يتذكر السواد الأعظم من أبناء جيل السبعينيات و الثمنينيات إلى غاية نهاية التسعينيات، أسماء ماما نجوى و حديدوان و طاطا ليندة التي ترمز إلى برامج ترفيهية تثقيفية، تربى عليها الأطفال، و كانت بمثابة مواعيد قارة، تكرس حق الطفل في الإعلام و تحقق معادلة الإنتاج النوعي و المحتوى المناسب ثقافيا و تربويا، غير أن قطيعة ما حدثت في مرحلة معينة من عمر إعلامنا، شحت خلالها برامج الطفل بشكل كبير، و غاب عنها المحتوى الهادف، ليحل محله منتج مستورد يتنافى مع القيم المجتمعية و يروج للعنف و للعزلة الاجتماعية، على غرار ما تحمله الرسوم المتحركة التي تبثها بعض القنوات المتخصصة من أفكار و مفاهيم دخيلة، ناهيك عن خطر فيديوهات قنوات الأطفال على يوتيوب التي يشاهدها ملايين الصغار بشكل بات أقرب للإدمان.
إعداد: هدى طابي
شـح الإنتـاج الوطني..
يذكر أن الجزائر أنتجت في السنوات الماضية بعض الأفلام، منها ما بث على قنوات التليفزيون الجزائري، وحظي بمتابعة كبيرة على غرار رسوم « أدرار13 الأمير باديسان» و « المفتش الطاهر»، كما طبعت عناوين كثيرة حياتنا، فمن منا لم يكبر على سماع بعض البرامج الإذاعية و مشاهدة برامج تليفزيونية من قبيل « نادي الأطفال›› ، «ظهيرة الاثنين» ،»الحديقة الساحرة»و «سميرة و الفتيات العجيبات»، ناهيك عن الفقرات القارة التي كانت تخصص للأطفال في برنامجي «صباحيات» و «مساء الخير»، و التي كانت تقدم محتوى مدروسا يتماشى مع مفاهيمنا الاجتماعية و قيمنا، وكانت قادرة في مرحلة معينة على إشباع حاجة الطفل للإعلام،  لكن القنوات الجزائرية فقدت البوصلة في السنوات الأخيرة، و لم تجار سرعة التدفق الإعلامي الذي خلفته ثورة الأقمار الصناعية، ليضيع بذلك جيلا كاملا بين قنوات منها ما هو عربي و منها ما هو غربي، إذ فقد الطفل الجزائري هويته وسط كم كبير من المفاهيم و القيم و العادات و الأفكار المستوردة و الهجينة.
و يبدو أن مشكلة برامج الطفل في بلادنا، لا تتوقف عند شح الإنتاج الوطني الذي يربطه متابعون بتكلفة الإنتاج العالية، بل تشمل عدم فرض الرقابة على بعض ما يعرض في القنوات الخاصة، بدليل أن فيلما كرتونيا يروج لأفكار دينية غريبة، يبث حاليا عند الخامسة مساء عبر إحدى من هذه القنوات.  يستمر هذا التغييب لحق الطفل في الإنتاج السمعي البصري، في وقت تبنت عديد القنوات العربية غير المتخصصة، إستراتيجية جديدة لإنتاج محتوى يتماشى مع طبيعة المجتمعات التي تنبثق منها، سواء تعلق الأمر بصناعة الرسوم المتحركة أو ترجمتها إلى اللهجات المحلية، على غرار ما قامت و تقوم به قنوات مصرية و سعودية.
العنف لغة أغلب الرسوم المتحركة المستوردة
تقدم أغلب برامج الكرتون التي تعرض اليوم، عبر القنوات المتخصصة، صورا مشوشة عن طبيعة الإنسان و نوعية العلاقات بين الأفراد، و تروج لمفاهيم مختلفة، منها ما يتعارض مع طبيعة مجتمعنا وحتى الطبيعة الانسانية.هذه البرامج لم تعد بنفس نوعية ما كان يبث في سنوات الثمانينيات و التسعينيات، على غرار مسلسل «في جعبتي حكاية»  الذي كان يقدم كلاسيكيات الأدب العالمي مثلا، فالملاحظ اليوم أن العنف و الاقتتال يغلبان على معظم البرامج الحديثة، حيث  يرى مختصون، بأن ما يشاهده أبناؤنا اليوم خطير، من حيث انعكاساته النفسية و التربوية، مشيرين إلى أهمية إنتاج محتوى وطني مكيف، وذلك عبر فتح قنوات متخصصة في هذا الشأن، و التأسيس لسياسة وطنية أو خريطة ثقافية وطنية، للتكفل باحتياجات الطفل الثقافية والتعليمية و التوجيهية، وتطبيق مبدأ حق الطفل في الاتصال، و التوقف عن تصنيف هذه الفئة من المشاهدين في خانة « الجمهور الثانوي».
