شهدت شعبة إنتاج الفراولة بولاية سكيكدة أو ما يعرف بتوت الأرض هذا الموسم، تطورا ملحوظا و وفرة كبيرة في الإنتاج مقارنة بالموسم الفارط،  مع دخول قوي للنساء الريفيات في الشعبة واللائي أصبحن يشكلن عصب عملية الزرع و الجني وعبرن عن رغبتهن في اقتحام المجال عن طريق تعاونيات .
روبورتاج: كمال واسطة
وقد بلغ معدل المردود  بين 80 و 90 قنطارا في الهكتار، مع توسع في المساحة المزروعة، لاسيما في الجهة الغربية للولاية، بالإضافة إلى تزايد عدد المنتجين و هو ما انعكس بالإيجاب على الأسعار في الأسواق المحلية التي انخفضت لتتراوح ما بين 100 و 150 دج للكلغ، بعد أن كانت عند بداية موسم الجني أواخر أفريل الماضي، تتراوح بين 350 و 400 دج للكلغ.
فيما تبقى مشكلة تسويق هذه الفاكهة، حسب رئيس جمعية المنتجين، حمودي العايب، بمثابة الهاجس الأكبر الذي يصادف الفلاحين و يهدد بكساد المنتوج و فساده، بسبب ما أسموه رفض السلطات المحلية منح تراخيص لفتح نقاط بيع في عاصمة الولاية، بينما مازال انعدام مياه السقي و المسالك، من أكبر العوائق التي يشتكي منها المنتجون كل سنة.
و تشتهر ولاية سكيكدة كما هو معلوم دون غيرها من ولايات الوطن، بإنتاج نوع خاص من الفراولة يطلق عليها عدة أسماء ( المكركبة نسبها إلى شكلها الدائري، العطرة نسبة إلى رائحتها العطرة، روسيكادا و سكيكدية) و إن اختلفت الأسماء، فإن مذاقها اللذيذ و الحلو و رائحتها العطرة عند تناولها و كذا لونها، تبقى تميزها عن باقي الأنواع التي تنتج عبر ولايات الوطن.
توقعات بإنتاج أزيد من 20 طنا هذا الموسم
 و يمتد تاريخ زراعة الفراولة بسكيكدة إلى عمق التاريخ و بالتحديد إلى الحقبة الاستعمارية سنة 1920، حينما تم إدخالها إلى سكيكدة على يد أحد المعمرين الإيطاليين و قد أمر حينها السكان المحليين بغرسها و بعد نمو النبتة و إثمارها و نضجها، انبهر الفلاحون بهذه الفاكهة و شكلها و مذاقها، ففكروا في طريقة لأخذ النبتة دون أن ينكشف أمرهم، لأنه كان يمنع عنهم أخذ أي شيء و يخضعون للتفتيش قبل مغادرتهم للحقول و اهتدوا إلى طريقة لإخفائها في أحذيتهم، ثم قاموا بزرعها في أماكن بعيدة عن أعين المستعمر و بمرور الوقت، تطورت زراعتها و تحصلوا على سلالة نقية أطلقوا عليها اسم روسيكادا الأصلية المتميزة بعطرها الفواح و مذاقها الحلو و لونها الأحمر و حجمها المتوسط، إلى أن أصبح لها عيد يقام سنويا.
و تتوقع المصالح الفلاحية تحقيق إنتاج يزيد عن 7350 قنطارا من صنف روسيكادا و 7480 من صنفي «تيوغا»،  و»دوغلاس»، و 4420 قنطارا ببلدية عين زويت و أزيد من 840 ببلدية بوشطاطة، كما توجد أنواع أخرى تنتج في البيوت البلاستيكية التي أخذت تتوسع بكل من بلديتي رمضان جمال و القل و ما يميز هذه الأنواع، هو قدرتها على تحمل العوامل الطبيعية سواء النقل أو التخزين و تحمل نسبة معينة من الحموضة بخلاف نوع المكركبة التي تبقى طبيعية و ذوقها لذيذ و حلو و خالية من المواد و الأسمدة الكيمائية، إلا أنها لا تتحمل ظروف التخزين و النقل، بينما يزيد عدد الفلاحين المنتجين للفراولة عن 140 أغلبهم من فئة النساء و يمكن القول أن ممارسة نشاط هذه الشعبة الفلاحية أصبح يتميز بالطابع العائلي.  

سيدي منصور.. هنا تنتج أشهر أنواع الفراولة
و من أجل الوقوف على واقع هذه الشعبة بالولاية و آفاقها و كذا مشاكل المنتجين، تنقلنا إلى الجهة الغربية و بالتحديد إلى منطقة سيدي منصور التابعة إداريا لبلدية تمالوس التي تعتبر المنطقة المشهورة في إنتاج أجود أنواع الفراولة، حيث التقينا بمجموعة من المنتجين يتقدمهم رئيس الجمعية حمودي العايب، الذي استقبلنا في مزرعته أين وجدناه رفقة مجموعة من النسوة منهمكين في جني المنتوج.
