حاضنة الوسطية التي استقطبت كبار العلماء
تظهر جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، على كل البطاقات البريدية الخاصة بقسنطينة، كما تبث صورتها في التلفزيون، عند كل حديث عن جمال المدينة  و روعة معالمها،  فهذا الصرح الهندسي ذو العمارة المتفردة، لا يقل شهرة عن جسور سيرتا المعلقة، لكونه مرجعية علمية و دينية، لها وزن كبير وطنيا و دوليا.
إعداد: هدى طابي
جامعة الأمير، صمام الأمان في وجه كل فكر دخيل، فهي مؤسسة عقيدتها الاعتدال، تتبنى تنوير الفكر و الانفتاح على العلوم  و الاندماج  أكثر في المحيطين الاقتصادي و الاجتماعي، وهو تحديدا ما سمح باستحداث تخصصات جديدة هامة بها، منها ما تنفرد به الجامعة وطنيا، تماما كما تنفرد بجماليتها العمرانية و ارتباطها بأسماء كبيرة، من أمثال الإمام محمد الغزالي رحمه الله.
 تحفة عمرانية بهندسة متفردة
زائر قسنطينة، لا يمكن أن يفوت فرصة رؤية هذا البناء المهيب، الذي يزين ربوة حي الأمير عبد القادر، و يعد آية من آيات الجمال الهندسي في إفريقيا، فعمارته الإسلامية التي أبدعتها أنامل المهندس المصري مصطفى موسى، تشد كل ناظر، بفضل التوظيف المتناسق و شبه المثالي لكل عناصر البناء من رخام و إسمنت وخشب.
يرتبط الهيكل العام للمؤسسة ببناية المسجد، لذلك يبدو لنا من بعيد بأن قبته التي يبلغ  قطرها  64 مترا ومنارتيه الممتدتين على علو 107 أمتار، هي أجزاء من تصميم الجامعة، خصوصا وأن بياض البناء ساحر، تضيع معه كل التفاصيل، إلا ما تعلق بتلك الزخارف الجبسية البديعة التي تعلو المداخل الثلاثة للحرم الجامعي و تحيط بشبابيك خشبية فريدة تزين واجهته الأمامية.

يشمل محيط الجامعة الجزء الأرضي و الطابقين الثاني والثالث فقط، بينما الطابق الأول بأكمله تابع للمسجد، تتوفر البناية على مساحة خضراء معتبرة، أما ميزتها الأهم، فهي الاستخدام الباذخ للرخام في كل التفاصيل، بداية بالسلالم الخارجية ووصولا إلى أبسط رواق داخلي، بما في ذلك أروقة الحمامات، وهو رخام جزائري ذو جودة عالية، استخدمه المهندس المصري، على الأرضية و بعض الجدران، كما وظف الفسيفساء العربية الإسلامية بجمالية متناهية،  حيث يقال، بأنها استقدمت خصيصا من المغرب، البلاد التي يشاع أيضا، بأنها مصدر نسبة معتبرة من الخشب الراقي المستخدم بسخاء، في كل ركن من أركان الفضاء الفسيح للجامعة، وهو خشب يميل إلى الاحمرار، اشتغل عليه بدقة وإبداع كبيرين، سواء تعلق الأمر بأبواب و جدران قاعة المحاضرات الرئيسية، أو القاعة الشرفية، و قاعات المحاضرات الطلابية، وهي هندسة يقول العارفون بأنها تشبه إلى حد كبير نموذج جامع الأزهر بمصر.  
راتب بومدين و تبرعات ملوك و رؤساء
تعود فكرة بناء الجامعة إلى سنة 1968،  حسب ما تشير إليه مراجع ومجلات عديدة، و يؤكده العميد السابق الدكتور عبد الله بوخلخال، حيث قال للنصر،  بأن المشروع جاء على شكل مجمع يضم كلية الشريعة الإسلامية و المسجد، اقترحه أعيان المدينة لأول مرة خلال زيارة الرئيس الراحل هواري بومدين إلى قسنطينة، بمعية العقيد محمد بن أحمد عبد الغاني، و قد كان الرئيس أول المساهمين فيه، حيث يقال بأنه تبرع حينها براتبه كاملا، كما ساهم في المشروع رؤساء و ملوك زاروا الجزائر.
