تحوّل الحي الفوضوي علي الأوراسي ببلدية بازر سكرة في ولاية سطيف المعروف بـ "المحتشد" إلى نقطة عبور إلى السكن الاجتماعي، بعد أن وجدت السلطات صعوبة في التخلص من أكبر بؤرة للسكن الهش، حيث عرف التحاق  العديد من الدخلاء به  بعد إقامة بناءات فوضوية، كما استغل للمتاجرة بالأكواخ ، ما صعب في مهمة تحديد العدد الفعلي لسكانه و ضاعف عدد المقيمين به، لتبقى الإزالة التامة هي الحل الأنسب لإخراج ما يقارب 300 عائلة من جحيم العيش في حي
لا يتوفر على أدنى  شروط العيش الكريم.

أحمد خليل

«ما نريده فقط، سكنات لائقة تأوي عائلاتنا
و أطفالنا».. هي صرخة لأحد قاطني الحي الفوضوي المسمى «المحتشد» أو «نومرو خمسة» أو «علي الأوراسي»، تعددت المسميات لكن الأزمة واحدة و مستمرة في حي «تاريخي» يتواجد في بلدية بازر سكرة، الواقعة شرق ولاية سطيف.
«النصر» حاولت   إماطة اللثام عن حقيقة معاناة 298 عائلة تقطن في هذا الحي و الذي يعتبر نقطة سوداء في عاصمة الهضاب العليا، بعد فشل الكثير من المسؤولين المتعاقبين عن بلدية بازر سكرة و دائرة العلمة و ولاية سطيف، في إيجاد حل نهائي لأزمة سكان هذا الحي الذي يتربع على مساحة قدرها ثمانية هكتارات كاملة من أملاك البلدية.
و بالرغم من استفادة عشرات القاطنين من سكنات اجتماعية أو قطع أرضية، غير أن مشكلة الحي مستمرة.
هذه هي قصة المحتشد..
فبالعودة إلى القصة التاريخية لهذا الحي، فإن الاستعمار «هجر قسريا» العشرات من العائلات لعزلها عن الثورة، حيث عمدت فرنسا في سنة 1958م، لترحيل الكثير من العائلات من أراضيها و بيوتها من بلدية أولاد تبان، لهدف واحد و هو عزلها عن الثورة المجيدة و اعتبرت القرية آنذاك «منطقة محرمة»، لأنها كانت معقلا رئيسيا للكثير من ثوار الولاية.
و لم تقتصر عملية الترحيل من قبل السلطات الاستعمارية باتجاه بلدية بازر سكرة فقط، بل تعدى ذلك نحو مناطق أخرى من نفس الولاية مثل بيضاء برج و حتى إلى بلديات أخرى في ولايات أخرى مثل سكيكدة.
في حين اختلفت المصادر التاريخية حول العدد الحقيقي للعائلات المرحلة من منطقة أولاد تبان، في عز أيام الثورة نهاية الخمسينيات، حيث تقول المصادر الأولى، أن الرقم هو 50، في حين أن مصادر ثانية قالت بأن العدد هو 63 عائلة.
 و أنجز الاستعمار الفرنسي «محتشدا» في منطقة بازر سكرة، فوق أراض  خاصة ملك لعائلات من المنطقة، (تم تعويض البعض منهم بقطع أرضية بنفس المساحات في نفس المنطقة) و ذلك لإقامة العائلات «المهجرة قسريا» من أراضيها المتواجدة في أولاد تبان، و منذ ذلك الحين، انطلقت معاناة سكان الحي، الذي بات يحمل اسم الشهيد «علي الأوراسي» منذ عهد الاستقلال.
كما تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى كون بلدية أولاد تبان تقع بدائرة صالح باي، جنوب ولاية سطيف و تبعد عن بلدية بازر سكرة بمسافة 75 كلم.
تسوية وضعية «نصف مساحة المحتشد» بعد الاستقلال
و بعد نيل الاستقلال و إخراج الاستعمار الفرنسي، اهتمت السلطات المحلية في عهد «المير» السابق «العيد فردي»، بحل جزئي لمشكلة «المحتشد»، حيث عمدت للتسوية الإدارية لعقود السكنات، مع ترحيل عدد من القاطنين إلى سكنات جاهزة أو تسليمهم قطع أراضي، في حين فضل البعض العودة إلى أراضيه الأصلية في منطقة أولاد تبان.
و بالتالي، فإن حي «المحتشد» حاليا مقسم إلى قسمين، الأول سكانه يمتلكون العقود بصورة رسمية، أما الثاني فقد تحول إلى «مكان فوضوي» يضم 298 عائلة حسب إحصاءات البلدية و الدائرة و هم يعيشون في ظل ظروف قاسية جدا، خاصة مع انتشار البنايات الفوضوية على الطرقات و الأرصفة.
كما أنه و بالرغم من صعوبة الموقف، غير أن السلطات المحلية نجحت في توصيل الغاز و الكهرباء و حتى المياه إلى سكنات الحي، لكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة للسكان، لأن جميع البيوت هشة و آيلة للسقوط في أي لحظة.
سكنات مشيّدة تحت أسلاك كهربائية و أخرى فوق أنابيب للغاز
