تراجع في الإنتاج والبناء الفوضوي يهدد ما تبقى من البساتين
تتوقع مديرية المصالح الفلاحية لولاية المسيلة، تراجع إنتاج المشمش هذا الموسم، إلى حوالي 300 ألف قنطار،   بعدما شهدت هذه الشعبة تقلصا في المساحة  خاصة على مستوى محيط سد القصب الذي فقد العشرات من البساتين ، أين انكمشت مساحة  الأشجار   من حوالي 1200 هكتار، إلى ما دون 300 هكتار، بسبب موجة الجاف التي ضربت منطقة الحضنة على مدار 7 سنوات .
روبروتاج فارس قريشي
تشير أرقام مديرية المصالح الفلاحية، إلى أن المساحة المغروسة تقدر بحوالي 5075 هكتارا، منها 3795 هكتارا مساحة منتجة لفاكهة المشمش باجمالي 1 مليون شجرة، حيث تم خلال الموسم الفلاحي المنصرم، جني حوالي 303 آلاف قنطار من هذه الفاكهة بمردود إجمالي يقدر بـ 80 قنطارا في الهكتار الواحد، موزعة على مناطق، الخبانة، امسيف، المعاريف، الحوامد، بوسعادة و محيط سد القصب، و هي أقطاب فلاحية تتربع على مساحة تفوق 2500 هكتار ، منها محيط القصب، بما يقل عن 300 هكتار حاليا.
خسارة 1200 هكتار من الأشجار المثمرة
و ظلت مساحات محيط سد القصب المسقية التي تمتد من منطقة بوخميسة إلى الحدود مع بلدية المطارفة، خلال السنوات الأخيرة، في حالة من الانكماش و الإتلاف، حيث تعرض الفلاحون بالمنطقة إلى غاية سنة 2017، إلى خسارة أكثر من 1200 هكتار أغلبها أشجار المشمش، فيما تقلصت المساحة المسقية من السد إلى أدنى من 4 آلاف هكتار، بعدما كان يسقي حوالي 13 ألف هكتار سابقا و ذلك بسبب حالة الجفاف و تراجع المنسوب من 29 مليون متر مكعب، إلى أقل من 11 مليون متر مكعب حاليا، و ضاعفت عملية تنظيف السد التي انطلقت منذ سنة 2001 إلى يومنا ، من حجم المشكلة بفعل رمي كميات الطمي التي ساهمت طيلة العشريتين الماضيتين في ارتفاع مستوى الوادي.
إلى جانب تأثيرات الفيضان الذي ضرب المنطقة سنة 1994، حيث تسبب حينها في إتلاف مئات الهكتارات و اقتلاع آلاف الأشجار  المثمرة ، و أدخل حوالي 1200 فلاح كانوا يقتاتون من هذه البساتين الغناء، في دوامة من المشاكل.  
النصر و في جولة استطلاعية إلى منطقة سد القصب انطلاقا من أحياء البراج و بوخميسة الشمالية و الوسطى و أولاد بوقرة و السرارية و أولاد سلامة و أولاد دهيم و المواهبية و العرسان و الكرامشية و البيزانة، وقفت على الوضع الصعب الذي يعيشه العديد من فلاحي المنطقة الذين يدفعون مخلفات سنوات من القحط و تراجع  الموارد المائية للسد.  
وقفنا في محيط سد القصب لا يسر الناظرين، حيث يكشف المنظر عن إبادة تعرضت لها بساتين المشمش سواء  بحرقها و اقتلاعها، ليزيح الاصفرار  خضرة عرفت بها  تلك المساحات،  بعد أن كان المحيط   قبلة التجار من جميع نواحي البلاد في موسم جني المشمش، على اعتبار أن المنتوج كان يضم أجود الأنواع في صورة،  البليدة و اللوزي و البافي و التونسي  .
أزمة سقي والصهاريج لمن استطاع

