إلى أقصى الحدود الغربية لولاية قسنطينة، تعيش العشرات من عائلات قرية الكيفان المشتتة بين بلديتي ابن زياد و وادي العثمانية بميلة، معاناة يومية في رحلة الذهاب والإياب إلى منبع الماء، كما تفتقر القرية لطرقات معبدة ولم يتم ربط منازلها بالغاز، إذ ما زال السكان يستعملون لليوم أغصان الأشجار وحتى فضلات الحيوانات في الطبخ و التدفئة.
   روبورتاج: لقمان قوادري
وزارت النصر القرية في يوم شتاء بارد بعد أن استمعنا لشكوى قاطنيها خلال زيارة وزير الموارد المائية و والي قسنطينة لقرية عين تراب ببلدية ابن زياد، حيث أطلق شباب وسكان الكيفان نداء استغاثة لانتشالهم من المعاناة التي يعيشونها منذ عقود بسبب ما وصفوه إجحاف التقسيم الإداري الذي جعل المكان مقسما إلى جزأين علوي تابع لولاية ميلة وسفلي تابع لابن زياد لتكون النتيجة «حرمانا» من المشاريع التنموية، رغم البحبوحة المالية التي عرفتها البلاد في وقت سابق.
وتقع قرية الكيفان على جانب الطريق البلدي الرابط بين بلديتي ابن زياد و وادي العثمانية في هضبة مرتفعة تحيط بها الصخور من كل جانب، كما يتراءى منها من بعيد صورة مسجد شيد فوق صخرة صلبة.
الحطب غير متاح للتدفئة
وصلنا إلى القرية في منتصف نهار يوم ممطر فكان أول ما شعرنا به هو البرد الشديد مقارنة بالمناطق المجاورة، وقد دخلنا عبر طريق غير معبدة لنصادف رجلا وهو يصعد أعلى الهضبة حاملا دلاء الماء وسط الصخور التي تحيط بمنازل الجهة العليا، قبل أن نلتقي بسكان خرجوا لتوهم من المسجد بعد أداء صلاة الظهر.
وقال السكان إنهم يعانون في صمت ولا يرون المسؤولين إلا في حالات نادرة، فلا طريق ولا ماء ولا غاز ولا كهرباء، متوفرة، و قد وقفنا على أن العائلات تستعمل فضلات الحيوانات للتدفئة، وهو ما يعرف محليا بطريقة «الوقيدة»، كما تطبخ في غرف دخانها يخنق الأنفاس باستعمال بقايا الأغصان، و لم تعد التدفئة بالحطب متاحة بقرية الكيفان فسعره المرتفع وندرته حرمهم حتى من هذه المادة، حيث زاد الأمر حدة بسبب طبيعة المنطقة الزراعية التي تعتمد على الحبوب وبعض الأشجار المثمرة.
وللشتاء مفهوم آخر بالنسبة لسكان الكيفان التي تتميز بمناظر طبيعية جميلة جدا قل وجودها بولاية قسنطينة، حيث أن هذا الفصل بالنسبة لهم مرادف للقر والوحل وملازمة البيوت والانقطاع عن الدراسة، ويؤكد قاطنو المكان أن الثلوج تحيط بقوة بالقرية وتعزلهم عن العالم الخارجي، إذ أن التنقل إلى ابن زياد لاقتناء حاجياتهم يصبح أمرا صعبا جدا، فهم لا يستمتعون، كما عبروا بالمناظر الجميلة، إذ أن قساوة العيش أنستهم في كل جميل يحيط بهم.
بئر ارتوازي معطل منذ سنوات
ويعتمد السكان على مياه منبع وحيد، في الشرب والغسل ومختلف استعمالاتهم اليومية، فالأطفال وحتى النسوة والشيوخ يقضون أيامهم في الذهاب والإياب بين المنزل ومصدر الماء حاملين دلاء لا تزيد سعتها عن 10 لترات، حيث ذكروا أن حاجة البيت الواحد من الماء لا تقل عن 200 لتر يوميا.
