المضاربون يلهبون أسعار التمور
* منتجون سوّقوا أغلب ماجادت به الواحات خوفا من الكساد
تعرف أسعار تمور دقلة نور ذات النوعية الجيدة و بمعظم نقاط البيع بالتجزئة في أغلب مدن ولاية بسكرة، ارتفاعا كبيرا بفارق يزيد عن 250 دج في الكيلو غرام الواحد، بعد أن وصل السعر إلى حدود 750 دج مقارنة بالأيام الماضية التي تأرجح  فيها بين 350 و 500 دج، حسب النوعية، و ذلك أياما قليلة قبل الشهر الفضيل.
روبورتاج  :ع/بوسنة 
الزيادة المسجلة، أرجعها الكثير من الباعة إلى نقص الكميات ذات الجودة العالية، ما جعلها في غير المتناول، خاصة في ظل ضعف الكميات المخزنة في غرف التبريد التي لم تكف لتغطية احتياجات السوق المحلية و تلبية طلبات خارج إقليم الولاية، في ظل ارتفاع معدل التصدير لوجهات مختلفة مقابل تدخل الوسطاء في العملية و الذين ألهبوا الأسعار تزامنا مع اقتراب المناسبة الدينية.
و هي الأسعار التي وصفها كثير من المستهلكين بغير المعقولة، في منطقة يعد النشاط الزراعي بها العمود الفقري لاقتصاد الولاية و يرتكز على عدة نشاطات من بينها زراعة النخيل، خاصة المنتجة لدقلة نور المتمركزة خصوصا في الجهة الغربية للولاية، على غرار مناطق طولقة، لغروس، فوغالة و غيرها من المناطق المنتجة لأحسن الأنواع ذات الجودة العالمية.
و للوقوف على حقيقة الأسعار، كانت لنا جولة استطلاعية إلى بعض نقاط البيع و سوقي الحاجب و طولقة، أين سجلنا ارتفاعا كبيرا لأسعار التمور ذات النوعية الرفيعة و التي لم يستطع ذوو الدخل البسيط اقتناءها لأنها لا تتناسب مع قدراتهم الشرائية، مطالبين الجهات الوصية بمراقبة التجار الذين في كل مرة يرفعون الأسعار خاصة في الشهر الفضيل، رغم وفرة المنتوج الخريف الماضي.
كما لاحظنا خلال ذات الجولة ، أن أسعار النوعية الأولى في شكل عرجون و شمروخ، قفزت في ظرف قصير من 500 دج إلى 700 دج و في بعض الأحيان تباع بـ 750 دج، أما النوعية الثانية، فقد تجاوز سعرها 400 دج، بقية الأنواع الأخرى مسها كذلك الارتفاع الذي تفاجأ به المواطنون، خاصة و أن شهر رمضان على الأبواب.
و بسوق الجملة لمدينة طولقة، أجمع الكثير من الباعة على أن الأسعار ارتفعت بشكل مضاعف تقريبا و هي مرشحة للارتفاع خلال، اليومين القادمين، لتصل إلى سقف 1000 دج، بالنظر لزيادة الطلب و قلة العرض.
حيث أكد محدثونا، على أن سعر الجملة الذي كان يتأرجح حسب النوعية من 200 إلى 450 دج للكيلوغرام، وصل إلى غاية 600 دج بالنسبة للعرجون، فيما بلغ سعر الشمروخ 550 دج، مرجعين السبب إلى نفاد المخزون داخل غرف التبريد، بعد أن لجأ أغلب المنتجين لبيع المنتوج في وقته، حيث بيع حوالي 70 بالمائة من إجمالي الإنتاج و بأسعار في المتناول، تراوحت بين 150 و250 دج، خوفا من تداعيات جائحة كورونا و تكدس التمور مثلما حدث الموسم الماضي، إلى جانب ارتفاع معدل التصدير هذا الموسم في ظل التسهيلات المقدمة.
منتجــون: زيادة الإقبال وراء ارتفاع الأسعار
و بحسب بعض المنتجين، فإن الزيادة المسجلة في أسعار التمور، هذه الأيام، ترجع إلى الإقبال الكبير للمتسوقين خاصة من خارج الولاية و رغم الكميات المخزنة خلال الأسابيع الماضية بغرف التبريد، إلا أنه سجل نفاد للمخزون لدى الكثير من المكيفين بمدينة طولقة و ما جاورها، باعتبارها عاصمة للتمور الجزائرية.
حيث حمّل عديد المنتجين المسؤولية للوسطاء، الذين عادة ما يكونون وراء التهاب أسعار التمور المطلوبة بكثرة في شهر الصيام، حيث ينشطون خلال موسم الإنتاج، من خلال تكديس كميات معتبرة قبل تسويقها تزامنا مع الشهر الفضيل و بأسعار مضاعفة.
