تعرف سوق الملابس محلية الصنع، انتعاشا ملحوظا هذه السنة، و خلافا لقطاعات عديدة أضرت بها الجائحة، كان للإغلاق انعكاسات إيجابية على صناعة النسيج و الألبسة الجاهزة في الجزائر، إذ تحقق السوق قفزة نوعية من ناحية العرض و الجودة،  و تعرف نموا يقدره المتابعون بحوالي 20 بالمئة، كما تضاعف الطلب عليها في المحلات التجارية بحوالي 40 إلى 50 بالمئة، بعدما  تراجع نشاط الاستيراد نسبيا في الفترة من جوان إلى غاية أكتوبر المنصرم، ليدخل المنتج المحلي على خط التصنيع و المنافسة.
روبورتاج  : هدى طابي
توقف الحديث عن قطاع النسيج و الملابس في الجزائر منذ نهاية تسعينيات  القرن الماضي بسبب الركود، و إفلاس المصانع، كما أن كل محاولات العودة باءت بالفشل، بسبب فقدان الثقة في كل ما هو محلي و بالأخص الملابس و الأحذية، ناهيك عن أن الورشات القليلة التي كانت تنشط في هذا المجال غير مرخصة، و تنتشر عموما في الأحياء الشعبية التي توظف عمالة غير مؤهلة و لا تقدم ما يتسحق الذكر.
  و عرقلت هيمنة الاستيراد على السوق،   كل محاولات العودة، في ظل شح الاستثمار في القطاع، و عدم توفر الآلات الحديثة و نقص معاهد التكوين، لينحصر بذلك نشاط الألبسة في خانة ضيقة تخص الحرف التقليدية، بينما تفتقر الملابس الجاهزة للجودة و للعصرنة، و لا تجد لها زبائن حقيقيين، وهو واقع بدأ يتغير نسبيا بداية من هذه السنة، بعدما أعادت الجائحة ترتيب أوراق الكثير من الورشات العائلية المصغرة و منحت نفسا جديدا لنشاطها، كما فتح لها تراجع الاستيراد، منفذا إلى السوق التي لم تكن مساهمة المنتوج الوطني فيها، تتعدى 4 إلى 5 بالمئة خلال الخمس سنوات الماضية.      
 يذكر أيضا أن عودة بعض المجمعات الصناعية الكبيرة للنشاط، على غرار  مصنع غليزان للخيوط القطنية و المجمع العمومي للنسيج         « جيتاكس»، ساعدت على استعادة ثقة  الزبون نوعا ما، في الصناعة الوطنية، كما شجعت الورشات الصغيرة، ما جعل  حصة الملابس المحلية  بالسوق الوطنيو، تنتقل  من 4 بالمئة سنة 2016 إلى 20 بالمئة في 2018، و تتراوح هذه السنة بين  40 إلى 45 بالمئة وفق تقديرات الجمعية الوطنية للتجار .
  من الأسواق الشعبية  إلى المراكز التجارية
بين استطلاع ميداني قادنا إلى عدد من نقاط البيع الرئيسية للألبسة بولاية قسنطينة، انتعاشا ملحوظا في قطاع النسيج و الملابس الجاهزة هذه السنة، إذ زادت حصة المنتوج المحلي بنسبة كبيرة على مستوى العديد من المحلات، بعدما كان تسويقه مقتصرا على الطاولات الفوضوية في الأسواق الشعبية، حتى أن هناك تجار بالمراكز التجارية الكبرى تخصصوا في بيع الملابس الجزائرية الصنع، و تأتي المعاطف و السترات في المرتبة الأولى، من حيث حجم العرض، تليها السراويل و غيرها من القطع الأخرى، بما في ذلك الأحزمة و الحقائب و الأحذية.
وجهتنا الأولى كانت المركز التجاري رتاج مول بالمدينة الجديدة علي منجلي في قسنطينة، أين أكد تجار كثر بأنهم رفعوا حصة الملابس المحلية بعدما كانوا يعتمدون بنسبة شبه كلية على المنتج المستورد، وحسب مصطفى، صاحب محل لبيع الملابس النسائية، فإن هذا الصنف تحديدا، يعتبر الأكثر طلبا، مقارنة بالملابس الرجالية، كما أن المعاطف الشتوية تعد القطع الأكثر رواجا هذا الموسم.
 محدثنا أوضح بأن جائحة كورونا أثرت سلبا على نشاط السوق، خصوصا في فترة الحجر و إغلاق المحلات، لكن الوضع بدأ في الانفراج نوعا ما، بداية من شهر أوت المنصرم، إذ استعادت التجارة حركيتها قليلا، و مع تباطؤ عملية الاستيراد، عوضت الورشات المحلية العجز في العرض، و حسن الكثير من المنتجين من نوعية سلعهم  التي باتت قادرة على منافسة المنتج التركي و التفوق عليه .