وما يزال المنبع على الحال الذي وجد بها قبل عقود، فهو عبارة عن حنفية قديمة يحيط بها حوض قديم في حين أن الوصول إليه في فصل الشتاء يتطلب حذاء من النيلون «بوط»، لأن الأوحال تغمر المكان، وإلا فإن المصير سيكون السقوط أو أن تعلق الأرجل وتتسخ كل الثياب. وقبل سنوات كانت القرية تتوفر على بئر ارتوازي، غير أن تعطل المضختين أوقف استخراج المياه من باطن الأرض ما تسبب في أزمة ماء خانقة.
ويتنقل التلاميذ يوميا عبر حافلات النقل المدرسي التي وفرتها بلدية ابن زياد، إلى قرية عين التراب للتمدرس في حين يتوجه تلاميذ المتوسطة والثانوية إلى ابن زياد، حيث عبر كبار القرية عن ارتياحهم لما توفره البلدية من خدمات لفائدة المتمدرسين لاسيما فيما تعلق بالإطعام والنقل.
ويقول محدثونا، إنهم لم يستفيدوا من الربط بشبكة الغاز رغم إحصائهم منذ فترة رغم أن القناة الرئيسية لا تبعد عنهم سوى بأمتار قليلة، مرجعين ذلك إلى وقوع القرية بين بلديتين.
ويضيف السكان أن عددا قليلا منهم استفاد من إعانات السكن الريفي، إذ أن غالبيتهم أودع الطلبات منذ أن أطلقت الدولة هذا النمط السكني دون أن يتحصل عليها، رغم أن جميعهم يحوزون على أوعية عقارية، وهي مشكلة يرجعونها أيضا التقسيم الإداري، حيث يطالبون وزير الداخلية بضرورة تثبيت انتمائهم لولاية قسنطينة كون بلدية ابن زياد هي من تتكفل بتدريس أبنائهم، كما ساهمت في إيصال الكهرباء للمنازل وتفك العزلة عنهم خلال الاضطرابات الجوية.
ويقول السكان إن بلدية العثمانية أنجزت قبل سنوات، شبكة الصرف الصحي كما قامت بإحصائهم مؤخرا، في حين طالبوا خلال زيارة وزير الموارد المائية و والي قسنطينة بضرورة تمكينهم من مختلف ضروريات العيش الكريم.
وقد أكد وزير الموارد المائية أرزقي براقي فضلا عن والي الولاية، أنهما سينسقان مع والي ميلة لإيجاد حلول لمختلف الانشغالات المسجلة لاسيما ما تعلق بالمياه والربط بشبكات الغاز، فيما ذكر السكان أنهم لم يصنفوا حتى ضمن مناطق الظل وطالبوا بإدراجهم ضمن هذا التصنيف حتى يستفيدوا من برنامج رئيس الجمهورية الموجهة لهذه النقاط.
وأوضح رئيس بلدية ابن زياد ياسين مهناوي للنصر، أنه وبعد التدقيق في مخطط الخريطة المساحية، تبين أن الكيفان تابعة لولاية ميلة باستثناء عدد من المنازل بالجهة السفلية للقرية، مشيرا إلى أن وقوعها في تلك النقطة الحدودية جعلها محطة شد وجذب قبل أن تتحقق البلدية من الأمر مؤخرا.
ولفت محدثنا، إلى أن ابن زياد تتكفل بتمدرس كل تلاميذ القرية إذ وفرت لهم حافلات النقل المدرسي فضلا عن الإطعام، كما زودت السكنات بالكهرباء وأجرت عمليات صيانة للطريق المؤدي إليها، غير أن وقوع الجزء الأكبر منها ضمن إقليم ولاية ميلة، حال دون ربطها بالغاز وتزويدها بالمياه، مشيرا إلى أن بلدية وادي العثمانية قامت باستبدال ترقيم المنازل المعتمد سابقا من مصالحه بعد أن أجرت عملية إحصاء مؤخرا.

الرجوع إلى الأعلى