سوق العصر يفقد عبقه و حركيته
يشهد سوق العصر أحد أقدم أسواق قسنطينة الشعبية و أعرقها، تدهورا ملفتا بسبب غياب التهيئة الخارجية وفوضى أسلاك الكهرباء الموصولة بطريقة عشوائية بين بنايته المتهاوية و محلات الأقمشة وكذا أكواخ الصفيح التي يشغلها تجار الخضر و الفواكه،بينما تسبب غياب النظافة في فقدان السوق لنسبة كبيرة من زبائنه كما أكده تجار و باعة.
ربورتاج / أسماء بوقرن
السوق الذي كان يطلق عليه سابقا اسم « حبيب الزوالي» لملاءمة أسعاره  فقد أهميته التجارية بعدما عزلت المنطقة نسبيا عقب غلق مسجد سيدي الكتاني و توقف خطوط الترامواي، وهي وضعية استدعت فعليا تدخل البلدية لدراسة مشروع تهيئة و رد اعتبار للمكان، مع ذلك يبقى مشكل النظافة مطروحا دائما بسبب الرمي العشوائي، بحسب ما أكده ممثلون عن  مؤسسة «سوبت» للنظافة و التطهير.
قادتنا مؤخرا جولة ميدانية إلى السوق المتواجد بساحة بوهالي السعيد في قلب مدينة قسنطينة، أردنا أن نقف على واقع السوق القديمة و على وضة تجارها وكيف أثرت الجائحة على نشاطهم، حين وصولنا صدمنا فعليا لوضعية الموقع  الذي تدهور بشكل كبير في ظرف سنة واحدة، كما لاحظنا بأن الحركية قلت، مع ذلك كانت أصوات الباعة تتعالى وطاولات الأعشاب العطرية و الإكسسوارات و الخضر والفواكه تتجاور  جنبا إلى جنب مع ما بقي من محلات الأقمشة و الزرابي و المفروشات المنزلية،  بدا جليا بأن عدد طاولات البيع قد انخفض إذ لم يتبق  منها سوى اثنتين عند المدخل المجاور لدار الإمام،  فيما خصص الفضاء المحاذي للمؤسسة لجمع النفايات، مع ذلك فقد كانت القذارة تعم المكان بشكل صادم بسبب بقايا الخضر والفواكه المرمية أرضا و كم البرك الموحلة المنتشرة على امتداد مساحة السوق و عبر كل ممراتها، كل ذلك في ظل انعدام تام لحاويات جمع القمامة، ما خلف مشهدا منفرا و عقد من وضعية التجمع التجاري القديم و أفقده زبائنه كما أكده لنا تجار تحدثنا إليهم.

مربعات مهجورة وتوصيلات عشوائية    
تدهور وضعية السوق لا يتوقف عند مشكل النظافة فحسب، و إنما يشمل أيضا اهتراء سقف المربعات التجارية التي يشغلها تجار الخضر، فالصفيح ظهرت به   ثقوب لشدة الاهتراء بما يسمح بتسرب مياه الأمطار الى داخل منطقة النشاط، وهو ما أثر سلبا على بضاعتهم و على صحتهم كما عبروا، خصوصا وأنهم لم يجدوا بديلا آخر لحل المشكل ، سوى سد الثقوب باستعمال زرابي و صفائح خشبية و خرق من القماش و البلاستيك، استخدموها لمنع  تسرب المياه و حماية سلعتهم من التلف، ناهيك عن تجنب حدوث شرارة كهربائية قد تنجم عن تضرر الأسلاك الموصولة بصفة عشوائية من المحلات نحو مربعات البيع في صورة توحي بأن كارثة محتملة قد تحدث في زمن قريب، إن استمر الوضع على ما هو عليه.
تحدثنا مع باعة السوق عن الوضع وسألناهم عن سبب فوضى الكهرباء فبرروا ذلك بغياب الإنارة العمومية، مؤكدين بأنهم اضطروا للاعتماد على « البريكولاج» لأجل توفيرها و الاستمرار في العمل، خصوصا وأن تجارتهم تحتضر بسبب تراجع الحركية و هجران الزبائن للسوق، فالنشاط تراجع بالنصف كما عبروا، وهو واقع وقفنا عليه فعاليا خلال تواجدنا في المكان، فالمتسوقون كانوا يعدون على رؤوس الأصابع و الأروقة بدت شبه خالية، وهو ما دفع بالكثير من التجار إلى التوقف عن العمل و مغادرة السوق نحو وجهات أخرى، بينما وضب آخرون طاولاتهم و تركوا صناديق فارغة فوقها في إشارة منهم لتعليق العمل، و قد بلغ عدد الطاولات التي توقف نشاطها في الرواق السفلي فقط 12 طاولة من أصل 18 ، فيما انسحب آخرون بمعدل يتراوح من طاولتين إلى  إلى أربع  فارغة في كل رواق، و بهذا الخصوص، أوضح لنا من تحدثت إليهم، بأنه من مجموع 126 طاولة لعرض السلع، كانت تشغل السوق سابقا، لم يتبق  اليوم سوى القليل وأن شكل الصناديق الفارغة بات يشوه محيط المربعات التجارية.
الترحيلات تأخذ معها زبائن سوق «الزاوالية»

