أسماء تركية و إغريقية و فارسية تكتسح سجلات الحالة المدنية
لم يسلم معجم الأسماء الجزائرية من تأثيرات العولمة و الغزو الثقافي، و خرجت عملية اختيار اسم المواليد من إطار العائلة الكبيرة، لتنحصر بين الأم و الأب، فأصبحت الأسماء الأجنبية، سواء التركية واليونانية، الأكثر رواجا، رغم أن بعض هذه الأسماء غريبة، و قد تحمل معاني غير محبذة، و مكروهة، تتنافى مع القيّم الدينية و الهوية الوطنية، في حين تشهد الأسماء القديمة و التقليدية تراجعا كبيرا.
هيبة عزيون
أولياء في رحلة بحث عن أسماء لمواليدهم
يبحث الكثير من الآباء و الأمهات عن أسماء مميزة و أخرى غريبة، لإطلاقها على مواليدهم الجدد، ليكونوا متميزين بين أقرانهم و في العائلة، حيث قالت السيدة أمينة - ب، مراقبة بإحدى الثانويات بحي الزيادية، و أم لثلاث فتيات إنها أطلقت اسم ميرال على ابنتها  الصغرى، صاحبة تسعة أشهر ، لأنها أرادت أن تحمل طفلتها اسما مميزا ،
و رغم رفض زوجها إلا أنها أصرت عليه، و بعد بحثها عن معناه تبين لها أنه غير مكروه.  و للدراما التركية تأثير كبير في ظهور موجة الأسماء التركية و كذا العربية القديمة، نتيجة عامل الدبلجة، فكان اسم نور و مهند الأكثر تداولا ببلادنا في فترة معينة، تيمنا ببطلي المسلسل التركي الشهير، و قالت عبلة - ز، ربة بيت، و أم لطفلتين، إنها أطلقت اسم نور على إحدى ابنتيها.
 في حين اختارت السيدة س- ل، ربة بيت تقطن بحي سيدي مبروك،  اسم  بيبرس لابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات، متأثرة ببطل مسلسل تاريخي تركي مدبلج، و ليس ببطل كتب التاريخ.
و خلال السنتين الأخيرتين انتشرت بقوة الأسماء الغريبة، مثل لمار، ميليا و رواد و غيرها من الأسماء صعبة النطق و غير المتداولة، حيث قالت السيدة إيمان-ل من بلدية الخروب، إنها و زوجها اختارا اسم نورسين لابنتهما وهو اسم أعجمي يعني ضوء القمر، كما يعني نوع من الزهور البرية، مشيرة إلى أنها كانت ترغب أن يكون لمولودتها الأولى اسما مميزا، اعتقادا منها بأن اسم الشخص له تأثير كبير على شخصيته في المستقبل.
وهناك أولياء يختارون أسماء إغريقية، لكن البعض منهم لا يدركون معناها الحقيقي، و قد تحمل معاني لا يعرفون مغزاها كأسماء آلهة، و هنا قالت السيدة ماريا -ط من حي بوالصوف، إنها تفاجأت بعد أشهر من إنجاب
ابنتها " يارا"، أن الاسم   يرمز لآلهة كنعانية، و قد تقدمت بطلب إلى وكيل الجمهورية لتغييره و هي في انتظار الرد، فيما أصبحت بعض العائلات مؤخرا تفضل الأسماء الامازيغية.
 قالت نور الهدى -ط إنها اختارت اسم سيليا لتطلقه على ابنتها البكر، صاحبة الثلاث سنوات، بحكم جذور حماتها الأمازيغية من جهة، وحبها للأسماء الأمازيغية من جهة ثانية، كونها ترمز عموما للطبيعة و جمالها، و بعد بحث حثيث وقع الاختيار على اسم سيليا الذي يعني صغير الغزال، غير أنها فضلت عدم تكرار التجربة مع ابنها الثاني و فضلت أن يحمل اسما بسيطا ليكون سهل النطق، و الملاحظ أن عديد الأولياء يفضلون الأسماء المتداولة البسيطة.

