهي محبوبة كثيرا عند الكبار والصغار، و يتسابق على تناولها الجميع، بعد نزع قشورها الشوكية، للتمتع بمذاقها الحلو الفريد.و يرى كثيرون أن الهندي، له فوائد صحية جمة، حيث قال عصام للنصر، أنه شخصيا يقبل على تناول الهندي يوميا، لأنه يساعد على الهضم، خصوصا بعد وجبة غداء الدسمة، بالإضافة إلى أنه فاكهة سكرية لذيذة.الفاكهة الذي انتشرت زراعتها في المناطق الجبلية، ذات المناخ البارد المعتدل، تحديدا في مناطق عقلة أحمد، والمزارة، والرق وغيرها من المناطق المشهورة بتوفر هذه الغلّة الموسمية، باتت مقصدا لمئات البائعين والعاملين والمسوقين، وهو ما ساعد على تنشيط الوضعية الاقتصادية بالجهة، سيما في ظل تفشي وباء كورونا، الذي تسبب في تعطيل الكثير من الأنشطة، مما انعكس سلبا على معيشة  المواطنين الذين ليس لهم دخل قار.رجب، كهل بدون عمل قار،  وهو أحد البائعين المعروفين لفاكهة التين الشوكي،   يعتبر نفسه محظوظا لأنه اتجه إلى شراء وبيع هذه الفاكهة، التي يبدأ موسمها في شهر جويلية ويستمر إلى غاية نهاية فصل الصيف، ويتمكن خلال موسمها من ادخار مال يكفيه لبقية الأيام، و  تلبية احتياجات أسرته، وأشار رجب إلى أنه يعمل في بيع وتسويق الهندي منذ  سنوات، ويؤكد أنه يجني يوميا أرباحا معقولة، وهو ما يعكس حجم الإقبال الشعبي عليه.وهناك الآلاف من البائعين المتجولين يعرضون الفاكهة اللذيذة التي استطاعت جذب كثير من الأيادي العاملة التي كانت تعاني البطالة، كما وفرت مئات الوظائف لبطالين، وصار كثيرون يمتهنون بيعها وينتشرون بأغلب شوارع وأحياء مدن الولاية.ويعتقد خبراء تغذية أن البذور الكثيفة التي تحتويها الثمرة ، فعالة في تنشيط جدران المعدة والأمعاء، كما تعمل على تليين وتنظيف الجهاز الهضمي، وتساعد على علاج حالات عسر الهضم و الإمساك بشكل طبيعي.وتشير بعض الدراسات إلى أن التين الشوكي يحتوي على 19 في المئة من السكر، عدا الأملاح المعدنية والسوائل والفيتامينات الأخرى المنشطة والمغذية لجسم الإنسان، والتي تكسبه مناعة ضد الأمراض، كما يمكن تصديره واستغلاله في التجميل بعد استخراج الزيت، فضلا عن تأمينه فرص عمل أمام الشباب.
لتر واحد من زيت «الهندي» بألف أورو
الهندي أو الصبّار أو التين الشوكي، له مردود اقتصادي كبير، إذا وجد العناية والاهتمام من طرف الدولة والمستثمرين، و اللتر الواحد من زيته يحتاج إلى قناطير من هذه الثمار، ويصل سعر اللتر الواحد في أوروبا إلى نحو 1176 دولارا ،أي ما يعادل ألف أورو، كما يعد من الزيوت الطبيعية الأغلى في العالم، و يستفاد منه في قطاع التجميل و العناية بالبشرة والمجال الطبي، لكن بسبب عدم قدرة منتجيه على تصديره مباشرة، يستغل بعض الوسطاء الوضع لفرض أسعار متدنية لاقتنائه ثم تصديره لاحقا بأضعاف ثمنه.
و يراهن بعض المهتمين باستغلال هذه الثروة على التشجيع والمساندة من قبل الدولة للشركات الصغرى، لتقف على قدميها وتدخل مجال التسويق، ويرون أن أمام الجزائر فرصا واعدة لاكتساح أسواق أوروبية عدة،  فالمساحات الموجودة في الجزائر، خاصة في الولايات الشرقية الحدودية، تفوق تلك المزروعة في الكثير من البلدان التي تتوفر على الهندي، كالمغرب و تونس و مصر و اليمن وغيرها.
ورغم الإنتاج المتميز لبلادنا من هذه المادة، فإنها تفتقر إلى التسويق والتصدير للخارج، وأصبح لزاما على الجهات الحكومية تقديم الرعاية الضرورية للمزارعين، وحتى البائعين والمسوقين، والارتقاء بعملية إنتاج وتصدير المحصول ، كما هو الحال مع محاصيل الفواكه الأخرى والخضراوات، من أجل تنويع الصادرات وتوفير اليد العاملة وتزويد الخزينة العمومية بالعملة الصعبة.
تجربة مستثمر في استخلاص الزيت السحري
استطاع، السيد  محمود عميّر، أصيل مدينة بئر العاتر بولاية تبسة، أن يقتحم مجال الاستثمار في تحويل التين الشوكي، فنجح في استخلاص أحد أغلى أنواع الزيوت في العالم من بذرة « الهندي»، على مستوى مؤسسته الصغيرة الكائنة بمنطقة» واد الخندق»، القريبة من بئر العاتر، فضلا على استخلاص مواد أخرى، تدخل في صناعة مستحضرات التجميل و الصيدلة وغيرها.انطلق، محمود في استخلاص الزيت من بذرة الهندي، مؤكدا أنه من أغلى الزيوت في العالم، حيث أكد أن سعر   اللتر الواحد في الدول الأوربية يتراوح  بين 800 و ألف أورو، و يستخدم أساسا للعلاج أو التجميل، وأرجع أسباب غلائه إلى فوائده الصحية الكثيرة من جهة ، وإلى صعوبة استخراجه وارتفاع تكاليفه، حيث يحتاج استخراج لتر واحد من الزيت ما مقداره 15 قنطارا من التين الشوكيما  يجعل هذا المنتوج نادرا ، حسب قوله.و أضاف المتحدث، أن عملية التحويل تبدأ بنزع حبوب الفاكهة وتجفيفها لمدة شهر كامل، لتوضع بعد ذلك في آلة خاصة، تقوم بطحنها وتحويلها إلى زيوت ومواد أخرى من بينها خل و عصير التين الشوكي وماء زهرة التين الشوكي و هو من أحسن وأفضل مياه الورد و له فوائد طبية  جمة ، وكذا فوائد تجميلية، إلى جانب استخلاص الزيت السحري.العملية تخلق نشاطا اقتصاديا من شأنه استحداث مناصب عمل وجعل التين الشوكي وسيلة فعالة للتنمية المستدامة.
ع.نصيب

الرجوع إلى الأعلى