ما عدا البرامج التي يوفرها التلفزيون الجزائري و التي تدخل في إطار الخدمة العمومية، يبقى هذا النوع من البرامج و الأفلام غائبا عن أغلب القنوات التي انبثقت عن الانفتاح الإعلامي، و حتى و إن وجد، فإنه يكون شحيحا في الغالب، لأن المواضيع التي تخص الطفل، لا تعرض خلال أوقات الذروة، نزولا عند رغبة المعلنين الذين يتحكمون في عصب الإنتاج و يبخلون على الطفل لأسباب نفعية وتجارية ربحية.
المشاهد لنوعية البرامج التي تقدمها أكثر القنوات استقطابا للأطفال الجزائريين، على غرار «سبيس تون»  و» أم بي سي 3» و «سي أن بالعربية»، يلاحظ بأن أغلب البرامج المستوردة من الغرب و كوريا و اليابان، على غرار رسوم « المونغا»، تروج للعنف و الاقتتال الذي ينمي الميول العدوانية عند الصغار، كما أنها تتضمن إيحاءات جنسية واضحة، و تقدم الإنسان بصورة غير مقبولة، كأن يعرض برأس كلب و جسد بشري، كما  تجسد ميلا إلى إخراج العلاقة بين الإنسان والحيوان عن إطارها الطبيعي.
قنوات يوتيوب خطر من نوع آخر
نوع آخر من البرامج تغفل الأسرة الجزائرية عن خطره على أبنائها، و يتعلق الأمر بما يعرض عبر قنوات يوتيوب الخاصة بالأطفال، و التي تضاعف عددها بشكل كبير،  نظرا لحجم الإقبال المتزايد على مشاهدتها، فهذه القنوات أصبحت حل الأولياء الأسهل لإلهاء أبنائهم دون الانتباه لطبيعة ما يعرض عبرها من محتوى غير مناسب.إلى جانب اللغة العنيفة و غير المناسبة، هناك ميل لتكريس التوجه الربحي، من خلال السعي لرفع نسب المشاهدة على حساب المحتوى و هو ما يحذر منه مختصون في الإعلام و التربية النفسية، فما يقدم عبرها عادة، هو عبارة عن فيديوهات دون هدف، تصور تصرفات عدوانية و شجارات بين الأطفال و تعرض منتجات جديدة من ألعاب و مواد استهلاكية و غيرها، كما أن هناك فيديوهات تبسط السلوك السيء و تقدم الحماقات على أنها أفعال عادية، تستوجب الضحك و تهدف لبث المرح و غير ذلك.  يذكر  في هذا الصدد،  بأن هناك قنوات تعدى عدد متابعيها مئة مليون مشترك، على غرار قناة الشقيقين الروسيين « ديانا و روما»، حيث تحقق فيديوهاتهما ما يزيد عن50 مليون مشاهدة في بعض الأحيان، و تأتي في المرتبة الثانية قناة الطفلة العراقية شفا  التي يتابعها 24 مليون شخص، و التي تتعدى نسب متابعتها ما تحققه فيديوهات بعض الأطفال الجزائريين المبدعين.

* عمار بورويس مدير الإنتاج بالتلفزيون الجزائري
نشجع إنتاج الرسوم المتحركة الجزائرية مراعاة للخصوصية الثقافية
أكد مدير الإنتاج بالتلفزيون الجزائري، عمار بورويس، بأن قنوات المؤسسة و عددها ثمانية، تلتزم بتخصيص حيز من الشبكة البرامجية للأطفال، وذلك في إطار تقديم خدمة عمومية تحترم حق الطفل في الإعلام، مشيرا إلى أن ما يقدم للأطفال عبر التلفزيون، محمي من الإشهار و يخضع لبرمجة زمنية مدروسة، تراعي مواقيت البث المناسبة للصغار و هي عموما برمجة خارجة عن أوقات الذروة، لأنها لا تخضع لأي منطق ربحي تجاري تنافسي، مضيفا، بأن احتمال إطلاق قناة تاسعة موجهة لهذه الشريحة، غير وارد في الفترة الحالية، لكن في مطلع سنة 2021، ستدخل قناة شبابية جديدة حيز البث.
