استطاعت مستثمرة لربس عباس بمدينة قصر الصبيحي بأم البواقي، اقتحام الأسواق العالمية، بعد نجاحها في تصدير كميات معتبرة من نوى المشمش و كذا زيتها، ضمن مشروع طموح صديق للبيئة، أين تحدى صاحبه جميع الصعاب في سبيل تطوير المستثمرة و توسعة نشاطها، وبات في مواجهة مع السماسرة والمضاربين الذين رفعوا سعر نوى المشمش في السوق السوداء أضعاف ما كانت عليه في السنوات الماضية.

*  روبورتاج: أحمد ذيب  

تنقلنا إلى المستثمرة التي يوجد مقرها على مستوى حي 20 أوت 1955 بقصر الصبيحي، أين التقينا بمسؤول المعصرة موجب عمار الذي رافقنا طيلة الروبورتاج، وقدم لنا التوضيحات الكافية عن مراحل إعداد زيت نوى المشمش بالمستثمرة التي أنشئت شهر جويلية من سنة 1999، وكانت تضم ورشة واحدة مختصة في تنقية النوى لتصدر إلى الخارج.
 وأنشئ المشروع بحسب محدثنا من أموال صاحبه الخاصة، واقتصر الأمر في البداية على اليد العاملة التي تقوم بمختلف الأشغال، قبل أن يتم التوجه للمكننة، وشغّلت المستثمرة مع بداية إنشائها أزيد من 20 عاملا، مهمتهم الوحيدة هي تنقية النواة وتنظيفها من الشوائب لتحضر للتصدير.
ويشير المتحدث الذي رافق المشروع منذ كان في مرحلة الإجراءات الإدارية، إلى أن صعوبات كبيرة واجهت المستثمرة، على غرار غياب الآلات وعدم توفرها والمساحة الصغيرة للورشة وكذا مشكل العقار الذي حرم صاحب المستثمرة من تجسيد مشروعه على مساحة تكفي لكل الحاجيات، كما أن أول آلة وصلت بحسب المتحدث تم اقتناؤها من تونس بعد سنوات من المعاناة، واستقدمت خصيصا لكونها تعمل على تكسير نوى المشمش، ليتم بعدها بناء مجففات للنوى واقتناء آلات خاصة بعملية التجفيف.
 ويتم اقتناء النوى من عدة شركات مختصة في إنتاج مربى المشمش بباتنة وبوسعادة والجزائر العاصمة، أين يتم جلب المادة الأولية تزامنا ونضج محصول المشمش في فصل الصيف، بوزن يقارب 6400 قنطار سنويا، ويرتفع هذا الرقم خاصة في المواسم التي تتميز بوفرة المحصول، وتجلب هذه الكمية بعد تأجير 4 شاحنات من الحجم الكبير في كل مرة.
هذه مراحل تحضير النوى وزيتها لعملية التصدير
وانتقلنا بعد ذلك لوحدة الإنتاج بحي شرفي محمد الخضير غير بعيد عن المقر الاجتماعي للمستثمرة الذي تتم بداخله عملية عصر الزيت، والتقينا بمسؤول ورشة تصفية نوى المشمش نوري وليد، أين تطرق لمراحل تحضيرها تحسبا لتصديرها، انطلاقا من عملية جلب النوى من المصانع، وتحويلها لتجفف في عملية تدوم حتى 60 يوما، ويتم ذلك على مستوى المجففات التي تم تشييدها لهذا الغرض والتي تتسع قدرتها لأزيد من 180 قنطارا.
 وبعد عملية التجفيف يتم تصنيف النوى بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة بواسطة آلة يعمل عليها 3 عمال، وتتم هنا إزالة ما نسبته 95 بالمائة من القشور وجمع ما تم تصنيفه على الآلتين ليوجه للعائلات التي تم انتقاؤها لإتمام عملية التصنيف، حيث تتوزع على بلديات عين الزيتون وقصر الصبيحي والضلعة والمدفون بأم البواقي، بما مجموعه 30 عائلة.
وتقوم هذه الأسر بتصفية ما معدله 8 إلى 10 أكياس في الأسبوع، مقابل مبلغ مالي يتجاوز في بعض الأحيان 3 ملايين سنتيم شهريا للعائلة الواحدة، لتتم إعادة الأكياس لمراقبتها مجددا بواسطة الآلة التي تم اقتناؤها قبل سنة، وبعدها توضيب نوى المشمش في أكياس وتحضيرها لتصدر لدول أوروبية مختلفة، في الوقت الذي تحول فيه شحنات أخرى للمعصرة، أين تتم عملية العصر.
