برج بيلـو.. وجهــة جديـدة للباحثيـن عن متنفّـس طبيـعي  بقسنطينــة  
تحول برج بيلو إلى قبلة للعائلات القسنطينية، و وجهة جديدة برزت خلال جائحة كورونا، لتنافس فضاءات أخرى، على غرار المريج و تيديس و البعراوية و غيرها، لما تتمتع به من مساحات خضراء شاسعة و مناظر طبيعية خلابة، و هواء نقي و منعش يطهر الرئتين من آثار تلوث المدينة، و يخلص من ضغوط و مشاق الحياة اليومية و تبعات كورونا، كما يستقطب برج بيلو هواة ركوب الدراجات الهوائية و مختلف أنواع الرياضات.       
ربورتاج / أسماء بوقرن
رجحت جائحة كورونا كفة المناطق الغابية و الفضاءات الخضراء البعيدة عن المدينة، كقبلة للعائلات، رغم أن العديد منها، لم يكن قبل وقت قريب، معروفا بالنسبة لسكان ولاية قسنطينة، لكن الحاجة إليها أماطت اللثام عنها، من أجل التحرر من قيود الإجراءات الوقائية الصارمة، و الابتعاد عن مخاطر العدوى التي كانت تتربص بالجميع، خاصة في الفضاءات التجارية و أماكن الترفيه المغلقة.
مواطنون كثيرون راحوا يبحثون عن أماكن خضراء، بعيدة عن صخب المدينة، تختلف عن المعروفة بالمنطقة، مثل البعراوية و المريج و غابة شطابة، فوجدوا في بلدية بني حميدان، ما يحقق رغبتهم، لما تزخر به القرى و المشاتي التابعة لها، من مناظر طبيعية خلابة و ثروة غابية متنوعة و مواقع أثرية، كالصويري و سيدي دريس و غيرهما من المناطق الزراعية التي لا تتميز بطبيعتها و تضاريسها الرائعة فحسب، و إنما حتى بالآثار الرومانية الموزعة عبر عدد كبير من مشاتيها.
منحدرات تستهوي هواة الدراجات الهوائية
سلكنا الطريق الرابط بين بلدية ديدوش مراد و زيغود يوسف، و توجهنا نحو مدخل مشتة بني مستينة، التابعة إقليميا لبلدية ديدوش مراد، لبلوغ برج بيلو، الكائن في الجهة الشرقية لبلدية بني حميدان، على الحدود مع بلدية ديدوش مراد. عبرنا طريقا معبدا يتوسط الأراضي الفلاحية المزروعة بمحاصيل متنوعة من بينها الفول، و لاحظنا أن الطريق يزداد ارتفاعا كلما واصلنا السير، إلى أن بلغنا الحدود الشرقية لبلدية بني حميدان، حيث يقع برج بيلو وسط مناظر ساحرة،  راسما لوحة فنية رائعة، تمزج بين خضرة المحاصيل الزراعية و زرقة السماء، فتبهج الروح و تشد البصر، كما أن الهواء المنعش النقي يبث الارتياح في النفس و يملأ الصدر بجرعات صافية من الأوكسجين.
المنطقة تحولت أيضا إلى قبلة للرياضيين الراغبين في ممارسة تمارينهم، في جو نظيف يساعدهم على استعادة لياقتهم البدنية، كما أكد سكان المنطقة للنصر، مشيرين إلى أن  الرياضيين يمارسون هناك عدة أنواع من الرياضات، على غرار الجري و المشي و ركوب الدراجة، في الطريق المعبد المؤدي إلى برج بيلو، خاصة خلال أيام الأسبوع، عندما تنقص حركة المركبات و يكون الإقبال محتشما على المنطقة من قبل العائلات.
و قد شاهدنا في طريقنا نحو مرتفع برج بيلو، شابا فوق دراجة هوائية يرتدي بذلة و قناعا رياضيين.
منطقة تنام على كنوز أثرية
لا تزال تقيم بمنطقة برج بيلو بعض العائلات التي لم تشأ أن تترك أراضيها في سنوات الجمر، و ظلت وفية لمنازلها القديمة المغطاة بالصفائح القصديرية، من بينها عائلة لا تزال تقطن بجوار البرج، منذ أزيد من 50 سنة، و لا تزال متمسكة بأرضها، و قالت لنا ربة البيت و هي سيدة عجوز في العقد الثامن من عمرها،  بأن البرج كان عبارة عن مستثمرة فلاحية شاسعة، يعتليها برج شيد إبان الحقبة الاستعمارية بحجارة مصقولة تعود إلى العهد الروماني، لكنه هدم في السنوات الأخيرة ، و لم تبق سوى بقايا حجارته بالمنطقة، و تجاوره بنايات مبنية هي الأخرى بالحجارة،  كانت تستغل سابقا كإسطبلات للمواشي و كمنازل، غير أنها تأثرت بعوامل الطبيعة و انهارت، فظل جدران إحداها قائما دون سقف، حسبما وقفنا عليه،  فيما أشارت المتحدثة بأن المنطقة تزخر إلى اليوم بآثار رومانية، حيث لاحظنا بجوار بيتها حجارة مصقولة و مشكلة بأحجام مختلفة قائلة بأنها تستعمل للجلوس، و التي تدل على أن المنطقة يرجح أن تكون أثرية .
