تعرف زراعة المشمش بولاية باتنة، تراجعا خلال السنوات الأخيرة، ما أدى بالموازاة مع ذلك، إلى تراجع الولاية في ترتيب إنتاج هذه الفاكهة، التي ظلت لسنوات تحتل عاصمة الأوراس المركز الأول وطنيا في إنتاجها، بفضل ما تدره محيطات نقاوس و أولاد سي سليمان و منعة.
إعداد: يـاسين عبوبو

و يعود العامل الرئيسي لتراجع إنتاج المشمش، إلى الجفاف الذي جعل منتجين يتخلون عن زرع المشمش و التوجه لغرس أشجار الزيتون، و تتوقع المصالح الفلاحية، تحقيق أزيد من 330 ألف قنطار هذا الموسم، على الرغم من اقتلاع 104 هكتارات من أشجار المشمش في محيطات رأس العيون و بريكة و سقانة، بسبب التغيرات المناخية و الجفاف.

تضاعف الإنتاج رغم تقلص المساحة
 قدرت مصالح مديرية الفلاحة لولاية باتنة، المساحة الإجمالية لأشجار المشمش خلال الموسم الجاري، بـ 4270.70 هكتارا، منها 4156.4 هكتارات مساحة منتجة، فيما يعد الفارق عبارة، حسب ما أفاد به رئيس مصلحة بمديرية الفلاحة لـ «النصر»، عن أشجار جديدة يرتقب دخولها الإنتاج في المواسم المقبلة و قدرت أيضا المصالح الفلاحية، المردود المتوقع من الإنتاج في الهكتار بـ 80 قنطارا خلال هذا الموسم، حيث مازالت عملية الجني مستمرة كما هو معروف لاختلاف أنواع المشمش، بحسب المناطق و الأقاليم المتواجدة في منطقة الأوراس.
وحسب إحصائيات مصالح الفلاحة لولاية باتنة، فإن محصول هذا الموسم من المشمش، يعرف ارتفاعا مضاعفا مقارنة بالموسم الماضي على الرغم من تقلص مساحة زراعته، التي تراجعت بفعل الجفاف، حيث بلغت المساحة المنتجة للمشمش خلال الموسم الماضي، 4238.15 هكتارا و بلغ الإنتاج المحصل 187.384 قنطارا، في حين بلغ المردود المحصل، 44 قنطارا في الهكتار و قبله خلال موسم 2018/2019، بلغت المساحة الإجمالية للمشمش، 4396 هكتارا، منها 4224 هكتارا مساحة منتجة، حصَلت ما مقداره 254 ألفا و 682 قنطارا و بلغ مردود الهكتار 60 قنطارا.
و تحتل زراعة المشمش في ولاية باتنة حسب ما أفاد به رئيس المصلحة بمديرية الفلاحة، نذير محمد شريف لـ «النصر»، المرتبة الثانية في شعبة الورديات و المرتبة الثالثة في شعبة الأشجار المثمرة بعد الزيتون و التفاح، حيث تمثل أشجار المشمش ما نسبته 18 بالمائة من المساحة الإجمالية للأشجار المثمرة و تحصي المصالح الفلاحية ما مساحته 244 ألف هكتار للأشجار المثمرة عبر إقليم الولاية منها 203.44 مساحة منتجة.
و أوضح المسؤول في مديرية الفلاحة، بأن تراجع مساحة أشجار المشمش لا يعني بالضرورة تراجع الإنتاج، مؤكدا على أن استعمال تقنيات الزراعة المكثفة و ترشيد استعمال المياه عن طريق تقنيات التقطير، يرفع الإنتاج بغض النظر عن المساحة.  
جفاف بساتين وتوجه نحو زراعة الزيتون
سجلت مصالح الفلاحة لولاية باتنة، ارتفاعا في الإنتاج هذا الموسم من المشمش، على الرغم من تقلص و تراجع مساحة أشجار المشمش، حيث أفاد في هذا الصدد رئيس المصلحة الخاصة بإنتاج الأشجار المثمرة باقتلاع ما يقارب 104 هكتارات من أشجار المشمش، عبر دوائر رأس العيون و سقانة و بريكة، نتيجة للتغيرات المناخية و نقص المياه الذي أدى إلى جفاف بساتين للمشمش، فضلا عن التوجه الفلاحي في عديد المناطق و خاصة الجنوبية منها التي تعاني من نقص المورد المائي إلى زراعة الزيتون المقاوم للجفاف و المدر لأرباح اقتصادية.
و كان فلاحون من منتجي المشمش على مساحات شاسعة بالجهة الجنوبية و الغربية لولاية باتنة، قد توجهوا لغرس الزيتون كبديل للمشمش لسببين بارزين مثلما رصدته النصر في تنقلاتها عبر بساتين إنتاج المشمش،  و يتمثل العامل الأول في الجفاف و تراجع المورد المائي، حيث يظل مطلب حفر مناقب مائية حاجة ملحة للفلاحين لإنقاذ بساتينهم من العطش خاصة بعد تراجع مستوى مناقب و منابع للمياه أبرزها،  رأس العين بنقاوس و سفيان و منبع تينيباوين بتاكسلانت و قوشبي بأولاد سي سليمان، بالإضافة إلى منابع و مناقب أخرى عرفت تراجعا و هي التي تعد مصادر المياه الوحيدة لمئات الفلاحين الذين ظلوا لعقود من الزمن يعتمدون عليها في سقي أشجار المشمش و ساهمت في جعل المنطقة معروفة بهذه الشعبة.
وتتجلى التغيرات المناخية حسب فلاحين بمنطقة سفيان بنقاوس، التي  زارتها النص ،  في جفاف عدة ينابيع وبقي منبع وحيد برأس العين يتداولون عليه بالسقي عن طريق نظام المناوبة (النوب) و لم يعد بإمكانهم الاعتماد عليه كمصدر وحيد، خصوصا و أن مردوده تراجع بمرور السنوات.
و يروي الفلاحون أن المنبع تعرض للجفاف سنة 1969 قبل أن تعود مياهه مرة أخرى، إلا أن مردوده  انخفض كثيرا، حيث كان  يضخ 85 لترا في الثانية و أصبح  يضخ 32 لترا في الثانية و ظل منبع رأس العين الوحيد الذي يعتمدون عليه في السقي بعد جفاف عدة ينابيع منتشرة في المنطقة، منها عين صولة، عين حميدة، عين بلحسن، عين تادقارت، اللوزة عيون جحوش، عين لمروج و عين التركي و منابع أخرى كانت في السابق تساهم في السقي الفلاحي.