عن انطلاق العمل، أسندت الدراسة  لمكتب «سونتراك التقنية» و كلفت فرق الهندسة العسكرية بوضع الأسس الأولى له، بين ديسمبر 1970 و جانفي 1971 ، أما عمليات الانجاز فقد قامت بها المديرية الوطنية لتعاونيات الجيش الوطني الشعبي، بناء على اتفاقية وقعت في 22 فيفري 1972، لينطلق بذلك العمل لإنجاز المؤسستين معا، وهو مشروع تطلب16750مترا مكعبا من الخرسانة المسلحة، و 2050 طنا من الحديد، إضافة إلى 250000 طنا من مسطحات الحجر الصناعي، و 217500 طنا من مسطحات الرمل.
 في 10 أكتوبر 1984، كان الرئيس الأسبق قد توفي، و عليه أشرف خلفه الشاذلي بن جديد، على تدشين الجامعة، بعدها تنقل الرئيس رفقة الشيخ عبد الرحمان شيبان وزير الشؤون الدينية آنذاك، إلى مصر لدعوة الشيخ محمد الغزالي إلى الجامعة، حيث استقدم إليها  كأستاذ ورئيس للمجلس العلمي، خلال فترة عمادة الدكتور عمار طالبي للمؤسسة، التي تعاقبت عليها نخبة من الأساتذة  العرب والمسلمين.
 قال الدكتور بوخلخال، بأن الالتحاق بالجامعة، كان مفتوحا في تلك الفترة، وهو ما سمح بانضمام أطباء و مهندسين وضباط إليها، منهم جزائريون وأجانب، فهذه المؤسسة، كما أضاف المتحدث، كانت بالنسبة للرئيس الراحل هواري بومدين، تمثل القرويين في المغرب والزيتونة في تونس والأزهر في مصر و المسجد الأموي في دمشق، وهو أمر كتبه بخط يده ، كما أكد.
قبلة السفراء و المفتين و الضباط

من بين أبرز الأسماء التي تعاقبت على الجامعة، و استرجعتها ذاكرة العميد السابق، مفتي فيدرالية روسيا، و مدير ديوان الحج والعمرة يوسف عزوزة، بالإضافة إلى المكلف بالاتصال بسفارة اندونيسيا و ضباط سامين و مسؤولين كبار أفارقة و اندونيسيين و ماليزيين، و كذا أوروبيين، فالجامعة كانت و لا تزال قبلة لطلبة العديد من الدول، كما أنها محط اهتمام  الكثير من الجامعات و المعاهد عبر العالم، ممن يهتمون بمجلاتها و إصداراتها البحثية.
جامعة الأمير عبد القادر، هي أيضا قبلة للسفراء،  فقد استقبلت سنة 2019 مثلا، سفيرة إندونيسيا «سفيرة محروسة»، كما كانت محطة لسفير الولايات المتحدة الأميركية، و للكثير من الباحثين والمفكرين الذين شاركوا في الندوات العلمية و الملتقيات البحثية التي دأبت المؤسسة على تنظيمها.
 حسب العميد السابق، فإن أول دفعة تخرجت منها كانت سنة 1988، و هي دفعة ضمت حوالي 97 طالبا تقريبا، منهم من أصبحوا قضاة و أساتذة، و منهم من سافروا و استقروا بالخارج، كما تخرج منها، طلبة من ماليزيا و إندونيسيا و كوريا الجنوبية.