و قال المسؤول بالتلفزيون، بأن الحجم الساعي المخصص للأطفال في شبكة التلفزيون الجزائري جد معتبر، حيث يختلف نوع البرامج، حسب طبيعة و محتوى القناة، إذ تعتبر قناة المعرفة الأكثر عطاء، في هذا الجانب، نظرا لتنوع المحتوى التثقيفي الترفيهي التربوي الذي يبث عبرها، مضيفا بأن مديرية الإنتاج بالتلفزيون، تحصي ثلاثة أنواع من البرامج الخاصة بهذه الفئة، منها ما هو منتج على مستوى المؤسسة، على غرار برنامج   « براءة شو»، الذي يعتبر تجربة أولى من نوعها، على اعتبار أنه موجه للأطفال و ينشطه أطفال، مدته ساعة كاملة و يبث بمعدل مرة كل أسبوع.و توجد برامج أخرى يشتريها التليفزيون من الخواص مثل برنامجي « مع عمو يزيد» و «يزيد شو»، و هي في العموم برامج ترفيهية ذات بعد تثقيفي تربوي، كما ذكر المتحدث نوعا ثالثا من البرامج و هي الأفلام والرسوم المتحركة التي تشترى من الخارج، و تقدم باللغة العربية، بهدف التعليم و تلقين الفصحى للصغار، كما أنها تخضع لرقابة لجنة انتقاء صارمة، تشترط توافق محتواها مع خصوصية المجتمع الجزائري و قيمه.  حسب المتحدث، فإن التوجه نحو ترجمة بعض الرسوم إلى العامية أو الدارجة البيضاء، أمر غير مطروح في المرحلة الحالية، لأن التركيز على العربية يهدف لتعزيز تحكم الأطفال في اللغة، بالمقابل يهتم التليفزيون الجزائري كثيرا بما ينتج محليا من رسوم متحركة، باتت تقدمها وكالات إنتاج خاصة، يشرف عليها شباب مبدع، مؤكدا بأن دفاتر شروط التلفزيون تمنح الأولوية لهذا النوع من الإنتاج، تشجيعا للإبداع.  و ذكر المسؤول، على سبيل المثال سلسلة « تاريخ الجزائر» التي قال، بأن من أنتجوها شباب من مدينة البليدة، وهي تعرض الآن في قنوات التلفزيون الجزائري و يحتفى بها لأنها تحاكي تاريخ بلادنا منذ عصور ما قبل التاريخ، إلى غاية ثورة نوفمبر، خصوصا وأنه يشترط في الرسوم المتحركة، كما أوضح، مراعاة الخصوصية الثقافية الجزائرية.

* ياسين فضيل المدير العام لمجمع الشروق
تكلفة برامج الأطفال عالية و تفوق إمكانياتنا
يرجع المدير العام لمجمع الشروق الإعلامي ياسين فضيل، غياب الرسوم المتحركة و برامج  الأطفال المنتجة وطنيا عن القنوات الخاصة،  إلى كلفة إنتاجها العالية، فالمشكل يختزل في جانب التمويل، كما أكد للنصر. حسب المتحدث، فإن قنوات الشروق كانت من بين الوسائل الإعلامية التي منحت حيزا لهذا النوع من المحتوى الإعلامي، إذ سبق و أن عرضت حصة موجهة للأطفال طيلة خمس سنوات كاملة، و يتعلق الأمر ببرنامج «  مع عمو يزيد»، غير أن ظروف الجائحة تسببت في توقف البرنامج ، و عوضت المؤسسة ذلك بأفلام الكرتون المستوردة من المشرق العربي، و تحديدا من لبنان و مصر، و هي في العموم عبارة عن أفلام مترجمة إلى العربية أو الفرنسية، تعتمد عليها الشبكة البرامجية كبديل وحيد، في ظل استحالة إنتاج برامج جزائرية أو ترجمة أفلام جاهزة إلى الدارجة، بسبب التكلفة الكبيرة التي تتطلبها العملية.
