* تهيئة المسالك و الطاقة على رأس الانشغالات

تعتبر منطقة بني فرقان بالميلية شرق جيجل، من بين المناطق الخلابة التي تضم عديد المشاتي و التي عاد أبناؤها لزراعة أرضها الطاهرة و المباركة و الإقامة تحت ظلالها، فيما لم يسعف الحظ عشرات العائلات في تحقيق حلم العودة، من أجل الاستقرار أو ممارسة النشاط الفلاحي، بسبب صعوبة الوصول إليها جراء إهتراء الطريق البلدي رقم 15، الذي يعتبر المنفذ الوحيد لحوالي 14 مشتة، فحلم أبناء المنطقة بسيط، حيث يتمثل في تهيئة الطريق و توصيل الكهرباء، فيما بادرت عائلات بنفض الغبار عن المنطقة و بناء سكنات و تزويدها بالطاقة الشمسية و حتى بناء خزان للمياه.

كـ.طويل

قصة النزوح.. من ويلات المستعمر إلى همجية الإرهاب
تقع منطقة بني فرقان في الجهة الشمالية الشرقية لبلدية الميلية، كانت معروفة لدى الكبير و الصغير و تضم عائلات عديدة، سكانها كانوا في الصفوف الأمامية للجهاد ضد المستعمر الفرنسي و تلقوا منه أشد العذاب و التنكيل و بعد اندلاع حرب التحرير، هاجر بعضهم غصبا، كونها اعتبرت منطقة محظورة و لكن بعد الاستقلال عادت العائلات للاستقرار و مارست نشاطها الفلاحي، حيث كانت العائلات تحقق الاكتفاء الذاتي، جراء وفرة المنتوج الفلاحي و التكافل الاجتماعي، لكن العشرية السوداء قتلت حلم العائلات و شردت أبناء المنطقة، ما جعلهم يتركون الجنة المنسية و يهجرون مرغمين من بطش الجماعات الإرهابية التي لم ترحم لا الكبير و لا الصغير.
و قد كثرت الحكايات و الروايات بعد استتباب الأمن و كانت مطالب سكانها بدء بالتعريف بالمنطقة و استعادة اسمها الحقيقي و المتمثل في منطقة بني فرقان التي أنجبت العديد من العلماء و رجال الدولة الجزائرية، كما أن شواطئها بدأت تعرف إقبالا من قبل المصطافين، فلم تخلو مواقع التواصل الاجتماعي من وصف جمالها، أو نقل تحديات أبنائها.
تنقلنا إلى المنطقة من أجل التعرف على إحدى مناطق الظل التي يريد أبناؤها أن يشتعل نورها من جديد و قد كان في لقائنا رئيس جمعية بني فرقان و أحد أبنائها من منطقة الخناق، توجهنا عبر الطريق الولائي رقم ( 132 ب) المؤدي إلى منطقة مشاط و مررنا عبر حواجز أمنية و لدى وصولنا إلى أحد المناطق، أخذ السائق طريقا ترابيا و أخبرنا بأنها بداية الجحيم و المعاناة مع طريق الحلم لأبناء المنطقة، كونه يعتبر الطريق البلدي رقم 15 و المؤدي إلى منطقة بني فرقان المشهورة و التي تضم 14 مشتة حسب رئيس الجمعية، فوضعية الطريق مؤسفة و مأساوية لدرجة لا يمكن وصفها، حيث تآكلت أجزاء منها و أخرى أصبحت ضيقة و شبه منعدمة بفعل العوامل الطبيعية، كما تسببت شاحنات نقل الرمال على مر السنوات الفارطة، في تدهورها عندما تم جعل الطريق ممرا لشاحنات المرملة، بسبب أشغال الطريق الولائي و لكن بعد الانتهاء من إنجازها لم تعاد تهيئتها.
طريق مهترئة.. المنفذ الوحيد إلى 14 مشتة
و قد كان التنقل عبر الطريق شاقا للغاية، بسبب وضعيته المهترئة التي تصعب من سير المركبات، فالطريق ضيق في عدة جوانب و يعرف حركية للمركبات، حيث كنا نجد في كل شطر عائلة عائدة من المنطقة و أخرى متوقفة بجوار منابع المياه التي تنسيك مشقة الطريق، أين الطبيعة الخلابة و الأشجار الكثيفة، إذ أنه عند توقفك لدقائق، تشاهد كثافة الغابة و الأدغال، إلى حد لا يمكن وصف جمال المنطقة، فكل عين كيف تشاهدها و كل متأمل كيف يصفها، لكن المتفق عليه، هو أن المنطقة ساحرة، إذ أنك تشاهد مدى اتساع البساط الأخضر و تستنشق هواء المنطقة العليل الذي يشرح الصدور و في لحظات غوصك مع الطبيعة، تفسد الطريق خلوتك جراء كثرة الحفر.
