نجح فلاحون بولاية جيجل في خوض مغامرة  إنتاج شتلات الفراولة، وذلك بعد سبع سنوات من التجارب  التي بدأت بفكرة لتنتهي بتحقيق  حلم التخلص من التبعية للمستوردين، حيث تم توسيع العملية وبشكل ولدت معه شتلة محلية ستعزز إنتاج هذه الفاكهة وتمكن من خفض أسعارها. المنتجون  تحدوا كل الظروف والإشاعات ومحاولات العرقلة ليحققوا مكسبا سيدخل هذا النوع من الزراعة في مرحلة جديدة تكون نتيجتها فراولة جزائرية مئة بالمئة.    
روبورتاج :  كريم طويل
النصر ظلت تترصد أخبار تجربة زراعة شتلات الفراولة، التي خرج الحديث عنها للعلن خلال السنتين الفارطتين، حيث بلغ مسامعنا وجود تجارب يقوم بها فلاح بمنطقة جيمار  و آخرون، فضلوا التكتم عنها، لعدة أسباب أهمها، وجود جهات تحارب المسعى،  كونه سيسبب لهم خسائر بالملايير، بالإضافة إلى صعوبات في عملية الإنتاج التي  تتطلب تقنيات دقيقة للغرس، و قد نجح أحدهم في زراعتها و إنتاج فراولة محلية الصنع، ثم قرر خوض  التجربة  
و غرس كميات كبيرة على نطاق أوسع، وهو نجاح جعلنا ندخل عالم التشتيل ولننقل حقيقته من داخل حقول الفراولة.
سبع سنوات من التجارب قبل تحقق الحلم
 تنقلنا إلى منطقة أشواط  أين وقفنا على ما يقوم به   أحد الفلاحين  الذي  تقع مزرعته خلف مطار فرحات عباس  ،  الوصول للمكان يتطلب الترجل   لمسافة طويلة  وسلك أحد الوديان الجافة،  كما  مررنا عبر مزارع   الفلفل، قبل أن نصل إلى الوجهة أين وجدنا  فلاحين يقومون بتركيب بيوت بلاستكية و آخرين يقومون بحرث الأرض و تقليبها، بالإضافة إلى عدد معتبر من النسوة، كن يقمن  بإزالة بقايا الحشائش من حقل زرع  بالفراولة سابقا ، و لدى وصولنا  كان  فلاحون يقومون  بتطهير البيوت البلاستيكية من بقايا الحشائش،
و تفريغها من مادة الفلفل.
و عند لقائنا بالفلاح عمر، و جدناه رفقة الشباب الذين يساعدونه  بصدد سقي شتلات الفراولة، الموجودة داخل بيت بلاستيكي،   و قد ذكر أحد الفلاحين، بأن تجربة تشتيل شتلات الفراولة،  بدأت سنة 2013، وقد قاموا بها بشكل بسيط و بعدد قليل، أين يتم تشتيل الفروع أو البنت  ووضعها في مزهريات، ليتم غرسها مع شتلات الفراولة المستوردة، و قد كانت تعطي نتائج جيدة، ولكن خلال سنة 2018، شرعوا في مشروع إنتاج شتلة الفراولة، في بيت بلاستيكي، بما يقارب 2500 شتلة، وقد أعطت نتائج جيدة، ليتم خلال هذه السنة،  غرس ما يقارب 50 بيتا بلاستيكيا، وبذل مجهودات كبيرة لإنجاح العملية، كونها تتطلب الصبر و القيام بغرسها وفق تقنيات عديدة.
 و أوضح عمر  أنه ومنذ سبع سنوات حاول رفقة شركائه القيام   بالتشتيل  محليا، و قد نجح الأمر  عدة مرات، و أعطى مردودية لا بأس بها، و  ظل الإنتاج  محل تكتم ، إلا أنه في السنوات الثلاث الأخيرة  أظهر  منتجون  إرادة قوية لخوض التجربة ، ليقوم  رفقة شركائه، بتجسيد الحلم و إنتاج شتلة الفراولة، و قد كانت نتائجها جد إيجابية.