 وقال الفلاح «سالمي إبراهيم» ببوخميسة     للنصر، بأنه تكبد خسائر كبيرة كلفته اقتلاع 1200 شجرة مشمش خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب موجة الجفاف و التي أدت إلى تنامي خطر حشرة الكابنوت التي قضت على ما تبقى من أشجار، مؤكدا على أنه و أمام هذا الواقع الكارثي، اصطدم بصعوبة الحصول على رخصة حفر بئر، في حين أن ظروفه المالية لم تسمح له بالاستمرار في السقي عن طريق الصهاريج، ما دفعه إلى التخلي عن مئات الأشجار المثمرة بشكل مأساوي.
و على بعد أمتار قليلة، وقفنا على وضعية الفلاح «ميهوبي مسعود» بمنطقة المواهبية و صادف تواجدنا قيامه بسقي محيطه  عن طريق صهاريج ، مشيرا إلى أن السقي بهذه الطريقة كلفه 3 ملايين سنتيم خلال أيام معدودات، و هو ما أثقل كاهله، حيث يرى أن سوء تسيير الري الفلاحي،  ضاعف  من مشاكلهم، و «هو ما يهدد النشاط مستقبلا».
كما يرى عدد من الفلاحين  التقيناهم في عين المكان، أن آلاف الفلاحين لم تعد تصلهم مياه السد، بعد أن أصيبت السواقي الهوائية التي كانت مصدرا لحياة حوالي 13 ألف هكتار منذ انجاز هذه المنشأة المائية بداية   الخمسينات،  وكان يتربع على 4800 هكتار مقسمة إلى منطقتين، الأولى منطقة مشجرة و بها بساتين من الخضراوات و الثانية مخصصة لزراعة الحبوب و الأعلاف تقدر مساحتها بـ 3600 هكتار.
و انتقد هؤلاء عملية تنظيف سد القصب التي امتدت لأكثر من 15 سنة و التي يرون أنها غير ناجعة بالشكل الحالي، مقترحين أن يتم انجاز آبار في محيط المنشأة  لتعبئة حوض مياه السد و منها إعادة ضخ المياه للفلاحين، وهذا  لتوفير كميات هامة من المياه التي هي أصلا موجودة على عمق قريب.
تحذيرات من  أخطار الطمي على الوادي
ويقول محدثونا، بأنهم يتخوفون من عملية تنظيف سد القصب و إزالة الطمي و أن لهم أسبابهم، رغم تأكيد ديوان المساحات المسقية في وقت سابق قدرته على تصريف حوالي 7 ملايين متر مكعب من مياه السد، الذي يحوي 12 مليون متر مكعب، بعد عمليات التنظيف بالباخرة و فتح واحدة من قناتي السد الاثنتين  اللتين تعرضتا للانسداد بالطمي، بينما تتجاوز طاقة استيعابه 29 مليون متر مكعب، فيما يؤكد القائمون على  التنقية،   أن 40 بالمائة من الطمي تم التخلص منه منذ بداية العملية سنة 2001  
و يضيف الفلاحون، بأن عملية تنظيف السد تطرح اشكالية التعامل مع مخلفات الطمي في الوادي، ما تسبب في ارتفاعه و هو ما يهدد سلامتهم،  حيث طالبوا بضرورة إحياء مشروع تشجير جانبي السد و الذي التزمت به  وزارة الموارد المائية   قبل سنوات، حيث أعلن الوزير آنذاك حسبهم عن التحضير لمشروع تشجير ذي طابع وطني، إضافة إلى   مشروع شرع في انجازه قبل أشهر، يتعلق بإعادة تأهيل شبكة السقي التي مسها الاهتراء بغلاف مالي يقدر بـ 111 مليار سنتيم و   توسيع المساحات المسقية بولاية المسيلة، من 20 ألف متر مكعب، إلى 40 ألف متر مكعب.

  تشييد سكنات فوضوية  بعد اقتلاع  آلاف الأشجار
وقال رئيس مصلحة الإحصاء و الحسابات الاقتصادية بمديرية المصالح الفلاحية، أحمد عوينة،  بأن عامل الجفاف كان سببا مباشرا في تراجع إنتاج المشمش خلال السنوات الأخيرة، و هو ما أدى حسبه أيضا إلى ظهور بعض الأمراض التي أثرت فعلا على آلاف الأشجار بمحيط سد القصب تحديدا، ناهيك عن قيام العديد من أصحاب الأراضي باقتلاع الأشجار و التخلص منها شيئا فشيئا و تعويض هذه المساحات بسكنات فردية الكثير منها مخالف للأطر القانونية و تصنف في خانة البناءات غير الشرعية.
 ومن بين العوامل وفق المتحدث التي حالت دون تطوير هذه الشعبة بالولاية،  مشكل التسويق، بالنظر إلى افتقار الولاية لسوق الجملة للخضر و الفواكه، إلى جانب ارتفاع تكاليف الإنتاج التي تفوق قدرات الفلاحين و نقص هياكل التخزين بالنظر لتوفر الولاية على 35 غرفة تبريد تابعة للقطاع الخاص، في حين أن مشروع أحد أهم و أكبر غرف التبريد في إطار الاستثمار العمومي في منطقة المعاريف بطاقة 15 ألف متر مكعب، يراوح مكانها بسبب عراقيل إدارية.
المسيلة ثاني ممون للسوق بالمشمش بعد باتنة
و رغم أن المسيلة تعد قطبا وطنيا في إنتاج المشمش و تحتل المرتبة الثانية بعد ولاية باتنة في هذه الشعبة ، لكن بعض المشاريع لم تسايرها ،  من ذلك الصناعات التحويلية، حيث يسجل، حسب ذات المسؤول، عزوف  في الاستثمار في وحدات تحويل جوارية، مضيفا بأن المديرية تحث  على الاستثمار في  التعليب و الصناعات التحويلية، بالنظر إلى وفرة المنتجات الفلاحية في شتى الشعب، حيث يوجد   مستثمر خاص، واحد بمنطقى الخبانة و امسيف خلق مستثمرة بـ 30 هكتارا لإنتاج الأشجار المثمرة و بالأخص في إنتاج المشمش، فضلا عن مؤسسة كوسيدار التي تستثمر منذ سنوات في منطقة أمسيف على مساحة 75 هكتارا.

الرجوع إلى الأعلى