يرسم سنويا، شباب ومراهقون يشتغلون في جمع محصول العنب بحقول بومرداس، مشهدا إيجابيا لعمالة لا تزال علاقتها بالأرض قوية و متجددة، حيث يعود هؤلاء إلى مزارع « مدينة العنب» مع انطلاق كل موسم جني جديد، ليدقوا أبواب الرزق و الادخار طلبا لمستقبل أفضل، متسلحين بالإرادة لتحدي حرارة الشمس و العطش و ثقل الصناديق المحمولة على الرؤوس و الأكتاف.

ينتقل كثيرون بين حقول العنب الكثيرة بالولاية يوميا، حاملين على أكتافهم صناديق البلاستيك لملئها بأجود أنواع هذه الفاكهة الموسمية، و رغم ضعف بنية بعضهم و قصر قامة آخرين خصوصا المراهقين و الأطفال، إلا أن عمالة المزارع في بومرداس لا تهدأ، خصوصا وأن بينهم البطالون و تلاميذ المتوسطات و الثانويات  الذين يجدون في فترة الجني فرصة لتوفير مصاريف التمدرس، حالهم حال بعض الشباب الجامعيين.
الانطلاق فجرا و الفائدة لمن يجمع أكثر
يشكل جني العنب مهنة موسمية للكثيرين، خلال الفترة الممتدة بين شهري أوت و أكتوبر، و تتكون عمالة الجني عموما من  المراهقين و الجامعيين و  شباب آخرين أكثرهم بطالون،  يقصدون بومرداس سنويا قادمين من مختلف البلديات والمدن القريبة، للاستفادة من موسم الخير، خصوصا وأن المدينة تعد الأولى وطنيا من حيث حجم إنتاج هذه الفاكهة وذلك لسيطرتها على ما يعادل 45 بالمائة من المحصول وطنيا، حيث يمثل نوع «الصابال» 44 بالمائة من إجمالي الإنتاج المزوع على مساحة تفوق 7 آلاف هكتار، يليه نوع «الكاردينال» المغروس على مساحة 2700 هكتار، ثم نوعا «الراد غلوب» و «الداتيي» بـ10 بالمائة و 7 بالمائة، ويأتي نوعا «الموسكا» و «الفكتوريا» في الترتيب الأخير، وحسب علال الشريف خير الدين، صاحب مزرعة للعنب بسيدي داود، فإن عمالة العنب هي نفسها سنويا، و تتمثل في  فئة معينة من الشباب الجامعيين الأوفياء لموسم الجني، من جانبهما أوضح مستثمران بمزارع منطقتي  بلقاطة و بغلية، بأن هناك من الشباب من يعودون في كل سنة و يحضرون معهم أصدقاء لهم جلهم طلبة في الجامعات و إداريون و حتى أساتذة يستثمرون عطلهم في توفير دخل إضافي.
النصر، تجولت بين بعض الحقول وقابلت عمالها، و بينهم الشاب فاصولي محمد، الذي أخبرنا، بأنه يشتغل سنويا في جمع محصول العنب، وهو نشاط متعب لكنه مفيد أيضا، حيث يبدأ العمل كما قال، مع فجر كل يوم جديد، و ينتهي في حدود التاسعة إلى العاشرة صباحا على أقصى تقدير، وذلك تفاديا لضربات الشمس أما المراهق مخلوف، فقال، بأن ساعات العمل  تتحدد بحسب احتياجات صاحب الحقل و الكمية التي يطلبها يوميا و التي تصل في بعض الأحيان إلى ثلاث أو أربع شاحنات، يجب ملؤها بصناديق العنب قصد إخراجها للسوق صباحا، وهو تحديدا ما يجعل هذا العمل مضنيا كما قال، كريم عبد المالك، لأنه حسب تعبيره يحتاج لمجهود كبير و يتطلب الوقوف لوقت طويل تحت أشعة الشمس مباشرة، ما يخلف عادة آلاما قوية على مستوى الظهر والعمود الفقري كل ذلك في غياب تأمين اجتماعي أو صحي يذكر.
20 مليون حصيلة الموسم والنشاط يستقطب المهاجرين
خلال استطلاعنا، لاحظنا بأن آلية صرف أجرة عمال الحقول تختلف من شخص إلى آخر، فهناك فئة من ملاك الكروم يعتمدون على نظام «الميسية» و يتعلق الأمر بعدد الصناديق التي يتم ملؤها خلال اليوم علما أن أجرة ملئ كل صندوق هي 50 دينارا، بالمقابل يحدد مستثمرون آخرون مبلغا معينا يتراوح بين 1500 دينار إلى 2000 دينار، كأجرة يوم عمل كامل، بما يسمح لبعض العمال أن يوفروا دخلا موسميا يناهز أحيانا 20 مليون سنتيم، خصوصا وأن من يعملون بالميسية، قد يحققون دخلا يوميا يعادل 2000 دينار إلى 6000 دينار، حسب عدد الصناديق التي يتم جمعها.
أخبرنا فلاحون و جناة عنب قابلناهم، بأن هذا النشاط يجذب إليه الكثير من الشباب سنويا، علما أن غالبية العاملين في الكروم من أبناء بومرداس و ضواحيها، إضافة إلى بعض الوافدين الجدد الذين يسجلون سنويا، وهم في العموم أقارب لهم يقيمون في ولايات أخرى، ولعل السبب وراء سيطرة البومرداسيين على حقول العنب رائج بالأساس إلى أن العمل في جني المحاصيل يوجب التواجد باكرا ويوميا في الحقول، الأمر التي يتطلب توفير الأمن و المأكل و المبيت لأي عامل من خارج الولاية وهي تكاليف إضافية يتجنبها ملاك البساتين، مع ذلك فإن كروم بومرداس أصبحت قاطبة أيضا للعمالة الإفريقية، إذ أن هناك توجها إلى الاستعانة بالمهاجرين القادمين من دول الساحل في جمع المحصول.
و تحدث بعض الناقلين عن معاناتهم في تصريف المنتوج، يقول السيد نورين عبد القادر عن معاناتهم بسبب بعد أسواق الجملة، حيث ينتقلون إلى ولاية ميلة نحو سوق شلغوم العيد، و يعانون من أجل دخول السوق و تعريض المنتوج للتلف في ظل السعة الصغيرة للسوق التي لا تتعدى 34 شاحنة، داخل سوق لا يتوفر حتى على أدنى الشروط، مما يعرض المنتوج للتلف.


