صفحات على  «فيسبوك» تُحدد أسعار الدجاج بسوق الجملة
ينتظر مُربّو الدجاج بولاية قسنطينة يوميّا الأسعار الجديدة للبيع بالجملة التي تُحدّد وتنشر في صفحات على شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، حيث يؤكدون أنها تضبط من طرف المربين الكبار ولا يمكنهم الخروج عنها، في وقت يصرح فيه مسؤول فرع اللحوم البيضاء بمجلس ما بين المهن أن مجموعة من المربين الكبار هي من تتحكم في السوق الوطنية مقابل تحمل المربين الصغار للحمل الشديد للصعوبات التي تكتنف النشاط. وقد واصلت أسعار لحوم الدجاج ارتفاعها في سوق التجزئة، حيث تجاوزت سقف الأربعمئة دينار للكيلوغرام أول أمس الأحد، في وقت يفرض فيه باعة تجزئة زيادات تتجاوز الستين دينارا في الكيلوغرام مقارنة بسعرها الذي لم يتعدّ عتبة مئتين وثمانين دينار لدى المربين. 
روبورتاج: سامي حباطي
انطلقت جولتنا من منطقة المريج بأعالي قسنطينة، حيث تخفي المساحات الزراعية الواسعة مذبحين للدواجن ومجموعة كبيرة من البيوت البلاستيكية والمرائب المخصصة لتربية الدجاج. وفي المذبح الأول في المكان المسمى “جامع الطرشة” علمنا من العمال أن المذبح يبيع بالتجزئة، لكنهم رفضوا التصريح لنا بسعر الكيلوغرام. وطلب منا المعنيون العودة في المساء عندما يتم جلب الدجاج للحصول على جميع المعلومات أو للشراء.
وأخبرنا بعض سكان المريج بوجود مذبح ثان للدجاج بالمدخل السفلي للمنطقة، لكن مجموعة من المرائب المخصصة لتربية الدجاج استوقفتنا في الطريق إلى المكان، حيث بدت خاوية عند عبورنا البوابة الرئيسية. وأوضح لنا عامل في مرآب أن تربية الدواجن مهنته الوحيدة التي يمارسها منذ سنوات، في حين أضاف؛ عندما سألناه عن أسباب الارتفاع الكبير للأسعار في السوق، أن المربين الصغار الذين يستثمرون في بضعة آلاف من الكتاكيت هم الحلقة الأضعف في سلسلة نشاط تربية وبيع الدجاج.
وأوضح محدثنا أن سعر الدجاج يحدد على مستوى سوق الجملة في شلغوم العيد بولاية ميلة من طرف المستثمرين الكبار، حيث نبّه أن سعر البيع لدى المربين قد حدد ليلة السبت بمئتين وثمانين دينارا، حيث يطلعون عليه من خلال صفحة أحد المربين الكبار، أو صفحات أخرى تغطي السوق كل يوم على منصة “فيسبوك”، لمعرفة الأسعار التي سيتعاملون بها في الليلة الموالية. وأوضح شاب آخر التقينا به في نفس المكان أن سوق الدجاج على المستوى الوطني مقسمة إلى مناطق بحسب الأماكن التي توجد فيها أسواق الجملة، فولاية قسنطينة واقعة ضمن حيز تأثير سوق الجملة بشلغوم العيد، بينما تقع مناطق أخرى في حيز سوق الجملة للعلمة بولاية سطيف وغيرها من الأسواق.

وقد اطلعنا على أسعار الدجاج بالجملة المعمول بها في سوق الجملة بشلغوم العيد من خلال صفحات منصة “فيسبوك” التي أرشدنا إليها المربون، فوجدنا أنها قدرت بمئتين وثمانين دينار للكيلوغرام يوم أمس الأول الأحد.
