الوكالات مطالبة بتحريك السياحة الداخلية
تشهد ولاية عنابة موسم اصطياف استثنائي لم تعرفه منذ سنوات التسعينيات و ذلك من حيث استقطاب المصطافين رغم الفتح المتأخر للشواطئ هذا العام بسبب أزمة كورونا، خاصة أيام نهاية الأسبوع، حيث يبدأ توافد المصطافين من مساء يوم الخميس إلى غاية صبيحة يوم السبت و من مختلف ولايات الوطن و هو ما تشير إليه ألواح ترقيم السيارات بمداخل ولاية عنابة و كذا أماكن ركن السيارات بالفضاءات السياحية.
ودفعت أزمة وباء كورونا بعد رفع المنع على التوجه إلى الشواطئ، لوضع عنابة في أحسن رواق من ناحية أبرز الوجهات السياحية التي يفضل المصطافون زيارتها، خاصة مع غلق الحدود البرية مع الجارة تونس و هي فرصة ذهبية لإعادة اكتشاف بونة عروس البحر الأبيض المتوسط من جديد، بعد ركود سياحي لازمها لسنوات و أصبحت واجهة سياحية غير محبذة لدى الجزائريين لعدة أسباب، أبرزها الترويج السيئ لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على أنها مدينة ينتشر فيها الإجرام و سوء الاستقبال و الاعتداءات على مستوى الشواطئ، حيث تحولت شيئا فشيئا حسب البروفيسور، محمد كريم فريحة و هو مختص في علم الاجتماع بجامعة عنابة، إلى صورة نمطية في ذهنية الجزائريين الذين ألفوا زيارة عنابة قبل سنوات و مسألة تغير هذه النظرة تحتاج إلى سنوات و جهد من قبل الفاعلين، من أجل تغييرها باستقبال و تكفل جيد يسمح للمصطافين بأخذ انطباع جيد، يعزز من رفع عدد المصطافين كل سنة، مضيفا بأن أزمة الوباء، ربما ستسمح بتقليص الجهد.
قرابة ربع مليون مصطاف أيام نهاية الأسبوع
وصلت التقديرات الأولية لمصالح الحماية المدنية، إلى تجاوز عدد المصطافين بالشواطئ المحروسة في أيام نهاية الأسبوع، لرقم 200 ألف مصطاف و قد يصل العدد إلى ربع مليون مصطاف إذا تم احتساب الشواطئ غير المفتوحة رسميا من قبل السلطات، مثل شواطئ عين بربر، واد الغنم و أخرى بشطايبي.
و في تقدير أصحاب وكالات سياحية، تحدثت إليهم النصر، فإن موسم الاصطياف لهذه السنة سيكون نقطة انطلاق و محفز من أجل تحقيق قفزة نوعية في السياحة الداخلية و جعل ولاية عنابة من بين أفضل الوجهات السياحة في شرق الجزائر، مع دخول عدد معتبر من الفنادق السياحية حيز الاستغلال من مختلف الأصناف و إعادة تأهيل القديمة منها على غرار فندق سيبوس الدولي، الذي سيفتتح قريبا بعد انتهاء الأشغال به، ليعود لحمل تصنيف 5 نجوم.
زوار بونة يبدون رضاهم بمستوى التكفل و الخدمات
و في خضم الحركية غير المسبوقة التي تعرفها عنابة هذه الأيام، اقتربت النصر من مصطافين قصدوا بونة من ولايات مختلفة، حيث كانت جل الانطباعات إيجابية وأبدوا إعجابهم بالمواقع السياحية وكذا الجاهزية والنظافة على مستوى الشواطئ المحروسة و التواجد الأمني سواء الدرك الوطني أو الشرطة، المجندين لمنع فرض أي مصاريف إضافية على المصطافين سواء في ركن السيارات أو الجلوس على الشاطئ.