جنان يحدها التسويق و غياب الصناعة التحويلية
من جهة ثانية، توقع عدد من منتجي العنب على مستوى ولاية بومرداس، أن يبلغ إنتاج العنب هذا الموسم عتبة 6 ملايين قنطار هي كمية تقل عن محصول العام الماضي، والسبب حسبهم راجع إلى الكثير من العراقيل التي تواجه هذه الشعبة، بداية بمشاكل السقي و شح المياه، فضلا عن بعض الأمراض الطفيلية التي تضر بالمنتوج، وصولا إلى مشكل التسويق الذي يشكل اليوم أحد أكبر العراقيل التي تواجه الفلاح.
و أوضح علال الشريف خير الدين، صاحب مستثمرة فلاحية، بأن الفلاحين يجدون صعوبة كبيرة في تسويق منتوجاتهم، و يضطرون للخروج بها نحو أسواق الشرق الجزائري في ظل تشبع سوقي الوسط و الغرب، وهو ما يفرض أعباء مالية إضافية و كبيرة كبيرة، كما يضاعف مشكل عدم وفرة  شاحنات النقل التي أصبحت عملة نادرة جدا منذ تراجع أسواق السيارات و فرض القيود الصيحة التي تحد التنقلات والتعاملات بفعل استمرار انتشار الفيروس.
من جانب آخر، كشف رئيس الغرفة الفلاحية لولاية بومرداس، علي مرابط، في تصريح خاص للنصر، بأنه في الوقت الذي تتوقع فيه الولاية إنتاجا وفيرا يصل إلى 6 ملايين قنطار، فإن مشاكل التسويق يؤثر سلبا على المنتوج، و ما يضطر الفلاحين إلى تحديد سعر الجملة بـ 80 دينارا لبيع الكيلوغرام الواحد، فيما يضاعف المضاربون السعر في الأسواق ويقدمون المنتج للزبائن مقابل 170 دينار للكيلوغرام، ليتعدى بذلك هامش ربح المضارب هامش ربح المنتج نفسه.و دعا رئيس الغرفة إلى أهمية منح رخص استثنائية للشباب قصد بيع المنتوج مباشرة للمستهلك، تفاديا لرفع الأسعار و للحد من ممارسات المضاربين، ملفتا إلى مشكل تلف كميات كبيرة من المنتوج و رميها في المزابل، في ظل غياب الصناعة التحويلية بالجزائر و ضعف المصانع القليلة الناشطة في المجال، حيث أكد على ضرورة التفات الدولة إلى هذه الشعبة التحويلية للاستثمار في خيرات الأراضي الفلاحية بما يعم بالفائدة على الجميع بداية بالمنتج ووصولا إلى المستهلك، علما أنه مطلب يرفع كل سنة للسلطات المعنية خصوصا خلال تظاهرة عيد العنب، لكن الملف لا يزال حبيس الأدراج.                      إيمان زياري

الرجوع إلى الأعلى