الجفـــاف يهدّد زراعــــة المشمش بمشـــاتي  معافـــة
تقع بلدية معافة عند مخرج ولاية باتنة جنوبا و على مشارف بوابة الصحراء بسكرة و بين المرتفعات الجبلية التلية، ، أو جبل لقرون كما كانت تُعرف سابقا، و هي بلدية ريفية جبلية تابعة لدائرة عين التوتة، يتطلع سكانها إلى الخروج من دائرة مناطق الظل، خاصة بعد أن عانت الويلات في العشرية السوداء. و لقد استفادت البلدية التي سلطت «النصر» الضوء عليها من خلال هذا الروبورتاج، من مشاريع لفك العزلة غيّرت وجهها تنمويا، غير أن هاجس  المياه الصالحة للشرب و الموجهة منها للسقي، يبقى يؤرق السكان الموزعين على تجمعات برباط، مولية، تاسرغينت، إيزمورن و تافرنت، مؤكدين أن المياه وحدها تضمن استقرارهم و تحافظ على النشاط الفلاحي، خاصة  الأشجار المثمرة، حيث تعرف المنطقة بإنتاج أجود أنواع المشمش.
روبورتاج: يـاسين عبوبو
 سكان يشربون مياها حمراء بسبب الكبريت

يشتكي قاطنو مشاتي بلدية معافة، من أزمة ماء و شح و تذبذب في التوزيع يزداد خلال فصل الحر و هو ما بات هاجسا يؤرقهم، حيث و خلال تنقلنا عبر قريتي تاسرغينت و بلعيد، طرح المواطنون بشدة مطلب المياه الصالحة للشرب، فضلا عن مياه السقي الفلاحي، كما عبَر المواطنون عن معاناتهم في البحث عن صهاريج المياه لاقتنائها، بعد أن أصبح سيناريو مألوف في حياتهم اليومية
أحد قاطني تاسرغينت و هو موظف سابق بالأمن الوطني و مكفوف، أصر على مرافقتنا إلى مسكنه للتحقق من نوعية المياه التي تصلهم و التي وقفنا على احمرار لونها، مشيرا رفقة عدد من جيرانه، إلى تلف الصهاريج المعدنية بسبب نوعية المياه، معبرين عن امتعاضهم لاستمرار تزويدهم بمياه غير صالحة دون إيجاد حلول منذ سنوات.
و أكد   رئيس جمعية حي أوهاس بقرية تاسرغينت، كريم مدور، الذي رافقنا في جولتنا بقريته،   على عدم صلاحية المياه   التي تصلهم للشرب، بعد أن أخضعت للتحاليل و قال بأن تلك المياه يستغلونها فقط في الاستعمال المنزلي، مشيرا إلى أن نوعية المياه و احمرارها ناتج من المصدر، حيث و بعد أن تنقلنا إلى خزان المياه الذي تنطلق منه شبكة التوزيع، ليس ببعيد عن قرية تاسرغينت، تنقلنا إلى قرية بلعيد المجاورة بذات البلدية، التي أكد قاطنوها على معاناتهم من مشكلة التزود بالمياه.
و ما لفت انتباهنا خلال تنقلنا بين قرى معافة و شوارعها، هو أن الطرقات معبدة و قد أنجزت مشاريع للتهيئة حديثا، حتى أن بعض المسالك و على الرغم من صعوبتها، فقد تمت تهيئتها و تم تعبيدها إلى غاية سكنات   متناثرة هنا و هناك، ما يبين المجهودات التنموية للدولة التي بذلت لفائدة ساكنة المنطقة و هو ما لم ينكره من تحدثنا إليهم، غير أن حاجتهم الماسة لمياه الشرب و مياه السقي الفلاحي، أضحت أولوية، على حد قولهم.
كما لاحظنا أنه تم توزيع استفادات واسعة من البناءات الريفية بهذه المنطقة الجبلية على امتدادها إلى غاية بلدية بني فضالة الحقانية، فيما بدت  بعض السكنات غير مأهولة.
و بقرية بلعيد، تساءل المواطنون عن سبب عدم استغلال بئر جاهزة، خاصة بعد أن تبين حسبهم وفرتها على المياه بمنسوب عال و هو ما أكده نائب رئيس جمعية الأمل بقرية بلعيد، مني عمار، الذي قال بأن استغلال المياه لفائدة السكان من البئر الجديدة، بات حاجة ملحة و أضاف بأن المواطنين لا يعلمون سبب عدم استغلالها.
أما بقرية بلعيد، فقد وجدنا أبواب قاعة العلاج موصدة، رغم توفرها على سكن وظيفي جاهز مخصص للطبيب، حيث أوضح كل   رئيس جمعية أوهاس و  نائب رئيس جمعية الأمل، بأن القاعة   تقتصر خدماتها على تطعيم الأطفال كل يوم اثنين، مؤكدا على أن المرضى يتوجهون في غالب الأحيان إلى    عين التوتة أو القنطرة.
