أكد مختصون في شعبة زيت الزيتون، أن الاعتماد و التركيز على الطرق التقليدية، و كذا إهمال العائلات لحقول و أشجار "البترول" الأخضر، من أهم العوامل التي أثرت سلبا على الإنتاج ، حيث سجلت عاصمة الكورنيش الجيجلي، انخفاضا كبيرا في الكمية المنتجة، و تتوقع المصالح الفلاحية، أن يصل الإنتاج إلى حدود 5 ملايين لتر هذا الموسم، بتراجع فاق 8 ملايين لتر، مقارنة بالسنة الفارطة.
* ندوة من إعداد :  كريم طويل

* صـالح صوكو مختص و صاحب مشتـلة
الاقتناء العشوائي للشجيرات  سبب التراجع
يرى صالح صوكو، صاحب مشتلة و مختص في الشتلات ، أن أسباب تراجع إنتاج  زيت الزيتون ناجم عن عدة أمراض، أبرزها سل الزيتون و هو نوع من الأمراض الخطيرة و المعدية، مصدره الأشجار التي تشترى و تجلب من خارج الولاية، دون إخضاعها للرقابة، و قد ظهر بكثرة في بداية سنة 2000، بالإضافة إلى ذبابة الزيتون التي تعتبر من بين الحشرات الدخيلة على المنطقة.
كما أن الشراء و البيع العشوائي للشجيرات، يؤثر سلبا و بشكل خطير للغاية على إنتاج الزيت و نوعيته، مشيرا إلى أن أغلب الباعة يقومون ببيع الشجيرات و لا يعلمون إذا كانت حاملة للأمراض، بعد جلبها في معظم الأحيان من الغابات و الحقول التي أصابها المرض.
و قد أدى الغرس العشوائي لسنوات متتالية، من قبل عائلات تجهل  طرق الغرس و التفاصيل المتعلقة بالشجيرات، إلى نقل المرض إلى الحقول،  فغرس شجيرة صغيرة مريضة، يتسبب في القضاء على كل المحصول الموجود في منطقة بأكملها، لأن الأمراض التي تصيب أشجار الزيتون معدية، و من الصعب أن يعرفها أو يشخصها عامة الناس أو الفلاحين الذين لم يتلقوا تكوينا في هذا المجال.
و ينصح المتحدث باقتناء الشجيرات من مصالح الفلاحة أو الغابات، أو من المشتلات المعتمدة، لأن المشكل المسجل عبر إقليم الولاية، ناجم عن أخطاء يقع فيها أغلب الفلاحين و العائلات التي لا تتجه إلى ذات المصالح من أجل الحصول على إرشادات و توجيهات حول أشجار الزيتون، و طرق غـرسها و الاعتناء بها.
كما ينصح المختص مالكي هذه الأشجار، بتعقيم وسائل التقليم في كل عملية، فهي جد مهمة، للوقاية من تنقل الأمراض، على أن يتم  التعقيم قبل أن تنتقل العدوى  من شجرة إلى أخرى.
و توجد أسباب أخرى، يمكن حصرها، حسبه، في عدم الاعتناء الكافي بالشجرة، على غرار عدم الحرث و التقليم الخاطئ للأشجار، من قبل مالكيها غير المختصين، خصوصا استعمال العصي عند جني الزيتون، التي تضر بالبراعم و الأغصان، مشيرا إلى أنها تعتبر من بين الطرق الخاطئة المعتمدة منذ القدم، كما تؤثر عملية نقل الزيتون التقليدي إلى المعصرة، بواسطة الأكياس، على المردودية، كما تؤدي  إلى تعفن حبات الزيتون، فالنقل، حسب المتحدث، يجب أن يتم داخل صناديق بشكل سريع.

