تحول جامع الجزائر الأعظم، المتواجد ببلدية المحمدية بالجزائر العاصمة، إلى قطب سياحي يقصده الجزائريون من مختلف أنحاء الوطن، وذلك منذ افتتاحه أواخر شهر أكتوبر الماضي  وأداء أول صلاة جمعة فيه،  في الـسادس من شهر نوفمبر 2020، بمناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، حيث يعول عليه  كثيرا في تلميع صورة الجزائر و جذب السياح من مختلف أنحاء العالم في إطار السياحة الدينية والحضارية.

روبورتاج: عبد الحكيم أسابع

و على الرغم  من تأجيل افتتاح باقي مرافق الجامع الأخرى، إلى غاية انتهاء جائحة كورونا وعدم تفعيل مخطط النقل الخاص به، واستمرار غلق حظيرة السيارات الواقعة أسفله،
إلا أن ذلك لم يمنع الجزائريين من مختلف أنحاء الوطن وحتى الأجانب المتواجدين في بلادنا من زيارة هذا المعلم على مدار الأشهر الماضية، حيث تجذبهم هندسته المتفردة خصوصا
القاعة الرئيسية المفتوحة لأداء الصلوات خارج أوقات الحجر، إضافة إلى باحته و حديقته الواقعة المحاذية لقاعة الصلاة، وهي الفضاءات المفتوحة إلى غاية الآن أمام الزوار ، فيما لا تزال المرافق الأخرى مغلقة، وفي وقت يستمتع البعض بالتقاط صور هذه الهياكل يكتفي زوار بالتمتع بجمالية بناء البناية الضخمة و خصوصية مئذنتها التي تتوسط جسرين مجاورين للواجهة البحرية أين تجري أشغال ربط المسجد بالممرات المؤدية نحوها.
لا تنقطع أيضا زيارات الوفود الرسمية، خصوصا ما تلعق بالخرجات المنظمة لأفواج الكشافة الإسلامية الجزائرية القادمة من مختلف أنحاء الوطن ، وذلك بحسب ما أكده أحد أئمة الجامع سعيد بوجنان.
ومن شأن هذا الصرح الديني أن يتحول مع مرور الوقت سيما عند افتتاح كل مرافقه، إلى قبلة سياحية و دينية للمواطنين المقيمين و كذلك الأجانب الوافدين إلى الجزائر، كما سيكون له دور اقتصادي و اجتماعي مهم، نظرا لموقعه الاستراتيجي المميز وإطلالته على البحر.
هندسة إسلامية بخصوصية جزائرية
يلاحظ أي زائر للمكان، جمال زخرفة هذا المعلم البهي الصارخ بجماله التقليدي المعاصر، والتي يعود الفضل فيها لمهندسين جزائريين مختصين في التزيين، وخطّاطين أبدعوا في انجاز التصاميم الداخلية والخارجية على طول ستة كيلومترات من لوحات الخط العربي المنجزة على الرخام والمرمر والخشب، وهي أشغال أسندت لأربعة خطاطين من ولاية المدية، كما منحت الفرصة لخطاطين من شرق وغرب الوطن لوضع لمساتهم الخاصة أيضا، وهو ما أضفى على هذه التحفة المعمارية، جمالا فريدا من نوعه، لا سيما وأنها تعكس تزاوجا مثاليا بين الخط الكوفي وخط الثلث والزخرفة الإسلامية.
ويتجلى هذا العمل في أشرطة مكتوبة بالخط الكوفي خارج المسجد وأشرطة ببهوه و أخرى في قاعة الصلاة إلى جانب لوحات  خارجية كبيرة منحوتة تارة على الحجر الكلسي بالخارج وتارة على الرخام بداخله إلى جانب أخرى منقوشة على كل من الجبس والخشب.
 وتمثل هذا العمل في إنجاز تصاميم كتبت باليد وتمت رقمنتها ونقشها في الأخير على الآلة ونقشت الكتابات على الرخام في الصين وكتابات الحجر الكلسي في ايطاليا.
وتختلف هذه الكتابات بين أحاديث وأشعار وحكم، إلا أن الآيات القرآنية تطغى على معظمها، إذ تم تحديد مكانها بعناية خاصة وفق توصيات لجنة خاصة تابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، كما أخذ الخط الكوفي الذي استعمل خارج المسجد، حصة الأسد من هذا الإنجاز على اعتبار أن المكان الذي كتب فيه كبير وواسع و قد استعمل إلى جانبه كذلك خط الثلث الموجود في قاعات الصلاة ومحيط المسجد.