النصر التقت عائلة من ولاية باتنة متكونة من زوجين و ثلاثة أطفال، قال رب الأسرة « إننا متواجدون في عنابة منذ أسبوع، نزلنا في شقة بحي لاكاروب المطل على البحر، لم نتوقع هذا الترحاب في جميع الأماكن التي نقصدها سواء الشواطئ أو المطاعم و حتى المقاهي و في ساحة الثورة، لم نتعرض لأي مضايقات، عنابة ساحرة فعلا، لم نزرها منذ سنوات، كنا نسمع على أن هناك إجرام و شيء من هذا القبيل، لكن وجدنا عكس ذلك، قصدنا في البداية ولاية سكيكدة، غير أن عنابة وجدناها أفضل من حيث الفضاءات و هو ما سيشجعنا على العودة العام المقبل».
عائلة من قسنطينة، هي الأخرى عبرت عن إعجابها بعنابة هذا الموسم، رغم الظروف الاستثنائية بسبب فيروس كورونا، حيث كان أهم ما لاحظوه حسب حديثنا مع أفرادها، هو النظافة في الشواطئ، حيث تبدأ المنظفات العصرية في عملها باكرا و عندما يقصدون شاطئ عين عشير على الساعة السابعة صباحا، يجدونه نظيفا، بالإضافة إلى التواجد الدائم لعناصر الدرك الذين يراقبون الشاطئ و يمنعون أي تجاوزات قد تحدث، كما أبدوا إعجابهم ببعض المطاعم على الكورنيش، حيث توفر « قعدات» على الطريقة التقليدية تشعرك بالراحة و كأنك في بيتك.
أراء و انطباعات عديدة رصدناها وسط الأعداد الهائلة للمصطافين بشواطئ الكورنيش، حيث كانت شواطئ «سانكلو، شابي، لاكاروب، بلفودار، عين عشير، فيفي» ببلدية عنابة و واد بقراط بسرايدي، الوجهة الأولى للمصطافين، لتوفرها على كامل شروط الراحة .


مصطافون يرفضون المغادرة ويفضلون السهرات بالكورنيش
و رغم تحديد الساعة الحادية عشرة ليلا لتطبيق الحجر المنزلي، إلا أن المصطافين سواء من زوار أو سكان المدينة، يرفضون المغادرة نحو أماكن إقاماتهم، حيث تستمر السهرات إلى غاية ساعات الفجر، وسط الدوريات المتنقلة لفرق الشرطة و الدرك الوطني، لدعوة المواطنين للمغادرة، خاصة في أيام نهاية الأسبوع، حيث يكون الإنزال على الكورنيش كبيرا و تُغلق جميع الطرقات و المنافذ و تغرق المواقع السياحية في الاختناق المروري، حيث يتطلب الأمر أحيانا قضاء 3 ساعات للسير على مسافة 10 كلم، بسبب العدد الهائل للمركبات.
كما وقفت النصر يوم الجمعة الماضي على الغلق الكامل للشريط الساحلي الممتد من ساحة الثورة إلى غاية سرايدي، حيث يكاد الوصول إلى المنزل يكون مستحيلا، بسبب شلل محاور الدوران سواء بشواطئ «شابي، سانكلو» و حتى حي الخروبة، مما اضطر أصحاب المركبات للتوجه إلى منفذ سرايدي، وصولا إلى مقام الشهيد، غير أن هذا المسلك هو أيضا كان غارقا في زحمة المرور.
النصر اقتربت من بعض مستعملي طريق الكورنيش ليلا يوم الجمعة، لمعرفة سبب عدم مغادرتهم للشواطئ، رغم تجاوز الساعة الحادية عشرة ليلا و هو توقيت تطبيق الحجر، حيث أكدوا على أن التوافد الكبير على الواجهة البحرية، منعهم من العودة في الوقيت المحدد، ما أجبرهم على البقاء في الشاطئ إلى غاية تراجع الاختناق المروري.
الدرك و الشرطة صمام الأمان
تقوم عناصر من الدرك الوطني و الشرطة، بدوريات يومية داخل الشواطئ، لمنع وضع الطاولات و المظلات بالشاطئ، أو فرض كرائها على المصطافين، نفس الشيء بالنسبة لركن المركبات و ذلك بعد إعلان مصالح بلدية عنابة مجانية حظائر المركبات، لعدم كرائها هذا الموسم للخواص.
