* احتراق 140 هكتارا في ظرف أيام
تزحف النيران منذ خمسة أيام على غابة ذراع الناقة بمنطقة جبل الوحش في أعالي مدينة قسنطينة، حيث اندلعت عدة حرائق بصورة متتالية متسببة في خسائر كبيرة تجاوزت المئة وأربعين هكتارا من الغابات والأحراش، بينما يسعى أعوان محافظة الغابات والحماية المدنية والمتطوعون من أعضاء الجمعيات والنوادي والمواطنين مدعومين بالدرك الوطني والأرتال المتنقلة لثلاث ولايات شرقية، لمحاصرتها وإخمادها بالاعتماد على جميع الوسائل المتاحة رغم صعوبة المهمة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وحركة الرياح الساخنة التي تساهم في تمددها.

وتوجهنا صبيحة أمس، إلى غابة ذراع الناقة عبر منطقة المريج؛ أي عبر الجهة المفضية إلى الخروب، حيث تستعر فيها النيران منذ يوم السابع والعشرين من شهر جويلية الجاري، وتعود للظهور في عدة نقاط رغم إخمادها. وقد لاحظنا أن بقعا سوداء ضخمة مترتبة عن تفحم الأحراش وبعض جذوع الأشجار تأخذ في الظهور بمجرد التقدم صعودا بعد الانعطاف يسارا عند مدخل الحيز السكني من المريج؛ إذ تمثل النقاط التي تم إخمادها في الأيام الماضية، لكنها تشير إلى أنها أتت على الأحراش أكثر من الحيز الغابي، رغم الضرر الواضح على عدد من الأشجار المتفحمة التي مررنا بها.
واستوقفنا أول مشهد للنيران بعد توغلنا لحوالي كيلومتر في الطريق الغابي الملتوي، حيث كانت ألسنة لهب تتراقص في الأحراش بين مجموعة متباعدة من أشجار الصنوبر في منحدر، فاتجهنا صوبها، لنجد خلفنا عنصر درك وطني ظهر من المنعطف وتحدث إلينا، ثم عاد إلى المركبة التي كان فيها رفقة زميلين له يحرصون على تأمين النقاط المحيطة بالنيران المندلعة بقوة في الجهة العليا. وقد امتدت في وجوهنا حرارة لافحة بمجرد اقترابنا من النقطة المشتعلة، حيث استغرق الأمر بضع دقائق لتأخذ في الارتفاع بشكل حلزوني وبدأت تمتد ألسنتها نحو الأشجار، ما دفعنا إلى التراجع إلى الخلف خوفا من اشتعالها في الحشائش التي كنا نقف عليها أو أن تحيط بنا، في حين لمحنا بالقرب منا جذعا متفحما والنيران مشتعلة في جزء منه.
وواصلنا الصعود في المسلك الغابي إلى أن صادفنا شخصا يرتدي بذلة مربي النحل ويقف أمام سيارة متفرجا على خط عريض من النيران المشتعلة في الأحراش على الضفة الأخرى من الطريق، وكانت ترتفع وتتقدم نحو الأشجار القريبة، حيث أخبرنا بأنه لم يتمكن من المرور بالقرب منها خوفا من أن تلقف سيارته لقربها الكبير من الطريق، بينما لاحظنا من خلف الأدخنة الكثيفة التي سببتها ثلاث شاحنات لعناصر محافظة الغابات تظهر وقد قدمت بسرعة من الجهة الأخرى ونزل منها أعوان الغابات مسرعين ليلحق بهم عناصر الدرك الوطني.
واستعمل أعوان الغابات خراطيم المياه الموصلة بصهاريج محملة على المركبات من أجل ضخ المياه نحو النيران، حيث سعى العون الذي تقدم إلى محاصرتها من جهتين لمنعها من الوصول إلى الطريق وكان يصيح ويطلب من رفاقه إرخاء الخرطوم أكثر ليستطيع التقدم، ثم مع تضاؤل المساحة المشتعلة نتيجة المياه، أخذ الأعوان في الانتشار حولها ومحاصرتها من جهات مختلفة، حيث غمر المكان بـ»سحابة» بيضاء من الأدخنة نتيجة استعمال المياه. وقد عمل الأعوان بسرعة من أجل منع النيران من الوصول إلى الأشجار، لكن ذلك لم يُجدِ كثيرا لأن خط النار انقسم وظل الجزء الثاني منه مستعرا في الأحراش يتمدد بسرعة نحو الأشجار نتيجة الرياح.
متطوعون يساهمون في عملية إخماد النيران
وتقدمت من المكان شاحنة صغيرة تحمل برميلين من البنزين من أجل تزويد الشاحنات الأخرى لمحافظة الغابات، بينما تقدمت سيارتان سياحيتان أخريان، حيث قدِمت سيدة؛ أكدت لنا أنها تنوي إنشاء مؤسسة خيرية، ومعها شابان قاما بإحضار العشرات من قارورات المياه المعدنية الباردة للأعوان وعناصر الدرك الوطني والمشاركين في العملية، بينما التقينا بشاب آخر يغطي وجهه تماما لحماية جهازه التنفسي من الأدخنة؛ حيث ذكر لنا أنه ينتمي إلى نادي من هواة المغامرات الجبلية وقد تطوع للمشاركة في عملية إخماد النيران من أجل حماية غابة ذراع الناقة، مبديا بشدة تأسفه لهذه الوضعية.
وذكر نفس المصدر في حديثه إلينا أن وسائل مكافحة النيران قليلة، خصوصا بالنسبة للمتطوعين، حيث ذكر لنا أنه عاد إلى بيته في الثالثة صباحا قبل يومين، ثم لم يجد وسيلة نقل للعودة إلى المكان من أجل المشاركة في إخماد النيران، ما حرمه من المساهمة، مؤكدا وجود متطوعين آخرين في العملية على مستوى النقاط الأخرى التي تعرف اشتعال النيران من نفس الغابة.
و وجه متطوع آخر التقينا به في نفس المكان نداء إلى المواطنين من أجل المساهمة في عملية إخماد النيران ودعم أعوان محافظة الغابات بصهاريج المياه وجميع الوسائل المتاحة، حيث لاحظنا أنه أحضر مياه الشرب ثم حمل مع الأعوان رفشا وساعدهم في إهالة التراب على النقاط التي أخمدت، لكنه اعتبر أن تجند المتطوعين ضعيف.
طيور وجراد مشتعل يتطاير ويوسع رقعة الحرائق