 أما السجاد في قاعة الصلاة فيميزه بالعموم اللون الأزرق الفيروزي مع رسوم زهرية، وفق طابع تقليدي جزائري، ويرمز هذا السجاد المتميز، إلى وحدة الجزائر، حيث يتكون من 29 زربية تمثل 23 ولاية.
أما المنبر، فقد أنجز بخشب البلوط والصدف الطبيعي، و استوحي منبر الجامع من منبر الجامع الكبير بالجزائر العاصمة، بطول 7 أمتار حيث يشكّل قطعة فريدة من نوعها، وصممت الأبواب على الطريقة الجزائرية، بحيث حمل الباب الرئيسي للمسجد اسم سيدي بومدين، تبركا بهذا الولي الصالح الذي عاش بالأندلس، فيما حملت الأبواب الفرعية الأربعة تسميات»  باب النصر شمالا و باب المحمدية جنوبا»، علما أن الدخول إلى قاعة الصلاة يتم من خلالها فقط، حتى وإن كان المسجد يتوفر على بابين آخرين هما « باب الفتح و باب المصالحة».
كما صمم المحراب بـ 5 أنواع من الرخام و زخرف بأسماء الله الحسنى و بخط مغاربي أندلسي، وتمّ الاعتماد على أنواع من الرخام في المحراب كالمرمر الجزائري الشفاف، وأنواع الخشب المحلي الذي زاد من رونق الزخارف المستلهمة من التراث المعماري الجزائري، منها ما هو متمثل في زخارف نباتية ومنها ما هو موجود كزخارف خطية آية في الجمال، كما أبدع المهندسون والتقنيون الجزائريون في تصميم ثريا عملاقة وكأنها كوكب دري يضيء ما حوله، وهي قطعة فريدة  تتوسّط  قاعة الصلاة، يبلغ وزنها 9 أطنان ونصف ويبلغ قطرها 13.5 مترا، وتتشكّل  حسب ما علمنا، من ثلاثمائة وستين ألف بلورة معدنها مطلي بالذهب الخالص بعيار  24 قيراطا.
تصميم معماري فخم وأنيق
يمتد جامع الجزائر الذي انطلقت أشغال بنائه عام 2012، على مساحة 27,75 هكتارا، ما جعله، أكبر مسجد في الجزائر وإفريقيا والثالث في العالم بعد المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، أما مئذنته التي يمكن رؤيتها من كل أنحاء العاصمة، فهي الأعلى في العالم، إذ يبلغ ارتفاعها 267 مترا، بمجموع 43 طابقا، ويمكن الوصول إليها بمصاعد توفر مشاهد بانورامية لمدينة الجزائر العاصمة.
تتوفر قمة المئذنة على منظار   ليتمكن زوار الموقع من الاستمتاع بجمال خليج العاصمة و تتوسط بناية الجامع، قبة ضخمة بهية من الداخل بقطر 50 متراً، أما من الخارج فتميزها هندسة المشربيات المزخرفة بالأحجار والرخام الطبيعي، والتي تتخللها فتحات تسمح لدخول الإضاءة الطبيعية إلى  قاعة الصلاة.
 تتسع هذه القاعة بدورها، لـ 120 ألف مصلّ، ويشرف على أداء الصلوات، خمسة أئمة وخمسة مؤذنين، و يضم الجامع أيضا، مكتبة فيها أكثر من ألفي مقعد ومساحتها 21 ألف و800 متر مربع، كما يحتوي على قاعتين للمحاضرات مساحتهما 16 ألف و100 متر مربع، واحدة تضم 1500 مقعد، والثانية 300 مقعد، كما يضم مكتبة قدرة استيعابها 2000 مقعد وتحتوي على حوالي مليون كتاب، وقاعة محاضرات ومتحف للفن والتاريخ الإسلامي ومركزا للبحث في تاريخ الجزائر.