كما تعمل الدوريات المتنقلة، على مراقبة إقليم الاختصاص، حيث مكنت تحريات مصالح الدرك الوطني، من توقيف 3 أشخاص متهمين بإضرام النار عمدا في غابات الكورنيش و تحديدا بمرتفع رأس الحمراء، فيما
تمكنت قوات الشرطة التابعة للأمن الحضري الخارجي سيدي سالم في بلدية البوني، من توقيف 14 شخصا تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 40 سنة، مشتبه بهم في قضايا مختلفة، منها حيازة المخدرات، حيازة أسلحة بيضاء محظورة، التحطيم العمدي لملك الغير و السكر العلني.
تحسين الخدمات و خفض الأسعار سر الاستقطاب
من جهته يرى، سليم فروم، و هو مختص في السياحة و القانون، في اتصال بالنصر، على أن مدينة عنابة اقترن اسمها بالإجرام و انطبعت عنها صورة سيئة للغاية في السنوات الأخيرة، خاصة لدى سكان الولايات الداخلية، مما انعكس سلبا على النمط السياحي للمدينة، رغم بعض الجهود المبذولة لتحسين صورة المدينة لدى السياح و تبقى هذه الجهود ضعيفة، إذا لم يكن هناك تنسيق مع جميع الهيئات المعنية.
كما أشار المختص، إلى أن جائحة كورونا أثرت سلبا على قطاع السياحة، فهو القطاع الأكثر تضررا نتيجة لوقف عديد الأنشطة التي تعتمد عليها السياحة مثل النقل والمطاعم و غيرها وباتخاذ الدولة لقرار تخفيف الحجر و السماح للمواطنين بولوج الشواطئ، كانت عنابة الوجهة المفضلة للمصطافين، في مؤشر إيجابي يرجع أهمية الولاية من الجانب السياحي، لما تتمتع به من خصائص طبيعية و حتى إمكانيات التكفل سواء من إيواء أو مرافق للنزهة و الترفيه.
حيث أوضح المتحدث، بأنه و من أجل جذب المصطافين و السواح أكثر، فعنابة تحتاج إلى الاستقرار الأمني كأهم الآليات لإعادة النظرة الإيجابية للمدينة التي تشوهت بسبب ظاهرة الإجرام و الاعتداءات و بمساهمة وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لها، مع الاعتماد أيضا على أهل الاختصاص للترويج للمدينة سياحيا، تحسين الخدمات الفندقية و الاعتناء بالسائح، مراجعة الأسعار حسب مدخول الأفراد، العمل على الوعي الثقافي و السياحي للفرد العنابي، الترويج الجيد  للمعالم الأثرية للمدينة و تنظيم رحلات مدرسية للتعريف بالمدينة سياحيا و هي النقاط التي يجب العمل عليها لاستعادة رونق عنابة السياحي كجوهرة للشرق.
و أرجع سليم فروم سبب تدني مستوى الخدمات، رغم وجود معاهد في المجال الفندقي و المهن المتعلقة بالسياح و تخريج مئات الطلبة سنويا، إلى التركيز على التكوين النظري فقط و نقص التأطير التطبيقي، مما خلف تكوينا سياحيا ضعيفا، لا يصل إلى المرتبة التي يحوز عليها جيراننا في المجال السياحي. أما في جانب الترويج السياحي، فذكر مصدرنا أن الوكالات السياحية الخاصة، لا تساهم في تطوير و ترويج السياحة الداخلية و هذه من الأخطاء التي ارتكبت سابقا، حيث يكتفي مسيروها بالحجوزات و عمل وجهات سياحية معينة، كالعمرة، تركيا، تونس و غيرها، بحثا عن الربح فقط، عكس الوكالة التابعة للقطاع العمومي والتي كانت تعمل على ترويج و جلب السياح للوجهة الجزائرية و هذا لم يكن كافيا رغم المجهودات المبذولة، مما يستوجب تنسيقا بين الوكالات الخاصة و العمومية، للترويج للسياحة الداخلية، لتكون النتائج أفضل بكثير.

الرجوع إلى الأعلى