ولاحظنا على صفحة “فيسبوك” تنشر عليها الأسعار أن تاريخ إنشائها يعود إلى عام 2018، حيث يسيرها شخصان من الجزائر، كما تحصي أكثر من 59 ألف متابع على شبكة التواصل الاجتماعي. وتنشر هذه الصفحة أسعار الكتاكيت أيضا فيما تسجل نسبة تفاعل معتبرة من طرف المستخدمين، الذين يبدو من مضمون تعليقاتهم أن أغلبهم من المربين، بينما تلاحظ بعض التعليقات التي يناقش أصحابها الصعوبات المطروحة خلال عملية التربية والمشاكل التي تواجه الفلاحين، على غرار تعليق مستخدم يحذر من “وضع الكتاكيت” لموسم ما بعد عيد الأضحى.
وصول سعر الكتكوت إلى 150 دينارا يثير تخوفات المربين
وقال محدثانا أن المربين يتكبدون تكاليف مرتفعة من أجل الخروج بكميات الدجاج إلى «بر الأمان» قبل أن تسوق إلى التجار، حيث أطلعنا أحدهما على نوعية الأعلاف التي يقدمها للدجاج، مؤكدا أن سعر القنطار الواحد منها يصل إلى غاية ثمانية آلاف دينار، بينما تستهلك كل دجاجة حوالي 6 كيلوغرامات منها خلال أقل من شهرين، في حين أوضحا أن سعر الكتكوت قدر قبل فترة بحوالي 110 دنانير، لكنه ارتفع اليوم إلى 150 دينارا، حيث اعتبرا أنه أمر جنوني، مع المخاطر التي تحيط بعملية التربية، فكثير من الصيصان تموت قبل إتمام دورة جاهزيتها بسبب الأمراض، بينما تنتشر الكتاكيت ذات السلالة غير المنتجة، حيث يجد المربي أنه يبذل فيها العلف والخسائر دون أن تسمن ما يدفعه إلى التخلص منها؛ مثلما أكد محدثانا.  وقد حضر مربي آخر إلى المكان وكان يحمل بعض المعدات من أجل تجهيز مرآب لوضع الكتاكيت فيه، لكنه تفاجأ عندما أخبره الشابان الآخران أن سعر الكتكوت قد وصل إلى 150 دينارا، في حين التقينا بمربي آخر أوضح لنا أن المرآب المخصص للتربية يؤجّر بحوالي 27 مليون سنتيم، فضلا عن أن التكاليف الأخرى مرتفعة؛ مثل الكهرباء التي تكلفه 3500 دينار شهريا، كما أشار إلى أن السلالة الجيدة من الكتاكيت تسمن في 45 يوما فقط من التربية وتصبح جاهزة للبيع، «لكن الحصول عليها ليس متاحا دائما».  
وشرح لنا نفس المصدر أن تكاليف المربي من التغذية تقل بتضاؤل فترة تسمين الكتاكيت، مؤكدا أنه لا يحصل هامش ربح كبير حتى وإن كان الكتكوت يباع بـ 110 دنانير، كما ذكر أنه تكبد خسارة ألفين منها ذات مرة بسبب نفوقها، فضلا عن أن بعض المربين يضطرون إلى التخلص منها عندما يكتشفون أنها من سلالة لا تستجيب للتغذية من حيث الحجم بشكل جيد، بينما أشار إلى أن سعر “الفلوس” الذي يعرض بمئة وخمسين دينارا سيجعل الكثير من المربين يترددون، فـ”تربية أعداد أخرى بهذا السعر يعتبر مخاطرة، لكون المربي قد يتكبد خسائر باهظة في حال انهيار الأسعار في السوق بعد جاهزية منتجه بهذا السعر القاعدي”، مثلما قال.