  «التويزة» و الصهاريج لإنقاذ ما تبقى من بساتين المشمش
تُعرف بلدية معافة الجبلية، بإنتاجها للنوعية الجيدة و المميزة من فاكهة المشمش، حيث تترامى بساتين المشمش و مختلف الأشجار المثمرة على ضفاف الوديان، غير أن جفاف المجاري المائية عمَا كانت عليه في سنوات خلت، أثر حسب الفلاحين الذين التقينا بهم على النشاط الفلاحي، سواء تعلق الأمر بالأشجار المثمرة أو تربية المواشي.
و قد حذر هؤلاء   من جفاف مساحات من البساتين، بسبب انعدام المورد المائي   و اصطدامهم بعدم الترخيص بحفر الآبار الفلاحية.

و أمام خطر الجفاف الذي يهدد الآلاف من الأشجار المثمرة في معافة، بادر حوالي 80 فلاحا بإقامة «التويزة» في منطقة تاسرغينت، لإنقاذ أشجارهم بإمكانياتهم الخاصة، حيث جمعوا أزيد من 400 مليون سنتيم، غير أن البئر الموجهة للسقي حسب الفلاح و الموال، قاقي مختار، الذي التقيناه و هو يرعى غنمه، غير كافية لسقي كافة البساتين، مبديا تحسره لجفاف العديد منها  .
و قال هذا الفلاح و هو من أعوان الحرس البلدي سابقا، بأن غيرته و حبه للأرض، جعلاه يرفع السلاح و يكافح ضد الإرهاب خلال العشرية السوداء و يواصل الكفاح بممارسة الفلاحة لإحياء أرضه.
كما أكد الموال على استعانته بصهاريج المياه طيلة ثماني سنوات حتى لا تجف أشجاره، في وقت أشار إلى استسلام فلاحين اضطروا لترك أراضيهم بسبب غياب المياه، مضيفا بأن نقص المياه بات يرهن ممارسة النشاط الفلاحي و أن انعدام مورد السقي   بات أيضا يشجع الشبان على مغادرة القرية بحثا عن فرص عمل بعيدا عن الفلاحة.
و التقينا   بمنطقة تاسرغينت ببشير مني  وهو فلاح طاعن في السن   الذي ما إن سمع بتواجد الصحافة في المنطقة، حتى قدم مسرعا رغم تقدمه في السن و ضعف بصره،    متحسرا عن جفاف أرضه التي مازال متمسكا بها، بعد أن ألح علينا لمرافقته والوقوف على ما آلت إليه أشجاره التي   تحولت إلى مجرد جذوع و أغصان يابسة.
و في جولتنا عبر بعض البساتين بين تاسرغينت و بلعيد، تأسف رئيس جمعية أوهاس كريم مدور، لاحتمال إلغاء تظاهرة عيد المشمش هذه السنة، و هذا بفعل تضرر و تراجع مساحات إنتاج هذه الفاكهة بسبب الجفاف.
كما تأسف رئيس الجمعية لمنع حفر الآبار الذي عمق الأزمة، فيما تحدث فلاحون عن مشروع حاجز مائي قالوا بأنهم سمعوا خلال سنوات بأنه سينجز كحل لحشد المياه السطحية الموجهة للفلاحة بالمنطقة المجاورة بني فضالة، مؤكدين حاجتهم لهكذا مشاريع.
التنقل بين مشاتي معافة سيبهر الزائر حتما بجمال الطبيعة الجبلية و سيمتعه بألوان الربيع عبر البساتين، كما سيكتشف تراث المنطقة الذي تزخر به من مساكن حجرية و طينية باتت اليوم مهجورة، حيث يتواجد في المنطقة ضريح سيدي يحي،  و التنقل اليوم بين مختلف المناطق بات سهلا بفضل تعبيد و شق الطرقات، منها الطريق الرابط بين معافة و بوزينة و الذي لطالما كان حلما للسكان كونه يختصر المسافة التي كانوا يضطرون سابقا لقطعها عبر بلديات الجهة الشرقية.
كما يؤكد مواطنون، على أنه و ناهيك عن مشاريع الطرقات المنجزة التي فكت العزلة  ، فإن الفضل الأول يرجع لاستتباب الأمن كون المنطقة عانت أيضا خلال العشرية السوداء.
جدل يلغي مشروع مصبّات الصرف الصحي
يطالب سكان قرية تاسرغينت التي تعد أكبر تجمع سكني ببلدية معافة و التي تضم أزيد من 1500 نسمة إلى جانب تجمعات سكنية مجاورة، بإنجاز شبكة  الصرف الصحي كمطلب أساسي، إلى جانب   توفير المياه الصالحة للشرب، حيث تفتقد   تاسرغينت و أغلب التجمعات  ببلدية معافة لشبكات الصرف و مازالت العائلات تعتمد على الطرق التقليدية مثل استعمال  حفر   للتخلص من مخلفات الصرف خارجا أو عبر مسالك ترابية و هو ما يفسر ما وقفنا  عليه  من جريان مياه تنبعث منها روائح كريهة.