و أضافت ابنة المتحدثة، و هي في العقد الخامس من العمر، بأنه تم العثور قبل عقدين تقريبا، عند القيام بعملية الحرث و أشغال بناء بالمنطقة، على ما يشبه الآثار الرومانية، و هي عبارة عن جرة و حجارة مصقولة في شكل صندوق، و آثار بئر.

رئيس بلدية بني حميدان، محسن طاهر، أوضح للنصر، بأن البرج الكائن في الجهة الشرقية من بلدية بني حميدان، و يبعد عن مقرها بـ2 كلم و نصف،  يحمل اسم برج بيلو، و هو اسم معمر فرنسي كان يستغل البرج و الأراضي الزراعية المحيطة به.
و أكد أن منطقة بني حميدان ككل، تزخر بآثار الحضارات المتعاقبة، ما جعلها تشهد إقبالا كبيرا للعائلات ليس على موقع تيديس الأثري فحسب، بل على مناطق أخرى أيضا، كمنطقة صويري و المارة و بوغوت و سيدي دريس و دار الواد، مشيرا إلى أنها أصبحت قبلة ثانية للعائلات بعد المريج، خاصة في عطل نهاية الأسبوع، في الفترة الممتدة بين شهري فيفري و أفريل.      
كورونا يميط اللثام عن مناطق ساحرة
التقينا بعديد العائلات التي اصطحبت أبناءها في آخر يوم من العطلة الشتوية، إلى برج بيلو، للاستمتاع بخضرة الطبيعة و نسيمها المنعش، و من بينها أربع أسر تنحدر من نفس العائلة، تقطن بإحدى بلديات قسنطينة، فأكد  لنا أفرادها الذين تحدثنا إليهم، بأن الأزمة الوبائية نبهتهم إلى مناطق طبيعية معزولة، لم يكونوا يعرفونها، و قالت لنا سيدة من أفراد نفس العائلة، بأن برج بيلو من المناطق النائية التي تتميز بثروة زراعية هائلة و تتمتع بمناظر خلابة، خاصة في هذا الفصل ، مضيفة بأن صديقتها كانت من سكان المنطقة، و هي التي دلتها عليها.  
و التقينا بسيدة أخرى كانت رفقة إخوتها الثلاثة و أولادهم الذين كانوا منهمكين باللعب و الركض وسط بساط الأعشاب الأخضر، فقالت لنا بأن منزلهم العائلي لا يزال ببرج بيلو، لكن منزلها الزوجي ببلدية حامة بوزيان، فيما يقطن إخوتها بمناطق أخرى بقسنطينة، و تحرص عند زيارة بيت والدها على الالتقاء بإخوتها و الخروج للتنزه وسط الطبيعة سيرا على الأقدام،  إلى غاية بلوغ أعلى البرج للجلوس بأريحية بعيدا عن المارة، فيقضون معا نحو خمس ساعات ثم  يعودون إلى البيت.
و أشارت إلى أنها تربت و ترعرعت بالمنطقة، التي تعتبرها منطقة زراعية و فلاحية بامتياز، و أيضا منطقة أثرية، و عادت بذاكرتها إلى طفولتها، مشيرة إلى  أنها كانت تعثر بعد حرث الأراضي الزراعية، أو اللعب مع إخوتها ،على قطع معدنية تشبه النقود، و كذا حجارة مصقولة ذات أشكال مختلفة، و جرات و أواني تدل على أن المنطقة أثرية، و يرجح أنها تخفي الكثير من الكنوز الأثرية تحت أنقاضها.
 و أضافت زوجة أخيها المقيمة بالمنطقة، بأنها لاحظت بأن نسبة الإقبال على المنطقة في ارتفاع مطرد ، خاصة في عطل نهاية الأسبوع، و ذلك من خلال العدد الكبير  من السيارات المركونة على قارعة الطريق، و هناك عائلات تفضل الجلوس على قارعة الطريق لارتشاف الشاي و القهوة، فيما تفضل عائلات أخرى السير على الأقدام و التغلغل في مرتفعات المنطقة و الاستمتاع بمناظرها الطبيعية الساحرة.
أ ب

الرجوع إلى الأعلى