المستثمرة المختصة في صناعة الزيوت الخالصة للعطارة ومستحضرات التجميل وتحميص الفواكه الجافة وتجفيف البقول، شرعت منذ إنشائها في تصدير نوى المشمش، غير أنها وبحسب مسؤول المعصرة بدأت مطلع سنة 2014 في عملية عصر الزيت وتصديرها وكذا تسويقها وطنيا.
وبعد جلب كميات من النوى المصفاة بالورشة، تحول لآلة العصر ثم يُصفى الزيت وبعدها تتم التعبئة وغلق القارورات و وضع ملصقة المستثمرة بالنسبة للزيوت المسوق وطنيا من خلال منتوج يحمل علامة «أصالة»، وذكر المتحدث بأن المعصرة تقوم بعصر ما معدله 200 لتر في اليوم أين تصل كمية الزيوت لـ 6 آلاف لتر شهريا.
وتُباع الزيوت الموضبة بالجملة للتجار بأسواق ومحلات العلمة وعين ولمان وسطيف والعاصمة وباتنة وسوق أهراس وأم البواقي وقسنطينة وبسكرة، وحدد سعر العبوة الواحدة بمبلغ 1250 دينارا، حيث يعرف المنتج إقبالا من طرف المواطنين خاصة الذين قاموا بتجريبه مثلما يؤكده المتحدث، على عكس الولايات التي لم يسجل فيها بعد إقبالا عليه.


أزيد من 20 سنة في مستودع مؤجر
يشير صاحب المستثمرة لربس عباس في حديثه للنصر، إلى أن من أبرز الصعوبات التي واجهته ولا تزال تواجه مشروعه، غياب مقر ثابت لعدم وجود منطقة للنشاطات الصناعية بمدينة قصر الصبيحي، أين يستغل طيلة أزيد من 20 سنة مستودعين استأجرهما من البلدية، ويقوم بتجديد ملف استغلالهما كل سنة إلى 3 سنوات، حيث تتم الموافقة على تجديد فترة التأجير بعد الإعلان عن مزايدة للكراء تعرف في كل مرة مشاركة مزايدين آخرين فيها، ما يجعله مهددا بالطرد في أي لحظة.
ويضيف المستثمر بأنه تقدم في نهاية سنة 2016، بملف لطلب رخصة بناء خاصة بمشروعه، و لم يتم قبوله إلا بعد سنوات من الانتظار، كما تم إلزامة بدراسة تقنية لمصالح المخبر الوطني للبناء، على الرغم، حسبه، من أن القانون ينص على منح الموافقة لرخص البناء بعد 3 أشهر فقط.
سماسرة يتحكمون في سعر النوى بالسوق السوداء
يقول المستثمر عباس لربس، بأنه في تحدّ مستمر لتلبية احتياجات الشركات الأوروبية التي تعاقد معها، فمشروعه صديق للبيئة، ويعمل على رفع مخلفات شركات تحويل المشمش من النوى، التي كانت متوفرة بالكمية الكافية وبسعر منخفض محدد بين 8 إلى 10 دنانير للكيلوغرام، وكان اقتناؤها من المصنع مباشرة، لكن سماسرة دخلوا، حسبه، على الخط وقاموا بمضاعفة السعر إلى 35 دينارا هذا العام و 18 دينارا خلال العام الماضي.
وذكر المتحدث أن هذا الوضع صعب من مهمة توفير الكميات الكافية المطلوبة ضمن العقد الذي يربط المستثمرة والشركات الأوروبية، فالاتفاق بين الطرفين يستوجب توفير ما يقل عن 4 حاويات مملوءة على الأقل، وأضاف المستثمر بأن رفع سعر نوى المشمش في السوق السوداء يؤدي إلى ارتفاع أسعار مربى المشمش، ويبقى المتضرر من هذه المعادلة هو الفلاح الذي يطرح هذه الفاكهة للبيع بسعر زهيد، والمستهلك الذي يقتني المربى بأسعار مضاعفة. وتساءل المتحدث عن سبب توجه عدد من المصانع للسماسرة ومنحهم الفرصة للتحكم في سعر نوى المشمش بدل بيعه مباشرة للمحولين أو المصدرين.