 وقال المتحدث، بأن المشكلة الأساسية تكمن في نقص الإمكانيات المادية و ضعف ثقافة الإشهار و التمويل الإشهاري،  فالمعلنون يرفضون، كما أوضح،  المساهمة في هذه الحصص و رعايتها و يفضلون البرامج ذات المشاهدة العالية، الموجهة للراشدين عموما. كما أنهم يركزون على برامج الرياضة  بنسبة أكبر، و بالتالي، فإن شح برامج الأطفال، راجع بالأساس إلى مشكل التمويل، و عكس القنوات المتخصصة التي تحظى بتمويل كبير لإنتاج الرسوم المتحركة مثلا، فإن القنوات الجزائرية الخاصة، تعد بمثابة مكاتب إعلامية أجنبية، تدفع نسبة كبيرة من ميزانيتها كحقوق للبث عبر الأقمار الصناعية، وبالتالي فإن هذه الأعباء المالية تجعل الاستثمار في برامج مماثلة، تصل تكلفتها إلى 300 ألف دولار، و بالتالي هذا الأمر غير ممكن على الأقل في المرحلة الحالية، كما عبر.
 و أكد ياسين فضيل، من جهة أخرى، بأن  المجمع الإعلامي الذي يديره، يضع ضمن إستراتيجيته قريبة المدى، مشروعا لإنتاج فيلم كرتون جزائري، يعتمد على الدارجة البيضاء، يجمع كلمات من مختلف اللهجات المحلية و يروج لثقافتنا و عاداتنا.

* المعد والمنتج يزيد بلعباس
المعلنون في الجزائر يرفضون تمويل برامج الأطفال
يختصر معد و مقدم و منتج برامج و أغاني الأطفال يزيد بلعباس، المعروف جماهيريا باسم الشاب يزيد، أو عمو يزيد، مشكلة هذا النوع من الحصص في شح تمويلها و طغيان المنطق التجاري على الفائدة الاجتماعية، وهو تحديدا ما يضعها في ذيل اهتمامات المعلنين و المساهمين، و يقلص حظوظها ضمن الشبكات البرامجية للقنوات التلفزيونية، التي يذهب بعض ملاكها إلى حد فرض تكلفة مالية على منتجيها، مقابل الموافقة على عرضها.
 و أكد المتحدث، أن هذا الواقع عايشه مرارا، إذ اضطر إلى إنتاج حصصه الخاصة بإمكانياته، و بالاعتماد على دعم بعض المقربين منه، كما أنه سعى بمفرده إلى استقطاب المعلنين و قدم حصصه مجانا لبعض القنوات التي بثتها دون مقابل، طيلة ستة أشهر كاملة، وذلك خلال بداية رحلته في هذا العالم.
 عمو يزيد أشار، إلى أن المضمون موجود، لكن المشكل يكمن في الشكل  أو في تحديد طريقة التسويق، فضعف التمويل، حسبه، هو ما تسبب في تراجع هذه البرامج، ذلك لأنه يصعب جدا إقناع المعلنين بالاستثمار فيها، لأنهم يفضلون تمويل برامج وقت الذروة أو « البرايم تايم»، بل و يتهافتون عليها.
في حين برامج الأطفال لا تبث عادة في هذا التوقيت، بل تدرج ضمن ساعات الزوال بين الثالثة و الخامسة، أو تبرمج عموما في صبيحة أيام الجمعة، وهو أمر لا يتناسب مع العقلية الربحية للمعلنين، كما قال، معلقا بأننا بحاجة لشركات ذات قالب وطني اجتماعي، يمكنها أن تستثمر في هذا المجال، وهي مؤسسات تكاد تكون منعدمة تقريبا في بلادنا، ما عدا شركاء قلائل.
و أضاف عمو يزيد، بأن هذا الواقع لا يتماشى تماما مع الحاجة المتزايدة لمحتوى وطني موجه للأطفال، خصوصا مع تضاعف الاهتمام بهذه البرامج، بدليل أن حصصه، على غرار  « مع عمو يزيد» أو «أطفالنا تحت جناحنا»، تحظى بنسب متابعة قياسية، فمثلا تطبيق « مع عمو يزيد»، على بلاي ستور، تم تحميله منذ إطلاقه أكثر من 200 ألف مرة، بالمقابل يسجل موقع «عمو يزيد.كوم» حوالي 15 ألف زائر أسبوعيا، أما قناة اليوتيوب الخاصة به، فتحصي 40 ألف مشترك، فيما تحظى بعض الفيديوهات و الأغاني التي يقدمها بملايين المشاهدات.