تشير مصادر مكتبية تتوفر عليها الجامعة، بأن هذه الكلية تتربع على مساحة 115 ألف متر مربع، وقد صممت بداية  لتتسع لـ 650 طالبا، وزودت بمكتبة تكفي لحفظ 60 ألف مجلد، كما يضم المشروع كذلك، مقهيين، أحدهما خاص بالكلية والثاني موجه لجمهور المصلين، ناهيك عن قاعة مناسبات كبرى تسع 1000 شخص، و بهو اجتماعات مساحته 300 متر، و متحف إسلامي بمساحة 300 متر، تضم البناية أيضا ستة فصول دراسية بسعة 54 طالبا و قاعتين للمحاضرات تسع  300 طالب، إلى جانب مطبعة و حجرة أجهزة عرض سينمائي و ملاحق أخرى.
دعم الجامعة بعدة كليات جديدة
في 07 ذي القعدة عام 1404 هجري الموافق لـ 4أوت 1984، صدر المرسوم الرئاسي رقم 182/84، المتضمن استحداث جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية،  الخاضعة لأحكام المرسوم 544/83، المؤرخ في 24 سبتمبر 1983 و المتضمن القانون الأساسي للجامعة، بعد ذلك، و تماشيا مع التطورات التي شهدتها الجزائر  على مختلف الأصعدة، و تكريسا لمبدأ إصلاح المنظومة الجامعية، صدرت لاحقا عدة مراسيم سمحت بتدعيم الجامعة بكلية أصول الدين و كلية الشريعة و الاقتصاد و كلية  الآداب و الحضارة الإسلامية.
5 آلاف طالب  و انفراد وطني بتخصصات نوعية
تتوفر الجامعة  اليوم على 3300 مقعد بيداغوجي، موزعة بين المقر الأصلي و ملحقة كلية الشريعة و الاقتصاد، في  انتظار استلام، ملحقة جديدة بعلي منجلي، مكونة من 2000 مقعد تأخر انجازها، كما تحصي المؤسسة الجامعية خلال السنة الجارية 5آلاف و 725 طالبا، ما بين الدكتوراه و الليسانس و الماستر، موزعين على عدد هام من التخصصات، 17 منها في  الليسانس و 24 في الماستر و قرابة 60 في طور الدكتوراه،  بينها تخصصات نوعية تنفرد بها الجامعة وطنيا ، على غرار «  حقوق الإنسان».
كما أن الأمير عبد القادر، تعد أول جامعة فتحت تخصصات مميزة إقليميا، على غرار  «مقاربة الأديان»  و كانت سباقة وطنيا لفتح التكوين في مجالات الاقتصاد الإسلامي و المالي والبنوك الإسلامية.
مكتبة الشيوخ.. ثروة الوقف

خلال جولتنا داخل الجامعة، بمعية كل من  يونس سودوس مدير المكتبة، و رفيق غرنوق مسؤول الأمن الداخلي، شدتنا خصوصية ركن صغير، يتميز بحميمية و كثير من التناسق، تمتزج فيه رائحة الخشب مع رائحة الورق القديم، و يعرف المكان بمكتبة الشيوخ، هذا الفضاء خاص بالكتب التي قدمها مشايخ كبار كوقف لجامعة الأمير عبد القادر، و يضم عناوين امتلكوها و أخرى أنجزوها، في إطار بحوث قاموا بها في مجالات الفقه والحديث و السنة ومقاربة الأديان و الأدب و التراجم و التاريخ العربي الإسلامي و تاريخ العلم في إفريقيا و العقيدة و تفسير القرآن والمعارف العامة و غير ذلك، كما تضم المكتبة عددا من المخطوطات القيمة و القديمة.
ومن الأسماء التي تركت وقفا للمكتبة، نجد الشيخ الساحل محمد الطاهر الجيجلي، الشيخ شطيبي، عمار مطاطلة، الشيخ بو بوبكر الشيوخ ، الشيخ نعيم النعيمي، أحد تلاميذ العلامة عبد الحميد بن باديس، و غيرهم، علما أن عمر أقدم مخطوط في المكان يزيد عن سبعة قرون.