الألبسة المحلية تلتهم حصة الصين  وتكسر الأسعار
عن خلفية عودة الثقة بين المصنعين الجزائريين و التجار، أخبرنا فارس، صاحب محل بوسط المدينة، بأن غلق المجال الجوي أجبر غالبية التجار على اللجوء للإنترنت من أجل اختيار سلعهم، و لأن الكثير منهم تعرضوا للتحايل من قبل مصدرين أتراك و صينيين، و استلموا بضاعة لا تشبه ما تم الاتفاق عليه مسبقا، أو بجودة أقل مما اعتادوا عليه، فقد لجأوا للبديل المحلي، الذي تحسن بشكل كبير، حسبه، بعدما تضاعف عدد الورشات المرخصة الناشطة في المجال، و التي بات أصحابها، كما قال، يتعاملون بمنطق تجاري احترافي، على اعتبار أن غالبيتهم تبنوا الأسلوب التركي،  سواء في ما يتعلق بعصرنة التصاميم و جودة الأقمشة، أو في ما يخص  تطوير آلية التسويق « اسم العلامة و تصميم شعارها».
 و يرى التاجر، بأن هذه التفاصيل ساهمت في زيادة الطلب على الملابس الجزائرية من قبل  التجار، و كذا الزبائن بنسبة تعادل 45 بالمئة، و ذلك مقابل تراجع كبير في الإقبال على كل ما هو صيني، مع ذلك تبقى تركيا، كما قال، صاحبة حصة الأسد من سوق الملابس في الجزائر، إذ  تسيطر على 80 بالمئة منها.
خلال جولتنا لاحظنا فارقا كبيرا في الأسعار بين المنتجات التركية و الجزائرية، و اختلافا في الجودة، فبالنسبة للمعاطف مثلا، وهي القطع الأكثر طلبا في هذه الفترة، نجد صنفين تركيين، الأول بنوعية رفيعة لا تقل أسعاره عن 25 ألف إلى 40 ألف دج، وصنف ثان يتساوى تقريبا من حيث الجودة مع عينة من المعاطف المصنعة محليا، و تتراوح أسعاره بين  15ألف إلى 17 ألف دج، مقابل أسعار لا تزيد عن 5000 دج إلى 8000 دج، لذات التصاميم المحلية.
كما يوجد أيضا منتج جزائري أقل جودة أو مقبول نوعا ما، لا تتعدى أسعاره 3500 إلى  4000 دج.
 أما بالنسبة لباقي قطع الملابس الأخرى على اختلافها، بما في ذلك ملابس الأطفال، فتبدأ  أسعارها من 400 إلى 1600 دج و حتى 2000دج.
الأمهات و الطالبات أهم زبائن المنتج المحلي
 حسب تجار، فإن الفارق في الأسعار لا يرجع بالضرورة إلى الفرق في النوعية و جودة الخامات، بل يشمل عدم احتساب تكاليف الاستيراد، بما في ذلك الشحن و النقل و التوزيع و غيرها، ناهيك عن أن أصحاب الورشات و المصنعين الجزائريين، يستهدفون فئة ضعيفي ومتوسطي الدخل.
لذلك فإن أكثر زبائن هذه السلع، هم طالبات و عمال بسطاء، كما تأتي ملابس الأطفال في المرتبة الثانية من حيث الطلب، وهو واقع وقفنا عليه من خلال تتبعنا للحركة التجارية بعديد النقاط.
 ورغم التقدم الملحوظ في مجال الملابس الجاهزة، فإن الحضور الجزائري في محلات الأحذية و الحقائب ضعيف جدا، سواء من ناحية العرض أو الجودة أو الطلب، فهذا السوق لا تزال تحتكره كل من إسبانيا و تركيا و الصين، صاحبة الحظ الأوفر.
rمحمد رياض جحا صاحب ورشة ملابس
كورونا سمحت بإعادة اكتشاف جودة المنتج الوطني
وسعنا جولتنا داخل سوق الملابس لتشمل المصنعين كذلك، فكانت ورشة علامة تجارية بدأت تكتسح السوق هذا الموسم محطتنا التالية، و ذلك على اعتبار أن هذا المنتج كان من بين الأكثر رواجا في محلات المراكز التجارية، و أكثر بضاعة محلية أعربت زبونات تحدثنا إليهن خلال استطلاعنا، عن استحسانهن لها، خصوصا بالنسبة للمعاطف الشتوية.
الورشة تقع في منطقة الطرق الأربع عند مدخل المدينة الجديدة علي منجلي، وهي عبارة عن مشروع عائلي يشرف عليه الأخوان محمد رياض و نصر الدين جحا، و لاحظنا خلال زيارتنا للموقع بأن كلفة الاستثمار مقبولة.