ويضم هذا المعلم ذو الطابع المعماري الإسلامي جزائري الخصوصية، بالإضافة إلى المسجد وساحته الخارجية، فضاء استقبال و دارا للقرآن بقدرة استيعاب تقدر بـ 300 مقعد بيداغوجي لما بعد التدرج و مركزا ثقافيا إسلاميا.
كما يضم قاعات تتوفر على وسائل متعددة الوسائط و مقرات إدارية و حظيرة سيارات بطاقة استيعاب تصل إلى 6000 سيارة تقع على مستويين تحت الأرض، و مساحات خضراء ومحلات تجارية.
ويحوي كذلك 12 بناية مستقلة، تتربع على مساحة تقدر بحوالي 1 هكتار مع مساحة خام تبلغ 400 ألف متر مربع، وتوجد فيه حدائق بها مختلف الأشجار المثمرة وغير المثمرة، وحسب مصدر من داخل الجامع، فإن الحديقة المحاذية للباب الرئيسي الجنوبي لقاعة الصلاة تتوفر على كل الأشجار المذكورة في القرآن الكريم.
وجبت الإشارة أيضا،  إلى أنه و إلى جانب التصميم المعماري الفخم والأنيق، يقع المسجد في قلب الجزائر العاصمة، وعلى بعد 10 كيلومترات من وسط المدينة القديمة، و11 كيلومتراً من مطار هواري بومدين ، وهو يطل بكل بهاء على البحر الأبيض المتوسط.
رمزية تاريخية خاصة للمكان
ولموقع إقامة جامع الجزائر في حي المحمدية، الواقع بإقليم المقاطعة الإدارية للحراش، رمزية خاصة، فقد كان المكان خلال الحقبة الاستعمارية يحمل اسم الكاردينال الفرنسي "شارل لافيجري"، وهي المنطقة التي كانت تضم مقر جمعية التنصير والتبشير المسيحي عام 1868، والتي عرفت باسم «الآباء البيض» وهو تنظيم  ركز نشاطاته ورمى بكل ثقله  لتنصير الجزائريين، أما بعد الاستقلال فأطلق اسم المحمدية، على المنطقة نسبة إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام».
ولم يكن مسجد الجزائر، فكرة وليدة اليوم، بل يرجع المشروع إلى فجر الاستقلال، حيث أنجز ليكون معلما إسلاميا وحضاريا وتاريخيا ومحطة هامة لاستقطاب الزوار والمشايخ والعلماء وطلبة العلم من أجل الرقي بالدين والأمة .
منارة إسلامية لمحاربة التطرف ولعب دور الدبلوماسية الروحية
يذكر أيضا، أنه خلال زيارته الأخيرة للجامع، طلب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من وزير الشؤون الدينية تشكيل «هيئة علمية رفيعة المستوى» للإشراف على هذا الصرح الديني، و يُنتظر أن توكل مهمة «تنظيم وتنسيق الفتاوى مع الواقع الجزائري المعاش»، لمؤسسة جامع الجزائر.
وحسب تصريحات سابقة للمسؤولين الرسميين وعلماء الجزائر، فسيتم الحرص على أن يكون جامع الجزائر منارة وصرحا حضاريا لنشر قيم التسامح والمحبة ومحاربة كل أشكال التطرف، وخلق نوع من الأمن الديني وتوحيد الفتوى، كما ينتظر أن يلعب دور الدبلوماسية الروحية التي ترافق عمل وزارة الخارجية وتقود البلاد نحو المشاركة بثقل في حل القضايا الخارجية ذات البعد الديني والتنوع العرقي.
و بإمكان الجامع أن يعيد للجزائر مكانتها في القارة السمراء، حيث تسعى بلادنا اليوم لتحويله إلى محطة تكوين نخب دينية إفريقية، إلى جانب تكوين جيل فعال وإيجابي قادر على تصحيح الصور المغلوطة والنمطية التي يحاول الغرب سيما اليمين المتطرف الترويج لها حول الإسلام.
نظام ذكي لضمان تموين الجامع بالطاقة
للإشارة، فقد تم خلال شهر جوان الماضي إطلاق التجارب التقنية بالبناية الذكية المسؤولة عن تموين جامع الجزائر بالطاقة، وهي بمثابة  القلب النابض لهذا الصرح الديني، باعتبارها المسؤولة عن الإنتاج الذاتي لموارد الطاقة التي تمون المسجد.
و تمكن هذه البناية الذكية من تشغيل ومراقبة كل ما يتعلق بالمعدات التي تستعمل لتموين الجامع وكل المرافق الملحقة به من كهرباء ومياه، دون الحاجة لمصادر تموين من خارجه. كما تم تزويد جامع الجزائر بنظام مضاد للزلازل يتمتع بفعالية كبيرة قادر على امتصاص أكثر من 70 بالمائة من قوة الهزة الأرضية.

الرجوع إلى الأعلى