 المكتبة مخصصة لطلبة الدكتوراه و الطلبة الباحثين فقط، و لا توفر خدمة الإعارة ، نظرا لقيمة ما تحويه من كتب، بالمقابل توفر المكتبة المركزية المفتوحة أمام عموم الطلبة، حوالي 200 ألف عنوان، بينها عناوين نادرة تستهوي العديد من باحثي الدكتوراه الأجانب القادمين من جامعات كبرى، كالزيتونة و جامعة تركيا، خصوصا محتويات مكتبة مقاربة الأديان، وهي مكتبة تحتوي على بعض أمهات الكتب في المجال، منها قرابة 4 آلاف عنوان تبرع بها بعض الآباء البيض الذين مروا على قسنطينة.
ليس بعيدا عن موقع المكتبة، يوجد مكتب صغير مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة، يتوفر على أجهزة براي، بينها طابعة حديثة، وهو فضاء تتطوع فيه طالبات لتوجيه و مساعدة زملائهن من ذوي الاحتياجات الخاصة، بشكل يسهل عليهم عملية المطالعة و النسخ و البحث.
الرقمنة توجه حديث
تعرف الجامعة أيضا عملية رقمنة هامة، انطلقت سنة2002 و تقدمت بشكل مقبول، و تخص حفظ حوالي 3 آلاف مخطوط قديم، 300 منها كانت موجودة في زاوية سيدي خليفة بمنطقة واد العثمانية، كما تشمل العملية كذلك توجها لرقمنة ما يعادل 3 آلاف رسالة بحثية جامعية، و ذلك بالاعتماد على جهاز حديث قدمته السفارة الأميركية كهبة للجامعة.
* عميد جامعة الأمير سعيد دراجي
انفتحنا بجدية  على المحيط الاقتصادي والاجتماعي
تعانق جامعة الأمير اليوم، مختلف العلوم،  حيث انفتحت في السنوات الخمس الأخيرة على المحيطين الاقتصادي والاجتماعي، و ذلك تماشيا مع توصيات الوزارة و توجيهاتها، كما أكده عميدها الدكتور سعيد دراجي، موضحا بأن إدارته ضبطت إستراتيجية عمل تهدف للنهوض بالمؤسسة وتحسين أدائها على المستويات البيداغوجية والإدارية و كذا العلمية، وهو مخطط يمتد إلى غاية 2023، حيث تسعى الجامعة من خلاله، إلى تعزيز مكانتها خارج أسوارها، عبر دعم القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية بالكفاءات، سواء تعلق الأمر بقطاع البنوك والمالية أو المؤسسات التعليمية أو الإدارات وغيرها، وهو تحديدا ما يستدعي، حسبه، التركيز على تطوير البحث العلمي و توسيع مجالات التخصص.
 و تحصي الجامعة في هذا الإطار، ثمانية مخابر بحث تضم 285 أستاذا باحثا و 61 فريق بحث، و يتوقع أن تتدعم قريبا بمخبرين في الدراسات القانونية والفقهية و الوسطية و قيم السلم والأمن، إضافة إلى مخبر بحث في الدراسات الاقتصادية و المالية الإسلامية، و كلها مخابر تتمركز في بناية جديدة تتسع لـحوالي 15 مخبرا، توجد بمقربة من المقر الإداري الجديد و تعرف بـ «مجمع مخابر البحث».
 تصدر عن الجامعة أربع مجلات علمية،  اثنتان منها مصنفة في رتبة « سي»، و تنتظر مجلتان التصنيف، نظرا لأهميتهما و للطلب المتزايد في مجال النشر من قبل الأساتذة و الطلبة الباحثين.
حسب العميد، فإن الجامعة تجمع في تخصصاتها بين متطلبات المحيط العام و البعد الشرعي للعلوم، حيث تعمل في إطار الوسطية، و تخدم ثوابت الأمة و تعكس صورة الدين الإسلامي الصحيح، إذ تعتبر صمام أمان في وجه كل الفتاوى أو الأفكار المستوردة، وذلك بفضل مستوى التكوين العالي المبني على أسس علمية و شرعية متينة، بدليل أنها قدمت للمجتمع، كما أكد، عددا من كبار الباحثين و إطارات مهمة في الدولة بمختلف القطاعات، على غرار وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي، و بعض أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى.
هدى/ ط

الرجوع إلى الأعلى