و قد أبدى في مستهل حديثه إلينا، استغرابه من تهميش مديرية المصالح الفلاحية للجمعية في عملية إحصاء المنتجين، لكونها طرف فاعل في هذه الشعبة و قربها من الفلاحين و معرفتها الجيدة لانشغالاتهم و اعتبر إقصاءها في هذه العملية بمثابة انتقاص من شأنها رغم أن عملية الإحصاء، يضيف المتحدث، صعبة للغاية و هناك منتجون لا يمكن لمصالح الفلاحة الوصول إليهم بسبب و عورة التضاريس و انعدام المسالك و بعد مكان تواجد مزارعهم.
و بخصوص منتوج هذا الموسم، أكد المتحدث على أنه كان وفيرا و يفوق ما تم تسجيله خلال الموسم الفارط لاسيما في مناطق الجهة الغربية للولاية، على غرار الشرايع و فاخت و بالأخص منطقة سيدي منصور أين تراوح معدل الهكتار بين 80 و 90 قنطارا و النبتة الواحدة تعطي بين  1 كلغ و 1.5 كلغ، نتيجة لعدة عوامل من بينها التحدي الذي رفعه المنتجون لتطوير هذه الشعبة و متابعتهم المستمرة لمراحل زراعة و نمو المنتوج إلى غاية فترة الجني التي تتم من طرف مجموعة من النسوة يسهرن على ممارسة هذا النشاط بصفة دائمة و منتظمة، فضلا عن الرجال المتوزعون عبر مختلف الحقول و المزارع بالمنطقة.
نساء يقتحمن المجال في ظروف صعبة
و قد انتهزنا الفرصة لمحاورة إحدى المزارعات تدعى «عمتي صليحة» عمرها يناهز 70 سنة، حيث أكدت على أنها تسترزق من هذا النشاط بمزارع الفراولة رفقة مجموعة من النسوة و عملهن يبدأ في حدود الخامسة صباحا إلى غاية العاشرة أو الحادية عشرة في ظروف صعبة جدا و تعب كبير، لاسيما في فصل الشتاء حينما يجدن صعوبة كبيرة في الوصول إلى المزارع و يضطررن لسلك مسافة تزيد عن 4 كلم مشيا على الأقدام، حيث يتمثل عملهن في الغرس و تنقية الحشائش و تهوية التربة و بعدها عملية الجني.
و أضافت المعنية، بأنها تواجه رفقة  بقية النسوة مشقة كبيرة، لاسيما و أن المزارع توجد في مرتفعات جبلية، كما تحدثن عن الأمطار التي تهاطلت مؤخرا و تسببت في أضرار كبيرة للمنتوج، حيث توجهن بنداء للسلطات الولائية، لتقديم المساعدة لهن في الحصول على البناء الريفي و أبدين استعدادهن للانخراط في مسعى وزارة الفلاحة بإنشاء تعاونيات فلاحية لزراعة الفراولة و تطوير المرأة الريفية و مساعدتها على ولوج عالم الشغل و مساهمتها في التنمية الاقتصادية للبلاد.
وقد لاحظنا انشار عدد من النساء في الحقول وكن منكبات في العمل بإصرار وقوة متحديات الطبيعة الصعبة ودرجة الحرارة.بينما تحدث رئيس جمعية المنتجين عن توسع مساحات زراعة الفراولة بالمنطقة التي تحصي المئات من الهكتارات و عملية الإحصاء مازالت متواصلة من طرف المصالح الفلاحية، متطرقا إلى مراحل زراعة الفراولة بداية من تهيئة الأرض، ثم زراعة النبتة و تكون عادة في نوفمبر و ديسمبر  و جانفي و يمكن أن تستمر إلى فيفري، لكن تبقى النبتة التي تزرع في الأشهر الثلاثة تعطي ثمارا ذات نوعية جيدة، بينما يعطي النبات المغروس في فيفري ثمارا أقل جودة و ذلك يرتبط أساسا بالتساقط و وفرة مياه السقي و تأتي بعدها عملية تهوية التربة على مرتين ثم مرحلة النضج و الجني في النصف الثاني من شهر أفريل و تستمر إلى غاية جوان.
أما عن السر وراء الذوق اللذيذ للفراولة السكيكدية عن بقية الأنواع التي تنتج في ولايات القطر، أكد المتحدث على أن الفراولة التي تنتج في سكيكدة تكون طبيعية لا تستعمل فيها المواد الكيميائية أو الأسمدة و تكون بمقاييس عالمية، لهذا تكون متميزة عن غيرها بمذاقها الحلو و رائحتها العطرة، ما جعلها تكتسب شهرة واسعة وطنيا و حتى خارج حدود الوطن، بدليل أن العديد من التجار أصبحوا يقصدون المنطقة لشراء المنتوج، لاسيما من ولايات قسنطينة، عنابة، قالمة و سطيف و حتى من العاصمة.