 وبالحديث عن هذا النوع من الأغاني تحديدا، قال الفنان، بأنها تشكل تحديا حقيقيا بسبب نقص كتاب الكلمات، مع ذلك فقد سعى رفقة فريق حصة «عمو يزيد» و بعض الكتاب، منهم سيد أحمد طهاري و منور رفاس و محمد جبار،  لإنتاج حوالي 250 أغنية طيلة خمس سنوات من العمل، جميعها أغان تحمل رسائل تربوية و تتناول القيم الإنسانية، و تشكل تحديا كبيرا في ظل نقص التموين و التكلفة العالية جدا لهذا النوع من الإنتاجات، سواء تعلق الأمر بالأغاني أو الحصص، كما أكد للنصر.
محدثنا قال،  بأن تجربته في هذا المجال تعود إلى سنة 1998، عندما أطلق أول ألبوم له بعنوان « ماما» و كان موجها لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، و تلك كانت التفاتة خاصة منه لهذه الشريحة في حقبة العشرية السوداء، بعد ذلك أصدر سنة 2004 ألبوما ثانيا بعنوان «مدرستي» و ثالثا سنة 2008 بعنوان «بيتنا»، في محاولة لسد الفراغ في الساحة الإعلامية الوطنية، ثم في سنة 2014، قرر التخصص و توفير برامج موجهة للأطفال تكون بديلة لما يتلقوه من محتوى تبثه القنوات الأجنبية بكل ما يحمله من أفكار و قيم مختلفة عن ثقافتنا و قيمنا، و قد كانت البداية حينها ببرنامج مع «عمو يزيد» سنة 2015.
و بهذا الشأن أوضح المتحدث « هي حصة أنتجتها بمالي الخاص وبمجهودي الشخصي، لكن النتائج كانت محمودة حيث تلقاها الأطفال بصدر رحب، أنا مع ضرورة  إحداث التوافق  بين المحتوى الإعلامي و عاداتنا و تقاليدنا، لأن التمسك بها يؤسس لجيل قوي، لذلك استوحيت محتوى برنامج « مع عمو يزيد» من المدرسة الجزائرية و من الشارع و العائلة الجزائرية، حتى الحكايات التي نرويها تكون مستنبطة من التراث، لنخلق نوعا من الارتباط بين الطفل و جذوره، كل القيم التي نروج لها في البرنامج مستوحاة من المجتمع الجزائري، أنا للأمانة لم أطلع على برامج أجنبية خلال مباشرتي لمشروعي الخاص لم أحاول أن أقلد فكرة معينة، و ذلك إدراكا مني لأهمية ما أقوم به و لمهمتي كمرب».
 و أضاف « هناك أيضا جانب آخر متعلق بكيفية التوفيق بين المحتوى التعليمي التربوي و الجانب الترفيهي، وهنا تكمن الصعوبة تحديدا، فليس من السهل إيجاد قالب انصهار مناسب يشد اهتمام الطفل و يضمن له التعلم و المتعة معا، لذلك نحاول  دائما تمرير رسائل تعليمية تربوية، عن طريق بعض الأغاني أو القصص، حيث نسعى لإدماج الطفل في أدائها دائما، لأن ترديده للفكرة يساعد على ترسيخها في ذهنه، وهذه التفاصيل هي ما يحدد نجاح البرنامج من فشله».
و استرسل قائلا»  من جهة ثانية فإن الاعتماد على آراء الأولياء ضروري، في عملية تحديد محتوى البرامج وهو ما قمنا به في برنامج أطفالنا «تحت جناحنا» الذي انطلق سنة 2017، فخلال تصويرنا للحفلات التي كنت أقيمها عبر ولايات الوطن، تحضيرا لبرنامج «عمو يزيد شو»، كان الأولياء يتواصلون معنا مباشرة، و يطرحون في كل مرة انشغالاتهم بخصوص احتياجاتهم و احتياجات أبنائهم لبرامج متخصصة، وقد طلبوا منا إدراج مواضيع عديدة تخص على سبيل المثل الغيرة بين الأطفال و تأخر النطق و التنمر وغيرها، بمعنى أن هناك حاجة فعلية لهذا النوع من البرامج، و قابلية كبيرة أيضا لمتابعتها».