قال رئيس الجمعية « بأن المسلك له عدة ميزات، كونه يؤدي إلى منطقة فلاحية و سياحية بامتياز، كما يعتبر من بين أحد أهم مطالب أبناء المنطقة لتهيئته، حيث عانى قاطنو المنطقة من اهترائه لعدة سنوات، فمنهم من ترك سيارته بإحدى نقاط الطريق جراء الحوادث المتكررة و الأعطاب التي تلحق المركبات جراء التنقل اليومي» و قد أدى ذلك بأبناء المنطقة حسب المتحدث، إلى تهيئته عدة مرات، بتوسعته أو تعبيده النقاط السوداء منه و كذا فتح الممرات باتجاه المشاتي، حيث جمعوا مبالغ مالية معتبرة و قدم لهم الدعم من طرف بعض المقاولين، لكن الطريق حسبه يتطلب غلافا ماليا لتهيئته على طول 14 كلم، وصولا إلى شواطئ بني فرقان المخفية.
أثناء مرورنا شاهدنا خلايا النحل المنتشرة في كل مكان، حيث شرع بعض أبناء المنطقة في تربية النحل و ممارسة بعض الأنشطة، و لدى وصولنا إلى منطقة الخناق، وجدنا عدد معتبرا من المواطنين و سيارات متوقفة بالمنطقة، أطفال يلعبون بجوار الطريق، لم نتوقع أن نشاهد حركية كبيرة بالمنطقة، في حين أخبرنا مرافقنا، بـأن المتواجدين من أبناء المنطقة الذين يرغبون في الاستقرار و لكن الطريق المهترئة أفقدتهم العزيمة.
ناقلون يرفضون التوجه إلى المنطقة و مشكل الطريق يؤجل حلم العودة
تواجدنا في هذا الموقع الرائع، سمح لنا بملاحظة سكنات من عدة طوابق شيدت في منطقة صعبة التضاريس و أخرى يتم ترميمها، حيث كانت المنطقة تضم سكنات تبعد عن بعضها البعض ببضعة الأمتار و كان بجوراها أطفال يلعبون و يكسرون هدوء المكان، كما لاحظنا بأن المساكن شيدت بطريقة عصرية و كانت لوحات شمسية خارجها، حيث أوضح متحدثون، بأن أبناء المنطقة قاموا بشراء لوحات شمسية و ربطها بالطاقة الشمسية، فيما يلجأ آخرون إلى المولدات الكهربائية التي تشتغل بالوقود و آخرون يلجؤون للطرق التقليدية، فجلهم قاموا بإعادة تهيئة المنازل و ممارسة النشاط الفلاحي على غرار تربية الأبقار و زراعة الأراضي الفلاحية.
و أثناء حديثنا، تبين أن بعض الحاضرين قدموا من ولاية قسنطينة إلى أرض الأجداد، منذ فترة، ليقضوا أياما من العطلة بالمنطقة و العديد منهم فكر في العودة للاستقرار في المنطقة، بعد مشاهدته لما تجود به الأرض الطاهرة من خيرات و جنات من أشجار الزيتون، فيما ذكر متحدثون، أن شبح البطالة و الحنين لأرض الأجداد، جعلهم يفكرون في الاستثمار و الاستقرار بها، لكن أكبر هاجس يتمثل في صعوبة الوصول جراء الطريق المهترئة و المتدهورة و التي أثقلت كاهلهم و أتعبت العشرات منهم، من بينهم من فقد سيارته و تعطلت بسبب صعوبة المسلك و كثرة الحفر.
و قد طالبو مرارا السلطات المحلية، بتجسيد مشروع الطريق و الشروع في تهيئته من أجل إعادة إعمار المنطقة، فصعوبة السير عبر هذا المسلك، تضرر منها الجميع و تسببت في إنقاص عزيمة العشرات و تعطيل عملية نقل مستلزمات البناء، خصوصا بالنسبة لبعض العائلات التي شرعت في تهيئة منازل الأجداد و بناء الأكواخ.
كما قال أحد المتحدثين، بأن نقل مواد البناء و جراء صعوبة السير، زاد من تكلفة النقل، إذ أن المنزل الذي يحتاج للترميم، ترتفع تكلفته بالضعف، كما أن الناقلين يرفضون نقل مواد البناء إلى المنطقة، حيث أكد حاضرون، على أن الإشكال يعد أكبر عائق لعودة العائلات، كما يصعب من ممارسة النشاط الفلاحي.