هاجسا التسويق و الكساد يهددان الشعبة
و اعتبر المتحدث أن مشكل التسويق من أكبر المشاكل التي تواجه المنتجين هذا الموسم و تهدد المنتوج بالكساد و الفساد في المزارع، خاصة و أن طبيعة الفراولة السكيكدية سريعة التلف و لا يمكنها مقاومة عوامل المناخ بخلاف تلك التي تنتج داخل البيوت البلاستيكية، موضحا بأن الفلاحين كانوا في سنوات سابقة متعودين على تسويق المنتوج في عاصمة الولاية بالتنسيق مع البلدية و بيعه مباشرة للمواطن بأسعار في المتناول، من خلال تخصيص نقاط بيع بالمدينة، لكن هذه السنة رئيس البلدية رفض منحهم الترخيص بفتح نقاط بيع لأسباب غير معروفة و هذا ما يتعارض حسبه مع تعليمات السلطات العمومية خلال شهر رمضان بفتح المجال للفلاحين و تقديم تسهيلات لهم بفتح نقاط بيع المنتوجات الفلاحية. و أوضح المتحدث، بأن المنتجين تمكنوا من تحقيق الاكتفاء الذاتي في السوق المحلية من هذه الفاكهة الموسمية، رغم أن الأسعار كانت مرتفعة نوعا ما في بداية عملية الجني، حيث بلغت 400 دج و مع مرور الوقت، انخفضت لتتراوح حاليا بين 100 و 150 دج و كانت ستنخفض أكثر من هذا السعر لو توفرت الولاية على وحدات تحويل التي بإمكانها تقديم الكثير للفلاحين و تحفزهم على الزيادة في الإنتاج و تطويره، خاصة و أنه لمس من المنتجين رغبة و تحديا كبيرا في توسيع زراعة الفراولة إلى بلديات أخرى مثل الحروش،  بين الويدان، عين قشرة و جمعية المنتجين، يضيف، مستعدة لتقديم الدعم و مساعدة المنتجين في ما يخص توفير النبتة، لكن تبقى هذه الشعبة في حاجة لتدخل الدولة و تقديم المساعدة و المرافقة للفلاحين.

من جهة أخرى، أكد رئيس جمعية المنتجين، على أن جودة الفراولة السكيكدية تؤهلها لاقتحام الأسواق العالمية و تحدث عن استعداد الفلاحين لرفع التحدي و التصدير للخارج و هو رهان يبقى مثلما قال قابل للتجسيد على أرض الواقع في إطار توجيهات السلطات العمومية الداعية إلى تنويع الصادرات خارج قطاع المحروقات و المساهمة في التنمية الاقتصادية للبلاد.
و تطرق المتحدث للزيارة التي قام بها وفد من كوريا إلى ولاية سكيكدة قبل سنتين، حيث تنقل إلى منطقة سيدي منصور و عاين المزارع و أخذ عينة من نبتة الفراولة بحضور مسؤولين من المصالح الفلاحية، لكن الوالي آنذاك أبدى غضبه من صمت المصالح الفلاحية إزاء هذا التصرف و عدم اتخاذ أي إجراء في صالح الفلاحين.
مضيفا بأن المنتجين كانوا ينتظرون أن يتلقوا دعما من كوريا للاستفادة على الأقل من أيام تكوينية و توسيع معارفهم في تقنيات زراعة هذا المنتوج، لكن شيئا من ذلك لم يحدث.
غياب المسالك و آبار السقي يعمق متاعب المنتجين
كما أثار محدثنا بعض المشاكل التي كانت و مازالت تؤرق الفلاحين، من ذلك انعدام المسالك المؤدية إلى المزارع، ما يجعل الفلاحين يواجهون مشقة كبيرة و يقطعون مسافات طويلة مشيا على الأقدام و هذا ما وقفنا عليه بعين المكان و هناك من المنتجين من قاموا بفتح مسالك بأموالهم الخاصة، بالإضافة إلى انعدام آبار السقي.و استغرب المتحدث من إقصاء المصالح الفلاحية لجمعية المنتجين في عملية إحصاء الفلاحين الممارسين لنشاط زراعة الفراولة، من منطلق أنها طرف فاعل في هذه الشعبة و لها دراية جيدة بمكان تواجد الفلاحين، لاسيما و أن المنطقة الغربية لها تضاريس وعرة و يصعب على المصالح الفلاحية تغطية كل المنطقة.
كما أبدى المتحدث أسفه لما لاحظه من اهتمام المصالح الفلاحية بدعم منتجي الفراولة داخل البيوت البلاستيكية و مرافقتهم، مقابل تهميشها لمنتجي الفراولة الطبيعية الذين يتلقون دعما بنسبة قليلة جدا رغم أنهم قدامى في الميدان، حيث قال بأنهم لو كانوا يتلقون دعما بنسبة 5 في المائة من الدعم الذي يتلقاه منتجو ولاية جيجل، لحققنا طفرة كبيرة في هذه الشعبة.و عرج المتحدث للحديث عن الاحتفال السنوي بعيد الفراولة و التكريمات غير العادلة التي تخصص للمنتجين، متمنيا من المصالح الفلاحية أن تنظر لانشغالات المهنيين في هذه الشعبة و تولي اهتماما بهم و بتقديم الدعم لهم، مناشدا والي الولاية التدخل بفتح تحقيق في كل النقائص التي تشوب هذا النشاط الفلاحي.
ك/و

الرجوع إلى الأعلى