واستغرق تواجدنا في النقطة المستعرة حوالي نصف ساعة، حيث تمكن المتدخلون من إخمادها، كما وصلت شاحنة إطفاء تابعة للحماية المدنية إلى المكان وشاحنة صهريج تحمل تسمية المؤسسة العمومية الولائية لإنجاز وصيانة المساحات الخضراء بقسنطينة، إلا أننا بعد ذلك فوجئنا بصفارة الإنذار تنطلق من شاحنة الحماية المدنية وأخذ جميع الحاضرين يركضون تجاه سياراتهم، كما كان عون الدرك الوطني يطلب من السائقين إبعاد مركباتهم ويطلب منا المغادرة بسرعة، بعد أن تمكنت ألسنة اللهب في الجزء الثاني من النيران التي لم تخمُد من الوصول إلى أغصان الأشجار. وقد ارتفع اللهب في غضون ثوان لعشرات الأمتار على طول الأشجار مصدرا أجيجا قويا ما أدى إلى انبعاث موجة هوائية لافحة، دفعتنا إلى الفرار من المكان.
وقد لاحظنا أن الرياح كانت تدفع النيران لتنتشر في الأشجار بسرعة، بينما تراجعت مركبات التدخل إلى الخلف على الجهة الأخرى، بينما كان التخوف الأكبر من انتقالها إلى الضفة الثانية، خصوصا وأن الأعشاب كانت يابسة وملائمة للاشتعال. وتحولت الغابة التي كنا ننظر إليها قبل دقائق إلى «محرقة» مفتوحة تنبعث منها أدخنة سوداء تحمل معها شظايا من الحشائش المتفحمة، بينما لاحظنا أن الجراد كان يقذف بنفسه هربا من النيران، لكن بعضا منها كانت مشتعلة وتتسبب في توسع النار إلى الرقعة الأخرى
وذكر لنا فلاح منعته النيران من الوصول إلى نحله، أن بعض الطيور تقع مشتعلة أيضا بسبب النيران وتؤدي إلى انتشار الحريق في المنطقة، مثلما لاحظه قريبه في المنطقة أول أمس، عندما وقع طائر ملتهب من السماء وتسبب في اندلاع حريق، بينما لاحظنا أسرابا من الطيور وهي تحاول النجاة بنفسها من ألسنة اللهب العالية، دون أن نلاحظ حيوانات أخرى. أما من الجهة الأخرى، فقد كانت سحابة سوداء ضخمة تبرز من خلف الغابة، حيث أوضح لنا عون لمحافظة الغابات أن النيران قد اندلعت في المنطقة المسماة «المطلق»، التي تفضي إلى منطقة الهرية، مشيرا إلى أن الغابة فيها كثيفة وسيكون إخمادها صعبا في حال انتشارها بقوة.
أغلب الأشجار المحترقة من الصنوبر والكاليتوس
من جهته، أكد المكلف بالإعلام على مستوى محافظة الغابات لولاية قسنطينة، علي زغرور، في تصريح للنصر، أن أول حريق اندلع يوم 27 جويلية، حيث تم إخماده في الفترة الليلية من نفس اليوم وتسبب في تضرر 7 هكتارات من الغابة و71 هكتارا من الأحراش المتنوعة، ليندلع حريق ثانٍ على بعد حوالي 3 كيلومترات من الأول في اليوم الموالي، ثم ثالث يوم التاسع والعشرين من نفس الشهر.
وأضاف نفس المصدر أن المساحة الإجمالية المحترقة إلى الوقت الحالي في غابة ذراع الناقة تقدر بمئة وأربعين هكتارا، من بينها 90 هكتارا من الأحراش و5 هكتارات من المساحات المُشجّرة حديثا و45 هكتارا من الغابة، فيما أشار إلى أن الحريق عاد إلى الاشتعال أول أمس الجمعة حوالي الواحدة إلا الربع بعد إخماده وما يزال مستمرا.
وأضاف نفس المصدر أن أغلب الأشجار المحترقة من الصنوبر والكاليتوس، حيث أشار إلى أنه من الصعب استعادة هذه الثروة الغابية، بينما أوضح أن حصيلة الأضرار الناجمة عن النيران التي ما زالت مشتعلة لم تُعرف بعد.
وأورد بيان لولاية قسنطينة أن الوالي تنقل ليلة الجمعة وصبيحة أمس، إلى موقع الحريق الذي مس «غابتي المريج وذراع الناقة» من أجل معاينة الوضع ميدانيا والوقوف على ما تم تسخيره لإخماد الحريق المشتعل عبر ستة مواقد، حيث تم تجنيد الرتل المتنقل لولاية قسنطينة مع وصول دعم الأرتال المتنقلة لولايات سطيف وأم البواقي وميلة، فضلا عن الوسائل التابعة لمحافظة الغابات وبعض المؤسسات العمومية، فيما أكد البيان وجود ستين شاحنة إطفاء من أجل التحكم في الحريق.           روبورتاج: سامي حباطي

الرجوع إلى الأعلى