* محمد بوسنة مُسيّر معصرة
الحل يكمن في خلق مؤسسات مصغرة للجني
محمد بوسنة، مسيّر معصرة بتاكسنة و مختص، أكد بدوره أن السبب الرئيسي في انخفاض منتوج الزيتون، هو امتلاك مواطنين غير متخصصين في زرع أشجار الزيتون و طرق الاعتناء بها، لأغلب الحقول.
و بالتالي لم يتم تطوير شعبة الزيتون و تقديم نماذج ناجحة عن ذلك، لهذا يقترح المتحدث وضع إستراتجية من قبل الدولة، تتمثل في منح أراض لمستثمرين حقيقيين، لتطوير الشعبة و توفير إنتاج وفق الطرق الحديثة المعتمدة عالميا، ما سيسمح بتسويقه و تصديره عبر دول العالم في المستقبل.
و أكد المتحدث بأن تقديم نماذج ناجحة، سيدفع الفلاح البسيط و ملاك حقول الزيتون من العائلات، للإقتداء بها، فالفرد الجزائري بطبعه يحب تقليد التجارب الناجحة، مشيرا في نفس السياق إلى التجارب الناجحة في منطقة القبائل التي دفعت بفلاحي المنطقة للاقتداء بها سواء في ما يخص الموعد المناسب و طريقة جني الزيتون . و الملاحظ أيضا أن الفلاحين و العائلات يعتمدون على الطرق التقليدية الخاطئة التي تؤثر على المردودية و النوعية، و رغم الجهود المبذولة لتحسيسهم و توعيتهم من قبل الجهات المختصة، إلا أن بعض الذهنيات لا تتقبل النصائح و تفضل النتائج الملموسة.
و ذكر المتحدث، بأن حقول الزيتون المنتشرة عبر ولاية جيجل، ملك للخواص، توارثوها أبا عن جد، و توارثوا معها الطرق التقليدية الخاطئة، فلا يتذكرون أشجار الزيتون إلا في موسم الجني فقط، حيث تجد الموظفين الإداريين و المعلمين، يتوجهون خلال عطل نهاية الأسبوع، من أجل جني الغلة و فقط، دون الاهتمام  بالأشجار، «هذه الأنانية أدت إلى انخفاض الإنتاج»، كما أكد بوسنة.
 و أضاف «يجب التفكير في إنشاء مؤسسات صغيرة خاصة بجني الزيتون و الاعتناء بالحقول، تقوم بكراء الأشجار من مالكيها الأصليين»، مشيرا إلى أن عدم استشارة المختصين و التقنيين، أدى إلى عدم الاعتناء بالأشجار، أو سوء الاعتناء بها، كما أثرت ذبابة الزيتون كثيرا على المردودية، و تتطلب محاربتها تقنيات خاصة و انخراط جميع مالكي حقول الزيتون و الفلاحين في العملية، مشددا «التشتت الموجود في الوقت الراهن، لا يسمح بتحقيق ذلك، ما يجعل الذبابة تتكاثر و تؤثر على أشجار الزيتون».
و تابع المتحدث، أن العديد من الحقول تعرضت للتخريب و استغلت في بناء مساكن، على غرار الحقول المتواجدة ببلدية الشقفة، كما ذكر أن العوامل الطبيعية تسببت أيضا في تراجع المردودية، على غرار نقص الأمطار و الحرارة المرتفعة خلال موسم الصيف، ما يؤثر على أزهار الزيتون.

* رئيس الغرفة الفلاحية توفيق باقة
أغلب العائلات تعتمد على الطرق التقليدية في الجني
يرى رئيس الغرفة الفلاحية لولاية جيجل، توفيق باقة، بأن امتلاك العائلات لأكبر عدد من أشجار الزيتون و اعتمادها على الطرق التقليدية في الجني، تسبب انخفاض الإنتاج.
و أضاف المسؤول أن “ثروة الزيتون” تملك معظمها عائلات توارثتها أبا عن جد، و جل الحقول منتشرة عبر الجبال صعبة التضاريس، مما يعيق الاعتناء بها. و شدد أن أشجار الزيتون تتطلب العناية، لكن أغلب العائلات  المالكة تهملها، و لا تتذكرها إلا خلال موسم الجني فقط.
 و أضاف المتحدث، بأن طرق الجني التقليدية المعتمدة، على غرار استعمال العصي، تتسبب في إحداث أضرار للأغصان، كما أن الجهل بالأساليب التقنية الحديثة، عقد من الوضعية، ما دفع المصالح الفلاحية و الغرفة الفلاحية إلى الإشراف على تكوين الفلاحين و تعليمهم كيفية الاعتناء بالشجيرات و الطرق العصرية لجني منتوج وفير و عصر زيوت ذات نوعية جيّدة. و أهم عائق، يتمثل، حسب المسؤول، في صعوبة الوصول إلى العائلات و جمعها و توعيتها بطرق الجني العلمية، و إخضاعها  للتكوين المتخصص، و بالتالي يجب وضع خطة اتصالية فعالة لتحسيس العائلات و مالكي أشجار الزيتون، بالمخاطر الناجمة عن إهمال الأشجار. كما تحدث رئيس الغرفة عن أسباب أخرى تؤثر على  نقص الإنتاج، أبرزها عدم تهاطل الأمطار بكميات معتبرة و الأمراض التي تصيب أشجار الزيتون.          