وقال من تحدثنا إليهم إن التحدي  رفع  لكسر استيراد شتلات الفراولة، التي لم تكن في المستوى المطلوب من ناحية الأسعار، و الجودة، وقد عانى الفلاحون من طريقة تعامل مستوردين،  مشيرا بأن التجارب التي قام بها البعض كان يتم  تداول أخبارها فيما بينهم  حتى تحوّل إلى هدف جماعي،  و قد  لاحظنا في الموقع وجود شابين، أخبرانا بأنهما يحاولان تعلم النشاط الفلاحي و معرفة خباياه.
عبد السلام..  فلاح يطمح لإنتاج 250 ألف شتلة  
أما عبد السلام، و الذي يزاول نشاطه الفلاحي بمنطقة جيمار، فاعترف ، بأن تجربة إنتاج الشتلات كانت  تعود إلى سبع سنوات قبل هذا الموسم ، و  قال  إنه كان يقوم بها على مراحل و عن طريق  تجارب بسيطة، بحيث يغرس كميات قليلة و يتابع مراحل نموها  و المردودية التي كانت تقدمها، و يحاول تصحيح العملية، و قد اعتمد على تقنيات و على نصائح العارفين بخبايا الشتلات، قائلا " قمت طيلة   سنوات بزراعة الشتلات المستوردة، وفي نفس البيت البلاستيكي، أقوم بغرس الشتلات التي أنتجتها محليا، لأطور   النشاط تدريجيا، و بدأت في الاستغناء عن الشتلات المستوردة، و ما لاحظته،  هو أن  الفراولة التي أنتجها محليا تكون أكثر مردودية و أقل  كلفة".
 و أضاف المتحدث، بأنه منذ أربع سنوات، قرر أن يخوص التجربة، و يقوم بإنجاز مشتلة خاصة به، و قد تمت  تجربته بالموازاة مع تجربة فلاح  آخر في العاصمة، حيث  نجحت تجربته، و  مكنته من  إنتاج كمية كبيرة من الشتلات، و خلال السنتين الفارطتين، قام بغراسة 120 ألف شتلة فراولة، و يطمح خلال هاذه السنة   للوصول إلى سقف 250 ألف شتلة،  قام بزراعتها ضمن البيوت البلاستيكية، مشيرا  لتردد الفلاحين بالمنطقة في البداية ،  ما جعله يقوم بتقديم يد المساعدة، و توزيع الشتلات من أجل غرسها، و بعد أن قدمت نتائج جد رائعة، اطمئنوا و قرروا  غرس الشتلات المنتجة محليا، و اللجوء إلى فكرة التشتيل.
 و قد قدم عبد السلام التجربة لبعضهم، لكن ظروف عائلية منعته من إكمال التجربة مع الفلاحين، و قال المتحدث: "90 بالمئة من المنتجين الذين أعرفهم و ينشطون في شعبة إنتاج الفراولة، قاموا بتجارب خاصة بهم، و نجحت بنسب متفاوتة، فيما فضل بعضهم اللجوء مباشرة لشراء الشتلة المنتجة محليا و عدم المغامرة بتضييع الوقت و المال، فعملية التشتيل تتطلب أموالا و  فضاء خاص بها".
تقنيات وظروف خاصة لإنجاح التجربة
تجربة التشتيل، و إنتاج شتلة الفراولة لابد أن تتم وفق  شروط و خصوصيات معينة حسب الفلاحين، بحيث يجب توفير مناخ ملائم لها في البيت البلاستيكي، إذ أنه لابد أن تكون الحرارة معتدلة  مع  توفير الظل، بالإضافة إلى المتابعة اليومية، و تختلف الطريقة  من شخص إلى آخر، إذ أنه يتم أخذ البراعم من الشتلة الأم، أو قص الفروع ووضعها في مزهريات خاصة، أين توضع في الغبار ( بقايا براز الابقار)     ليتم سقيها ووضعها داخل بيت بلاستيكي و في  درجة  حرارة و  رطوبة به  تكون معدلة، مع توفير الظل.