أصحاب طاولات يحصّلون أكثر من 60 دينارا في الكيلوغرام
وأجمع محدثونا على أن المربين يستفيدون من أقل هامش ربح في السلسلة، حيث أكدوا أن عملية البيع تتم خلال الفترة الليلية من شهر رمضان، لأن الدجاج يتضرر من الحرارة المرتفعة وتستمر إلى ما بعد صلاة الفجر، بينما ذكروا لنا أن الموزعين الذين يقتنون منهم الدجاج ويعيدون بيعه لتجار التجزئة يحصلون على هامش ربح مقدر بعشرة دنانير في الكيلوغرام. ونبه المربون الذين تحدثنا إليهم أن الدجاج الذي ينتجونه يزود سوقي الدقسي والكيلومتر الرابع بالدرجة الأولى، مشيرين إلى أنهم يقيمون حساباتهم لمعرفة قيمة الربح التي يحصلونها مقارنة بالبائعين انطلاقا من الأسعار المعمول بها لدى باعة الطاولات، لأن الأخيرين لا يتكبدون التكاليف الإضافية مثل أصحاب محلات القصابة، مثلما شرحوا.  وذكر المربون أن فائدة أصحاب الطاولات تقدر بحوالي 50 دينارا في الكيلوغرام الواحد، فضلا عن أنهم يبيعون كميات كبيرة يوميا؛ خصوصا خلال شهر رمضان، في حين أشاروا إلى أن المربين يتجنبون البيع بالتجزئة لفائدة المواطنين مباشرة احتراما لسلسلة النشاط، فمن غير مصلحتهم الاقتطاع من سوق بائعي التجزئة الذين يقتنون منهم الدجاج بالجملة.  أما أصحاب محلات الذبح المباشر المنتشرة في العديد من الأحياء، فأكدوا أنهم يحصلون فائدة أكبر في الدجاج عند تجهيزه للزبائن؛ بحيث يستفيدون بأكثر من 100 دينار في الكيلوغرام الواحد.  وقد تتبعنا مسار لحوم الدجاج يوم أمس، إلى سوق عبد المجيد مساعيد المغطى بحي عبد السلام دقسي، المعروف باسم «البودروم» لملاحظة أسعاره على مستوى طاولات بائعي اللحوم، حيث وجدنا أن سعر الكيلوغرام من الدجاج يقدر بثلاثمئة وخمسين دينارا، بفارق في السعر يصل إلى 70 دينارا في الكيلوغرام مقارنة بالأسعار التي يباع بها لدى المربين، كما كان الباعة يؤكدون لنا أنه مذبوح ويحتوي على أحشائه  ، في حين يقومون بتوضيبه داخل أكياس بلاستيكية. أما شرائح صدر الدجاج المعروفة بين المستهلكين باسم “السكالوب”؛ فلاحظنا أن سعرها يصل إلى 750 دينارا، وهو ما يثير الاستغراب؛ فهي نفس الأسعار المعتمدة لدى أصحاب محلات القصابة التي تخضع للرقابة البيطرية والقانونية من طرف مختلف المصالح المختصة، فضلا عن تكاليف النشاط الأخرى التي يتحملها أصحابها.  ولاحظنا في نفس السوق أن باعة الطاولات يستطيعون الحصول على فائدة أكبر عند تجزئة الدجاج وبيع الأعضاء الداخلية والأجنحة والأفخاذ والصدور لوحدها، في حين ذكر لنا أحد الباعة بعدما سألناه عن ارتفاع السعر، بأنه مضطر لدفع أجر من يقوم بذبح سلعته وتجهيزها قبل، فضلا عن الشاب الذي يعمل معه.
الدجاج بـ 410 دينار في المحلات
وقد بحثنا عن المذابح التي انخرطت في مبادرة مديرية المصالح الفلاحية بفتح البيع المباشر بالتجزئة للمواطنين، حيث أكد لنا المربون أن المذبح الثاني في المريج قد توقف عن النشاط منذ زمن، لنتجه إلى آخر قريب من الطريق الوطني رقم 27 بحي ابن الشرقي، فوجدنا المكان شبه خال، ولا يوجد فيه إلا صاحب شاحنة محملة بالدجاج الحي. وقد أخبرنا  صاحب الشاحنة أن كميات الدجاج تصل إلى المذبح خلال الساعات المسائية ليتم ذبحها و توضيبها، في حين أكد لنا عامل كان مستغرقا في تنظيف الأقفاص البلاستيكية أن المذبح يبيع بالتجزئة؛ مؤكدا أن سعر الكيلوغرام قد وصل في اليوم السابق إلى 385 دينارا للكيلوغرام.