مقترحات لإنجاز 3 مشاريع صديقة للبيئة
يشير صاحب المشروع إلى أن إنشاء مستثمرته تم بأمواله الخاصة، أين يقوم في كل مرة باقتناء تجهيزات وآليات لتسهيل مهام عمال الورشات ولكسب الوقت لتوفير أكبر الكميات الموجهة للتصدير، إيفاء بالالتزامات أمام الشركات المتعاقد معها، أين تم العام المنقضي اقتناء آلة بمبلغ 350 مليون سنتيم تساعد على تنقية نواة المشمش بعد تكسيرها بتقنية الليزر.
 وتم قبل ذلك اقتناء آلتين للتصفية بمبلغ 70 مليون سنتيم للآلة الواحدة، ناهيك عن تشييد 3 مجففات كبيرة الحجم، على أمل إنجاز مجفف رابع في قادم الأيام، على الرغم من أن عملية التجفيف تشترط وجود مساحة في الهواء الطلق وهو أمر غير متوفر على مستوى المستثمرة. ويوظف المشروع حاليا، 12 عاملا دائما بينهم حراس، إلى جانب 20 عاملا موسميا وأزيد من 30 عائلة توجه لها أكياس نوى المشمش لتنقيتها من الشوائب.
 ويكشف المستثمر لربس بأنه بصدد تجسيد 3 مشاريع على صلة متقاربة مع مشروع زيت نواة المشمش، وهي كلها استثمارية واعدة وصديقة للبيئة كما قال، ويتعلق الأمر بتحويل عجينة زيت نوى المشمش إلى أعلاف للدواجن والأبقار، لتخفيف فاتورة استيراد مادتي الذرة والصوجا، واعتماد أعلاف ذات نجاعة ومنخفضة التكاليف، وينعكس ذلك بحسب المستثمر، حتى على أسعار اللحوم، مضيفا بأنه وفي حال مُنح عقارا لتوسعة مشروعه سينجز وحدة أخرى مختصة في إنجاز الصفائح الخشبية المقاومة للنيران والمستعملة في صناعة الأثاث وغير ذلك، كما أن مشروعه الثالث الذي يفكر في تجسيده وهو الأهم ويتعلق بوحدة لإنتاج المضادات الطبية تستعمل فيها نوى المشمش.
اقتحام للسوق الوطنية والعالمية
وبيّن المستثمر بأنه يتعامل مع أصحاب المصانع المختصة في إنتاج مواد التجميل، أين يسوق لهم زيتا خاما بعد عصره لإدراجه ضمن منتجاتهم، وذلك لمصانع متواجدة بالجزائر العاصمة وزرالدة وبرج بوعريريج وسطيف و وادي سوف، ويتم ذلك على فترات تفاوتت بين شهرين إلى ثلاثة.
وقد اقترحت المستثمرة على أصحاب هؤلاء المصانع، الزيت الخام بسعر منخفض كتجربة أولى لهم لإدراج مادة طبيعية خالية من أية مضافات كيميائية ضمن منتجاتهم، سعيا لإقناعهم بأهميتها، في الوقت الذي يتم فيه تسويق علب الزيت حسب الطلب نحو السوق الوطنية باتجاه ولايات مختلفة.
ويتابع المستثمر بأنه استطاع اقتحام السوق الأوروبية حيث يتم تسويق نوى المشمش لدولة إيطاليا، كما توسعت عملية التصدير نحو سويسرا وفرنسا ويتم التعامل مع شركة فرنكو أمريكية وهي شركة عالمية فتحت 13 موقعا عبر دول مختلفة، من بينها المغرب.
ويضيف المتحدث بأن شركته تساهم في ضخ ما بين 300 إلى 400 ألف أورو سنويا في الخزينة العمومية، وخلال هذه السنة تم تصدير ما قيمته 90 ألف أورو، في انتظار إتمام شحنة أخرى تضم 4 حاويات قبل نهاية شهر ديسمبر القادم بما قيمته 115 ألف أورو، مؤكدا بأن عملية التصدير تشمل 80 بالمائة منها نوى المشمش، وتمس نسبة 20 بالمائة المتبقية تصدير الزيت.
وتنتظر المستثمرة حصولها على علامة "Bio" التي تؤشر لها بالتصدير نحو أسواق عالمية جديدة، من بينها كندا، أين تم الشروع في إعداد دراسة تقنية بهذا الخصوص، وأضاف المتحدث بأن الأمر تأخر بسبب تأثيرات انتشار فيروس كورونا.
أ.ذ

الرجوع إلى الأعلى