* علي بن هنة رئيس مصلحة الحالة المدنية ببلدية الخروب
85 بالمئة من الأسماء الجزائرية الأصيلة اختفت من السجلات
قال رئيس مصلحة الحالة المدنية  ببلدية الخروب علي بن هنة، أن  الكثير من الأسماء الجزائرية الأصيلة اختفت من سجلات الحالة المدنية  بنسبة  85 بالمئة ، و هو ما يلاحظه يوميا، في إطار عمله كرئيس مصلحة في بلدية الخروب، ثاني أكبر مقاطعة إدارية في ولاية قسنطينة،  حيث بلغ عدد المواليد الجدد  بها خلال العشر سنوات الأخيرة من 2010 إلى 31 ديسمبر 2019 ، أزيد من 59 ألف مولود جديد.
و في حديثه للنصر قال بن هنة، إن العائلات تخلت بشكل واضح عن الأسماء القديمة التي كانت مشهورة في الجزائر، و لها خصوصية اجتماعية و ثقافية أو دينية، مثل اسم عاشور، رمضان، خديجة و عائشة، و حلت مكانها أسماء تركية و إغريقية و أخرى فارسية، و حتى غربية، مثل ميار، ألمار، روان، كاتيا و أناييس، و حتى المركبة ذات اسمين أو ثلاثة مثل ساجدة آلاء الرحمان و رسيم سراج الدين و غيرها.
و أصبحت الأسماء التركية  الأكثر رواجا  خلال الخمس سنوات الأخيرة، حيث  تفضل الأمهات غالبا أن تطلق اسم بطل او بطلة مسلسلها المفضل على مولودها، و خلال 20سنة من عمله في المصلحة، لاحظ بن هنة أن  للأحداث التاريخية و الرياضية و السياسية و الثقافية، دور في ظهور أو اختفاء بعض الأسماء و اختيار بعض الآباء أسماء أبنائهم.  في الفترة من الثمانينيات إلى التسعينيات، كانت الأسماء المصرية الأكثر انتشارا على غرار رأفت، يسرى، جيهان و صابرين، و بين سنة 91 إلى 92 كان اسم حسين أو صدام حسين، منتشرا بين الذكور، بسبب حرب الخليج، و من سنة 2005 إلى يومنا هذا، راجت الأسماء التركية و السورية مثل مهند و نور و لميس، في ظل غزو القنوات الفضائية و الانتشار الواسع للتكنولوجيا، إلى جانب انتشار أسماء الرياضيين حسب المتحدث.
عدم توفّر سجل رسمي للأسماء صعّب مهام كتاب الحالة المدنية
أكد بن هنة أن كتاب الضبط بمصالح الحالة المدنية، كثيرا ما يدخلون في صراعات مع  مواطنين  يرفضون تغيير بعض الأسماء التي تتنافي مع الهوية الوطنية و  القيم الدينية، أو تكون مسيئة للطفل ،  و هنا يتم الاستعانة بوكيل الجمهورية بصفته  المسؤول الأول عن سجلات الحالة المدنية و له سلطة التقدير و القرار ، ووفقا للدفتر العائلي و الوثيقة المستخرجة من مكتب المواليد بمصلحة الولادة ، يقوم كاتب الضبط بداية بالتحري عن معنى الاسم، و في حال وجود أي مشكل يطلب من الولي استبداله بآخر، و في حال رفضه يفصل وكيل الجمهورية مباشرة في الأمر،  و هو حال سيدة اختارت اسم « ديالا»  لمولودتها و تبين أنه يطلق عادة على أنثى الكلب في الكثير من الدول الأجنبية،  و على أساس ذلك رفض كاتب الضبط تدوينه و استعان بوكيل الجمهورية لإقناع الأم بالعدول عن قرارها، و تم استبداله في النهاية باسم عربي.
في المقابل هناك بعض الأولياء يقصدون مصالح الحالة البلدية بغرض تغيير الاسم الذي أطلقوه على المولود الجديد، بعدما تبين  أنه يحمل معنى مكروها أو قد يسيء مستقبلا للطفل ، و في الحالتين يتم إيداع طلب لدى وكيل الجمهورية  مرفوقا بملف خاص ليصدر قرار التغيير، كما أن بعض المواطنين يرغبون في تغيير أسمائهم  وهو حال الطفلة زبيدة ، صاحبة 15  ربيعا،  التي أصبح اسمها بعد التغيير ملاك .