و أوضح لنا محمد رياض في وقت لاحق، بأنه ضخ سيولة كبيرة لتجهيز مصنعه ببعض الآلات الحديثة التي تتطلبها عملية الإنتاج، وهو تحديدا ما ساهم في رفع جودة بضاعته، موضحا بأن مشكلة الملابس المحلية كانت تتعلق بشكل كبير بقدم الآلات التي طالما استخدمت في عملية التصنيع، وأن عصرنة التصاميم و مواكبة الموضة تتطلب الاستثمار بشكل أوسع في هذا المجال بالدرجة الأولى، وهو تحديدا ما قام به مطلع الألفينيات، أي بعد سنوات قليلة من دخوله مجال التصنيع.
محدثنا أوضح، بأن هيمنة الاستيراد على سوق الملابس الجاهزة في الجزائر، حالت دون تطوير الإنتاج المحلي، غير أن تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، و ما خلفته جائحة كورونا قلبا الموازين لأول مرة، و كانت هذه الظروف فرصة لإعادة اكتشاف الإنتاج الوطني، مؤكدا بأن قضية الجودة لم تعد مطروحة، على الأقل في ما يتعلق بنسبة معتبرة من المنتجات، لكن مشكل الثقة لا يزال يعيق تقدم هذا القطاع، مشيرا إلى أن عقلية المصنعين، و حتى موظفي الورشات تغيرت بشكل كبير، و أصبح التفكير أكثر احترافية وهو تحديدا ما حسن نوعية المنتج النهائي.
وقال رياض جحا، بأن الفرق بين تركيا و الجزائر، لا يكمن في نوعية الأقمشة أو القدرة على إبداع التصاميم، فالصين تعتبر المصدر الرئيسي للأقمشة نحو كل الدول، كما أن أغلب التصاميم باتت تخضع للنموذج الموحد، و ما  هو رائج.

و بالتالي فإن القصات يمكن أن تستوحى من الإنترنت، مع إضافة لمسات  تتماشى مع الخصوصية الجزائرية، تتعلق عموما بطول القطعة أو بعرضها، بالمقابل فإن تركيا استطاعت أن تتقدم في هذا المجال، بفضل سياسة دعم الورشات و المصانع،  سواء تعلق الأمر بالجباية ، أو تسهيل إجراءات استيراد الآلات الحديثة التي تمكن من انجاز بعض التصاميم المعقدة و تقدم منتجا فائق الدقة، كاشفا بأن هذه التسهيلات، دفعت بمستثمرين جزائريين، إلى فتح ورشات و مصانع في تركيا تسيطر منتجاتها على السوقين التركية و الجزائرية.
وأضاف بأن ورشته التي توظف حاليا قرابة 40 عاملا و عاملة، قادرة على رفع طاقتها الإنتاجية التي تقدر حاليا بـحوالي  3 إلى 4 آلاف قطعة في الشهر، و فتح باب أوسع للتوظيف، وذلك في حال توفرت لديه مساحة كافية للاستثمار على مستوى إحدى المناطق الصناعية بقسنطينة، خصوصا و أن الجائحة بينت الحاجة  إلى مضاعفة الإنتاج الوطني و أثبتت قدرته على منافسة المستورد.
التكنولوجيا تصنع الفارق و زيادة بـ 40 بالمئة في الطلب
خلال جولتنا داخل المكان، لاحظنا بأن عملية التصنيع تعتمد بشكل كبير على التقنية الحديثة، و عكس ورشات الخياطة التقليدية، فإن عملية التصميم و التفصيل، تتم باستخدام الحاسوب، و قد أوضح لنا نصر الدين جحا، مسؤول قسم التصميم والتخطيط، بأن التكنولوجيا تلعب دورا كبيرا في تحسين النوعية و تقليص تكلفة الإنتاج، ناهيك عن ربح الوقت، كما أن عملية تكوين اليد العاملة في هذا المجال، تعد ضرورية، و نفس الشيء بالنسبة للتخصص، فكل عامل أو عاملة معني بخط معين من خطوط الإنتاج دون غيره، وهو تحديدا ما يساعد على التحكم في النوعية و الانتباه إلى التفاصيل.
رياض، قال لنا من جهته، بأن  الفترة ما بين أوت إلى سبتمبر، حتى أكتوبر الماضيين، عرفت ذروة الطلب على المنتوج المحلي، وهو ما زاد قناعة أصحاب الورشات بقدرة بضاعتهم على المنافسة، موضحا بأن زيادة الطلب على ملابسه، سمح له بتحسين ظروف عماله، خصوصا وأن  النمو قدر بحوالي  40 بالمئة.