وحسب  كمال عميراوي بائع أعشاب عطرية بسوق العصر، فإن السبب الرئيسي وراء تراجع الحركية بسوق العصر، هو العزلة التي فرضت عليه عقب غلق مسجد سيدي الكتاني و توقف محطة التيليفريك، فهذا الفضاء الذي كان وجهة مفضلة لأبناء قسنطينة سابقا و الذي حافظ على زبائنه طيلة 40 سنة، فقد رمزيته الاجتماعية و مكانته التجارية، وصورته تغيرت كثيرا بين الأمس و اليوم على حد تعبيره، وذلك بسبب غياب النظافة و تغير ذهنيات التجار، ناهيك عن أن الترحيلات  ، أفرغت المدينة من سكانها و بالتالي قلصت من عدد زبائن السوق المعروفين على غرار  قاطني حي الأمير عبد القادر «الفوبور» و « الفج»، مع ذلك قال محدثنا بأن النشاط ينتعش قليلا في الفترة الصباحية عكس المساء.
من جهته قال بائع للأسماك، بأنه قضى أكثر من 20 سنة في السوق و أن التجارة كانت مزدهرة جدا فيه سابقا، بفضل زبائن كانوا يقصدونه من  وسط المدينة والبلديات المجاورة، لأجل ملائمة الأسعار و لجوه الخاص و حميمية موقعه و تاريخه و رمزيته الاجتماعية، بوصفه أقدم سوق شعبي  للخضر و الفواكه، لكن كل ذلك انتهى اليوم، فقليلون جدا هم الأوفياء لسوق العصر،  كما قال، داعيا البلدية إلى التدخل العاجل لتهيئة الموقع وانقاد ما تبقى منه.
أما صالحي حسين و هو شيخ في الثمانينيات من العمر قابلناه هناك،  فأخبرنا  بأنه يزاول نشاطه في بيع الخضر منذ 50 سنة ، و بأن السوق مهمل من قبل السلطات، بدليل أن أرضيته تضررت و سقفه آيل للسقوط لكن لا أحد حرك ساكنا، بدوره قال أنور بومزبر، بأنه يستأجر طاولة في السوق مقابل سعر 5 آلاف دينار، لكي يسترزق منها لكن البيع شحيح هذه الأيام، مشيرا إلى أن كل تدخلات المسؤولين اقتصرت على وعود أطلقوها خلال تحضيرات تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافية العربية، لكنها لم تجد طريقها إلى التفعيل، مضيفا بأن معاناة التجار تتضاعف خلال فصل الشتاء بسبب الأمطار، فبرك المياه والوحل تعيق حركة الزبائن و تدفع بهم لتجنب المكان، خصوصا وأن منهم من سقطوا أرضا في عديد الحالات بسبب وضعية الممرات الداخلية، وهو واقع لم يتغير منذ أكثر من خمس سنوات، وبات أسوء بعد غلق المسجد الذي كان قبلة لعدد كبير من أبناء المدينة.
نور الدين وهو بائع خضر، دعا من جانبه إلى ضرورة تزويد السوق بالإنارة العمومية، لتجنب حدوث كارثة سببها عشوائية التمديدات الكهربائية التي لجأ إليها الباعة والتجار، كما طرح أيضا مشكل المرحاض العمومي الذي أصبح استعماله خطرا على الصحة كما قال.
خلال جولتنا، قابلنا السيدة فضيلة وهي واحدة من أبناء المدينة الأوفياء للسوق قالت بأنها تقطن بحي الأمير عبد القادر، و بالرغم من تقدمها في السن إلا أنها تجد في زيارة سوق «الزوالي»    متعة كبيرة لملائمة أسعار بضائعه ناهيك عن معرفتها القديمة بغالبية التجار، فهم كما قالت يتركون لها حرية انتقاء ما تشاء من الخضر و الفواكه و حتى الأسماك لذلك فإن وضعية المكان تحز في نفسها كثيرا.
كمال بريرش مكلف بالممتلكات جو المالية ببلدية قسنطينة
مشروع تهيئة  قيد الدراسة
تواصلنا مع مسؤولين ببلدية قسنطينة للاستفسار عن وضعية السوق، فأكد لنا كمال بريرش، نائب  مكلف بالممتلكات و المالية ببلدية قسنطينة،  ، بأن مشروع تهيئة سوق العصر يوجد حاليا قيد الدراسة، موضحا بأن مصلحته تسعى لحل مشكل شبكة الكهرباء، و ذلك بعد أن تعد شركة سونلغاز دراسة تقنية مفصلة عن الوضع، فيما وعد بمباشرة دراسة تقنية أخرى لمعرفة أسباب الانزلاقات المسجلة على مستوى الحي عموما، وذلك لأجل اقتراح لحلول نهائية  لمشكل تضرر الأرضية.  و بخصوص وضعية بناية المحول الكهربائي التي باتت تهدد حياة السكان بعد ميلانها الملفت، وعد المتحدث، بإرسال لجنة تقنية لمعاينة المحول وإعداد مراسلة لمؤسسة سونلغاز، من أجل التدخل العاجل لحل المشكل.
رئيسة دائرة تسيير النفايات بمؤسسة « سوبت» 
الرمي العشوائي  خلف مشكل نظافة
و من جانبها أكدت رئيسة دائرة تسيير النفايات بمؤسسة « سوبت»، للنصر، بأن هناك معاينة يومية للسوق تتم خلال الفترة المسائية بعد انتهاء دوام التجار، لأجل  تنظيف الموقع من خلال تجميع النفيات في نقطة واحدة لتتمكن شاحنة رفع القمامة من شحنها.
 

وفي ما يخص مشكل انعدام حاويات النفايات داخل محيط المربعات التجارية، أوضحت بأن توفير هذه التجهيزات يقع على عاتق البلدية، مشيرة إلى أن المؤسسة حاولت مرارا تزويد السوق بالحاويات غير أن التجار و الباعة الفوضويين لا يلتزمون حسبها، باستخدامها ويفضلون الرمي العشوائي، وهو سلوك يتكرر يوميا وكل صباح خلال قيام الباعة بفرز بضائعهم.
أ ب

الرجوع إلى الأعلى