* الطيب يـدوي أستـاذ بجامعة جيجل
الاعتماد على الطرق العلمية ضروري
ذكر الأستاذ بقسم الميكروبيولجيا التطبيقية و علوم التغذية بجامعة جيجل، الطيب يدوي ، أن بلادنا تتوفر على عدة أصناف من زيت الزيتون تلقى رواجا، من بينها الشملال و أزراج، و يتم التكفل بتدعيم الفلاحين بالأشجار عبر ربوع الوطن.
و الإشكال المطروح، أن منافسة الزيت الجزائري للزيوت الأخرى، يتطلب إتباع الطرق العلمية في الزراعة و الجني، و التخلي عن الطرق التقليدية، في حين يتشبث أغلب الفلاحين بهذه الأخيرة. و أضاف الأستاذ يدوي، أن الإنتاج يختلف من سنة إلى أخرى، بسبب عدة  عوامل معروفة، من بينها العوامل المناخية، فبولاية جيجل، تؤثر السدود كثيرا على المناخ الذي يؤثر بدوره على أشجار الزيتون، بالإضافة إلى الذهنية السائدة بين مالكي أشجار الزيتون، الذين ينتظرون الإنتاج و فقط، بدل الاعتناء بالأشجار.
و أكد المتحدث أن الإهمال كبير للغاية في هذه الشعبة، في حين يتطلب اختيار أصناف الزيتون، حسب عدة عوامل، أهمها المرتفعات، المناخ، نوعية التربة،  الملاحظ أن أغلب المواطنين يجهلون ذلك.
و شدد بأن هناك عدة عوامل لتوفير الإنتاج، ففي فصل الصيف يجب سقي الأشجار و عندما تزهر يجب مراعاة عدة شروط و محاربة ذبابة الزيتون، عبر رش الأشجار بالمبيدات أو الاعتماد على التقنيات الحديثة، و يمكن محاربتها بطرق بسيطة كغرس أشجار التين، التي تفرز  رائحة تجذب الذباب، مما يساهم في التخلص منه، و تجنب اقترابها من أشجار الزيتون.و يرى المتحدث بأن الإشكال المطروح، يتمثل في التركيز على النوعية و ليس الكمية، فالهدف هو الحصول على إنتاج زيت زيتون بكر ممتاز، في حين  يتطلب الظفر به إتباع الطرق العلمية، التي  تبدأ من مرحلة الجني، فلا بد من قطف  حبات زيتون غير ناضجة، نسبة نضجها يجب أن تتجاوز الثلثين، كون الثلث الأخضر المتبقي، يضم مركبات مضادة للأكسدة ، لذلك يجب المحافظة عليه، وصولا إلى مرحلة الطحن.
كما أن عملية نقل المحصول، تتطلب استعمال الصناديق البلاستيكية و يجب ألا تتجاوز المدة الفاصلة بين الجني و الطحن، 48 ساعة، و في حال تخزين الزيتون قبل العصر، لابد من احترام عدة شروط  لحفظه.و تابع بأنه من الضروري في المرحلة الثانية، احترام الطرق الحديثة في العصر، و الملاحظ ، حسب الأستاذ يدوي، أن طرق العصر عبر مختلف المعاصر، تتم بصورة تقليدية، بالرغم من توفر التجهيزات التي تعمل بطرق حديثة و علمية، لكنها تتطلب التحكم في الجانب التقني و الشروط التي يجب إتباعها في عملية الطحن. كما أن ترتيب زيت الزيتون يتم وفق عدة تقنيات، أبرزها قرينة الحموضة، و يمكن من خلالها معرفة نسبة الأحماض الدهنية الحرة، و يجب أن تكون النسبة ضعيفة لا تتجاوز 0,08 غ في كل 100 غرام، بالنسبة لزيت الزيتون البكر، بالإضافة إلى نقطة التذوق و تكون من قبل لجنة تحكيم مختصة في التذوق، للفصل في ترتيب الزيتون، حسب المتحدث.
و شدد بأن حفظ زيت الزيتون في القارورات البلاستيكية خطير للغاية، و يجب أن يتم حظره من قبل السلطات، و لا بد من التحسيس بمخاطر التخزين في القارورات البلاستيكية، إذ يمكن أن تحدث تفاعلات ضارة بين الزيت و المادة البلاستيكية، و ينصح باستعمال الزجاج أو الألمنيوم لحفظ و تخزين الزيت في البيوت، مع  وضعه في مكان مظلم، لا يصله الضوء، فكلما تعرض للضوء، زادت نسبة أكسدته.
و أشار من جهة أخرى ، إلى أن استعمال الطرق التقليدية، كان مرتبطا بالظروف التي كان يعيشها الإنسان في فترة معينة، فحاول من خلالها الحفاظ على المنتوج و تسهيل عملية الطحن، لكن الآلة عوضت النقص الحاصل، لذلك يفضل أن يتم إتباع الطرق الحديثة عبر الجني و العصر، مؤكدا أن جل زيت الزيتون المعصور بالطرق التقليدية، نسبة الحموضة مرتفعة به.و أوضح الأستاذ، بأنه لابد من المرور إلى مرحلة الإنتاج الصناعي، عبر اتخاذ جملة من الإجراءات، على غرار انخراط العائلات في إنتاج زيت زيتون تنافسي، أو تقديم دعم للمستثمرين لغرس حقول الزيتون، يمكن الاعتماد عليها لضمان توفير إنتاج حقيقي يوجه للاستهلاك المحلي و كذا التصدير.          

الرجوع إلى الأعلى