* الدكتورة حسينة أقراد أستاذة الإعلام بجامعة الجزائر 3
نفتقر إلى خريطة وطنية للتكفل باحتياجات الطفل الثقافية و التعليمية
ترجع الدكتورة حسينة أقراد، أستاذة محاضرة بكلية الإعلام و الاتصال بجامعة الجزائر 3، نقص المحتوى الإعلامي الوطني الموجه لشريحة الأطفال في القنوات الجزائرية على اختلافها، بما في ذلك الإذاعة و التلفزيون، و انعدام قنوات متخصصة في هذا الشأن، إلى غياب سياسة وطنية أو خريطة ثقافية وطنية للتكفل باحتياجات الطفل الثقافية والتعليمية والتوجيهية، و تطبيق مبدأ حق الطفل في الاتصال، وهذا ما ينعكس، حسبها، على مستوى المؤسسة الإعلامية التي أصبحت تتجه أكثر إلى الاستثمار في إنتاج البرامج الموجهة للشباب و العائلة عموما، دون أن تعمل على الاستثمار في إنتاج برامج خاصة بالطفل الذي يصنف  "جمهورا ثانويا".
أوضحت الباحثة في الإعلام، بأن هذا التوجه لا يتوافق أبدا مع  ما تشير إليه عديد الدراسات التي تؤكد بأن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات إلى 16سنة، يقضون أمام الشاشة الصغيرة نحو 12 إلى 24 ساعة أسبوعيا، أي أنهم مستهلكون مهمون للمادة الإعلامية، مشيرة إلى أن حجم البرامج المتوفرة قليل، بالنظر للحجم الساعي المخصص لها عبر القنوات العمومية و الخاصة، و هنا تكمن ، كما قالت، ضرورة إنشاء قنوات متخصصة ببرامج الأطفال، كما أنه يتعين على المؤسسات العمومية خاصة التلفزيون الجزائري، استرجاع المشاهد الطفل الذي يمثل شريحة كبيرة من المجتمع، خصوصا وأنه ينجذب حاليا و بشكل كبير نحو القنوات العربية المتخصصة في برامج الأطفال، كونها تحقق إشباعا لاحتياجاته، مضيفة بأن ما هو موجود من قنوات متخصصة في برامج الأطفال، يقدر على المستوى العربي بـ  21 قناة، بالإضافة إلى ما توفره الوسائط الجديدة كقنوات الأطفال على يوتيوب.
المنطق الربحي للبرامج المستوردة روّج للقيّم المادية  
حسب المتحدثة، فإن جل مضامين هذه القنوات، بما في ذلك العربية، منها وافد  و مستورد، إذ أنه عبارة عن نسخ لبرامج المحطات الأجنبية، فأغلب القنوات تعتمد بشكل شبه كلي على المنتوج الإعلامي الغربي الذي يسيطر على سوق الإنتاج الإعلامي على المستوى العالمي، نتيجة ضعف الإمكانات الإنتاجية للقنوات الفضائية التي لا تلبي سوى ربع حاجتها، كما وجب التنبيه أيضا، إلى أن الطابع التجاري و الربحي يغلب على هذه القنوات، و هو الأمر الذي يدفعها إلى التوجه نحو الترفيه الرخيص، السهل، دون مراعاة للقيم الاجتماعية و الدينية و الأخلاقية للجمهور المتلقي،  وهو ما يؤثر سلبا على سلوكيات وقيم الأطفال.
 هذه البرامج تروج للقيم المادية والاستهلاكية وحب الذات و الفردانية، و تمجيد قيم الحضارة الغربية والانبهار بها، بالإضافة إلى تأثيرات على مستوى السلوك العدواني وظهور أمراض نفسية عند العديد من الأطفال.