وأوضح لنا المشتغلون في نشاط تربية الدجاج الذين تحدثنا إليهم خلال جولتنا أن الأسعار ترفع على مستوى المذابح بحوالي 100 دينار، فأصحابها يتكبدون تكاليف مختلفة، تتوزع على الرقابة البيطرية واليد العاملة والمواد المستعملة واستهلاك الطاقة، مؤكدين أن المذبح لا يستفيد من هامش ربح واسع. من جهة أخرى، لاحظنا أن سعر الكيلوغرام من الدجاج قد وصل إلى 410 دنانير للكيلوغرام لدى أصحاب المحلات أمس الأول، في حين قدر سعر شرائح صدر الدجاج إلى 750 دينارا للكيلوغرام، كما ذكر لنا أحد البائعين أن فائدته فيه لا تتجاوز 20 دينارا.  
رئيس جمعية مربي الدواجن بقسنطينة الشريف بوخريصة
ارتفاع الأسعار ناجم عن تحكم المربين الكبار في السوق
ويرى رئيس فرع اللحوم البيضاء في المجلس الوطني ما بين المهن، ورئيس جمعية مربي الدواجن لولاية قسنطينة، الشريف بوخريصة، أن عملية البيع المباشر للمواطنين من المذابح خلال شهر رمضان لم تكن مجدية، حيث أوضح أن أغلبها تقدم خدمات الذبح مقابل هامش ربح، كما أن الكثير منها قد توقفت عن النشاط، فيما اعتبر أن الاضطراب في سوق الدجاج الذي ينتج ارتفاع الأسعار ليس ناجما عن معادلة العرض والطلب؛ وإنما يعود إلى تحكم المربين الكبار في السوق على المستوى الوطني، فضلا عن أن هذه الوضعية تسببت في توقف أعداد كبيرة من المربين عن النشاط في هذه الشعبة؛ قدرها بحوالي ستين بالمئة على مستوى ولاية قسنطينة.  وقدّر محدثنا الزيادة التي ستترتب عن بيع الكتكوت بمئة وخمسين دينارا، بأكثر من 80 دينارا في الكيلوغرام لدى المربين مقارنة بما هو معمول به اليوم، فضلا عن الزيادات في المواد الأولية المستوردة والمستعملة للتغذية على المستوى العالمي، حيث أكد أن المربين الصغار الذين يصل عددهم إلى حوالي 360 ألفا على المستوى الوطني، من بينهم حوالي 1100 في ولاية قسنطينة، هم المتضررون من الوضعية المذكورة. وشدد محدثنا على ضرورة اعتماد الفوترة وإخضاع المربين والمتعاملين في مجال تربية الدواجن لضرائب مدروسة، حتى يكون مسار اللحوم واضحا ويمكن بعد ذلك التحكم في السوق، بحسبه.
من جهة أخرى، نبه نفس المصدر إلى أن تضاؤل أعداد المربين يتسبب في تناقص العرض من اللحوم البيضاء في السوق، على غرار ما يسجل من «اختفاء» للحم الديك الرومي من محلات البائعين بعد أن أصبحت تربيته تعرف عزوفا شبه تام، فيما أكد أن مربي الدجاج على المستوى الوطني يعكفون حاليا على إنشاء فيدرالية وطنية منضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للفلاحين، بحيث ستعمل على إيجاد حلول للمشاكل المطروحة ميدانيا والمساهمة في ضبط النشاط.   
س.ح

الرجوع إلى الأعلى