 كما قام آخرون، بالحصول على الشتلة الأم، و تحويل الشتلة البنت إلى أم،  وهو ما يتطلب تقنيات معينة و ملاحظة دقيقة عند قطع البنت، قبل وضعها في المزهريات، و أشار من خاضوا التجربة، بأن العملية تتطلب  دقة  كبيرة، و  متابعة يومية للمشتلة، بسقيها و إزالة بقايا الأعشاب الضارة.
و يشرع   في التشتيل منتصف شهر أوت،  و هي الفترة المناسبة للتشتيل، و تستغرق العملية ما يقارب الشهر، في المقابل يتم الشروع في تهيئة الأراضي و البيوت البلاستيكية لغرس الشتلات، فالعملية دقيقة و تتطلب تناسقا من ناحية الوقت، و قد سمح نجاح التجربة، للفلاحين  بغرس الفراولة نهاية شهر سبتمبر و هي الفترة الأكثر ملائمة.

تقليص فاتورة الاستيراد والشتلة المحلية بـ 15 دج
و يقول الفلاحون، بأنه مع المرور لإنتاج الشتلة محليا، استطاعوا تجنب أضرار كثيرة يقع فيها الفلاح، بحيث أصبحت عملية الغرس تتم باكرا على عكس السنوات الفارطة، جراء تأخر وصول الشتلات المستوردة و التي تصل في معظمها منتصف شهر أكتوبر و شهر نوفمبر، ما يتسبب   في خسائر عديدة، بالإضافة إلى أن انخفاض تكلفة البيت البلاستيكي الذي يتم غرسه، فالشتلة المنتجة محليا يصل سعرها إلى ما يقارب 15 دج، فيما يصل سعر تلك المستوردة إلى حدود 54 دج، وتكون نسبة كبيرة منها مريضة.
 محاولات لإفشال التجربة والعقار عائق
مشيرين، بأن عملية إنتاج الشتلات محليا، جنبت تحويل مبالغ مالية من العملات الصعبة نحو الخارج، و هو المكسب  الكبير الذي يحسب لهم ، بحيث دعت الدولة إلى الإنقاص من عملية الاستيراد و تشجيع الإنتاج المحلي، و قال متحدثون، بأن عملية زراعة الشتلات لم تعجب الكثير من المستوردين و شركات الفراولة و حاولوا التضييق على نشاط الفلاحين، بعدة طرق، من بينها الدعاية المغرضة و كذا ابتزاز الفلاحين المدانين، كما حاول آخرون، تهديدهم، بسبب   اسم الفراولة على حد قول متحدثين، ما جعلهم يفكرون في استعمال تسميات معروفة في النشاط الفلاحي.
و يواجه الفلاحون العديد من المشاكل و العوائق التي تمنعهم من إنجاح العملية على غرار عدم ملكيتهم للأراضي،  كونهم  يستأجرونها من خواص استفادوا من الأراضي وفق عقود امتياز، بالإضافة إلى غلاء الأسمدة التي تستعمل في بعض المرات عند ظهور الأمراض، و قد سمحت العملية بخلق فرص توظيف جديدة.
  الهدف.. فراولة محلية مئة بالمئة  
و ثمّن رئيس الغرفة الفلاحية باقة توفيق، المجهودات المبذولة من قبل فلاحين  تمكنوا  خلال ثلاث سنوات  من  إنجاح تجربة إنتاج شتلات الفراولة،  مشيرا أنه و بعد معاناة كبيرة مع الاستيراد و تأخر وصول الشتلات و ارتفاع أسعارها، تتحقق تجربة التشتيل محليا، فقد تم تداول العملية وسط مجموعة من الفلاحين  ما جنبهم الوقوع في خسائر عديدة، فسعر إنتاج أو بيع الشتلة المنتجة محليا لا يتجاوز 15 دج، ما سيسمح ببيع الفراولة في السوق بأسعار جد تنافسية و تلقى استحسانا من قبل المستهلك، مشيرا، بأن التجربة تسير في الطريق الصحيح و تتطلب تقديم الدعم للفلاحين الذين استطاعوا إنجاح الفكرة، و إنتاج شتلة الفراولة محليا.

الرجوع إلى الأعلى