محدثنا ذكر بأن أصحاب الورشات، بما في ذلك ورشته، باتوا يستهدفون زبائن المحلات الكبرى و المراكز التجارية، بعدما كان الإنتاج المحلي موجها بنسبة كبيرة للأسواق الشعبية، و المرحلة الحالية قد تكون فارقة و تشجيع الدولة للصناعة الوطنية، من شأنه أن يوسع شبكة الإنتاج لتشمل عددا من التخصصات المهنية و الحرفية ذات الصلة، بما في ذلك نشاط تصنيع و تركيب الأزرار و المشابك و خيوط النسيج و الأصباغ و غيرها.
الغش يكسر الثقة في المنتج المحلي
يطرح من جهة أخرى مشكل الثقة في الملابس المحلية بشكل كبير، كما قال المستثمر، فثقافة المستورد مسيطرة على عقلية الزبون الجزائري و غالبا ما يعتقد بأن كل منتج مستورد  مثالي ، مع أن الحقيقة غير ذلك، فهناك عدة أصناف تدخل السوق الوطنية، و من بينها ما يقل جودة عن الملابس المصنعة محليا، لكن أسعارها أغلى بـ 10 إلى 20 بالمئة.
وهنا يقول المتحدث بأن التجار يتحملون جزءا من المسؤولية، فهناك من يبيعون منتجات جزائرية ذات جودة على أنها تركية، في محاولة منهم لإرضاء الزبون، بالمقابل أخبرنا بأن بعض التجار الأتراك عبروا مرارا عن إعجابهم بنوعية و جودة المنتجات الجزائرية، بما في ذلك المعاطف التي يصممها مصنعه.
rرئيس الجمعية الوطنية للتجار حاج الطاهر بولنوار
السوق انفتحت نسبيا  على الإنتاج الوطني
أكد رئيس الجمعية الوطنية للتجار حاج الطاهر بولنوار، بأن جائحة كورونا خدمت فعليا قطاع الملابس في الجزائر، فهذه السوق التي كانت تعتمد على الاستيراد من و تركيا و  تونس و الصين و أمريكا اللاتينية بنسبة 80 بالمئة، انفتحت نسبيا على المنتوج الوطني، لتحقق بذلك نموا قدر في ظرف سنة واحدة بحوالي 20 بالمائة، بعدما كانت المساهمة المحلية خلال الخمس سنوات الماضية لا تتعدى 5 بالمئة.
وقال بولنوار بأن التباطؤ في حركة الاستيراد خلال الأشهر الأولى من الحجر، شجع  ورشات التصنيع المحلية و غالبيتها ورشات مصغرة، على رفع إنتاجها، ما دفع بالتجار إلى اللجوء إلى الملابس الجزائرية الصنع كبديل ، خصوصا و أن هذه المؤسسات المصغرة  التي يزيد يقدر عدد الورشات المرخصة بينها، عن 3 آلاف ورشة على المستوى الوطني، استثمرت جيدا في الجائحة وبدأت تهتم بشق التكوين و اغتنمت الفرصة لخلق منافسة  سمحت بتحسين النوعية، كما ضاعفت حجم العرض و استطاعت أن تغطي نسبة مقبولة من الطلب.
و تأتي صناعة الألبسة النسائية و ملابس الأطفال في المرتبة الأولى من ناحية حجم العرض، تليها ملابس الرجال، و بالأخص الأطقم الكلاسيكية، و الملاحظ، حسب رئيس الجمعية الوطنية للتجار، بأن الصناعة الوطنية استطاعت أن تكسب ثقة الزبون من جديد ، أو على الأقل نسبة لا بأس بها من الزبائن، و هو ما دفع هيئته لرفع اقتراح يسمح بترقيتها  و تشجيعها، و يتعلق بأهمية التهيكل في شكل تعاونيات تضم 10 الى 15 منتجا، لأن من شأن ذلك أن يوسع خطوط الإنتاج و يضاعف حصة هذه البضائع في السوق. كما دعا بولنوار الدولة إلى الاهتمام أكثر بهذا القطاع الواعد و الذي تقدر تداولاته في بلادنا بحوالي 4 مليار دولار، من بينها 3 ملايير هي قيمة ما يتم استيراده، وقال المتحدث، بأن الوقت قد حان لتهتم مراكز التكوين المهني بقطاع النسيج و توفر مجالات أوسع للتربص، ستسمح  مستقبلا بتحسين النوعية وتقليص التكاليف، كما أن تطوير شبكة التوزيع أصبح ضرورة ملحة كذلك، لكي نتمكن من بعث الصناعة المحلية للألبسة، خصوصا و أننا نتحدث، كما عبر، عن قطاع توظيف واسع، من شأنه أن يستوعب نسبة كبيرة من اليد العاملة.                          هـ/ ط  

الرجوع إلى الأعلى