و مقابل الإقبال الكبير من طرف المتسوّقين، خاصة من خارج الولاية، جعل مخزون النوعية الممتازة المعروفة بدقلة طولقة، ينفد بسرعة لدى الكثير من المنتجين و مكيفي التمور، الأمر الذي قلل من نسبة العرض على مستوى نقاط البيع المختلفة.
فيما أرجع منتجون آخرون سبب الارتفاع في أسواق التجزئة و مختلف نقاط البيع، إلى تعمد بعض التجار و المنتجين احتكار المحصول و تخزينه بكميات معتبرة داخل غرف التبريد، قصد بيعه بأسعار مضاعفة في شهر الصيام و أكد أحد المنتجين، على أن سعر الجملة في الخريف الماضي، تأرجح بين 300 و 400 دج للكليوغرام في أحسن الأحوال و ذات نوعية رفيعة، زيادة على تكدس المنتوج داخل غرف التبريد بسبب جائحة كورونا، لكن تزايد الإقبال و ارتفاع معدل الطلب محليا و خارجيا، قلص من حجم الكميات المخزنة بشكل كبير خلافا للموسم الماضي.
و أكد في سياق حديثه، على أن المنتوج عادة ما يطرح من جانبهم بأسعار في المتناول خلال مرحلة الجني، إلا أن نشاط الوسطاء و اقتنائهم لكميات معتبرة لتخزينها في سبيل فرض الندرة في السوق، قبل تسويقها بأسعار مرتفعة بفعل تزايد الطلب و نقص العرض، زيادة على متطلبات نقل المنتج الفلاحي من المزرعة للمستهلك و ما يصاحبها من تكاليف مالية و هو ما يجعل الأسعار ترتفع إلى مستويات قياسية أحيانا.     
و في السياق، ذكر المنتج (ي.ع) للنصر، أن مشاكل اليد العاملة، التخزين و النقل التي يواجهها الكثير من أصحاب المزارع و المستثمرات الفلاحية، مازالت تطرح بحدة، مما يزيد من أعبائها و تكاليفها و توزيعها بمختلف مناطق الوطن، مشيرا إلى أن مشكلة الارتفاع في الأسعار لا يتحمله المنتج و إنما تدخل فيه عدة أطراف تجارية إلى غاية وصوله للمستهلك.
و قد ضاعفت الأسعار المرتفعة من مخاوف المستهلكين الذين يتوقعون بدورهم ارتفاع الأسعار خلال، اليومين القادمين، بسبب زيادة الطلب و نشاط المضاربين، رغم أن وفرة منتوج الخريف الماضي، شكلت مؤشرا إيجابيا على استقرار الأسعار بما يتلاءم و القدرة الشرائية للمواطن داخل الولاية و خارجها، خاصة في منطقة تعد مرجعية في مجال إنتاج التمور من شتى الأصناف و في مقدمتها صنف دقلة نور ذات الجودة العالمية .
مطالب بتوفير غرف التبريد  
عبّر العديد من المنتجين بمناطق سيدي عقبة و ما جاورها في الجهة الشرقية للولاية، عن قلقهم من النقص الفادح في غرف التبريد بالمنطقة و ما جاورها، حيث حتم هذا الأمر عليهم بيع المنتوج في آجاله بأسعار منخفضة، في سبيل التخلص منه لتفادي تكدسه و تكبدهم لخسائر كبيرة في ظل ارتفاع تكاليف العملية و قلة اليد العاملة و عزوف الشباب عن العمل في بساتين النخيل و هو ما قد يرهن مستقبل هذه الزراعة حسبهم.

و حسبهم، فإن انعدام غرف التبريد أثر سلبا على نشاطهم كما أثر على السوق المحلية، بعد دخول الوسطاء في العملية، حيث يشترون منهم الإنتاج بأقل الأثمان، ليتم تخزينها داخل غرف التبريد بمناطق أخرى من الولاية، قبل إعادة بيعها بأسعار مضاعفة لثمن الشراء.
و يأمل المنتجون تدارك هذا الوضع من خلال استفادتهم من مختلف صيغ الدعم و الاستثمار في مجال غرف التبريد و المساهمة في تخفيض أسعار التمور و جعلها في المتناول.
فيما يرى تجار التجزئة الذين عادة ما توجه لهم أصابع الاتهام كلما التهبت الأسعار برفع هامش الفائدة التي يتحملها البسطاء من المواطنين، أنهم الحلقة الأضعف في سلسلة الربح، مؤكدين على أن كبار السماسرة  على مستوى أسواق الجملة، هم السبب الرئيسي في غلاء الأسعار، لتعدد الوسطاء خاصة إذا علمنا بأن سعر الجملة في سوق طولقة، عرف ارتفاعا مماثلا مع احتساب بعض التكاليف الإضافية.