و اعتبر المتحدث أن عدم وجود سجل خاص بالأسماء  صعب من مهام كتاب الضبط بالحالة المدنية  ، و حاليا هم بصدد ضبط قائمة مواليد آخر عشر سنوات، تطبيقا لتعليمات وزارة الداخلية التي دعت مختلف مصالح الحالة المدنية للبلديات بتحضير هذه القوائم، إضافة إلى قوائم أخرى تم جردها  قبل حوالي خمس سنوات، تحمل الأسماء الجديدة منها الأمازيغية ، و هذا ضمن مشروع التحضير للفهرس الوطني للأسماء الجزائرية.

* آمال طابي قابلة بالمستشفى الجامعي
« محمد» الاسم الأكثر استعمالا خلال الأشهر الأخيرة
قالت آمال طابي، قابلة بمصلحة التوليد بالمستشفى الجامعي الحكيم ابن باديس بقسنطينة، إن  انتقاء اسم المولود كثيرا ما يؤدي إلى خلافات داخل قسم الولادة بين الزوجين  إذ يرفض الزوج غالبا الاسم الذي اختارته الزوجة  ، و أحيانا أخرى مع الطاقم شبه الطبي،  حول طريقة كتابة الاسم المختار في ظل موضة  الأسماء الحديثة  في السنوات الأخيرة،  منها تركية و أجنبية و أخرى لا تخلو من الغرابة، مثل أسينات و ميس لريام و غيرها ، و تسجل القابلة اسم المولود في استمارة سجل المواليد، استنادا  لما تقدمه الأم أو الأب من معلومات.
و أضافت المتحدثة للنصر، أنه خلال الست  سنوات الأخيرة ، انتشرت الأسماء التركية و حتى العربية القديمة ، و بعض الأسماء ذات الدلالات الإغريقية و الرومانية، و كذلك الأسماء المركبة، هذه الأخيرة تراجعت هذه السنة،  كما لاحظت خلال عملها المباشر في مصلحة التوليد، فالكثير من الأولياء أصبحوا لا يختارون  الأسماء الثنائية و الثلاثية  ، بالمقابل عاد اسم محمد بقوة في الأشهر الثلاثة الأخيرة ، مقابل تراجع كبير للأسماء الجزائرية القديمة.

* مراد عشي أستاذ في علم الاجتماع
التّيمن بأسماء المشاهير و الفنانين يعزّز الانسلاخ الاجتماعي
يرى أستاذ علم الاجتماع مراد عشي، أن موضة الأسماء العصرية من شأنها المساهمة ولو نسبيا في الانسلاخ الاجتماعي للفرد الجزائري، فبعض الأطفال ممن يحملون أسماء مشاهير و مغنيين، و حتى سياسيين، يتأثرون بهم و يجعلون منهم قدوتهم في المستقبل.
 كما أن اختيار تسمية المولود في حد ذاتها، ساهمت في التباعد الاجتماعي، حسب المتحدث، ففي الماضي كان أفراد العائلة يتشاركون انتقاء اسم الوافد الجديد على العائلة، أما اليوم فينحصر الأمر بين الزوجين فقط، و غالبا ما يسبب ذلك حساسية في العائلة، و حتى عادة التيمن بأسماء كبار العائلة، خاصة المتوفين منهم، اختفت و حل محلها أسماء المشاهير والفنانين.
و أضاف الأستاذ مراد عشي أن عملية اختيار الاسم في القديم، كان لها عدة أبعاد اجتماعية  و دينية و حتى بيئية ، أما اليوم فهي من أجل التمييز و التباهي في المجتمع، و قد تحمل مدلولات غريبة و حتى مكروهة من الناحية الدينية و الاجتماعية  ، و قد لا يعير الآباء أهمية لاختياراتهم و ما ستحمله في المستقبل للطفل الذي سيكون عرضة للتنمر الاجتماعي، و المحاكم تعالج مئات طلبات تغيير الأسماء ، بينما  يتجنب الآباء الجدد إطلاق الأسماء الجزائرية القديمة على أطفالهم، و يفضلون عليها الأسماء العصرية و الدخيلة و غير المعروفة التي لا  تخلو من الغرابة، رغم ما تحمله من معاني قد تكون خطيرة.

الرجوع إلى الأعلى