و ترى الدكتورة أقراد، بأن المؤسسات الجزائرية العمومية و الخاصة، لا تلتزم بحق الطفل في الاتصال، إذ تخصص له برامج قليلة خلال الأسبوع، كما أن موضوع  ثقافة الطفل و حقه في الاتصال، مغيب في الساحة الثقافية عموما، سواء في النقاشات العامة أو عند الهيئات الرسمية، و عليه، فمن الطبيعي أن يتوجه الطفل الجزائري إلى ما يتوفر عبر القنوات الأجنبية من برامج، وكذا مواقع الانترنت والقنوات الرقمية الإلكترونية التي أصبحت تتحكم في جوانب الجذب و التأثير، بالصوت والصورة والتفاعل أيضا، وذلك بما يسمح بالتأثير على سلوكيات الطفل و شخصيته، لكونها تطرح أنماطا جديدة للحياة ، بعيدة عن تنشئته وقيمه الاجتماعية، وهو للأسف ما يجعله يدمن على مشاهدتها ، دون إدراك مخاطرها. وهنا، كما أوضحت، يبرز دور الأسرة الرقابي والتوجيهي، لما ينبغي أن يشاهده أطفالها من برامج، و تنظيم حجم و وقت المشاهدة، حتى لا يؤثر ذلك على تحصيلهم المدرسي وعلى صحتهم النفسية والجسدية عموما.  من جهة ثانية، ترى الباحثة، بأن الجزائر تأخرت كثيرا في إنشاء قنوات متخصصة  تقدم برامج الأطفال، و بأن  القائمين على شؤون الإنتاج والبث التلفزيوني لم يدركوا بعد، أن معادلة إرضاء كل الأذواق و التوجه إلى جمهور مختلف، و متعدد صعبة التحقق، مشددة على ضرورة  مخاطبة الجمهور بأسلوب التميز و التفرد لمواكبة ما يشهده الفضاء السمعي البصري العالمي من تحولات في العصر الرقمي الذي نعيشه.

* الأخصائية النفسانية التربوية صبرينة بوراوي
الرسوم المتحركة تؤثر بشكل مباشر على قيّم الطفل
قالت الأخصائية النفسانية والتربوية صبرينة بوراوي، بأن الرسوم المتحركة  تهدف إلى المساهمة  في تربية الطفل و تنشئته عقليا و اجتماعيا ونفسيا وعقليا، و تطوير ملكاته و تهذيبها، مع غرس القيم و تنمية المهارات الذهنية، فالصورة المتحركة المتبوعة بالصوت، تتجاوب مع الوعي الحسي الحركي للطفل و إدراكه خلال المراحل العمرية الأولى، و عليه، فإن ما يحصله من هذه البرامج يشكل رصيده الثقافي والوجداني و الشعوري.
 يتمثل تأثير الرسوم المتحركة، في كونها أكثر واقعية وارتباطا بالطفل،  وقد لاحظنا مؤخرا ، كما عبرت، أن هناك رسوما وافدة تروج لمفاهيم ثقافية بمصطلحات جديدة، لا يمكن غض البصر عنها، إذ ليس لها موضوع هادف و هي بعيدة عن اللغة  العربية السليمة، كما أنها تقدم في شكل رسوم عشوائية و موسيقى صاخبة و تدرج أحيانا ألفاظا غير مدروسة و غير  تربوية، و لها انعكاسها السلبي على تكوين الطفل و مفاهيمه الاجتماعية، إضافة إلى كونها تكتفي بالتلقين و لا تسمح للطفل بالمشاركة، وهو أمر أثبتته بعض الدراسات التي تفيد بأن للرسوم المتحركة إيجابيات كغرس قيم التعاون و الصدق و سعة الخيال، بالإضافة إلى الطلاقة اللفظية و توسيع الخيال، كما أن لها سلبيات عدة ، منها تعريض الطفل إلى كمية كبيرة من برامج العنف و الجريمة، مما له تأثير كبير على قيم الطفل و ثقافته  و نفسيته، وهو أمر بات له انعكاسات واضحة على سلوك الأطفال.  من جهة ثانية، ترى الأخصائية بأنه يجب دق ناقوس الخطر، للتحذير من تعاطي الأطفال المفرط للمحتويات التي تقدم لهم عن طريق الهواتف النقالة، باعتبارها لعبهم المفضلة، فما يتابعونه طوال ساعات، له انعكاس مباشر على سلوكهم وعلى تحصيلهم الدراسي، كما يؤثر على قدرتهم على التركيز ، إضافة إلى تقليص  التفاعل بين أفراد الأسرة و تطوير العزلة الاجتماعية. كما أن متابعة الطفل لفيلم كرتوني من إنتاج غربي، لا يعني بأنه يشاهد رسوما مسلية فحسب، بل يتلقى قيما و ثقافة كاملة من فكر غربي، وكلها معطيات تساهم في زعزعة عقيدته و تشوش أفكاره و تعرقل تنشئته الاجتماعية، وعليه تدعو الأخصائية، الأسرة إلى احتواء الطفل و اختيار منهجه، مع تقنين وقت مشاهدته للتلفزيون و الانتقاء الإيجابي للبرامج.

الرجوع إلى الأعلى