و يرى هؤلاء، بأنه و بعملية حسابية بسيطة، فإن هامش الربح لدى التجار الكبار، يصل تقريبا إلى الضعف و أن جشع بعضهم ساهم في رفع أسهم النوعية الممتازة على وجه التحديد، بالنظر إلى الإقبال الكبير عليها في الأسواق المحلية و الخارجية، اعتبارا لقيمتها الغذائية، خاصة بعد تصنيفها بتمور دقلة نور طولقة. و اتهم التجار في حديثهم للنصر، بعض المضاربين الذين تعمدوا الرفع من هامش الربح و ما أفرزه من عزوف العديد من التجار على مواصلة النشاط التجاري بسبب الأسعار المرتفعة، الأمر الذي ساهم في تقلص عدد التجار، مؤكدين على أن ارتفاع الأسعار بمناطق الإنتاج، حال دون إمكانية المواصلة أو ترويجها في ولايات أخرى.
 شهر رمضان.. فرصة للمضاربة
أكد رئيس لجنة الاستثمار بالمجلس الشعبي الولائي، عبد المجيد خبزي، على أن البعض يستغل المناسبة الخاصة بالشهر الفضيل
و زيادة الطلب على النوعية الرفيعة من قبل تجار باقي الولايات لرفع أسعارها بأشكال مضاعفة. موضحا في سياق حديثه، بأن كثرة الطلب و تزايد عدد المضاربين، ساهم بقسط كبير في ارتفاع أسعار البيع، مستغلين نقص الكميات بعد أن عمد أغلبهم لتخزين المنتوج داخل غرف التبريد، من أجل فرض منطقهم و تسويقه بأسعار باهظة في مثل هذه المناسبات التي تعرف ارتفاعا في معدل الطلب.
نافيا أن يكون عامل التصدير سببا في ارتفاع الأسعار، لكون العملية تشمل أنواعا أخرى من التمور تصنف في الدرجة الثانية.
من جهتهم أعرب بعض المواطنين ممن التقيناهم في بعض محلات البيع، عن تذمرهم من الارتفاع الكبير لأسعار التمور ذات النوعية الممتازة، خاصة و أنها ارتفعت كثيرا عما كانت عليه سابقا، الأمر الذي يتطلب حسبهم تدخل الجهات المعنية من أجل ردع هؤلاء التجار و إعطاء تفسيرات مقنعة لذلك.
و أكدوا على عدم قدرتهم على شرائها رغم كونها ضرورية في ظل فوائدها الصحية و تعودوا على استهلاكها في شهر رمضان، حيث ليس بإمكان أصحاب الدخل المحدود، على حد قولهم، شراء ولو القليل منها أمام تواصل ارتفاع الأسعار و عدم امتثال الباعة و تقيدهم بالأسعار المعقولة.
فيما أكد بعضهم، على أنهم اضطروا لاقتناء أنواع أخرى من التمور تحضيرا للشهر الفضيل، على غرار الغرس، رغم أن أسعاره عرفت هي الأخرى ارتفاعا، حيث وصلت إلى 150 دج بعدما كانت تتأرجح بين 60 إلى 80 قبل أسابيع و أنواع أخرى تعرف باليابسة في مقدمتها «مش دقلة».
الوفرة لم تعد معيارا لانخفاض الأسعار
و لم تشفع وفرة الإنتاج في انخفاض الأسعار، رغم ارتفاع المعدل الموسم الماضي و الذي قدرته المصالح الفلاحية بـ 4.6 ملايين قنطار من مختلف الأنواع، نتيجة لدخول آلاف النخيل مرحلة الإنتاج، في ظل السياسة المعتمدة لتشجيع زراعة النخيل، بعد أن أصبحت الولاية تحصي ما يزيد عن 4.5 ملايين نخلة، منها حوالي 3 ملايين نخلة منتجة لصنف دقلة نور ذات الجودة العالمية، أي ما يمثل 60 بالمائة من إجمالي العدد، في ما تسجل الأنواع الأخرى نسبة 40 في المائة موزعة على عدة أنواع تزيد عن 300 نوع محلي.
في حين يتوقع مختصون في مجال الإنتاج، أن يكون الموسم القادم أفضل بكثير من الموسم المنقضي، بسبب العوامل الطبيعية الملائمة، زيادة على السبل المنتهجة في تقوية القدرات الإنتاجية و السعي الجاد لتطوير شعبة النخيل، إضافة إلى دخول آلاف فسيل النخيل بمعظم المناطق الغابية، خاصة في الجهة الغربية للولاية، مرحلة الإنتاج و اعتماد معظم المنتجين بالمناطق المذكورة على تقنيات حديثة وفق ما يقتضيه العمل الفلاحي المتطور، دعما للإنتاج الفلاحي، خاصة ما تعلق بإنتاج التمور و تطور سبل زراعة النخيل.       
ع/ب

الرجوع إلى الأعلى