   محدودية التسويق هاجس آخر
و أدى تراجع منسوب المياه و جفاف مناقب إلى تخلي فلاحين عن بساتينهم، فيما توجه البعض خاصة بمناطق بريكة و بيطام و الجزار و حتى بأولاد سي سليمان و نقاوس نحو غرس الزيتون، كونه مقاوم للجفاف و يدر أرباحا اقتصادية، و تقر من جهتها مصالح الفلاحة بتسبب الجفاف و التقلبات المناخية في تراجع مساحة المشمش، لكن ذات المصالح، تؤكد أيضا على عدم التزام فلاحين بالنصائح الفلاحية، فيما تعلق بتثمين المورد المائي و استمرارهم في السقي بالطرق التقليدية، مثلما أوضحه رئيس المصلحة بمديرية الفلاحة باعتماد السواقي الترابية التي تهدر كميات كبيرة من المياه، كما أنها لا تنفع الشجرة حسب ما أكده.
و ناهيك عن عامل الجفاف الذي يشتكي منه الفلاحون منتجو المشمش، فإن  هناك عاملا آخر هو التسويق، حيث ظل هاجسا لسنوات بالنسبة لهؤلاء المنتجين، خاصة في المواسم التي يكون فيها المنتوج متوفرا بكثرة و نظرا لخاصية المشمش المتمثلة في سرعة التلف و عدم الحفظ، فإن المنتجين يتخوفون من تلف المشمش بسبب هاجس التسويق و هو ما جعلهم في مرات عدة يعبرون  خلال وفرة  الإنتاج  عن احتجاجهم برمي كميات كبيرة من الفاكهة، أو غلق الطريق باستعمال صناديق المشمش وهذا في ظل نقص الوحدات التحويلية واضطراب السعر حسب قاعدة العرض و الطلب، بالإضافة إلى منافسة منتوج ولاية المسيلة المجاورة لمنتوج الولاية، و قد ساهمت وحدة نقاوس بغض النظر عن اضطرابات العرض و الطلب في امتصاص إنتاج المشمش، و  بلغ سعر اقتنائه هذه المرة من الفلاحين، بـ60 دج للكيلوغرام، في وقت بلغ فيه خلال مواسم سابقة نظرا لكثرة المنتوج و تعرضه للكساد إلى أقل من 15 دج.
ويعد غرس الزيتون بديلا بالنسبة لعديد الفلاحين للمشمش، غير أن غرس الزيتون ليس وليد الحاضر و إنما له تاريخ مرتبط بالمنطقة، فغراسة الزيتون ببلدية سفيان، تعود إلى ما قبل التاريخ الميلادي حسب ما يؤكده  فلاحون، مستندين في ذلك إلى آثار قديمة لمعاصر و تواجد أشجار زيتون عمرت لقرون و بمنطقة سفيان،  و مازال يعتمد فلاحون على الطرق التقليدية، على امتداد تاريخي في إنتاج زيت الزيتون مثلما هو حال عائلة كريميل التي تملك معصرة تقليدية ورثتها عن أجدادها و يعود تاريخها لـ 1935 و تعتمد المعصرة على الأحمرة و البغال في عصر الزيتون.
منعة الجبلية.. موطن نوعية «الروزي»
يتوزع إنتاج المشمش في ولاية باتنة على عدة مناطق   اقترن اسمها بالفاكهة  ، على غرار نقاوس التي تضم وحدة صناعية لإنتاج المصبرات و العصائر، أنشئت بها لتميز المنطقة بإنتاج المشمش الذي يمثل المادة الأولية للصناعة التحويلية للعصائر و المصبرات و لا يقتصر إنتاج المشمش بنقاوس فحسب التي ارتبط اسمها بالمشمش و إنما تحصي ولاية باتنة عدة مناطق بارزة تحولت إلى أقطاب ، و هي مرشحة للرفع من منتوجها في حال توفير المورد المائي، خاصة بمنطقة أولاد سي سليمان التي يعول فلاحوها على إنجاز سد تابقارت الذي ظل يكتنفه الغموض للنهوض أكثر بالفلاحة، من خلال الاعتماد على المياه السطحية المجمعة بمنطقة تابقارت و حتى لا تبقى الفلاحة رهينة المياه الجوفية التي تنضب و يتراجع منسوبها.