ممثلا الجمعيتين و إلى جانب مواطنين أكدوا على أن إنجاز شبكة الصرف   بات ضروريا موازاة مع التوسع العمراني و ازدياد الكثافة السكانية، حيث أشار عمار مني إلى تضرر جدران سكنات بسبب تشبع الأرضيات لسنوات بمياه الصرف، ناهيك عن تحولها إلى مصدر تلوث على غرار ما وقفنا عليه أمام مدرسة مولود مدور بقرية بلعيد، أين تتدفق المياه الملوثة   وتنتشر بمحيط المؤسسة  ، ما يشكل خطرا  ، حيث وعد «المير»   على إحاطة المصب بسياج، مرجعا تشبعه إلى استغلاله من طرف مواطنين، رغم أنه مخصص  للابتدائية.
و في الوقت الذي يلح فيه مواطنون   على ضرورة إنجاز قنوات الصرف الصحي التي تعد أولوية قصوى بسبب ما نجم عن غياب نظام تصريف من  تلوث و تهديد للصحة العمومية، كشف «المير» عن اعتراض مجموعة من المواطنين و الفلاحين على مشروع تم تسجيله في وقت سابق للصرف الصحي،   حيث رفضوا   تحويل مجاري و وديان إلى مصبات    ما يهدد النشاط الفلاحي حسبهم، الأمر الذي حال حسب «المير» دون تجسيد المشروع  .
كما كشف رئيس بلدية معافة، إبراهيم مدور، عن تعيين مكتب     لإعداد دراسة مجدية، خاصة في ظل التوسع العمراني  ، على أن تراعي الدراسة مطلب المواطنين بعدم تلويث المجاري و الوديان  ، موضحا بأن البلدية و بعدما أخذت الدراسة على عاتقها ستحولها فور انتهائها، على السلطات العمومية، لأن قيمة المشروع تفوق إمكانيات البلدية.
طبيعة الملكية العقارية تحول دون حفر آبار  

 و أقر رئيس بلدية معافة بتسجيل عراقيل تجاوزت إمكانيات و قدرات البلدية في المجال الفلاحي، خاصة ما تعلق بالطبيعة القانونية للملكية العقارية و قال بأن الإشكال يطرح بصفة خاصة في مناطق إزمورن، برباط و تاسرغينت، أين يطالب الفلاحون برخص لحفر الآبار   و لم يتم تمكينهم من ذلك، مضيفا بأن البلدية مكنت بعض الفلاحين ضمن إقليم العقار الذي هو ملك لها من شهادة استغلال، و  تقدمت بطلب لدى  أملاك الدولة من أجل التنازل أو إيجاد صيغة لتمكين الفلاحين من عقود الامتياز.
و أكد «مير» معافة، على أن بلديته تغير وجهها تنمويا في السنوات الأخيرة، بفضل   مجموعة من المشاريع، منها إنجاز طرقات بتجمعات إيزمورن، بوكرش و أسردون، بالإضافة إلى ربطها بقنوات الصرف الصحي، كاشفا عن تسجيل 5 مشاريع في إطار مناطق الظل موجهة للمناطق الريفية.
أما بخصوص   توفير المياه الصالحة للشرب لسكان تاسرغينت و نظرا لتصاعد الكبريت، فأوضح «المير» بأن المنقب يتم استغلاله بموجب محضر  و بموافقة السكان لاستغلاله في الاستعمال المنزلي فقط.
كما أضاف « المير»، بأنه تم حفر منقبين، واحد في قرية أوهاس تاسرغينت، تبين أن مياهه حمراء اللون بسبب الكبريت و الآخر بقرية بلعيد و هو   غير  مستغل، موضحا بأن البئر الثانية مازالت غير مستغلة لتراجع منسوب مياهها رغم رصد غلاف مالي يفوق مليار سنتيم في إطار مناطق الظل، لتجهيزها و ربطها بالكهرباء و ربط ذلك بالاستعانة بخبير لتأكيد مدى توفر المياه، حتى لا تضيع الأموال  .
و عن  تمديد   الربط بشبكتي الكهرباء و الغاز التي كانت من مطالب المواطنين،  أكد المسؤول   أن بلدية معافة حققت تغطية شاملة بخصوص الربط بالكهرباء و لم يتبق سوى 38 سكنا في منطقة تاسرغينت، لعدم إتمام أصحابها لأشغال البناء.
فيما تم إحصاء 132 عائلة في   إيزمورن و تاسرغينت، لم يتم ربطها بالغاز بعد، حيث أخذت سونالغاز على عاتقها ربط السكنات المتبقية   قريبا، و هو ما من شأنه تحسين إطار الحياة لسكان هذه البلدية الريفية، التي يبقى توفير مياه الشرب و السقي  ، أولوية لضمان الاستقرار و الحفاظ على النشاط الفلاحي.

الرجوع إلى الأعلى