و لا يختلف اثنان في كون العيش في سكنات الحي  يتم في ظروف «غير إنسانية»، نظرا لوضعيتها الهشة و المزرية، لأن سقف أغلبية البنايات من «الترنيت»،  و ما يشكله من أخطار صحية على القاطنين، من أمراض تنفسية و جلدية و الأخطر من ذلك كله،  إضافة إلى أن الكثير من السكنات تم إنجازها تحت الأسلاك الكهربائية و البعض الآخر من تلك البنايات الفوضوية أنجزت فوق أنابيب لشبكات الغاز و الصرف الصحي و المياه، ما جعل السلطات المحلية ممثلة في البلدية والدائرة، ترفع لأكثر من مرة نداءات استغاثة لوزارة السكن، من أجل النظر في وضعية الحي و تخصيص حصة سكنية خاصة، قبل الشروع في عملية الهدم النهائي و إزالة أهم نقطة سوداء في ولاية سطيف و تطبيق نفس الطريقة التي اعتمدت عليها مصالح بلدية العلمة المجاورة، عندما أزالت سابقا البنايات الفوضوية في حي بن بولعيد المعروف محليا باسم «الباطوار».
و مع مرور السنوات، تحول حي علي الأوراسي المعروف باسم «المحتشد»، إلى ما يشبه مركز  عبور بالنسبة للراغبين في الاستفادة من سكنات اجتماعية، بعد فشل السلطات المحلية في هدم البنايات الفوضوية، مباشرة عند توزيع السكنات أو القطع الأرضية على القاطنين الأوائل في هذا الحي، و الذين استغلوا تقاعس المسؤولين المحليين في العقود الماضية، من أجل بيع سكناتهم الهشة مقابل مبالغ مالية معتبرة و وصل الحد بالبعض منهم إلى بيع كل غرفة على حدة، السبب الذي كان وراء تضاعف عدد العائلات الساكنة، ما جعل سلطات البلدية تجد في كل مرة صعوبات جمة عند إحصاء العدد الحقيقي للعائلات القاطنة في الحي، إلى درجة أنها تفاجأت بوجود عائلات لا تنحدر أصلا من بلدية أولاد تبان، أو حتى من البلديات الأخرى التي تنتمي لولاية سطيف.
و قد سبق لسكان «المحتشد» تنظيم وقفات احتجاجية، كان آخرها في شهر جويلية الماضي، أمام مقر ولاية سطيف، لدعوة السلطات المحلية لترحيلهم نحو سكنات لائقة، و ما زاد الأمر تعقيدا، هو عدم استفادة بلدية بازر سكرة طيلة السنوات الماضية، من أي حصص جديدة من السكنات، سواء في إطار صيغة الاجتماعي أو حتى من السكن الريفي، (و هو الموضوع الذي تطرقنا إليه في أعدادنا الأخيرة)، ما جعل عددا من نشطاء الحي يتفقون على إنشاء جمعية محلية حملت اسم «المحتشد» و تحصلت على الترخيص القانوني في الأسبوع الماضي و أول خطوة كانت مراسلة وزارة السكن و مصالح رئاسة الجمهورية، من أجل النظر في معاناتهم التي امتدت لسنوات طويلة و السعي لترحيلهم في أقرب وقت إلى سكنات جديدة.
و ما زاد الأمر تعقيدا، هو نجاح بعض «الانتهازيين» في التسلل إلى الحي و إقامة بعض البنايات الفوضوية،     والإقامة فيه على أمل الاستفادة من السكنات الاجتماعية، ما جعل السلطات المحلية «عاجزة» تماما عن وضع حد للتوسعات الفوضوية المسجلة في السنوات الماضية و بالتالي، فإن الحل الوحيد وفق ممثلي السكان،  هو تخصيص حصة سكنية لصالح سكان الحي، بعد القيام بعملية الإحصاء الدقيق و تفادي الوقوع في التلاعبات مهما كان نوعها، مع تسخير إمكانات جميع السلطات المحلية، لهدم الحي و إزالته نهائيا من الوجود في بلدية بازر سكرة.
رئيس البلدية  بوزيد مومني:  الحل في إقامة سكنات مجمعة  و إزالة الحي نهائيا
يقول رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية بازر سكرة، بوزيد مومني، بأن الحل الوحيد لأزمة حي «المحتشد»، يكمن في تخصيص حصة من السكنات الجاهزة، أو إقامة السكنات المجمعة و ترحيل القاطنين إليها بعد ضبط الإحصاءات، ثم الشروع بعدها في عملية إزالة البنايات الفوضوية و تحويل القطعة الأرضية لإقامة مشاريع اقتصادية و تعليمية و اجتماعية و حتى رياضية لصالح أبناء المنطقة.
مضيفا بأنه تمت مراسلة وزارتي الداخلية و السكن في أكثر من مناسبة للنظر في موضوع الحي، خاصة و أن البلدية تتوفر على الوعاء العقاري الذي يسمح بإقامة السكنات المجمعة لترحيل سكان الحي إليها.               أ/خ

الرجوع إلى الأعلى