و تتباين مساحات إنتاج المشمش بولاية باتنة، حيث تحصي المصالح الفلاحية بأولاد سي سليمان 1301 هكتار مساحة إجمالية للمشمش، منها 1268 هكتارا منتجة و بمنطقة نقاوس تحصي 1083 هكتارا، منها 1068 منتجة للمشمش و تحصي ذات المصالح بدائرة عين التوتة، 610 هكتارات منها 605 منتجة. و بدائرة منعة، 249 هكتارا، منها 214 منتجة و بأريس 164 هكتارا منها 161 منتجة، 133 هكتارا بتكوت، منها 132 منتجة و برأس العيون 285 هكتارا، منها 248 منتجة و تتميز كل منطقة بمنتوجها و يعد منتوج منطقة منعة الأبرز و الأجود و يتعلق الأمر بنوعية «الروزي».
تتميز نوعية المشمش الروزي عن باقي أنواع المشمش، بلونها الوردي المتدرج، كما أنه لا يتعرض للكساد بسهولة عكس بقية الأنواع و تعد النوعية التي تنضج عقب كل الأنواع، بعد منتصف شهر جوان و يتميز بنموه في منطقة منعة الجبلية و ما جاورها فقط، لخصوصياتها الطبيعية و طعم الروزي لذيذ و لقلته و تماسكه، دون أن يتعرض للكساد، فهو يوجه للاستهلاك و ليس للصناعة التحويلية، كما أن هذه النوعية يعود الفضل في تهجينها حسب ما هو متداول إلى روبي بوا Roby Bois الذي عاش في منعة في الحقبة الاستعمارية الفرنسية، كقس من سنة 1948 إلى 1959، حيث توصل لهذا النوع من المشمش المميز من حيث اللون و الذوق و ذلك بتهجين المشمش المحلى مع الخوخ و فواكه أخرى.
و تتباين أصناف المشمش المغروسة بولاية باتنة، حيث تسجل المصالح الفلاحية 90 بالمائة من المساحة الإجمالية من نوعية المشمش اللوزي، و 6 بالمائة من نوعية الكانينو و 3 بالمائة من البافيو و ما نسبته 1 بالمائة روزي منعة.
ي . ع

الرجوع إلى الأعلى