مبادرات لممارسة الفلاحة و التطوع لانجاز مشاريع
و من بين أبناء المنطقة الذين رفعوا التحدي لسنوات عديدة، وجدنا الشاب صابر، الذي قام بممارسة نشاط تربية الأبقار و النحل و أستطاع أن يجسد حلمه بشق النفس، حيث يقول صابر الذي زرناه في إسطبله، « لقد قمت خلال سنوات بتحقيق حلمي و وصلت إلى أن قمت بإنشاء كوخ لتربية الأبقار، كما أنني قمت بتهجين ثور محلي، يعتبر من السلالات النادرة، فيما صادفت عدة صعوبات، جلها بسبب صعوبة و إهتراء الطريق البلدي و كذا صعوبة نقل المياه إلى الإسطبل و نقل مواد البناء»، مضيفا بأن العديد من أبناء المنطقة، اقتادوا به من أجل العودة و الاستقرار و ممارسة النشاط الفلاحي.
كما شرع سكان المنطقة من جهة أخرى، في تجسيد عدة مشاريع عن طريق جمع أموال و اللجوء إلى مقاولين، حيث باشروا أشغال إنجاز خزان مائي بجوار أحد الينابيع من أجل تجميع المياه و كذا تهيئة الطريق البلدي رقم 15 و العمل على ربط سكناتهم بالطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، كنموذج بسيط يمكن أن تلجأ إليه السلطات في حالة ربطهم بالطاقة الكهربائية، فيما يأمل أبناء المنطقة، في أن تلتفت السلطات إليهم من أجل تقديم يد المساعدة عبر تهيئة الطريق و كذا شق المسالك و تقديم الدعم لأبناء المنطقة الراغبين في الاستقرار.
و يقول المتحدثون، بأن أبناء 14 مشتة موزعة عبر منطقة بني فرقان الواسعة، رفعوا نفس التحدي من أجل العودة و الاستقرار و حلمهم تحقيق التنمية و جعلها قطبا زراعيا بامتياز، فمن غير المعقول أن تظل نقطة من نقاط الظل و غير مستغلة، مؤكدين على أن العديد من الشباب سيطلقون المدن و يعودون لأرض الأجداد من أجل كسب لقمة العيش و إحياء جبال المنطقة التي يمكن تحقيقها بأبسط الحلول و أبرزها شق الطرقات.
تأسيس جمعية لجمع شتات المنطقة
قال رئيس جمعية الأمل لبني فرقان، بأنه طلب من السكان تنظيم أنفسهم في السنوات الفارطة، ما جعلهم يشرعون في إجراءات تأسيس جمعية تجمع شتات 14 مشتة و قاموا بتوجيه رسائل للسلطات الولائية و المحلية، حيث تمت تلبية بعض الطلبات على غرار تقديم إعانات البناء الريفي لحوالي 20 عائلة، فيما قدمت وعود بتجسيد مشروع لتهيئة الطريق الذي طال انتظاره، كما طالب المتحدث من السلطات الولائية، بزيارة المنطقة و اكتشاف خبايا و كنوز الاستثمار الفلاحي المخفية في كل زاوية.
و قد حاولنا الاتصال برئيس البلدية لمعرفة أهم المشاريع المقترحة و كذا المبالغ المالية المرصودة لفائدة سكان المنطقة مع ترك رسائل، لكن و لحد كتابة هاته الأسطر لم نتلق الرد، لتبقى أحلام أبناء منطقة بني فرقان مشابهة لرسائلنا التي تنتظر الرد بجدية لإعادة إعمار المنطقة و النظر بجدية في مطالب العائدين و الراغبين في العودة.
كـ.طويل

الرجوع إلى الأعلى